فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قوله: {فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا: هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم} [الأحقاف: 24]

( قَولُهُ بَابُ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ الْآيَةَ)
سَاقَهَا غَيْرُ أَبِي ذَرٍّ .

     قَوْلُهُ  قَالَ بن عَبَّاس عَارض السَّحَاب وَصله بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْهُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ الرِّيحُ إِذَا أَثَارَتْ سَحَابًا قَالُوا هَذَا عَارِضٌ



[ قــ :4568 ... غــ :4828] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَحْمَدُ كَذَا لَهُمْ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى قَوْله أخبرنَا عَمْرو هُوَ بن الْحَارِثِ وَأَبُو النَّضْرِ هُوَ سَالِمٌ الْمَدَنِيُّ وَنِصْفُ هَذَا الْإِسْنَادِ الْأَعْلَى مَدَنِيُّونَ وَالْأَدْنَى مِصْرِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتَهُ بِالتَّحْرِيكِ جَمْعُ لَهَاةٍ وَهِيَ اللَّحْمَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ فِي أَعْلَى الْحَنَكِ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى لَهًى بِفَتْحِ اللَّامِ مَقْصُورٌ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ لَا يُنَافِي هَذَا مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ لِأَنَّ ظُهُورَ النَّوَاجِذِ وَهِيَ الْأَسْنَانُ الَّتِي فِي مقدم الْفَمِ أَوِ الْأَنْيَابُ لَا يَسْتَلْزِمُ ظُهُورَ اللَّهَاةِ .

     قَوْلُهُ  عَرَفْتُ الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِهِ عَبَّرَتْ عَنِ الشَّيْءِ الظَّاهِرِ فِي الْوَجْهِ بِالْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ ثَمَرَتُهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَصَفَتِ الرِّيحُ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَإِذَا تَخَيَّلَتِ السَّمَاءُ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَخَرَجَ وَدَخَلَ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا أَمْطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِطُولِهِ وَتَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ قَوْلِهِ كَانَ إِذَا رَأَى مَخِيلَةً أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ لِهَذَا الدُّعَاءِ شَوَاهِدُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ فِي أَوَاخِرِ الِاسْتِسْقَاءِ .

     قَوْلُهُ  عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا هَذَا عَارِضٌ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الَّذِينَ عُذِّبُوا بِالرِّيحِ غَيْرَ الَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ النَّكِرَةَ إِذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ غَيْرَ الْأَوَّلِ لَكِنَّ ظَاهِرَ آيَةِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ عُذِّبُوا بِالرِّيحِ هُمُ الَّذِينَ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ فَفِي هَذِهِ السُّورَةِ وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ الْآيَاتِ وَفِيهَا فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ ريح فِيهَا عَذَاب أَلِيم وَقَدْ أَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ عَنِ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ الْمَذْكُورَةَ إِنَّمَا تَطَّرِدُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي السِّيَاقِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا عَيْنُ الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَه فَلَا ثُمَّ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عَادًا قَوْمَانِ قَوْمٌ بِالْأَحْقَافِ وَهُمْ أَصْحَابُ الْعَارِضِ وَقَوْمٌ غَيْرُهُمْ.

قُلْتُ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ لَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ النَّجْمِ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عادا الأولى فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ ثَمَّ عَادًا أُخْرَى وَقَدْ أَخْرَجَ قِصَّةَ عَادٍ الثَّانِيَةِ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَن الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ الْبَكْرِيِّ قَالَ خَرَجْتُ أَنَا وَالْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقُلْتُ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ أَنْ أَكُونَ كَوَافِدِ عَادٍ قَالَ وَمَا وَافِدُ عَادٍ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ وَلَكِنَّهُ يَسْتَطْعِمُهُ فَقُلْتُ إِنَّ عَادًا قَحَطُوا فَبَعَثُوا قَيْلَ بْنَ عَنْزٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ بِمَكَّةَ يَسْتَسْقِي لَهُمْ فَمَكَثَ شَهْرًا فِي ضِيَافَتِهِ تُغَنِّيهِ الْجَرَادَتَانِ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ شَهْرٍ خَرَجَ لَهُمْ فَاسْتَسْقَى لَهُمْ فَمَرَّتْ بِهِمْ سَحَابَاتٌ فَاخْتَارَ السَّوْدَاءَ مِنْهَا فَنُوديَ خُذْهَا رَمَادا رمدا لَا تُبْقِ مِنْ عَادٍ أَحَدًا وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ بَعْضَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي قِصَّةِ عَادٍ الْأَخِيرَةِ لِذِكْرِ مَكَّةَ فِيهِ وَإِنَّمَا بُنِيَتْ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أَسْكَنَ هَاجَرَ وَإِسْمَاعِيلَ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ فَالَّذِينَ ذُكِرُوا فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ هُمْ عَادٌ الْأَخِيرَةُ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَخَا عَادٍ نَبِيٌّ آخَرُ غَيْرُ هود وَالله أعلم