فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب {أفرأيتم اللات والعزى} [النجم: 19]

قَوْله بَاب أَفَرَأَيْتُم اللات والعزى)
ذكر فِيهِ حديثين أَحدهمَا حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَأَبُو الْأَشْهَبِ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ حَيَّانَ وَأَبُو الْجَوْزَاءِ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ هُوَ أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  فِي قَوْلِهِ اللَّاتَ وَالْعُزَّى كَانَ اللَّاتُ رَجُلًا يَلُتُّ سَوِيقَ الْحَاجِّ سَقَطَ فِي قَوْلِهِ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى بن عَبَّاسٍ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ هَذَا التَّفْسِيرُ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ اللَّاتِّ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ.

قُلْتُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَصْلُهُ وَخُفِّفَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالتَّخْفِيفِ وَقد روى التَّشْدِيد عَن قِرَاءَة بن عَبَّاس وَجَمَاعَة من أَتْبَاعه وَرويت عَن بن كَثِيرٍ أَيْضًا وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ التَّخْفِيفُ كَالْجُمْهُورِ وَأَخْرَجَ بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الجوزاء عَن بن عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ فِيهِ زِيَادَةٌ كَانَ يَلُتُّ السَّوِيقَ عَلَى الْحَجَرِ فَلَا يَشْرَبُ مِنْهُ أَحَدٌ إِلَّا سَمِنَ فَعَبَدُوهُ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ هَذَا الرَّجُلِ فَرَوَى الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانَ رَجُلٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى صَخْرَةٍ بِالطَّائِفِ وَعَلَيْهَا لَهُ غَنَمٌ فَكَانَ يَسْلُو مِنْ رَسَلِهَا وَيَأْخُذُ مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ وَالْأَقِطِ فَيَجْعَلُ مِنْهُ حَيْسًا وَيُطْعِمُ مَنْ يَمُرُّ بِهِ مِنَ النَّاسِ فَلَمَّا مَاتَ عَبَدُوهُ وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقْرَأُ اللَّاتَّ مُشَدَّدَةً وَمن طَرِيق بن جُرَيْجٍ نَحْوَهُ قَالَ وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ عَامِرُ بْنُ الظَّرِبِ انْتَهَى وَهُوَ بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُشَالَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ وَهُوَ الْعُدْوَانِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَكَانَ حَكَمَ الْعَرَبَ فِي زَمَانِهِ وَفِيهِ يَقُولُ شَاعِرُهُمْ وَمِنَّا حَكَمٌ يَقْضِي وَلَا يُنْقَضُ مَا يَقْضِي وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ قَالَ وَيُقَالُ هُوَ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ وَهُوَ رَبِيعَةُ بْنُ حَارِثَةَ وَهُوَ وَالِدُ خُزَاعَةَ انْتَهَى وَحَرَّفَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ كَلَامَ السُّهَيْلِيِّ وَظَنَّ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ حَارِثَةَ قَوْلٌ آخَرُ فِي اسْمِ اللَّاتِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا رَبِيعَةُ بْنُ حَارِثَةَ اسْمُ لُحَيٍّ فِيمَا قِيلَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ اللَّاتَ غَيْرُ عَمْرِو بْنِ لُحَيٍّ فَقَدْ أَخْرَجَ الْفَاكِهِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ اللَّاتَ لَمَّا مَاتَ قَالَ لَهُمْ عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنَّهُ دَخَلَ الصَّخْرَةَ فَعَبَدُوهَا وَبَنَوْا عَلَيْهَا بَيْتًا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ هُوَ الَّذِي حَمَلَ الْعَرَبَ عَلَى عِبَادَةِ الْأَصْنَام وَهُوَ يُؤَيّد هَذِه الرِّوَايَة وَحكى بن الْكَلْبِيِّ أَنَّ اسْمَهُ صِرْمَةُ بْنُ غَنْمٍ وَكَانَتِ اللَّاتُ بِالطَّائِفِ وَقِيلَ بِنَخْلَةَ وَقِيلَ بِعُكَاظٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْفَاكِهِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مقسم عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ هِشَامُ بْنُ الْكَلْبِيِّ كَانَتْ مَنَاةٌ أَقْدَمُ مِنَ اللَّاتِ فَهَدَمَهَا عَلِيٌّ عَامَ الْفَتْحِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتِ اللَّاتُ أَحْدَثُ مِنْ مَنَاةَ فَهَدَمَهَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا أَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ وَكَانَتِ الْعُزَّى أَحْدَثُ مِنَ اللَّاتِ وَكَانَ الَّذِي اتَّخَذَهَا ظَالِمُ بْنُ سَعْدٍ بِوَادِي نَخْلَةَ فَوْقَ ذَاتِ عِرْقٍ فَهَدَمَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِأَمْرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ الْحَدِيثُ الْثَّانِي



[ قــ :4597 ... غــ :4860] .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ فِي حَلِفِهِ أَيْ فِي يَمِينِهِ وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ وبن ماجة وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِحَدِيثِ الْبَابِ فَأَخْرَجُوا مِنْ طَرِيقِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ فَحَلَفْتُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَقَالَ لِي أَصْحَابِي بِئْسَ مَا قُلْتَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْحَدِيثَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْيَمِينُ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْمَعْبُودِ الْمُعَظَّمِ فَإِذَا حَلَفَ بِاللَّاتِ وَنَحْوِهَا فَقَدْ ضَاهَى الْكُفَّارَ فَأُمِرَ أَنْ يتدارك بِكَلِمَة التَّوْحِيد.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ مَنْ حَلَفَ بِهَا جَادًّا فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ قَالَهَا جَاهِلًا أَوْ ذَاهِلًا يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُ وَيَرُدُّ قَلْبَهُ عَنِ السَّهْوِ إِلَى الذِّكْرِ وَلِسَانَهُ إِلَى الْحَقِّ وَيَنْفِي عَنْهُ مَا جَرَى بِهِ مِنَ اللَّغْوِ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرُكَ فَلْيَتَصَدَّقْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ بِالْمَالِ الَّذِي كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُقَامِرَ بِهِ وَقِيلَ بِصَدَقَةٍ مَا لِتُكَفِّرَ عَنْهُ الْقَوْلَ الَّذِي جَرَى عَلَى لِسَانِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ مَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بِشَيْءٍ وَزَعَمَ بعض الْحَنَفِيَّة أَنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَفِيهِ مَا فِيهِ قَالَ عِيَاضٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ إِذَا اسْتَقَرَّ فِي الْقَلْبِ كَانَ ذَنْبًا يُكْتَبُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْخَاطِرِ الَّذِي لَا يَسْتَمِرُّ.

قُلْتُ وَلَا أَدْرِي مِنْ أَيْنَ أُخِذَ ذَلِكَ مَعَ التَّصْرِيحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِصُدُورِ الْقَوْلِ حَيْثُ نَطَقَ بِقَوْلِهِ تَعَالَ أُقَامِرُكَ فَدَعَاهُ إِلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْقِمَارُ حَرَامٌ بِاتِّفَاقٍ فَالدُّعَاءُ إِلَى فِعْلِهِ حَرَامٌ فَلَيْسَ هُنَا عَزْمٌ مُجَرَّدٌ وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَوَقَعَ الْإِلْمَامُ بِمَسْأَلَةِ الْعَزْمِ فِي أَوَاخِرِ الرِّقَاقِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ
(