فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب {ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} [الزلزلة: 8]

( .

     قَوْلُهُ  سُورَةُ لِإِيلَافِ)

قِيلَ اللَّامُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْقِصَّةِ الَّتِي فِي السُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمَا فِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ سُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَقِيلَ مُتَعَلِّقَةٌ بِشَيْءٍ مُقَدَّرٍ أَيْ أَعْجَبُ لِنِعْمَتِي عَلَى قُرَيْشٍ .

     قَوْلُهُ  وقَال مُجَاهِدٌ لِإِيلَافِ أَلِفُوا ذَلِكَ فَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ قَالَ مِنْ كُلِّ عَدُوٍّ فِي حرمهم وَأخرج بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى قَوْلِهِ وَالصَّيْفِ مِنْ وَجه آخر عَن مُجَاهِد عَن بن عَبَّاس قَوْله.

     وَقَالَ  بن عُيَيْنَةَ لِإِيلَافِ لِنِعْمَتِي عَلَى قُرَيْشٍ هُوَ كَذَلِكَ فِي تَفْسِير بن عُيَيْنَةَ رِوَايَةَ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْهُ وَلِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَن بن عَبَّاسٍ مِثْلُهُ تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ قَرَأَ الْجُمْهُورُ لِإِيلَافِ بِإِثْبَات الْيَاء إِلَّا بن عَامِرٍ فَحَذَفَهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى إِثْبَاتِهَا فِي قَوْلِهِ إيلافهم إِلَّا فِي رِوَايَة عَن بن عَامر فكالأول وَفِي أُخْرَى عَن بن كَثِيرٍ بِحَذْفِ الْأُولَى الَّتِي بَعْدَ اللَّامِ أَيْضًا.

     وَقَالَ  الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ دَخَلَتِ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَلْيَعْبُدُوا لِمَا فِي السِّيَاقِ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ أَيْ فَإِنْ لَمْ يَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ لِنِعْمَتِهِ السَّالِفَةِ فَلْيَعْبُدُوهُ لِلِائْتِلَافِ الْمَذْكُورِ الثَّانِي لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَلَا الَّتِي قَبْلَهَا حَدِيثًا مَرْفُوعًا فَأَمَّا سُورَةُ الْهُمَزَةِ فَفِي صَحِيح بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أخلده يَعْنِي بِفَتْحِ السِّينِ.
وَأَمَّا سُورَةُ الْفِيلِ فَفِيهَا مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ الطَّوِيلِ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ .

     قَوْلُهُ  حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ قَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوفى فِي الشُّرُوط وفيهَا حَدِيث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ الْحَدِيثَ.
وَأَمَّا هَذِهِ السُّورَةُ فَلَمْ أَرَ فِيهَا حَدِيثا مَرْفُوعا صَحِيحا .

     قَوْلُهُ  سُورَةُ أَرَأَيْتَ كَذَا لَهُمْ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضا سُورَة الماعون قَالَ الْفراء قَرَأَ بن مَسْعُودٍ أَرَأَيْتُكَ الَّذِي يُكَذِّبُ قَالَ وَالْكَافُ صِلَةٌ وَالْمَعْنَى فِي إِثْبَاتِهَا وَحَذْفِهَا لَا يَخْتَلِفُ كَذَا قَالَ لَكِنِ الَّتِي بِإِثْبَاتِ الْكَافِ قَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى أَخْبَرَنِي وَالَّتِي بِحَذْفِهَا الظَّاهِرُ أَنَّهَا مِنْ رُؤْيَةِ الْبَصَرِ .

     قَوْلُهُ  وقَال مُجَاهِدٌ يَدُعُّ يَدْفَعُ عَنْ حَقِّهِ يُقَالُ هُوَ مِنْ دَعَعْتُ يُدَعُّونَ يُدْفَعُونَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ يُدَعُّونَ أَيْ يُدْفَعُونَ يُقَالُ دَعَعْتُ فِي قَفَاهُ أَيْ دَفَعْتُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى يَدُعُّ الْيَتِيم قَالَ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ يَدُعُ الْيَتِيمَ مُخَفَّفَةٌ.

قُلْتُ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ وَأَبِي رَجَاءٍ وَنُقِلَ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ يَدُعُّ يَدْفَعُ الْيَتِيمَ عَنْ حَقِّهِ وَفِي قَوْلِهِ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا قَالَ يُدْفَعُونَ .

     قَوْلُهُ  سَاهُونَ لَاهُونَ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ الَّذِينَ هم عَن صلَاتهم ساهون قَالَ لاهون.

     وَقَالَ  الْفراء كَذَلِك فَسرهَا بن عَبَّاسٍ وَهِيَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وبن مَرْدَوَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَن هَذِه الْآيَة قَالَ أَو لَيْسَ كُنَّا نَفْعَلُ ذَلِكَ السَّاهِي هُوَ الَّذِي يُصَلِّيهَا لِغَيْرِ وَقْتِهَا .

     قَوْلُهُ  وَالْمَاعُونُ الْمَعْرُوفُ كُلُّهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الْعَرَبِ الْمَاعُونُ الْمَاءُ.

     وَقَالَ  عِكْرِمَةُ أَعْلَاهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ وَأَدْنَاهَا عَارِيَةُ الْمَتَاعِ أَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فَقَالَ الْفَرَّاءُ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْمَاعُونَ الْمَعْرُوفُ كُلُّهُ حَتَّى ذَكَرَ الْقَصْعَةَ وَالدَّلْوَ وَالْفَأْسَ وَلَعَلَّه أَرَادَ بن مَسْعُودٍ فَإِنَّ الطَّبَرِيَّ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ سَأَلَ رَجُلٌ بن عُمَرَ عَنِ الْمَاعُونِ قَالَ الْمَالُ الَّذِي لَا يُؤَدِّي حَقه قَالَ قلت أَن بن مَسْعُودٍ يَقُولُ هُوَ الْمَتَاعُ الَّذِي يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ قَالَ هُوَ مَا أَقُولُ لَكَ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنِ بن مَسْعُودٍ هُوَ الدَّلْوُ وَالْقِدْرُ وَالْفَأْسُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ عَن بن مَسْعُودٍ بِلَفْظِ كُنَّا نَعُدُّ الْمَاعُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَارِيَةَ الدَّلْو وَالْقدر وَإِسْنَاده صَحِيح إِلَى بن مَسْعُود وَأخرجه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا صَرِيحًا وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ مَا يَتَعَاطَاهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فَقَالَ الْفَرَّاءُ سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ الْمَاعُونُ هُوَ الْمَاءُ وَأَنْشَدَ يَصُبُّ صَبِيرَةَ الْمَاعُونِ صَبًّا.

قُلْتُ وَهَذَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ وَصَبِيرَةُ جَبَلٌ بِالْيَمَنِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ رَاءٌ.
وَأَمَّا قَوْلُ عِكْرِمَةَ فَوَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ إِلَيْهِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلَهُ تَنْبِيهٌ لَمْ يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ السُّورَةِ حَدِيثا مَرْفُوعا وَيدخل فِيهِ حَدِيث بن مَسْعُود الْمَذْكُور قبل .

     قَوْلُهُ  سُورَةُ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ هِيَ سُورَةُ الْكَوْثَر وَقد قَرَأَ بن مُحَيْصِنٍ إِنَّا أَنْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ بِالنُّونِ وَكَذَا قَرَأَهَا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَالْكَوْثَرُ فَوْعَلٌ مِنَ الْكَثْرَةِ سُمِّيَ بِهَا النَّهَرُ لِكَثْرَةِ مَائِهِ وَآنِيَتِهِ وَعِظَمِ قدره وخيره .

     قَوْلُهُ  شَانِئَكَ عَدُوَّكَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِيِّ.

     وَقَالَ  بن عَبَّاس وَقد وَصله بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ كَذَلِكَ وَاخْتَلَفَ النَّاقِلُونَ فِي تَعْيِينِ الشَّانِئِ الْمَذْكُور فَقيل هُوَ العَاصِي بْنُ وَائِلٍ وَقِيلَ أَبُو جَهْلٍ وَقِيلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَنَسٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَائِلِ الْمَبْعَثِ فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ فِي أَوَاخِرِهَا وَيَأْتِي بِأَوْضَحِ مِنْ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الرِّقَاقِ وَقَولُهُ



[ قــ :4700 ... غــ :4964] لَمَّا عُرِجَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ قَالَ أَتَيْتُ عَلَى نَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ مجوف فَقُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ هَكَذَا اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهِ وَسَاقَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ آدَمَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ الْكَوْثَرُ وَالَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ فَأَهْوَى الْمَلَكُ بِيَدِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْ طِينِهِ مِسْكًا أَذْفَرَ وَأَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي الرِّقَاقِ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الثَّانِي حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ راوية عَنْهَا هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَائِشَةَ قَالَ سَأَلْتُهَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ.

قُلْتُ لِعَائِشَةَ





[ قــ :4701 ... غــ :4965] .

     قَوْلُهُ  عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مَاءُ الْكَوْثَرِ .

     قَوْلُهُ  هُوَ نَهَرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ زَادَ النَّسَائِيُّ فِي بُطْنَانِ الْجَنَّةِ.

قُلْتُ مَا بُطْنَانُ الْجَنَّةِ قَالَتْ وَسَطُهَا انْتَهَى وَبُطْنَانٌ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا نُونٌ وَوَسَطُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَعْلَاهَا أَيْ أَرْفَعُهَا قَدْرًا أَوِ الْمُرَادُ أَعْدَلُهَا .

     قَوْلُهُ  شَاطِئَاهُ أَيْ حَافَّتَاهُ .

     قَوْلُهُ  دُرٌّ مُجَوَّفٌ أَيِ الْقِبَابُ الَّتِي عَلَى جَوَانِبِهِ .

     قَوْلُهُ  رَوَاهُ زَكَرِيَّا وَأَبُو الْأَحْوَصِ وَمُطَرِّفٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَمَّا زَكَرِيَّا فَهُوَ بن أَبِي زَائِدَةَ وَرِوَايَتُهُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِيهِ وَلَفْظُهُ قَرِيبٌ مِنْ لَفْظِ أَبِي الْأَحْوَصِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي الْأَحْوَصِ وَهُوَ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ فَوَصَلَهَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ وَلَفْظُهُ الْكَوْثَرُ نَهَرٌ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ شَاطِئَاهُ دُرٌّ مُجَوَّفٌ وَفِيهِ مِنَ الْأَبَارِيقِ عَدَدُ النُّجُومِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ مطرف وَهُوَ بن طَرِيفٍ بِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ فَوَصَلَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَدْ بَيَّنْتُ مَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةٍ الْحَدِيثُ الثَّالِث حَدِيث بن عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بن جُبَير عَنهُ أَنه قَالَ فِي الْكَوْثَر هُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ قَالَ.

قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ إِنَّهُ قَالَ فِي الْكَوْثَرِ فَإِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ سَعِيدٌ النَّهَرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ هَذَا تَأْوِيلٌ مِنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير جمع بِهِ بَين حَدِيثي عَائِشَة وبن عَبَّاسٍ وَكَأَنَّ النَّاسَ الَّذِينَ عَنَاهُمْ أَبُو بِشْرٍ أَبُو إِسْحَاقَ وَقَتَادَةُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّنْ رَوَى ذَلِكَ صَرِيحًا أَنَّ الْكَوْثَرَ هُوَ النَّهَرُ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيّ من طَرِيق بن عُمَرَ رَفَعَهُ الْكَوْثَرُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ حَافَّتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ الْحَدِيثَ قَالَ إِنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسٍ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ غَفَا إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَزَلَتْ عَلَيَّ سُورَةٌ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم إِنَّا أعطيناك الْكَوْثَر إِلَى آخِرِهَا ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ نَهَرَ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَهُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَدِيثَ وَحَاصِلُ مَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَنَّ قَول بن عَبَّاسٍ إِنَّهُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ غَيْرِهِ إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ النَّهَرَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ وَلَعَلَّ سعيدا أَوْمَأ إِلَى أَن تَأْوِيل بن عَبَّاسٍ أَوْلَى لِعُمُومِهِ لَكِنْ ثَبَتَ تَخْصِيصُهُ بِالنَّهَرِ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا مَعْدِلَ عَنْهُ وَقَدْ نَقَلَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْكَوْثَرِ أَقْوَالًا أُخْرَى غَيْرَ هَذَيْنَ تَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ مِنْهَا قَوْلُ عِكْرِمَةَ الْكَوْثَرُ النُّبُوَّةُ وَقَوْلُ الْحَسَنِ الْكَوْثَرُ الْقُرْآنُ وَقِيلَ تَفْسِيرُهُ وَقِيلَ الْإِسْلَامُ وَقِيلَ إِنَّهُ التَّوْحِيدُ وَقِيلَ كَثْرَةُ الْأَتْبَاعِ وَقِيلَ الْإِيثَارُ وَقِيلَ رِفْعَةُ الذِّكْرِ وَقِيلَ نُورُ الْقَلْبِ وَقيل الشَّفَاعَة وَقِيلَ الْمُعْجِزَاتُ وَقِيلَ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ وَقِيلَ الْفِقْهُ فِي الدِّينِ وَقِيلَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَسْطٍ فِي أَمْرِ الْكَوْثَرِ وَهَلِ الْحَوْضُ النَّبَوِيُّ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى