فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير

( قَولُهُ بَابُ عَرْضِ الْإِنْسَانِ ابْنَتَهُ أَوْ أُخْتَهُ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ)
أَوْرَدَ عَرْضَ الْبِنْتِ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَعَرْضَ الْأُخْتِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي



[ قــ :4847 ... غــ :5122] .

     قَوْلُهُ  حِينَ تَأَيَّمَتْ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ أَيْ صَارَتْ أَيِّمًا وَهِيَ الَّتِي يَمُوتُ زَوْجُهَا أَوْ تَبِينُ مِنْهُ وَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا وَأَكْثَرُ مَا تطلق على من مَاتَ زَوجهَا.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ الْعَرَبُ تُطْلِقُ عَلَى كُلِّ امْرَأَةٍ لَا زَوْجَ لَهَا وَكُلِّ رَجُلٍ لَا امْرَأَةَ لَهُ أَيِّمًا زَادَ فِي الْمَشَارِقِ وَإِنْ كَانَ بِكْرًا وَسَيَأْتِي مَزِيدًا لِهَذَا فِي بَابِ لَا يُنْكِحُ الْأَبُ وَغَيْرُهُ الْبِكْرَ وَلَا الثَّيِّبَ إِلَّا بِرِضَاهَا .

     قَوْلُهُ  مِنْ خُنَيْسٍ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَنُونٍ وَسِينٍ مُهْملَة مصغر قَوْله بن حُذَافَةَ عِنْدَ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ بن شهَاب وَهِي رِوَايَة يُونُس عَن الزُّهْرِيّ بن حُذَافَةَ أَوْ حُذَيْفَةَ وَالصَّوَابُ حُذَافَةُ وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَغَازِي وَمِنَ الرُّوَاةِ مِنْ فَتَحَ أَوَّلَ خُنَيْسٍ وَكَسَرَ ثَانِيهِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ بِالتَّصْغِيرِ وَعِنْدَ مَعْمَرٍ كَالْأَوَّلِ لَكِنْ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ.

     وَقَالَ  الدَّارَقُطْنِيُّ اخْتُلِفَ عَلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَرَوَى عَنْهُ عَلِيٌّ الصَّوَابَ وَرَوَى عَنْهُ بِالشَّكِّ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ .

     قَوْلُهُ  فَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ قَالُوا مَاتَ بَعْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ مِنْ جِرَاحَةٍ أَصَابَتْهُ بِهَا وَقِيلَ بَلْ بَعْدَ بَدْرٍ وَلَعَلَّهُ أَوْلَى فَإِنَّهُمْ قَالُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ ثَلَاثِينَ شَهْرًا وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ عِشْرِينَ شَهْرًا وَكَانَتْ أُحُدٌ بَعْدَ بَدْرٍ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ شَهْرًا وَلَكِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بَعْدَ ثَلَاثِينَ عَلَى إِلْغَاءِ الْكَسْرِ وَجَزَمَ بن سَعْدٍ بِأَنَّهُ مَاتَ عَقِبَ قُدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَدْرٍ وَبِهِ جَزَمَ بن سيد النَّاس وَهُوَ قَول بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ شَهِدَ أُحُدًا وَمَاتَ مِنْ جِرَاحَةٍ بِهَا وَكَانَتْ حَفْصَةُ أَسَنَّ مِنْ أَخِيهَا عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهَا وُلِدَتْ قَبْلَ الْبِعْثَةِ بِخَمْسِ سِنِينَ وَعَبْدُ اللَّهِ وُلِدَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ بِثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَعَادَ ذَلِكَ لِوُقُوعِ الْفَصْلِ وَإِلَّا فَ.

     قَوْلُهُ  أَوَّلًا إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْدِيرٍ قَالَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عِنْد النَّسَائِيّ وَأحمد عَن بن عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ .

     قَوْلُهُ  أَتَيْتُ عُثْمَانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقَالَ سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي إِلَى أَنْ قَالَ قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ عُثْمَانَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالْحَاكِمُ أَنَّ عُثْمَانَ خَطَبَ إِلَى عُمَرَ بِنْتَهُ فَرَدَّهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَاحَ إِلَيْهِ عُمَرُ قَالَ يَا عُمَرُ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَتَنٍ خَيْرٍ مِنْ عُثْمَانَ وَأَدُلَّ عُثْمَانَ عَلَى خَتَنٍ خَيْرٍ مِنْكَ قَالَ نَعَمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ تُزَوِّجُنِي بِنْتَكَ وَأُزَوِّجُ عُثْمَانَ بِنْتِي قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ إِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ لَكِنْ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ عَرَضَ عَلَى عُثْمَانَ حَفْصَةَ فَرَدَّ عَلَيْهِ قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتزوّج قلت أخرج بن سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ نَحْوَ حَدِيثِ رِبْعِيٍّ وَمِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَتَمَّ مِنْهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَخَارَ اللَّهُ لَهُمَا جَمِيعًا وَيَحْتَمِلُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ خَطَبَ أَوَّلًا إِلَى عُمَرَ فَرَدَّهُ كَمَا فِي رِوَايَةِ رِبْعِيٍّ وَسَبَبُ رَدِّهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَتِهَا وَهِيَ أَنَّهَا لَمْ تَرْغَبْ فِي التَّزَوُّجِ عَنْ قُرْبٍ مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا وَيَحْتَمِلُ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَا غَضَاضَةَ فِيهَا عَلَى عُثْمَانَ فِي رَدِّ عُمَرَ لَهُ ثُمَّ لَمَّا ارْتَفَعَ السَّبَبُ بَادَرَ عُمَرُ فَعَرَضَهَا عَلَى عُثْمَانَ رِعَايَةً لِخَاطِرِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَلَعَلَّ عُثْمَانَ بَلَغَهُ مَا بَلَغَ أَبَا بَكْرٍ مِنْ ذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فَصَنَعَ كَمَا صَنَعَ مِنْ تَرْكِ إِفْشَاءِ ذَلِكَ وَرَدَّ عَلَى عُمَرَ بِجَمِيلٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة بن سَعْدٍ فَقَالَ عُثْمَانُ مَالِيَ فِي النِّسَاءِ مِنْ حَاجَة وَذكر بن سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ بِسَنَدٍ لَهُ أَنَّ عُمَرَ عَرَضَ حَفْصَةَ عَلَى عُثْمَانَ حِينَ تُوُفِّيَتْ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُثْمَانُ يَوْمَئِذٍ يُرِيدُ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قُلْتُ وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ مَوْتَ خُنَيْسٍ كَانَ بَعْدَ بَدْرٍ فَإِنَّ رُقَيَّةَ مَاتَتْ لَيَالِيَ بَدْرٍ وَتَخَلَّفَ عُثْمَانُ عَنْ بَدْرٍ لِتَمْرِيضِهَا وَقَدْ أَخْرَجَ إِسْحَاقُ فِي مُسْنده وبن سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ مِنْ زَوْجِهَا وَتَأَيَّمَ عُثْمَانُ مِنْ رُقَيَّةَ فَمَرَّ عُمَرُ بِعُثْمَانَ وَهُوَ حَزِينٌ فَقَالَ هَلْ لَكَ فِي حَفْصَةَ فَقَدِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا مِنْ فُلَانٍ وَاسْتُشْكِلَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَاتَ بَعْدَ أُحُدٍ لَلَزِمَ أَنْ لَا تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا إِلَّا فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ وَضَعَتْ عَقِبَ وَفَاتِهِ وَلَوْ سِقْطًا فَحَلَّتْ .

     قَوْلُهُ  سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي أَيْ أَتَفَكَّرُ وَيُسْتَعْمَلُ النَّظَرُ أَيْضًا بِمَعْنَى الرَّأْفَةِ لَكِنْ تَعْدِيَتُهُ بِاللَّامِ وَبِمَعْنَى الرُّؤْيَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَيُعَدَّى بِإِلَى وَقَدْ يَأْتِي بِغَيْرِ صِلَةٍ وَهُوَ بِمَعْنَى الِانْتِظَارِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ عُمَرُ فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ هَذَا يشْعر بِأَنَّهُ عقب رد عُثْمَان لَهُ بعرضها عَلَى أَبِي بَكْرٍ .

     قَوْلُهُ  فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ أَيْ سَكَتَ وَزْنًا وَمَعْنًى وَقَولُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا تَأْكِيدٌ لِرَفْعِ الْمَجَازِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ صَمَتَ زَمَانًا ثُمَّ تَكَلَّمَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ يَرْجِعُ .

     قَوْلُهُ  وَكُنْتُ أُوجِدُ عَلَيْهِ أَيْ أَشَدُّ مَوْجِدَةً أَيْ غَضَبًا عَلَى أَبَى بَكْرٍ مِنْ غَضَبِي عَلَى عُثْمَانَ وَذَلِكَ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا كَانَ بَيْنَهُمَا مِنْ أَكِيدِ الْمَوَدَّةِ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ آخَى بَيْنَهُمَا.
وَأَمَّا عُثْمَانُ فَلَعَلَّهُ كَانَ تَقَدَّمَ مِنْ عُمَرَ رَدُّهُ فَلَمْ يَعْتِبْ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يُجِبْهُ لِمَا سَبَقَ مِنْهُ فِي حَقِّهِ وَالثَّانِي لِكَوْنِ عُثْمَانَ أَجَابَهُ أَوَّلًا ثُمَّ اعْتَذَرَ لَهُ ثَانِيًا وَلِكَوْنِ أَبِي بَكْرٍ لَمْ يُعِدْ عَلَيْهِ جَوَابًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَة بن سَعْدٍ فَغَضِبَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ.

     وَقَالَ  فِيهَا كُنْتُ أَشَدَّ غَضَبًا حِينَ سَكَتَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ .

     قَوْلُهُ  لَقَدْ وَجَدْتَ عَلَيَّ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَعَلَّكَ وَجَدْتَ وَهِيَ أَوْجَهُ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ أَرْجِعْ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ أُعِدْ عَلَيْكَ الْجَوَابَ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا إِنِّي كُنْتُ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَكَرَهَا فِي رِوَايَة بن سَعْدٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ كَانَ ذَكَرَ مِنْهَا شَيْئًا وَكَانَ سِرًّا .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ أَكُنْ لِأَفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَة بن سَعْدٍ وَكَرِهْتُ أَنْ أُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  وَلَوْ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلْتُهَا فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ الْمَذْكُورَةِ نَكَحْتُهَا وَفِيهِ أَنَّهُ لَوْلَا هَذَا الْعُذْرُ لَقِبَلِهَا فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ عُذْرُهُ فِي كَوْنِهِ لَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَ عُثْمَانُ قَدْ بَدَا لِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ وَفِيهِ فَضْلُ كِتْمَانِ السِّرِّ فَإِذَا أَظْهَرَهُ صَاحِبُهُ ارْتَفَعَ الْحَرَجُ عَمَّنْ سَمِعَهُ وَفِيهِ عِتَابُ الرَّجُلِ لِأَخِيهِ وَعَتْبُهُ عَلَيْهِ وَاعْتِذَارُهُ إِلَيْهِ وَقَدْ جُبِلَتِ الطِّبَاعُ الْبَشَرِيَّةُ عَلَى ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ كِتْمَانِ أَبِي بَكْرٍ ذَلِكَ أَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَبْدُو لرَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا فَيَقَعَ فِي قَلْبِ عُمَرَ انْكِسَارٌ وَلَعَلَّ اطِّلَاعَ أَبِي بَكْرٍ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَ خِطْبَةَ حَفْصَةَ كَانَ بِإِخْبَارِهِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِشَارَةِ وَإِمَّا لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَكْتُمُ عَنْهُ شَيْئًا مِمَّا يُرِيدُهُ حَتَّى وَلَا مَا فِي الْعَادَةِ عَلَيْهِ غَضَاضَةٌ وَهُوَ كَوْنُ ابْنَتِهِ عَائِشَةَ عِنْدَهُ وَلَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ مِنِ اطِّلَاعِهِ عَلَى مَا يُرِيدُ لِوُثُوقِهِ بِإِيثَارِهِ إِيَّاهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلِهَذَا اطَّلَعَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ قَبْلَ اطِّلَاعِ عُمَرَ الَّذِي يَقَعُ الْكَلَامُ مَعَهُ فِي الْخِطْبَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الصَّغِيرَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً أَرَادَ الْكَبِيرُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلَوْ لَمْ تَقَعِ الْخِطْبَةُ فَضْلًا عَنِ الرُّكُونِ وَفِيهِ الرُّخْصَةُ فِي تَزْوِيجِ مَنْ عَرَّضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِطْبَتِهَا أَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ لَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتُهَا وَفِيهِ عَرْضُ الْإِنْسَانِ بِنْتَهُ وَغَيْرِهَا مِنْ مَوْلَيَاتِهِ عَلَى مَنْ يُعْتَقَدُ خَيْرُهُ وَصَلَاحُهُ لِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْعَائِدِ عَلَى الْمَعْرُوضَةِ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ لَا اسْتِحْيَاءَ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِعَرْضِهَا عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مُتَزَوِّجًا لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ حِينَئِذٍ مُتَزَوِّجًا وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يُفْشِي سِرَّ فُلَانٍ فَأَفْشَى فُلَانٌ سِرَّ نَفْسِهِ ثُمَّ تَحَدَّثَ بِهِ الْحَالِفُ لَا يَحْنَثُ لِأَنَّ صَاحِبَ السِّرِّ هُوَ الَّذِي أَفْشَاهُ فَلَمْ يَكُنِ الْإِفْشَاءُ مِنْ قِبَلِ الْحَالِفِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ حَدَّثَ وَاحِدٌ آخَرَ بِشَيْءٍ وَاسْتَحْلَفَهُ لِيَكْتُمَهُ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ صَاحِبَ الْحَدِيثِ حَدَّثَهُ بِمِثْلِ مَا حَدَّثَهُ بِهِ فَأَظْهَرَ التَّعَجُّبَ.

     وَقَالَ  مَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ حَدَّثَ بِذَلِكَ غَيْرِي فَإِنَّ هَذَا يَحْنَثُ لِأَنَّ تَحْلِيفَهُ وَقَعَ عَلَى أَنَّهُ يَكْتُمُ أَنَّهُ حَدَّثَهُ وَقَدْ أَفْشَاهُ وَفِيهِ أَنَّ الْأَبَ يَخْطُبُ إِلَيْهِ بِنْتَهُ الثَّيِّبَ كَمَا يَخْطُبُ إِلَيْهِ الْبِكْرَ وَلَا تَخْطُبُ إِلَى نَفْسِهَا كَذَا قَالَ بن بَطَّالٍ وَقَولُهُ لَا تَخْطُبُ إِلَى نَفْسِهَا لَيْسَ فِي الْخَبَرِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَالَ وَفِيهِ أَنَّهُ يُزَوِّجُ بِنْتَهُ الثَّيِّبَ مِنْ غَيْرَ أَنْ يَسْتَأْمِرَهَا إِذَا عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَكْرَهُ ذَلِكَ وَكَانَ الْخَاطِب كُفؤًا لَهَا وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثَ تَصْرِيحٌ بِالنَّفْيِ الْمَذْكُورِ إِلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ النَّسَائِيُّ إِنْكَاحُ الرَّجُلِ بِنْتَهُ الْكَبِيرَةَ فَإِنْ أَرَادَ بِالرِّضَا لَمْ يُخَالِفِ الْقَوَاعِدَ وَأَنْ أَرَادَ بالاجبار فَقَدْ يَمْنَعُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي قِصَّةِ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَرِيبًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هُنَا مَقْصُودَ التَّرْجَمَةِ اسْتِغْنَاءً بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهَا انْكِحْ أُخْتِي بِنْتَ أبي سُفْيَان وَالله أعلم