فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب النظر إلى المرأة قبل التزويج

( قَولُهُ بَابُ النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ قَبْلَ التَّزْوِيجِ)
اسْتَنْبَطَ الْبُخَارِيُّ جَوَازَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثَيِ الْبَابِ لِكَوْنِ التَّصْرِيحُ الْوَارِدُ فِي ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ أَصَحُّهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَجُلٌ إِنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْظَرْتَ إِلَيْهَا قَالَ لَا قَالَ فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي لَفْظٍ لَهُ صَحِيحٍ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَذَكَرَهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ شَيْئًا فَقِيلَ عَمَشٌ وَقِيلَ صِغَرٌ.

قُلْتُ الثَّانِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهَذَا الرَّجُلُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُغِيرَةُ فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَدُومَ بَيْنَكُمَا وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بن مسلمة وَصَححهُ بن حبَان وَالْحَاكِم وَأخرجه أَحْمد وبن مَاجَهْ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّار ثمَّ ذكر المُصَنّف فِيهِ حديثين الأول حدث عَائِشَةَ



[ قــ :4849 ... غــ :5125] .

     قَوْلُهُ  أُرِيتُكِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فِي الْمَنَامِ زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ مَرَّتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  يَجِيءُ بِكِ الْمَلَكُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ إِذَا رَجُلٌ يَحْمِلُكِ فَكَأَنَّ الْمَلَكَ تَمَثَّلَ لَهُ حِينَئِذٍ رَجُلًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَة بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ جَاءَ بِي جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ السَّرَقَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَالْقَافِ هِيَ الْقِطْعَةُ وَوَقع فِي رِوَايَة بن حِبَّانَ فِي خِرْقَةٍ حَرِيرٍ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ السَّرَقَةُ الثَّوْبُ فَإِنْ أَرَادَ تَفْسِيرَهُ هُنَا فَصَحِيحٌ وَإِلَّا فَالسَّرَقَةُ أَعَمُّ وَأَغْرَبَ الْمُهَلَّبُ فَقَالَ السَّرَقَةُ كَالْكَلَّةِ أَوْ كَالْبُرْقُعِ وَعِنْدَ الْآجُرِّيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ لَقَدْ نَزَلَ جِبْرِيلُ بِصُورَتِي فِي رَاحَتِهِ حِينَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ صُورَتَهَا كَانَتْ فِي الْخِرْقَةِ وَالْخِرْقَةُ فِي رَاحَتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ بِالْكَيْفِيَّتَيْنِ لِقَوْلِهَا فِي نَفْسِ الْخَبَرِ نَزَلَ مَرَّتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  فَكَشَفْتُ عَنْ وَجْهكِ الثَّوْبَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ فَأَكْشِفُهَا فَعَبَّرَ بِلَفْظ الْمُضَارع استحضارا لصورة الْحَال قَالَ بن الْمُنِيرِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَأَى مِنْهَا مَا يَجُوزُ لِلْخَاطِبِ أَنْ يَرَاهُ وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي أَكْشِفُهَا لِلسَّرَقَةِ أَيْ أَكْشِفُهَا عَنِ الْوَجْهِ وَكَأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ وَأَنَّ عِصْمَتَهُمْ فِي الْمَنَامِ كَالْيَقَظَةِ وَسَيَأْتِي فِي اللِّبَاسِ فِي الْكَلَامِ عَلَى تَحْرِيمِ التَّصْوِيرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا.

     وَقَالَ  أَيْضًا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ نَظَرٌ لِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ إِذْ ذَاكَ فِي سِنِّ الطُّفُولِيَّةِ فَلَا عَوْرَةَ فِيهَا أَلْبَتَّةَ وَلَكِنْ يُسْتَأْنَسُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ فِي أَنَّ النَّظَرَ إِلَى الْمَرْأَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَرْجِعُ إِلَى الْعَقْدِ .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا أَنْتِ هِيَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَإِذَا هيَ أَنْتِ وَكَذَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ .

     قَوْلُهُ  يُمْضِهِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ قَالَ عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَفِيهِ ثَلَاثُ احْتِمَالَاتٍ أَحَدُهَا التَّرَدُّدُ هَلْ هِيَ زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ فَقَطْ ثَانِيهَا أَنه لفظ شكّ لايراد بِهِ ظَاهِرُهُ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي التَّحَقُّقِ وَيُسَمَّى فِي الْبَلَاغَةِ مَزْجُ الشَّكِّ بِالْيَقِينِ ثَالِثُهَا وَجْهُ التَّرَدُّدِ هَلْ هِيَ رُؤْيَا وَحْيٍ عَلَى ظَاهِرِهَا وَحَقِيقَتِهَا أَوْ هِيَ رُؤْيَا وَحْيٍ لَهَا تَعْبِيرٌ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ جَائِزٌ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ.

قُلْتُ الْأَخِيرُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَبِهِ جَزَمَ السُّهَيْلِيُّ عَنِ بن الْعَرَبِيِّ ثُمَّ قَالَ وَتَفْسِيرُهُ بِاحْتِمَالِ غَيْرِهَا لَا أَرْضَاهُ وَالْأَوَّلُ يَرُدُّهُ أَنَّ السِّيَاقَ يَقْتَضِي أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ وُجِدَتْ فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ فَإِذَا هِيَ أَنْتِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ كَانَ قَدْ رَآهَا وَعَرَفَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَالْوَاقِعُ أَنَّهَا وُلِدَتْ بَعْدَ الْبعْثَة وَيرد أول الِاحْتِمَالَات الثَّلَاث رِوَايَة بن حِبَّانَ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ هِيَ زَوْجَتُكُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَالثَّانِي بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ سَهْلٍ فِي قِصَّةِ الْوَاهِبَةِ وَالشَّاهِدُ مِنْهُ لِلتَّرْجَمَةِ





[ قــ :4850 ... غــ :516] .

     قَوْلُهُ  فِيهِ فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي بَابِ التَّزْوِيجِ عَلَى الْقُرْآنِ وَبِغَيْرِ صَدَاقٍ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ السَّرَخْسِيِّ وَسَاقَ الْبَاقُونَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الْخَاطِبُ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ قَالُوا وَلَا يَنْظُرُ إِلَى غَيْرِ وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيُّ يَجْتَهِدُ وَيَنْظُرُ إِلَى مَا يُرِيدُ مِنْهَا إِلَّا الْعَوْرَةَ.

     وَقَالَ  بن حزم ينظر إِلَى مَا أقبل مِنْهَا وَمَا أَدْبَرَ مِنْهَا وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ الْأُولَى كَالْجُمْهُورِ وَالثَّانِيَةُ يَنْظُرُ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا وَالثَّالِثَةُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا مُتَجَرِّدَةً.

     وَقَالَ  الْجُمْهُورُ أَيْضًا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةُ يُشْتَرَطُ إِذْنُهَا وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ قَبْلَ الْعَقْدِ بِحَالٍ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ أَجْنَبِيَّةٌ وَرُدَّ عَلَيْهِمْ بِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ