فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها

( قَولُهُ بَابُ إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشِ زَوْجِهَا)
أَيْ بِغَيْرِ سَبَبٍ لَمْ يَجُزْ لَهَا ذَلِكَ



[ قــ :4916 ... غــ :5193] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ هُوَ بُنْدَارٌ وَذَكَرَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ بن سِنَانٍ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ نُونَيْنِ وَهُوَ غَلَطٌ .

     قَوْلُهُ  عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الْأَعْمَشُ وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ سَلْمَانُ الْأَشْجَعِيُّ وَقَولُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ زُرَارَة هُوَ بن أَبِي أَوْفَى قَاضِي الْبَصْرَةِ يُكَنَّى أَبَا حَاجِبٍ لَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثَانِ فَقَطْ هَذَا وَآخَرُ مَضَى فِي الْعِتْقِ وَلَهُ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حَدِيثٌ آخَرُ يَأْتِي فِي الدِّيَاتِ وَتَقَدَّمَ لَهُ فِي تَفْسِيرِ عَبَسَ حَدِيثٌ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ وَهَذَا جَمِيعُ مَا لَهُ فِي الصَّحِيحِ وَكُلُّهَا مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فرَاشه قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْفِرَاشَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ وَيُقَوِّيهِ .

     قَوْلُهُ  الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ أَيْ لِمَنْ يَطَأُ فِي الْفِرَاشِ وَالْكِنَايَةُ عَنِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُسْتَحَى مِنْهَا كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَالَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ اللَّعْنِ بِمَا إِذَا وَقَعَ مِنْهَا ذَلِكَ لَيْلًا لِقَوْلِهِ حَتَّى تُصْبِحَ وَكَأَنَّ السِّرَّ تَأَكُّدُ ذَلِكَ الشَّأْنِ فِي اللَّيْلِ وَقُوَّةُ الْبَاعِثِ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا الِامْتِنَاعُ فِي النَّهَارِ وَإِنَّمَا خُصَّ اللَّيْلُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ الْمَظِنَّةُ لِذَلِكَ اه وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا وَلِابْنِ خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ لَهُمْ صَلَاةٌ وَلَا يَصْعَدُ لَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ حَسَنَةٌ الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ وَالسَّكْرَانُ حَتَّى يَصْحُوَ وَالْمَرْأَةُ السَّاخِطُ عَلَيْهَا زَوْجُهَا حَتَّى يَرْضَى فَهَذِهِ الْإِطْلَاقَاتُ تَتَنَاوَلُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ .

     قَوْلُهُ  فَأَبَتْ أَنْ تَجِيءَ زَادَ أَبُو عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا وَبِهَذِهِ الزِّيَادَةِ يُتَّجَهُ وُقُوعُ اللَّعْنِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ ثُبُوتُ مَعْصِيَتِهَا بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَغْضَبْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكُونُ إِمَّا لِأَنَّهُ عَذَرَهَا وَإِمَّا لِأَنَّهُ تَرَكَ حَقَّهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ زُرَارَةَ إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا فَلَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي لَفْظِ الْمُفَاعَلَةِ بَلِ المُرَاد أَنَّهَا هِيَ الَّتِي هجرت وَقد تَأتي لَفْظُ الْمُفَاعَلَةِ وَيُرَادُ بِهَا نَفْسُ الْفِعْلِ وَلَا يَتَّجِهُ عَلَيْهَا اللَّوْمُ إِلَّا إِذَا بَدَأَتْ هِيَ بِالْهَجْرِ فَغَضِبَ هُوَ لِذَلِكَ أَوْ هَجَرَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَلَمْ تَسْتَنْصِلْ مِنْ ذَنْبِهَا وَهَجَرَتْهُ أَمَّا لَوْ بَدَا هُوَ بِهَجْرِهَا ظَالِمًا لَهَا فَلَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً بِلَفْظِ اسْمِ الْفَاعِلِ .

     قَوْلُهُ  لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ فِي رِوَايَةِ زُرَارَةُ حَتَّى تَرْجِعَ وَهِيَ أَكْثَرُ فَائِدَةً وَالْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى الْغَالِبِ كَمَا تَقَدَّمَ وللطبراني من حَدِيث بن عُمَرَ رَفَعَهُ اثْنَانِ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمَا رُءُوسَهُمَا عَبْدٌ آبِقٌ وَامْرَأَةٌ غَضِبَ زَوْجُهَا حَتَّى تَرْجِعَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ قَالَ الْمُهَلَّبُ هَذَا الْحَدِيثُ يُوجِبُ أَنَّ مَنْعَ الْحُقُوقِ فِي الْأَبْدَانِ كَانَتْ أَوْ فِي الْأَمْوَالِ مِمَّا يُوجِبُ سُخْطَ اللَّهِ إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَهَا بِعَفْوِهِ وَفِيهِ جَوَازُ لَعْنِ الْعَاصِي الْمُسْلِمِ إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْإِرْهَابِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُوَاقِعَ الْفِعْلَ فَإِذَا وَاقَعَهُ فَإِنَّمَا يُدْعَى لَهُ بِالتَّوْبَةِ وَالْهِدَايَةِ.

قُلْتُ لَيْسَ هَذَا التَّقْيِيدُ مُسْتَفَادًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بَلْ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى وَقد ارْتَضَى بَعْضُ مَشَايِخُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُهَلَّبُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ لَعْنِ الْعَاصِي الْمُعَيَّنِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْحَقُّ أَنَّ مَنْ مَنَعَ اللَّعْنَ أَرَادَ بِهِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ وَهُوَ الْإِبْعَادُ مِنَ الرَّحْمَةِ وَهَذَا لَا يَلِيقُ أَنْ يُدْعَى بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِ بَلْ يُطْلَبُ لَهُ الْهِدَايَةُ وَالتَّوْبَةُ وَالرُّجُوعُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَالَّذِي أَجَازَهُ أَرَادَ بِهِ مَعْنَاهُ الْعُرْفِيِّ وَهُوَ مُطْلَقُ السَّبِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحِلَّهُ إِذَا كَانَ بِحَيْثُ يَرْتَدِعُ الْعَاصِي بِهِ وَيَنْزَجِرُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَفْعَلُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ جَوَازُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَفِيهِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَدْعُو عَلَى أَهْلِ الْمَعْصِيَةِ مَا دَامُوا فِيهَا وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ يَدْعُونَ لِأَهْلِ الطَّاعَةِ مَا دَامُوا فِيهَا كَذَا قَالَ الْمُهَلَّبُ وَفِيه نظر أَيْضا قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ وَهَلِ الْمَلَائِكَةُ الَّتِي تَلْعَنُهَا هُمُ الْحَفَظَةُ أَوْ غَيْرُهُمْ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ.

قُلْتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ مُوَكَّلًا بِذَلِكَ وَيُرْشِدُ إِلَى التَّعْمِيمِ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ سُكَّانَهَا قَالَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَوَّفَ بِذَلِكَ وَفِيهِ الْإِرْشَادُ إِلَى مُسَاعَدَةِ الزَّوْجِ وَطَلَبِ مَرْضَاتِهِ وَفِيهِ أَنَّ صَبْرَ الرَّجُلِ عَلَى تَرْكِ الْجِمَاعِ أَضْعَفُ مِنْ صَبْرِ الْمَرْأَةِ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ أَقْوَى التَّشْوِيشَاتِ عَلَى الرَّجُلِ دَاعِيَةُ النِّكَاحِ وَلِذَلِكَ حَضَّ الشَّارِعُ النِّسَاءَ عَلَى مُسَاعَدَةِ الرِّجَالِ فِي ذَلِكَ اه أَوِ السَّبَبُ فِيهِ الْحَضُّ عَلَى التَّنَاسُلِ وَيُرْشِدُ إِلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي التَّرْغِيبِ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ النِّكَاحِ قَالَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مُلَازَمَةِ طَاعَةِ اللَّهِ وَالصَّبْرِ عَلَى عِبَادَتِهِ جَزَاءً عَلَى مُرَاعَاتِهِ لِعَبْدِهِ حَيْثُ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنْ حُقُوقِهِ إِلَّا جَعَلَ لَهُ مَنْ يَقُومُ بِهِ حَتَّى جَعَلَ مَلَائِكَتَهُ تَلْعَنُ مَنْ أَغْضَبَ عَبْدَهُ بِمَنْعِ شَهْوَةٍ مِنْ شَهَوَاتِهِ فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُوَفِّيَ حُقُوقَ رَبِّهِ الَّتِي طَلَبَهَا مِنْهُ وَإِلَّا فَمَا أَقْبَحَ الْجَفَاءَ مِنَ الْفَقِيرِ الْمُحْتَاجِ إِلَى الْغَنِيِّ الْكَثِيرِ الْإِحْسَانِ اه مُلَخَّصًا من كَلَام بن أبي جَمْرَة رَحمَه الله