فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب النهس وانتشال اللحم

( قَولُهُ بَابُ السِّلْقِ)
بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ نَوْعٌ مِنَ الْبَقْلِ مَعْرُوفٌ فِيهِ تَحْلِيلٌ لِسَدَدِ الْكَبِدِ وَمِنْهُ صِنْفٌ أَسْوَدُ يَعْقِلُ الْبَطْنَ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ الْعَجُوزِ الَّتِي كَانَتْ تَصْنَعُ لَهُمْ أُصُولَ السِّلْقِ فِي قَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ وَأُحِيلَ بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ وَقَدْ فَرَّقَهُ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي غَسَّانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ وَوَقَعَ هُنَا مِنَ الزِّيَادَةِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَاللَّهِ مَا فِيهِ شَحْمٌ وَلَا وَدَكٌ وَتَقَدَّمَ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ أَنَّ السِّلْقَ يَكُونُ عَرْقَهُ أَيْ عِوَضًا عَنْ عِرْقِهِ فَإِنَّ الْعَرْقَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ الْعَظْمُ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ اللَّحْمِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لَحْمٌ فَهُوَ عِرَاقٌ وَقَدْ صَرَّحَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَحْمٌ وَلَا وَدَكٌ وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا كَافٌ وَهُوَ الدَّسَمُ وَزْنًا وَمَعْنًى وَعَطْفُهُ عَلَى الشَّحْمِ مِنْ عَطْفِ الْأَعَمِّ عَلَى الْأَخَصِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْحَدِيثِ مَا كَانَ السَّلَفُ عَلَيْهِ مِنَ الِاقْتِصَادِ وَالصَّبْرِ عَلَى قِلَّةِ الشَّيْءِ إِلَى أَنْ فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمُ الْفُتُوحَ الْعَظِيمَةَ فَمِنْهُمْ مَنْ تَبَسَّطَ فِي الْمُبَاحَاتِ مِنْهَا وَمِنْهُمْ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الدون مَعَ الْقُدْرَة زهدا وورعا قَولُهُ بَابُ النَّهْشِ وَانْتِشَالِ اللَّحْمِ النَّهْشُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ أَوْ مُهْمَلَةٌ وَهُمَا بِمَعْنًى عِنْدَ الْأَصْمَعِيِّ وَبِهِ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ الْقَبْضُ عَلَى اللَّحْمِ بِالْفَمِ وَإِزَالَتُهُ عَنِ الْعَظْمِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ بِالْمُعْجَمَةِ هَذَا وَبِالْمُهْمَلَةِ تنَاوله بِمقدم الْفَم وَقيل النهش بِالْمُهْمَلَةِ لِلْقَبْضِ عَلَى اللَّحْمِ وَنَتْرِهِ عِنْدَ الْأَكْلِ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الْأَمْرُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِرْشَادِ فَإِنَّهُ عَلَّلَهُ بِكَوْنِهِ أَهْنَأَ وأمرأ أَي أَشد هناء ومراءة وَيُقَال هنيء صَار هَنِيئًا ومريء صَارَ مَرِيئًا وَهُوَ أَنْ لَا يَثْقُلَ عَلَى الْمَعِدَةِ وَيَنْهَضِمَ عَنْهَا قَالَ وَلَمْ يَثْبُتِ النَّهْيُ عَنْ قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ بَلْ ثَبَتَ الْحَزُّ مِنَ الْكَتِفِ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللَّحْمِ كَمَا إِذَا عَسُرَ نَهْشُهُ بِالسِّنِّ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ وَكَذَا إِذَا لَمْ تَحْضُرِ السِّكِّينُ وَكَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْعَجَلَةِ وَالتَّأَنِّي وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالِانْتِشَالُ بِالْمُعْجَمَةِ التَّنَاوُلُ وَالْقَطْعُ وَالِاقْتِلَاعُ يُقَالُ نَشَلْتُ اللَّحْمَ مِنَ الْمَرَقِ أَخْرَجْتُهُ مِنْهُ وَنَشَلْتَ اللَّحْمَ إِذَا أَخَذْتَ بِيَدِكَ عُضْوًا فَتَرَكْتَ مَا عَلَيْهِ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي أَخْذِ اللَّحْمِ قَبْلَ أَنْ يَنْضَجَ وَيُسَمَّى اللَّحْمُ نَشِيلًا.

     وَقَالَ  الْإِسْمَاعِيلِيُّ ذَكَرَ الِانْتِشَالَ مَعَ النَّهْشِ وَالِانْتِشَالُ التَّنَاوُلُ وَالِاسْتِخْرَاجُ وَلَا يُسَمَّى نَهْشًا حَتَّى يَتَنَاوَلَ مِنَ اللَّحْمِ.

قُلْتُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّهْشَ بَعْدَ الِانْتِشَالِ وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ سَاقَهُمَا الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ النَّهْشِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ بِالْمَعْنَى حَيْثُ قَالَ تَعَرَّقَ كَتِفًا أَيْ تَنَاوَلَ اللَّحْمَ الَّذِي عَلَيْهِ بِفَمِهِ وَهَذَا هُوَ النَّهْشُ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ الَّذِي سَأَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي الْبَابَ الَّذِي بَعْدَ هَذَا فِي النَّهْيِ عَنْ قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ



[ قــ :5112 ... غــ :5404] .

     قَوْلُهُ  عَن مُحَمَّد هُوَ بن سِيرِينَ وَوَقَعَ مَنْسُوبًا فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ بن بَطَّالٍ لَا يَصِحُّ لِابْنِ سِيرِينَ سَمَاعٌ مِنِ بن عَبَّاس وَلَا من بن عُمَرَ.

قُلْتُ سَبَقَ إِلَى ذَلِكَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَكَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ لَمْ يسمع مُحَمَّد بن سِيرِين من بن عَبَّاس يَقُول بلغنَا.

     وَقَالَ  بن الْمَدِينِيِّ قَالَ شُعْبَةُ أَحَادِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ إِنَّمَا سَمِعَهَا مِنْ عِكْرِمَةَ لَقِيَهُ أَيَّامَ الْمُخْتَارِ.

قُلْتُ وَكَذَا قَالَ خَالِد الْحذاء كل شَيْء يَقُول بن سِيرِين ثَبت عَن بن عَبَّاسٍ سَمِعَهُ مِنْ عِكْرِمَةَ اه وَاعْتِمَادُ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْمَتْنِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى السَّنَدِ الثَّانِي وَقد ذكرت أَن بن الطباع ادخل فِي الأول عِكْرِمَة بَين بن سِيرِين وبن عَبَّاسٍ وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ بِإِيرَادِ السَّنَدِ الثَّانِي إِلَى مَا ذكرت من أَن بن سِيرِين لم يسمع من بن عَبَّاسٍ.

قُلْتُ وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ عَنِ بن عَبَّاسٍ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ الطَّبَّاعِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ فَأَدْخَلَ بَيْنَ مُحَمَّدَ بن سِيرِين وبن عَبَّاسٍ عِكْرِمَةَ وَإِنَّمَا صَحَّ عِنْدَهُ لِمَجِيئِهِ بِالطَّرِيقِ الْأُخْرَى الثَّانِيَةِ فَأَوْرَدَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي سَمِعَهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتِفًا فِي رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَن بن عَبَّاسٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ أَكَلَ كَتِفًا وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَن بن عَبَّاسٍ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَدِيَّةٍ خُبْزٍ وَلَحْمٍ فَأَكَلَ ثَلَاثَ لُقَمٍ الْحَدِيثَ فَأَفَادَتْ تَعْيِينَ جِهَةِ اللَّحْمِ وَمِقْدَارِ مَا أَكَلَ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  وَعَنْ أَيُّوبَ هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى السَّنَدِ الَّذِي قَبْلُهُ وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُعَلَّقٌ وَقَدْ أَوْرَدَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ الْفَضْلِ بْنِ الْحُبَابِ عَنِ الْحَجَبِيِّ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ بِسَنَدَيْنِ على لفظين أَحدهمَا عَن بن سِيرِينَ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي عَنْهُ عَنْ عِكْرِمَةَ وَعَاصِمٍ الْأَحْوَلِ بِاللَّفْظِ الثَّانِي وَمُفَادُ الْحَدِيثَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ تَرْكُ إِيجَابِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَصَلَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ زِيَادٍ وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُوصِلِيُّ وَعَارِمٌ وَيَحْيَى بْنُ غِيلَانَ وَالْحَوْضِيُّ كُلُّهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَأَرْسَلَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ حِسَابٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ بن عَبَّاسٍ.

قُلْتُ وَوَصْلُهُ صَحِيحٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ وَقَدْ وَصَلُوا وَأَرْسَلَ فَالْحُكْمُ لَهُمْ عَلَيْهِ وَقَدْ وَصَلَهُ آخَرُونَ غَيْرَ مِنْ سُمِّيَ عَنْ حَمَّاد بن زيد وَالله أعلم