فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما

( قَولُهُ بَابُ قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ)
ذَكَرَ فِيهِ حَدِيث عَمْرو بن أُميَّة أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَشْرُوحًا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَمَعْنَى يَحْتَزُّ يَقْطَعُ وأَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةُ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِتُّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يَحُزُّ لِي مِنْ جَنْبٍ حَتَّى أَذَّنَ بِلَالٌ فَطَرَحَ السِّكِّينَ.

     وَقَالَ  مَا لَهُ تَرِبَتْ يَدَاهُ قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا الْحَدِيثُ يَرُدَّ حَدِيثَ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَفَعَتْهُ لَا تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ فَإِنَّهُ مِنْ صَنِيعِ الْأَعَاجِمِ وَانْهَشُوهُ فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ قَالَ أَبُو دَاوُد هُوَ حَدِيثٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِ.

قُلْتُ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ انْهَشُوا اللَّحْمَ نَهْشًا فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ.

     وَقَالَ  لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ اه وَعَبْدُ الْكَرِيمِ هُوَ أَبُو أُمَيَّةَ بْنِ أبي الْمخَارِق ضَعِيف لَكِن أخرجه بن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَهُوَ حَسَنٌ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ مَا زَادَهُ أَبُو مَعْشَرٍ مِنَ التَّصْرِيحِ بِالنَّهْيِ عَنْ قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ وَأَكْثَرُ مَا فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ أَنَّ النَّهْشَ أَوْلَى وَقَدْ وَقَعَ فِي أَوَّلِ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ الطَّوِيلِ الْمَاضِي فِي التَّفْسِيرِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَحْم الذِّرَاع فنهش مِنْهَا نهشة الحَدِيث قَولُهُ بَابُ مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا أَيْ مُبَاحًا أَمَّا الْحَرَامُ فَكَانَ يَعِيبُهُ وَيَذُمُّهُ وَيَنْهَى عَنْهُ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْعَيْبَ إِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْخِلْقَةِ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الصَّنْعَةِ لَمْ يُكْرَهْ قَالَ لِأَنَّ صَنْعَةَ اللَّهِ لَا تُعَابُ وَصَنْعَةُ الْآدَمِيِّينَ تُعَابُ.

قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ التَّعْمِيمُ فَإِنَّ فِيهِ كَسْرَ قَلْبِ الصَّانِعِ قَالَ النَّوَوِيُّ مِنْ آدَابِ الطَّعَامِ الْمُتَأَكِّدَةِ أَنْ لَا يُعَابَ كَقَوْلِهِ مَالِحٌ حَامِضٌ قَلِيلُ الْمِلْحِ غَلِيظٌ رَقِيقٌ غَيْرُ نَاضِجٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ



[ قــ :5116 ... غــ :5409] .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي حَازِمٍ هُوَ الْأَشْجَعِيُّ وَلِلْأَعْمَشِ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةِ عَنْهُ عَنْ أَبِي يَحْيَى مَوْلَى جَعْدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَجَمَاعَةٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ وَاقْتصر البُخَارِيّ على أبي حَازِم لكَونه على شَرْطِهِ دُونَ أَبِي يَحْيَى وَأَبُو يَحْيَى مَوْلَى جعدة بن هُبَيْرَة المَخْزُومِي مدنِي مَاله عِنْدَ مُسْلِمٍ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ أَشَارَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِيمَا رَوَاهُ بن مَاجَهْ عَنْهُ إِلَى أَنَّ أَبَا مُعَاوِيَةَ تَفَرَّدَ بِقَوْلِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي يَحْيَى فَقَالَ لَمَّا أَوْرَدَهُ مِنْ طَرِيقِهِ يُخَالِفُهُ فِيهِ بِقَوْلِهِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيمَا انْتَقَدَ عَلَى مُسْلِمٍ وَأَجَابَ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُعَلَّلَةِ الَّتِي ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي خُطْبَةِ كِتَابِهِ أَنَّهُ يُورِدُهَا وَيُبَيِّنُ عِلَّتَهَا كَذَا قَالَ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ هَذَا لَا عِلَّةَ فِيهِ لِرِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَإِنَّمَا كَانَ يَأْتِي هَذَا لَوِ اقْتَصَرَ عَلَى أَبِي يَحْيَى فَيَكُونُ حِينَئِذٍ شَاذًّا أَمَّا بَعْدَ أَنْ وَافَقَ الْجَمَاعَةَ عَلَى أَبِي حَازِمٍ فَتَكُونُ زِيَادَةً مَحْضَةً حَفِظَهَا أَبُو مُعَاوِيَةَ دُونَ بَقِيَّةِ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ وَهُوَ مِنْ أَحْفَظِهِمْ عَنْهُ فَيُقْبَلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ يَعْنِي مِثْلَ مَا وَقَعَ لَهُ فِي الضَّبِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي يَحْيَى وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِهِ سَكَتَ أَيْ عَنْ عَيْبِهِ قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا مِنْ حُسْنِ الْأَدَبِ لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ لَا يَشْتَهِي الشَّيْءَ وَيَشْتَهِيهِ غَيْرُهُ وَكُلٌّ مَأْذُونٌ فِي أَكْلِهِ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ لَيْسَ فِيهِ عيب