فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: الخمر من العسل، وهو البتع

( قَوْله بَاب الْخمر من الْعَسَل)
وَهُوَ البتع بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ وَقَدْ تُفْتَحُ وَهِيَ لُغَة يَمَانِية قَوْله.

     وَقَالَ  معن بن عِيسَى سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنِ الْفُقَّاعِ بِضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ مَعْرُوفٌ قَدْ يُصْنَعُ مِنَ الْعَسَلِ وَأَكْثَرُ مَا يُصْنَعُ مِنَ الزَّبِيبِ وَحكمه سَائِرِ الْأَنْبِذَةِ مَا دَامَ طَرِيًّا يَجُوزُ شُرْبُهُ مَا لم يشْتَد قَوْله فَقَالَ إِذا لم يسكر فَلَا بَأْس بِهِ أَي وَإِذا أسكر حرم كَثِيرَة وقليله قَوْله.

     وَقَالَ  بن الدَّرَاورْدِي هُوَ عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد وَهَذَا من رِوَايَة معن بن عِيسَى عَنهُ أَيْضا قَوْله فَقَالُوا لَا يسكر لَا بَأْس بِهِ لم أعرف الَّذين سَأَلَهُمْ الدَّرَاورْدِي عَن ذَلِك لَكِن الظَّاهِر أَنهم فُقَهَاء أهل الْمَدِينَة فِي زَمَانه وَهُوَ قد شَارك مَالِكًا فِي لِقَاء أَكثر مشايخه الْمَدَنِيين وَالْحكم فِي الفقاع مَا أجابوه بِهِ لِأَنَّهُ لَا يُسمى فقاعا إِلَّا إِذا لم يشْتَد وَهَذَا الْأَثر ذكره معن بن عِيسَى الْقَزاز فِي الْمُوَطَّأ رِوَايَة عَن مَالك وَقد وَقع لنا بِالْإِجَازَةِ وغفل بعض الشُّرَّاح فَقَالَ أَن معن بن عِيسَى من شُيُوخ البُخَارِيّ فَيكون لَهُ حكم الِاتِّصَال كَذَا قَالَ وَالْبُخَارِيّ لم يلق معن بن عِيسَى لِأَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَالْبُخَارِيّ حِينَئِذٍ ببخارى وعمره حِينَئِذٍ أَربع سِنِين وَكَأن البُخَارِيّ أَرَادَ بِذكر هَذَا الْأَثر فِي التَّرْجَمَة أَن المُرَاد بِتَحْرِيم قَلِيل مَا أسكر كَثِيرَة أَن يكون الْكثير فِي تِلْكَ الْحَالة مُسكرا فَلَو كَانَ الْكثير فِي تِلْكَ الْحَالة لَا يسكر لم يحرم قَلِيله وَلَا كَثِيرَة كَمَا لَو عصر الْعِنَب وشربه فِي الْحَال وَسَيَأْتِي مزِيد فِي بَيَان ذَلِك فِي بَاب البازق إِن شَاءَ الله تَعَالَى



[ قــ :5287 ... غــ :5585] .

     قَوْلُهُ  سُئِلَ عَنِ الْبِتْعِ زَادَ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ ثَانِي أَحَادِيثِ الْبَابِ وَهُوَ نَبِيذُ الْعَسَلِ وَكَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَشْرَبُونَهُ وَمِثْلُهُ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّفْسِيرَ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ مَنْ دُونَهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ أَحْمَدَ مِثْلُ رِوَايَةِ مَالِكٍ لَكِنْ قَالَ فِي آخِرِهِ وَالْبِتْعُ نَبِيذُ الْعَسَلِ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي احْتِمَالِ الْإِدْرَاجِ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَقَعُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ السَّائِلِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ صَرِيحًا لَكِنَّنِي أَظُنُّهُ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ تُصْنَعُ بِهَا فَقَالَ مَا هِيَ قَالَ الْبِتْعُ وَالْمِزْرُ فَقَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ.

قُلْتُ لِأَبِي بُرْدَةَ مَا الْبِتْعُ قَالَ نَبِيذُ الْعَسَلِ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بِلَفْظِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي شَرَابَيْنِ كُنَّا نَصْنَعُهُمَا بِالْيَمَنِ الْبِتْعُ مِنَ الْعَسَلِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ وَالْمِزْرُ مِنَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ يُنْبَذُ حَتَّى يَشْتَدَّ قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَخَوَاتِمَهُ فَقَالَ أَنْهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ تَفْسِيرَ الْبِتْعِ مَرْفُوعٌ وَلَفْظُهُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرَابٍ مِنَ الْعَسَلِ فَقَالَ ذَاكَ الْبِتْعُ.

قُلْتُ وَمِنَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ قَالَ ذَاكَ الْمِزْرُ ثُمَّ قَالَ أَخْبِرْ قَوْمَكَ أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَقَدْ سَأَلَ أَبُو وَهْبٍ الْجَيْشَانِيُّ عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَهُ أَبُو مُوسَى فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِهِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمِزْرِ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَفْسِيرُ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ وَأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ تَخْصِيصَ التَّحْرِيمِ بِحَالَةِ الْإِسْكَارِ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا كَانَتْ فِيهِ صَلَاحِيَةُ الْإِسْكَارِ حَرُمَ تَنَاوُلُهُ وَلَوْ لَمْ يَسْكَرِ الْمُتَنَاوِلُ بِالْقَدْرِ الَّذِي تَنَاوَلَهُ مِنْهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ لَفْظِ السُّؤَالِ أَنَّهُ وَقَعَ عَنْ حُكْمِ جِنْسِ الْبِتْعِ لَا عَنِ الْقَدْرِ الْمُسْكِرِ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ السَّائِلُ ذَلِكَ لَقَالَ أَخْبِرْنِي عَمَّا يَحِلُّ مِنْهُ وَمَا يَحْرُمُ وَهَذَا هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ إِذَا سَأَلُوا عَنِ الْجِنْسِ قَالُوا هَلْ هَذَا نَافِعٌ أَوْ ضَارٌّ مَثَلًا وَإِذَا سَأَلُوا عَنِ الْقَدْرِ قَالُوا كَمْ يُؤْخَذُ مِنْهُ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُفْتِيَ يُجِيبُ السَّائِلَ بِزِيَادَةٍ عَمَّا سَأَلَ عَنْهُ إِذَا كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ السَّائِلُ وَفِيهِ تَحْرِيمُ كُلِّ مُسْكِرٍ سَوَاءٌ كَانَ مُتَّخَذًا مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَصِيرَ الْعِنَبِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ حَلَالٌ وَعَلَى أَنَّهُ إِذَا اشْتَدَّ وَغَلَى وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ حَرُمَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ ثُمَّ لَوْ حَصَلَ لَهُ تَخَلُّلٌ بِنَفْسِهِ حَلَّ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا فَوَقَعَ النَّظَرُ فِي تَبَدُّلُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ عِنْدَ هَذِهِ الْمُتَّخَذَاتِ فَأَشْعَرَ ذَلِكَ بِارْتِبَاطِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَدَلَّ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الْإِسْكَارُ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ شَرَابٍ وُجِدَ فِيهِ الْإِسْكَارُ حَرُمَ تَنَاوُلُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ اسْتِنْبَاطًا ثَبَتَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْخَبَرِ فَعِنْدَ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثُ جَابِرٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مثله وَسَنَدُهُ إِلَى عَمْرٍو صَحِيحٌ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرْقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ وَلِابْنِ حِبَّانَ وَالطَّحَاوِيِّ مِنْ حَدِيثَ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنْهَاكُمْ عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ وَقَدِ اعْتَرَفَ الطَّحَاوِيُّ بِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَكِنْ قَالَ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أَرَادَ بِهِ جِنْسَ مَا يُسْكِرُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمُ أَرَادَ بِهِ مَا يَقَعُ السُّكْرُ عِنْدَهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يُسَمَّى قَاتِلًا حَتَّى يَقْتُلَ قَالَ وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيث بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ.

قُلْتُ وَهُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَانْقِطَاعِهِ وَفِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَقَدْ رَجَّحَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ بِلَفْظِ وَالْمُسْكِرِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ لَا السُّكْرُ بِضَمٍّ ثُمَّ سُكُونٍ أَوْ بِفَتْحَتَيْنِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا فَهُوَ حَدِيثُ فَرْدٍ وَلَفْظُهُ مُحْتَمَلٌ فَكَيْفَ يُعَارِضُ عُمُومَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ مَعَ صِحَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا وَجَاءَ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ وَعَن بن عمر عِنْد بن إِسْحَاقَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمِ وَالطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَفِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ لَكِنَّهَا تَزِيدُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي قَبْلَهَا قُوَّةً وَشُهْرَةً قَالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ بْنُ السَّمْعَانِيِّ وَكَانَ حَنَفِيًّا فَتَحَوَّلَ شَافِعِيًّا ثَبَتَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ ثُمَّ سَاقَ كَثِيرًا مِنْهَا ثُمَّ قَالَ وَالْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ وَلَا مَسَاغَ لِأَحَدٍ فِي الْعُدُولِ عَنْهَا وَالْقَوْلُ بِخِلَافِهَا فَإِنَّهَا حُجَجٌ قَوَاطِعُ قَالَ وَقَدْ زَلَّ الْكُوفِيُّونَ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَوَوْا أَخْبَارًا مَعْلُولَةً لَا تُعَارِضَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ بِحَالٍ وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ مُسْكِرًا فَقَدْ دَخَلَ فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ وَبَاءَ بِإِثْمٍ كَبِيرٍ وَإِنَّمَا الَّذِي شَرِبَهُ كَانَ حُلْوًا وَلَمْ يَكُنْ مُسْكِرًا وَقَدْ رَوَى ثُمَامَةُ بْنُ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيُّ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيذِ فَدَعَتْ جَارِيَةً حَبَشِيَّةً فَقَالَتْ سَلْ هَذِهِ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتِ الْحَبَشِيَّةُ كُنْتُ أَنْبِذُ لَهُ فِي سقاء من اللَّيْل وأوكؤه وَأُعَلِّقُهُ فَإِذَا أَصْبَحَ شَرِبَ مِنْهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ ثُمَّ قَالَ فَقِيَاسُ النَّبِيذِ عَلَى الْخَمْرِ بِعِلَّةِ الْإِسْكَارِ وَالِاضْطِرَابِ مِنْ أَجَلِّ الْأَقْيِسَةِ وَأَوْضَحِهَا وَالْمَفَاسِدُ الَّتِي تُوجَدُ فِي الْخَمْرِ تُوجَدُ فِي النَّبِيذِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ عِلَّةَ الْإِسْكَارِ فِي الْخَمْرِ لِكَوْنِ قَلِيلِهِ يَدْعُو إِلَى كَثِيرِهِ مَوْجُودَةٌ فِي النَّبِيذِ لِأَنَّ السُّكْرَ مَطْلُوبٌ عَلَى الْعُمُومِ وَالنَّبِيذُ عِنْدَهُمْ عِنْدَ عَدَمِ الْخَمْرِ يَقُومُ مَقَامَ الْخَمْرِ لِأَنَّ حُصُولَ الْفَرَحِ وَالطَّرَبِ مَوْجُودٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانَ فِي النَّبِيذِ غِلَظٌ وَكُدْرَةٌ وَفِي الْخَمْرِ رِقَّةٌ وَصَفَاءٌ لَكِنِ الطَّبْعُ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ فِي النَّبِيذِ لِحُصُولِ السُّكْرِ كَمَا تُحْتَمَلُ الْمَرَارَةُ فِي الْخَمْرِ لِطَلَبِ السُّكْرِ قَالَ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَالنُّصُوصُ الْمُصَرِّحَةُ بِتَحْرِيمِ كُلِّ مُسْكِرٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ مُغْنِيَةٌ عَنِ الْقِيَاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ لَا يَصِحُّ فِي حِلِّ النَّبِيذِ الَّذِي يُسْكِرُ كَثِيرُهُ عَنِ الصَّحَابَةِ شَيْءٌ وَلَا عَنِ التَّابِعِينَ إِلَّا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ وَقَدْ ثَبَتَ حَدِيث عَائِشَة كل شراب أسكر فَهُوَ حرَام وَأما مَا أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِلٍ كُنَّا ندخل على بن مَسْعُودٍ فَيَسْقِينَا نَبِيذًا شَدِيدًا وَمِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ أكلت مَعَ بن مَسْعُودٍ فَأُتِينَا بِنَبِيذٍ شَدِيدٍ نَبَذَتْهُ سِيرِينُ فَشَرِبُوا مِنْهُ فَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا لَوْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ يَكُنْ مُعَارِضًا لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي تَحْرِيمِ كُلِّ مُسْكِرٍ ثَانِيهَا أَنه ثَبت عَن بن مَسْعُودٍ تَحْرِيمُ الْمُسْكِرِ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ فَإِذَا اخْتَلَفَ النَّقْل عَنهُ كَانَ قَوْله الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ إِخْوَانِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعَ مُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ أَوْلَى ثَالِثُهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشِّدَّةِ شِدَّةَ الْحَلَاوَةِ أَوْ شِدَّةَ الْحُمُوضَةِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلًا وَأَسْنَدَ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّ حَدِيث عَائِشَة كل شراب أسكر فَهُوَ حرَام أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ على من نقل عَن بن مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ لَا أَصْلَ لَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ مِنْ أَكْثَرِهِمُ اطِّلَاعًا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ نَقْلُ هَذَا عَنِ بن مَعِينٍ اه وَكَيْفَ يَتَأَتَّى الْقَوْلُ بِتَضْعِيفِهِ مَعَ وُجُودِ مَخَارِجِهِ الصَّحِيحَةِ ثُمَّ مَعَ كَثْرَةِ طُرُقِهِ حَتَّى قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إِنَّهَا جَاءَتْ عَنْ عِشْرِينَ صَحَابِيًّا فَأَوْرَدَ كَثِيرًا مِنْهَا فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ الْمُفْرَدِ فَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا حَدِيثُ بن عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ ذِكْرُهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَحَدِيثُ عُمَرَ بِلَفْظِ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى وَفِيهِ الْإِفْرِيقِيُّ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ بِلَفْظِ اجْتَنِبُوا مَا أسكر عِنْد أَحْمد وَهُوَ حسن وَحَدِيث بن مَسْعُود عِنْد بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقٍ لَيِّنٍ بِلَفْظِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَيِّنٍ أَيْضًا بِلَفْظِ عَلِيٍّ وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ مَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ عُمَرَ وَحَدِيثُ الْأَشَجِّ الْعَصْرِيِّ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى كَذَلِكَ بِسَنَد جيد وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَحَدِيثُ دَيْلَمٍ الْحِمْيَرِيِّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ فِي حَدِيثٍ فِيهِ قَالَ هَلْ يُسْكِرُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاجْتَنِبُوهُ وَحَدِيثُ مَيْمُونَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ وَكُلُّ شَرَابٍ أسكر فَهُوَ حرَام وَحَدِيث بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ جَيِّدٍ بِلَفْظِ عُمَرَ وَالْبَزَّارِ مِنْ طَرِيقٍ لَيِّنٍ بِلَفْظِ وَاجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ وَحَدِيثُ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ أخرجه الطَّبَرَانِيّ بِلَفْظ حَدِيث بن عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ حَدِيثِ عُمَرَ وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ وَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَن كل مُسكر وَحَدِيث مُعَاوِيَة أخرجه بن مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ عُمَرَ وَحَدِيثُ وَائِلِ بن حجر أخرجه بن أَبِي عَاصِمٍ وَحَدِيثُ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ الْمُزَنِيِّ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ عُمَرَ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ اجْتَنِبُوا الْمُسْكِرَ وحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ وَلَفْظُهُ مِثْلُ لَفْظِ عُمَرَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ كَذَلِكَ ذَكَرَ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ عُمَرَ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ عَلِيٍّ اجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ وَعَنِ الرَّسِيمِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ اشْرَبُوا فِيمَا شِئْتُمْ وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا وَعَن أبي بردة بن نيار أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِنَحْوِ هَذَا اللَّفْظِ وَعَنْ طَلْقِ بن عَليّ رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ يَا أَيُّهَا السَّائِلُ عَنِ الْمُسْكِرِ لَا تَشْرَبْهُ وَلَا تَسْقِهْ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَعَنْ صُحَارٍ الْعَبْدِيِّ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِنَحْوِ هَذَا وَعَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ وَعَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ النُّعْمَانِ عِنْدَ بن أَبِي عَاصِمٍ فِي الْأَشْرِبَةِ وَكَذَا عِنْدَهُ عَنْ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ فَإِذَا انْضَمَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ إِلَى حَدِيث بن عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَعَائِشَةَ زَادَتْ عَنْ ثَلَاثِينَ صَحَابِيًّا وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَنْهُمْ جِيَادٌ وَمَضْمُونُهَا أَنَّ الْمُسْكِرَ لَا يَحِلُّ تَنَاوُلُهُ بَلْ يَجِبُ اجْتِنَابُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رَدَّ أَنَسٌ الِاحْتِمَالَ الَّذِي جَنَحَ إِلَيْهِ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ سَمِعْتُ الْمُخْتَارَ بْنَ فُلْفُلٍ يَقُولُ سَأَلْتُ أَنَسًا فَقَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُزَفَّتِ.

     وَقَالَ  كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ قَالَ فَقُلْتُ لَهُ صَدَقْتَ الْمُسْكِرُ حَرَامٌ فَالشَّرْبَةُ وَالشَّرْبَتَانِ عَلَى الطَّعَامِ فَقَالَ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَالصَّحَابِيُّ أَعْرَفُ بِالْمُرَادِ مِمَّنْ تَأَخَّرَ بَعْدَهُ وَلِهَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ مَا قَالَ وَاسْتُدِلَّ بِمُطْلَقِ قَوْلِهِ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ عَلَى تَحْرِيمِ مَا يُسْكِرُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَرَابًا فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْحَشِيشَةُ وَغَيْرُهَا وَقَدْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهَا مُسْكِرَةٌ وَجَزَمَ آخَرُونَ بِأَنَّهَا مُخَدِّرَةٌ وَهُوَ مُكَابَرَةٌ لِأَنَّهَا تُحْدِثُ بِالْمُشَاهَدَةِ مَا يُحْدِثُ الْخَمْرُ مِنَ الطَّرَبِ وَالنَّشْأَةِ وَالْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا وَالِانْهِمَاكِ فِيهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُسْكِرَةٍ فَقَدْ ثَبَتَ فِي أَبِي دَاوُدَ النَّهْيُ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ وَهُوَ بِالْفَاءِ وَاللَّهُ أعلم
.

     قَوْلُهُ  وَعَنِ الزُّهْرِيِّ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ أَيْضًا عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ وَأَفْرَدَهُ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ بِهِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَنِ الطَّبَرَانِيِّ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُلْحِقُ مَعَهُمَا الْحَنْتَمَ وَالنَّقِيرَ الْقَائِلُ هَذَا هُوَ الزُّهْرِيُّ وَقَعَ ذَلِكَ عِنْدَ شُعَيْبٍ عَنْهُ مُرْسَلًا وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا تَنْبِذُوا فِي الدُّبَّاءِ وَلَا فِي الْمُزَفَّتِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاجْتَنِبُوا الْحَنَاتِمَ وَرَفَعَهُ كُلَّهُ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ نَهَى عَنِ الْمُزَفَّتِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَمِثْلُهُ لِابْنِ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ فِيهِ وَالدُّبَّاءُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ فِي أَوَائِلِ الصَّحِيحِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ زَاذَانَ قَالَ سَأَلت بن عُمَرَ عَنِ الْأَوْعِيَةِ فَقُلْتُ أُخْبِرْنَاهُ بِلُغَتِكُمْ وَفَسِّرْهُ لَنَا بِلُغَتِنَا فَقَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحَنْتَمَةِ وَهِيَ الْجَرَّةُ وَعَنِ الدُّبَّاءِ وَهِيَ الْقَرْعَةِ وَعَنِ النَّقِيرِ وَهِيَ أَصْلُ النَّخْلَةِ تُنْقَرُ نَقْرًا وَعَنِ الْمُزَفَّتِ وَهُوَ المقير وَأخرج أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وبن أبي عَاصِم وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي بكرَة قَالَ نُهِينَا عَنْ الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ فَأَمَّا الدُّبَّاءُ فَإِنَّا مَعْشَرُ ثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ كُنَّا نَأْخُذُ الدُّبَّاءَ فَنَخْرُطُ فِيهَا عَنَاقِيدَ الْعِنَبِ ثُمَّ نَدْفِنُهَا ثُمَّ نَتْرُكُهَا حَتَّى تُهْدَرَ ثُمَّ تَمُوتُ.
وَأَمَّا النَّقِيرُ فَإِنَّ أَهْلَ الْيَمَامَةِ كَانُوا يَنْقُرُونَ أَصْلَ النَّخْلَةِ فَيَشْدَخُونَ فِيهِ الرُّطَبَ وَالْبُسْرَ ثُمَّ يَدْعُونَهُ حَتَّى يُهْدَرَ ثُمَّ يَمُوتُ.
وَأَمَّا الْحَنْتَمُ فَجِرَارٌ جَاءَتْ تُحْمَلُ إِلَيْنَا فِيهَا الْخَمْرُ.
وَأَمَّا الْمُزَفَّتُ فَهِيَ هَذِهِ الْأَوْعِيَةُ الَّتِي فِيهَا هَذَا الزِّفْتُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ نَسْخِ النَّهْيِ عَنِ الْأَوْعِيَةِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْبِيهٌ قَالَ الْمُهَلَّبُ وَجْهُ إِدْخَالِ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي النَّهْيِ فِي الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي تَرْجَمَةِ الْخَمْرِ مِنَ الْعَسَلِ أَنَّ الْعَسَلَ لَا يَكُونُ مُسْكِرًا إِلَّا بَعْدَ الِانْتِبَاذِ وَالْعَسَلُ قَبْلَ الِانْتِبَاذِ مُبَاحٌ فَأَشَارَ إِلَى اجْتِنَابِ بَعْضِ مَا يُنْتَبَذُ فِيهِ لِكَوْنِهِ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْإِسْكَارُ