فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ما جاء في كفارة المرض

( بَابُ مَا جَاءَ فِي كَفَّارَةِ الْمَرَضِ)
كَذَا لَهُمْ إِلَّا أَنَّ الْبَسْمَلَةَ سَقَطَتْ لِأَبِي ذَرٍّ وَخَالَفَهُمُ النَّسَفِيُّ فَلَمْ يُفْرِدْ كِتَابَ الْمَرْضَى مِنْ كِتَابِ الطِّبِّ بَلْ صَدَّرَ بِكِتَابِ الطِّبِّ ثُمَّ بَسْمَلَ ثُمَّ ذَكَرَ بَابُ مَا جَاءَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ إِلَى آخِرِ كِتَابِ الطِّبِّ وَلِكُلٍّ وَجْهٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كِتَابُ وَالْمَرْضَى جَمْعُ مَرِيضٍ وَالْمُرَادُ بِالْمَرَضِ هُنَا مَرَضُ الْبَدَنِ وَقَدْ يُطْلَقُ الْمَرَضُ عَلَى مَرَضِ الْقَلْبِ إِمَّا لِلشُّبْهَةِ كَقَوْلِه تَعَالَى فِي قُلُوبهم مرض وَإِمَّا لِلشَّهْوَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قلبه مرض وَوَقَعَ ذِكْرُ مَرَضِ الْبَدَنِ فِي الْقُرْآنِ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مُنَاسَبَةِ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الطِّبِّ وَالْكَفَّارَةُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مِنَ التَّكْفِيرِ وَأَصْلُهُ التَّغْطِيَةُ وَالسَّتْرُ وَالْمَعْنَى هُنَا أَنَّ ذُنُوبَ الْمُؤْمِنِ تَتَغَطَّى بِمَا يَقَعُ لَهُ مِنْ أَلَمِ الْمَرَضِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ لِأَنَّ الْمَرَضَ لَيْسَتْ لَهُ كَفَّارَةٌ بَلْ هُوَ الْكَفَّارَةُ نَفْسُهَا فَهُوَ كَقَوْلِهِمْ شَجَرُ الْأَرَاكِ أَوِ الْإِضَافَةُ بِمَعْنَى فِي أَوْ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ هُوَ مِنَ الْإِضَافَةِ إِلَى الْفَاعِلِ وَأَسْنَدَ التَّكْفِيرَ لِلْمَرَضِ لِكَوْنِهِ سَبَبَهُ .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ يَعْمَلْ سوءا يجز بِهِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ مُنَاسَبَةُ الْآيَةِ لِلْبَابِ أَنَّ الْآيَةَ أَعَمُّ إِذِ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ سَيِّئَة فَإِنَّهُ يجازى بهَا.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ الْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرَضَ كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مُكَفِّرًا لِلْخَطَايَا فَكَذَلِكَ يَكُونُ جَزَاءً لَهَا.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ إِلَى أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الْمُسْلِمَ يُجَازَى عَلَى خَطَايَاهُ فِي الدُّنْيَا بِالْمَصَائِبِ الَّتِي تَقَعُ لَهُ فِيهَا فَتَكُونُ كَفَّارَةً لَهَا وَعَنِ الْحَسَنِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ نَزَلَتْ فِي الْكَفَّارَةِ خَاصَّةً وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ تَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ انْتَهَى وَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمَا أَوْرَدَهُ الطَّبَرِيُّ وَتعقبه وَنقل بن التِّين عَن بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ ذَكَرَهَا ثُمَّ أَوْرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَلَى شَرْطِهِ مَا يُوَافِقُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَكْثَرُ مِنْ تَأْوِيلِهَا وَمِنْهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ مَنْ يعْمل سوءا يجز بِهِ فَقَالَ إِنَّا لَنُجْزَى بِكُلِّ مَا عَمِلْنَاهُ هَلَكْنَا إِذًا فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نَعَمْ يُجْزَى بِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ مُصِيبَةٍ فِي جَسَدِهِ مِمَّا يُؤْذِيهِ وَأَخْرَجَهُ أَحْمد وَصَححهُ بن حِبَّانَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلَاحُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ فَقَالَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْتَ تَمْرَضُ أَلَسْتَ تَحْزَنُ قَالَ.

قُلْتُ بَلَى قَالَ هُوَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا نَزَلَتْ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يجز بِهِ بَلَغَتْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَبْلَغًا شَدِيدًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُسْلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكْبَةِ يُنْكَبُهَا وَالشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ عَائِشَةَ



[ قــ :5341 ... غــ :5640] .

     قَوْلُهُ  مَا مِنْ مُصِيبَةٍ أَصْلُ الْمُصِيبَةِ الرَّمْيَةُ بِالسَّهْمِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ فِي كُلِّ نَازِلَةٍ.

     وَقَالَ  الرَّاغِبُ أَصَابَ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَة الْآيَةَ قَالَ وَقِيلَ الْإِصَابَةُ فِي الْخَيْرِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الصَّوْبِ وَهُوَ الْمَطَرُ الَّذِي يَنْزِلُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَفِي الشَّرِّ مَأْخُوذَةٌ مِنْ إِصَابَةِ السَّهْمِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ الْمُصِيبَةُ فِي اللُّغَةِ مَا يَنْزِلُ بِالْإِنْسَانِ مُطْلَقًا وَفِي الْعُرْفِ مَا نَزَلَ بِهِ مِنْ مَكْرُوهٍ خَاصَّةً وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا .

     قَوْلُهُ  تُصِيبُ الْمُسْلِمَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَيُونُسَ جَمِيعًا عَنِ الزُّهْرِيِّ مَا مِنْ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُ وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ بِهَذَا السَّنَدِ مَا مِنْ وَجَعٍ أَوْ مَرَضٍ يُصِيب الْمُؤمن وَلابْن حبَان من طَرِيق بن أَبِي السَّرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا وَنَحْوُهُ لِمُسْلِمٍ من طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى الشَّوْكَةَ جَوَّزُوا فِيهِ الْحَرَكَاتِ الثَّلَاثَ فَالْجَرُّ بِمَعْنَى الْغَايَةِ أَيْ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الشَّوْكَةِ أَوْ عَطْفًا عَلَى لَفْظِ مُصِيبَةٍ وَالنَّصْبُ بِتَقْدِيرِ عَامل أَي حَتَّى وجد أَنه الشَّوْكَةَ وَالرَّفْعُ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي تُصِيبُ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ قَيَّدَهُ الْمُحَقِّقُونَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فَالرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْمَحَلِّ كَذَا قَالَ وَوَجَّهَهُ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَسُوغُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ مِنْ زَائِدَةٍ .

     قَوْلُهُ  يُشَاكُهَا بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يَشُوكُهُ غَيْرُهُ بِهَا وَفِيهِ وَصْلُ الْفِعْلِ لِأَن الأَصْل يشاك بهَا.

     وَقَالَ  بن التِّينِ حَقِيقَةُ هَذَا اللَّفْظِ يَعْنِي قَوْلَهُ يُشَاكُهَا أَنْ يُدْخِلَهَا غَيْرُهُ.

قُلْتُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ الْحَقِيقَةَ أَنْ لَا يُرَادَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَدْخُلَ مَا إِذَا دَخَلَتْ هِيَ بِغَيْرِ إِدْخَالِ أَحَدٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ شَوْكَةٌ فَإِضَافَةُ الْفِعْلِ إِلَيْهَا هُوَ الْحَقِيقَةُ وَيَحْتَمِلُ إِرَادَةَ الْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَهِيَ أَنْ تَدْخُلَ بِغَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ أَوْ بِفِعْلِ أَحَدٍ فَمَنْ لَا يَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَ إِرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازُ بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ يُجَوِّزُ مِثْلَ هَذَا وَيُشَاكُهَا ضُبِطَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ بِفَتْحِهِ وَنَسَبَهَا بَعْضُ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ لِصِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ لَكِنِ الْجَوْهَرِيُّ إِنَّمَا ضَبَطَهَا لِمَعْنًى آخَرَ فَقَدَّمَ لَفْظَ يُشَاكُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ ثُمَّ قَالَ وَالشَّوْكَةُ حِدَّةُ النَّاسِ وَحِدَّةُ السِّلَاحِ وَقَدْ شَاكَ الرَّجُلُ يُشَاكُ شَوْكًا إِذَا ظَهَرَتْ فِيهِ شَوْكَتُهُ وَقَوِيَتْ .

     قَوْلُهُ  إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ إِلَّا كَانَ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ أَيْ يَكُونُ ذَلِكَ عُقُوبَةً بِسَبَبِ مَا كَانَ صَدَرَ مِنْهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لمغفرة ذَنبه وَوَقع فِي رِوَايَة بن حِبَّانَ الْمَذْكُورَةِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً وَمِثْلُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ وَهَذَا يَقْتَضِي حُصُولَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا حُصُولَ الثَّوَابِ وَرَفْعَ الْعِقَابِ وَشَاهِدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ مَا ضُرِبَ عَلَى مُؤْمِنٍ عِرْقٌ قَطُّ إِلَّا حَطَّ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ خَطِيئَةً وَكَتَبَ لَهُ حَسَنَةً وَرَفَعَ لَهُ دَرَجَةً وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ عَنْهَا إِلَّا كَتَبَ الله لَهُ بهَا حَسَنَة أَو حط عَنهُ بِهَا خَطِيئَةً كَذَا وَقَعَ فِيهِ بِلَفْظِ أَوْ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَكًّا مِنَ الرَّاوِي وَيَحْتَمِلُ التَّنْوِيعَ وَهَذَا أَوْجَهُ وَيَكُونُ الْمَعْنَى إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ خَطَايَا أَوْ حَطَّ عَنْهُ خَطَايَا إِنْ كَانَ لَهُ خَطَايَا وَعَلَى هَذَا فَمُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ لَيْسَتْ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ يُزَادُ فِي رَفْعِ دَرَجَتِهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ وَالْفَضْلُ وَاسِعٌ تَنْبِيهٌ وَقَعَ لِهَذَا الْحَدِيثِ سَبَبٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شَيْبَةَ الْعَبْدَرِيِّ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَقَهُ وَجَعٌ فَجَعَلَ يَتَقَلَّبُ عَلَى فِرَاشِهِ وَيَشْتَكِي فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ لَوْ صَنَعَ هَذَا بَعْضُنَا لَوَجَدْتَ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنَّ الصَّالِحِينَ يُشَدَّدُ عَلَيْهِمْ وَإِنَّهُ لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ نَكْبَةٌ شَوْكَةٌ الْحَدِيثَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَعَقُّبٌ عَلَى الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ ظَنَّ بَعْضُ الْجَهَلَةِ أَنَّ الْمُصَابَ مَأْجُورٌ وَهُوَ خَطَأٌ صَرِيحٌ فَإِنَّ الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْكَسْبِ والمصائب لَيست مِنْهَا بل الْأجر علىالصبر وَالرِّضَا وَوَجْهُ التَّعَقُّبِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ صَرِيحَةٌ فِي ثُبُوتِ الْأَجْرِ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْمُصِيبَةِ.
وَأَمَّا الصَّبْرُ وَالرِّضَا فَقَدْرٌ زَائِدٌ يُمْكِنُ أَنْ يُثَابَ عَلَيْهِمَا زِيَادَةً عَلَى ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ قَالَ الْقَرَافِيُّ الْمَصَائِبُ كَفَّارَاتٌ جَزْمًا سَوَاءٌ اقْتَرَنَ بِهَا الرِّضَا أَمْ لَا لَكِنْ إِنِ اقْتَرَنَ بِهَا الرِّضَا عَظُمَ التَّكْفِيرُ وَإِلَّا قَلَّ كَذَا قَالَ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةٌ لِذَنْبٍ يُوَازِيهَا وَبِالرِّضَا يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُصَابِ ذَنْبٌ عُوِّضَ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الثَّوَابِ بِمَا يُوَازِيهِ وَزَعَمَ الْقَرَافِيُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لِلْمُصَابِ جَعَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ كَفَّارَةً لِذَنْبِكَ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ جَعَلَهَا كَفَّارَةً فَسُؤَالُ التَّكْفِيرِ طَلَبٌ لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَهُوَ إِسَاءَةُ أَدَبٍ عَلَى الشَّارِعِ كَذَا قَالَ وَتُعُقِّبَ بِمَا وَرَدَ مِنْ جَوَازِ الدُّعَاءِ بِمَا هُوَ وَاقِعٌ كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُؤَالُ الْوَسِيلَةِ لَهُ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ.
وَأَمَّا مَا وَرَدَ فَهُوَ مَشْرُوعٌ لِيُثَابَ مَنِ امْتَثَلَ الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَعًا





[ قــ :534 ... غــ :5641] .

     قَوْلُهُ  عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو هُوَ أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ أَكْثَرُ مِنَ اسْمِهِ وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ أَبُو الْمُنْذِرِ التَّمِيمِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمُوا فِي حِفْظِهِ لَكِنْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الصَّغِيرِ مَا رَوَى عَنْهُ أَهْلُ الشَّامِ فَإِنَّهُ مَنَاكِيرُ وَمَا رَوَى عَنْهُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ قُلْتُ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ كَانَ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ الشَّامِيُّونَ آخَرُ لِكَثْرَةِ الْمَنَاكِيرِ انْتَهَى وَمَعَ ذَلِكَ فَمَا أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وَحَدِيثًا آخَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ أَيْضًا عَنْهُ وَأَبُو عَامِرٍ بَصْرِيٌّ وَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ عَنْ شَيْخِهِ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَحَلْحَلَةُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا لَامٌ سَاكِنَةٌ وَبَعْدَ الثَّانِيَةِ لَامٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ هَاءٌ .

     قَوْلُهُ  عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  مِنْ نَصَبٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ هُوَ التَّعَبُ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ .

     قَوْلُهُ  وَلَا وَصَبٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةُ أَيْ مَرَضٌ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ وَقِيلَ هُوَ الْمَرَضُ اللَّازِمُ .

     قَوْلُهُ  وَلَا هَمٍّ وَلَا حَزَنٌ هُمَا مِنْ أَمْرَاضِ الْبَاطِنِ وَلِذَلِكَ سَاغَ عَطْفُهُمَا عَلَى الْوَصَبِ .

     قَوْلُهُ  وَلَا أَذًى هُوَ أَعَمُّ مِمَّا تَقَدَّمَ وَقِيلَ هُوَ خَاصٌّ بِمَا يَلْحَقُ الشَّخْصَ مِنْ تَعَدِّي غَيْرِهِ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  وَلَا غَمٌّ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ أَيْضًا مِنْ أَمْرَاضِ الْبَاطِنِ وَهُوَ مَا يُضَيِّقُ عَلَى الْقَلْبِ وَقِيلَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَهِيَ الْهَمُّ وَالْغَمُّ وَالْحُزْنُ أَنَّ الْهَمَّ يَنْشَأُ عَنِ الْفِكْرِ فِيمَا يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ مِمَّا يُتَأَذَّى بِهِ وَالْغَمُّ كَرْبٌ يَحْدُثُ لِلْقَلْبِ بِسَبَبِ مَا حَصَلَ وَالْحُزْنُ يَحْدُثُ لِفَقْدِ مَا يَشُقُّ عَلَى الْمَرْءِ فَقْدُهُ وَقِيلَ الْهَمُّ وَالْغَمُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ الْغَمُّ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْمَكْرُوهَاتِ لِأَنَّهُ إِمَّا بِسَبَبِ مَا يَعْرِضُ لِلْبَدَنِ أَوِ النَّفْسِ وَالْأَوَّلُ إِمَّا بِحَيْثُ يَخْرُجُ عَنِ الْمَجْرَى الطَّبِيعِيِّ أَوْ لَا وَالثَّانِي إِمَّا أَنْ يُلَاحِظَ فِيهِ الْغَيْرَ أَوْ لَا وَإِمَّا أَنْ يَظْهَرَ فِيهِ الِانْقِبَاضُ أَوْ لَا وَإِمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى الْمَاضِي أَوْ لَا الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ كَعْبٍ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ الْقَطَّانُ وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ وَسعد هُوَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيّ وَعبد الله بن كَعْب أَي بن مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ .

     قَوْلُهُ  كَالْخَامَةِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ هِيَ الطَّاقَةُ الطَّرِيَّةُ اللَّيِّنَةُ أَوِ الْغَضَّةُ أَوِ الْقَضْبَةُ قَالَ الْخَلِيلُ الْخَامَةُ الزَّرْعُ أَوَّلَ مَا يَنْبُتُ عَلَى سَاقٍ وَاحِدٍ وَالْأَلِفُ مِنْهَا منقلبة عَن وَاو وَنقل بن التِّينِ عَنِ الْقَزَّازِ أَنَّهُ ذَكَرَهَا بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَفَسَّرَهَا بِالطَّاقَةِ مِنَ الزَّرْعِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ السُّنْبُلَةِ تَسْتَقِيمُ مَرَّةً وَتَخِرُّ أُخْرَى وَلَهُ فِي حَدِيثِ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ الْخَامَةِ تَحْمَرُّ مَرَّةً وَتَصْفَرُّ أُخْرَى .

     قَوْلُهُ  تُفَيِّئُهَا بِفَاءٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ مَهْمُوزٍ أَيْ تُمَيِّلُهَا وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ هُنَا لَمْ يَذْكُرِ الْفَاعِلُ وَهُوَ الرِّيحُ وَبِهِ يَتِمُّ الْكَلَامُ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي بَابِ كَفَّارَةِ الْمَرَضِ وَهَذَا مِنْ أَعْجَبِ مَا وَقَعَ لَهُ فَإِنَّ هَذَا الْبَابَ الَّذِي ذَكَرَ فِيهِ ذَلِكَ هُوَ بَابُ كَفَّارَةِ الْمَرَضِ وَلَفْظُ الرِّيحِ ثَابت فِيهِ عِنْد مُعظم الروَاة وَنقل بن التِّينِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الْمَلِكِ أَنَّ مَعْنَى تُفَيِّئُهَا تُرْقِدُهَا.
وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ فَاءَ إِذَا رَقَدَ.

قُلْتُ لَعَلَّهُ تَفْسِيرُ مَعْنًى لِأَنَّ الرُّقُودَ رُجُوعٌ عَنِ الْقِيَامِ وَفَاءَ يَجِيءُ بِمَعْنَى رَجَعَ .

     قَوْلُهُ  وَتَعْدِلُهَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْضًا وَفَتْحِ ثَانِيهِ وَالتَّشْدِيدِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ تُفَيِّئُهَا الرِّيحُ تَصْرَعُهَا مَرَّةً وَتَعْدِلُهَا أُخْرَى وَكَأَنَّ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ حَالِ الرِّيحِ فَإِنْ كَانَتْ شَدِيدَةً حَرَّكَتْهَا فَمَالَتْ يَمِينًا وَشِمَالًا حَتَّى تُقَارِبَ السُّقُوطُ وَإِنْ كَانَتْ سَاكِنَةً أَوْ إِلَى السُّكُونِ أَقْرَبَ أَقَامَتْهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا عِنْدَ مُسْلِمٍ حَتَّى تَهِيجَ أَيْ تَسْتَوِي وَيَكْمُلُ نُضْجُهَا وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ 



[ قــ :5343 ... غــ :5643] وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ بَعْدَهُ الْفَاجِرُ وَفِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا عِنْدَ مُسْلِمٍ الْكفَّار .

     قَوْلُهُ  كَالْأَرْزَةِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا زَايٌ كَذَا لِلْأَكْثَرِ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ هُوَ بِوَزْنِ فَاعِلِهِ وَهِيَ الثَّابِتَةُ فِي الْأَرْضِ وَرَدَّهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِأَنَّ الرُّوَاةَ اتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ الْمَدِّ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي سُكُونِ الرَّاءِ وَتَحْرِيكِهَا وَالْأَكْثَرُ عَلَى السُّكُونِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ الرَّاءُ سَاكِنَةٌ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ نَبَاتِ أَرْضِ الْعَرَبِ وَلَا يَنْبُتُ فِي السِّبَاخِ بَلْ يُطَوِّلُ طُولًا شَدِيدًا وَيَغْلُظُ قَالَ وَأَخْبَرَنِي الْخَبِيرُ أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّنَوْبَرَ وَأَنَّهُ لَا يَحْمِلُ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ مِنْ أَعْجَازِهِ وَعُرُوقِهِ الزِّفْتُ.

     وَقَالَ  بن سِيدَهْ الْأَرْزُ الْعَرْعَرُ وَقِيلَ شَجَرٌ بِالشَّامِ يُقَالُ لِثَمَرِهِ الصَّنَوْبَرُ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ الْأَرَزَةُ مَفْتُوحَةُ الرَّاءِ وَاحِدَةُ الْأَرْزِ وَهُوَ شَجَرُ الصَّنَوْبَرِ فِيمَا يُقَالُ.

     وَقَالَ  الْقَزَّازُ قَالَهُ قَوْمٌ بِالتَّحْرِيكِ وَقَالُوا هُوَ شَجَرٌ مُعْتَدِلٌ صَلْبٌ لَا يُحَرِّكُهُ هُبُوبُ الرِّيحِ وَيُقَالُ لَهُ الْأَرْزَنُ .

     قَوْلُهُ  انْجِعَافُهَا بِجِيمٍ وَمُهْمَلَةٍ ثُمَّ فَاءٍ أَيِ انْقِلَاعِهَا تَقُولُ جَعَفْتُهُ فَانْجَعَفَ مثل قلعته فانقلع وَنقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ مَعْنَاهُ انْكِسَارُهَا مِنْ وَسَطِهَا أَوْ أَسْفَلِهَا قَالَ الْمُهَلَّبُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَن الْمُؤمن حَيْثُ جَاءَهُ أَمر الله أَن طاع لَهُ فَإِنْ وَقَعَ لَهُ خَيْرٌ فَرِحَ بِهِ وَشَكَرَ وَإِنْ وَقَعَ لَهُ مَكْرُوهٌ صَبَرَ وَرَجَا فِيهِ الْخَيْرَ وَالْأَجْرَ فَإِذَا انْدَفَعَ عَنْهُ اعْتَدِلْ شاكرا وَالْكَافِر لَا يتفقده اللَّهَ بِاخْتِيَارِهِ بَلْ يَحْصُلُ لَهُ التَّيْسِيرُ فِي الدُّنْيَا لِيَتَعَسَّرَ عَلَيْهِ الْحَالُ فِي الْمَعَادِ حَتَّى إِذَا أَرَادَ اللَّهُ إِهْلَاكَهُ قَصَمَهُ فَيَكُونُ مَوْتُهُ أَشَدَّ عَذَابًا عَلَيْهِ وَأَكْثَرَ أَلَمًا فِي خُرُوجِ نَفْسِهِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَتَلَقَّى الْأَعْرَاضَ الْوَاقِعَةَ عَلَيْهِ لِضَعْفِ حَظِّهِ مِنَ الدُّنْيَا فَهُوَ كَأَوَائِلِ الزَّرْعِ شَدِيدُ الْمَيَلَانِ لِضَعْفِ سَاقِهِ وَالْكَافِرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَهَذَا فِي الْغَالِبِ مِنْ حَال الْإِثْنَيْنِ قَوْله.

     وَقَالَ  زَكَرِيَّا هُوَ بن أَبِي زَائِدَةَ وَهَذَا التَّعْلِيقُ عَنْهُ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ كِلَاهُمَا عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي سَعْدٌ هُوَ بن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور من قبل قَوْله حَدثنِي بن كَعْبٍ يُرِيدُ أَنَّهُ مُغَايِرٌ لِرِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ سعد فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا إبهامه اسْم بن كَعْبٍ وَالثَّانِي تَصْرِيحُهُ بِالتَّحْدِيثِ فَيُسْتَفَادُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَان تَسْمِيَتِهِ وَمِنْ رِوَايَةِ زَكَرِيَّا التَّصْرِيحُ بِاتِّصَالِهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عِنْدَ سُفْيَانَ تَسْمِيَتُهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ كَعْبٍ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرّ فِي إبهامه فِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا وَيُسْتَفَادُ مِنْ صَنِيعِ مُسْلِمٍ فِي تَخْرِيجِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ إِذَا دَارَ عَلَى ثِقَةٍ لَا يَضُرُّ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ





[ قــ :5344 ... غــ :5644] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي أَبِي هُوَ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ كَذَا فِيهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ مَوَالِيهِمْ وَاسْمُ جَدِّهِ أُسَامَةُ وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا هِلَالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ وَهِلَالُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ وَهُوَ مَدَنِيٌّ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ مُوَثَّقٌ وَفِي الرُّوَاةِ هِلَالُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ سَلَمَةُ الْفِهْرِيُّ تَابِعِيٌّ مدنِي أَيْضا يروي عَن بن عمر روى عَنْهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ وَحْدَهُ وَوَهِمَ مَنْ خَلَطَهُ بِهِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ وَفِيهِمْ أَيْضًا هِلَالُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ مَذْحِجِيٌّ تَابِعِيٌّ أَيْضًا يَرْوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهِلَالُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ أَبُو ظِلَالٍ بَصْرِيٌّ تَابِعِيٌّ أَيْضًا يَأْتِي ذِكْرُهُ قَرِيبًا فِي بَابِ فَضْلِ مَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ وَهِلَالُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ شَيْخٌ يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ أَفْرَدَهُ الْخَطِيبُ فِي الْمُتَّفَقِ عَنْ أَبِي ظِلَالٍ.

     وَقَالَ  إِنَّهُ مَجْهُولٌ وَلَسْتُ أَسْتَبْعِدُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا .

     قَوْلُهُ  مِنْ حَيْثُ أَتَتْهَا الرِّيحُ كَفَأَتْهَا بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْفَاءِ وَالْهَمْزِ أَيْ أمالتها وَنقل بن التِّينِ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ ثُمَّ قَالَ كَأَنَّهُ سَهَّلَ الْهَمْزَ وَهُوَ كَمَا ظَنَّ وَالْمَعْنَى أَمَالَتْهَا .

     قَوْلُهُ  فَإِذَا اعْتَدَلَتْ تَكَفَّأَ بِالْبَلَاءِ قَالَ عِيَاضٌ كَذَا فِيهِ وَصَوَابُهُ فَإِذَا انْقَلَبَتْ ثُمَّ يَكُونُ .

     قَوْلُهُ  تَكَفَّأَ رُجُوعًا إِلَى وَصْفِ الْمُسْلِمِ وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي التَّوْحِيدِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ كَانَ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا اعْتَدَلَتْ تَكَفَّأَ بِالرِّيحِ كَمَا يَتَكَفَّأُ الْمُؤْمِنُ بِالْبَلَاءِ لَكِنِ الرِّيحُ أَيْضًا بَلَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَامَةِ أَوْ لِأَنَّهُ لَمَّا شَبَّهَ الْمُؤْمِنَ بِالْخَامَةِ أَثْبَتَ لِلْمُشَبَّهِ بِهِ مَا هُوَ مِنْ خَوَاصِّ الْمُشَبَّهِ.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَوَابُ إِذَا مَحْذُوفًا وَالتَّقْدِيرُ اسْتَقَامَتْ أَيْ فَإِذَا اعْتَدَلَتِ الرِّيحُ اسْتَقَامَتِ الْخَامَةُ وَيَكُونُ .

     قَوْلُهُ  بَعْدَ ذَلِكَ تَكَفَّأَ بِالْبَلَاءِ رُجُوعًا إِلَى وَصْفِ الْمُسْلِمِ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ وَسِيَاقُ الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ مِنْ كِتَابِ التَّوْحِيدِ يُؤَيِّدُ مَا.

قُلْتُ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ فِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ فُلَيْحٍ عَالِيًا بِإِسْنَادِهِ الَّذِي هُنَا.

     وَقَالَ  فِيهِ فَإِذَا سَكَنَتِ اعْتَدَلَتْ وَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُ يُكْفَأُ بِالْبَلَاءِ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ فِي تَرْجَمَةِ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ خَامَةِ الزَّرْعِ خَ فِي الطِّبِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ فُلَيْحٍ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ بِهِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ يَعْنِي بن عَسَاكِرَ لَمْ أَجِدْ حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَلَا ذَكَرَهُ أَبُو مَسْعُودٍ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ خَلَفًا تَفَرَّدَ بِذِكْرِهِ.

قُلْتُ وَرِوَايَةُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِ الْمَرْضَى كَمَا تَرَى لَا فِي الطِّبِّ لَكِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ سَهْلٌ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ فَقَدْ بَيَّنْتُ أَيْنَ ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فَيُتَعَجَّبُ مِنْ خَفَاءِ ذَلِكَ على هذَيْن الحافظين الكبيرين بن عَسَاكِرَ وَالْمِزِّيِّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَنْعَمَ .

     قَوْلُهُ  وَالْفَاجِرُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَالْكَافِرُ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُنَافِقِ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ نِفَاقُ الْكُفْرِ .

     قَوْلُهُ  صَمَّاءُ أَيْ صُلْبَةٌ شَدِيدَةٌ بِلَا تَجْوِيفٍ .

     قَوْلُهُ  يَقْصِمُهَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَبِالْقَافِ أَيْ يَكْسِرُهَا وَكَأَنَّهُ مُسْتَنَدُ الدَّاوُدِيِّ فِيمَا فَسَّرَ بِهِ الِانْجِعَافَ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّعْبِيرِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْكَسْرِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الِانْقِلَاعَ لِأَنَّ الْغَرَضَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْإِزَالَةُ وَالْمُرَادُ خُرُوجُ الرُّوحِ مِنَ الْجَسَدِ الْحَدِيثُ السَّادِسُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا





[ قــ :5345 ... غــ :5645] .

     قَوْلُهُ  عَنْ مُحَمَّدُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ هَكَذَا جَرَّدَ مَالِكٌ نَسَبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسُبُهُ إِلَى جَدِّهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسُبُ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى جَدِّهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيق بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَهُ .

     قَوْلُهُ  أَبَا الْحُبَابِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ مُخَفَّفًا .

     قَوْلُهُ  مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِبْ مِنْهُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِكَسْرِ الصَّادِ وَالْفَاعِلُ اللَّهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ مَعْنَاهُ يَبْتَلِيهِ بِالْمَصَائِبِ لِيُثِيبَهُ عَلَيْهَا.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ مَعْنَاهُ يُوَجه إِلَيْهِ الْبلَاء فَيُصِيبهُ.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ يَرْوِيهِ بِكَسْرِ الصَّادِ وَسَمِعْتُ بن الْخَشَّابِ يَفْتَحُ الصَّادَ وَهُوَ أَحْسَنُ وَأَلْيَقُ كَذَا قَالَ وَلَوْ عَكَسَ لَكَانَ أَوْلَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَوَجَّهَ الطِّيبِيُّ الْفَتْحَ بِأَنَّهُ أَلْيَقُ بِالْأَدَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين.

قُلْتُ وَيَشْهَدُ لِلْكَسْرِ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَفَعَهُ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ صَبَرَ فَلَهُ الصَّبْرُ وَمَنْ جَزَعَ فَلَهُ الْجَزَعُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ اخْتُلِفَ فِي سَمَاعُهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَآهُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ لَا يَنْفَكُّ غَالِبًا مِنْ أَلَمٍ بِسَبَبِ مَرَضٍ أَوْ هَمٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرَ وَأَنَّ الْأَمْرَاضَ وَالْأَوْجَاعَ وَالْآلَامَ بَدَنِيَّةً كَانَتْ أَوْ قَلْبِيَّةً تُكَفِّرُ ذُنُوبَ مَنْ تَقَعُ لَهُ وَسَيَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي بعده من حَدِيث بن مَسْعُودٍ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى إِلَّا حَاتَّ اللَّهُ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَظَاهِرُهُ تَعْمِيمُ جَمِيعِ الذُّنُوبِ لَكِنِ الْجُمْهُورُ خَصُّوا ذَلِكَ بِالصَّغَائِرِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ فَحَمَلُوا الْمُطْلَقَاتِ الْوَارِدَةَ فِي التَّكْفِيرِ عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّعْمِيمُ أَنَّ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحَةٌ لِتَكْفِيرِ الذُّنُوبِ فَيُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا مَا شَاءَ مِنَ الذُّنُوبِ وَيَكُونُ كَثْرَةُ التَّكْفِيرِ وَقِلَّتُهُ بِاعْتِبَارِ شِدَّةِ الْمَرَضِ وَخِفَّتِهِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِتَكْفِيرِ الذَّنب ستره أَو محو أَثَره الْمُرَتّب عَلَيْهِ مِنَ اسْتِحْقَاقِ الْعُقُوبَةِ وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ حُصُولِ الْمَرَضِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّكْفِيرُ الْمَذْكُورُ سَوَاءٌ انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ صَبْرُ الْمُصَابِ أَمْ لَا وَأَبَى ذَلِكَ قَوْمٌ كَالْقُرْطُبِيِّ فِي الْمُفْهِمِ فَقَالَ مَحَلُّ ذَلِكَ إِذَا صَبَرَ الْمُصَابُ وَاحْتَسَبَ.

     وَقَالَ  مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى الَّذين إِذا أَصَابَتْهُم مُصِيبَة الْآيَةَ فَحِينَئِذٍ يَصِلُ إِلَى مَا وَعَدَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى دَعْوَاهُ بِدَلِيلٍ وَأَنَّ فِي تَعْبِيرِهِ بِقَوْلِهِ بِمَا أَمَرَ اللَّهُ نَظَرًا إِذْ لَمْ يَقَعْ هُنَا صِيغَةُ أَمْرٍ وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَقَعِ التَّصْرِيحُ بِالْأَمْرِ فَسِيَاقُهُ يَقْتَضِي الْحَثَّ عَلَيْهِ وَالطَّلَبَ لَهُ فَفِيهِ مَعْنَى الْأَمْرِ وَعَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ حَمْلُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالتَّقْيِيدِ بِالصَّبْرِ عَلَى الْمُطْلَقَةِ وَهُوَ حَمْلٌ صَحِيحٌ لَكِنْ كَانَ يَتِمُّ لَهُ ذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ شَيْءٌ مِنْهَا بَلْ هِيَ إِمَّا ضَعِيفَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا وَإِمَّا قَوِيَّةٌ لَكِنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِثَوَابٍ مَخْصُوصٍ فَاعْتِبَارُ الصَّبْرِ فِيهَا إِنَّمَا هُوَ لِحُصُولِ ذَلِكَ الثَّوَابِ الْمَخْصُوصِ مِثْلُ مَا سَيَأْتِي فِيمَنْ وَقَعَ الطَّاعُونُ بِبَلَدٍ هُوَ فِيهَا فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ فَلَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ وَمِثْلُ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ فَلَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلٍ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ مَالِهِ ثُمَّ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَبْلُغَ تِلْكَ الْمَنْزِلَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ خَالِدًا لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ وَأَبُوهُ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ لَكِنْ إِبْهَامُ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ وَحَدِيثُ سَخْبَرَةَ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَزْنُ مَسْلَمَةَ رَفَعَهُ مَنْ أُعْطِيَ فَشَكَرَ وَابْتُلِيَ فَصَبَرَ وَظَلَمَ فَاسْتَغْفَرَ وَظُلِمَ فَغَفَرَ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَالْحَدِيثُ الْآتِي قَرِيبًا مَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ يَدْخُلُ فِي هَذَا أَيْضًا هَكَذَا زَعَمَ بَعْضُ مَنْ لَقِينَاهُ أَنَّهُ اسْتَقْرَأَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الصَّبْرِ فَوَجَدَهَا لَا تَعْدُو أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ صَحَّ التَّقْيِيدُ بِالصَّبْرِ مَعَ إِطْلَاقِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ وَذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أمره كُله خير وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ فَشَكَرَ اللَّهَ فَلَهُ أَجْرٌ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ فَصَبَرَ فَلَهُ أَجْرٌ فَكُلُّ قَضَاءِ اللَّهِ لِلْمُسْلِمِ خَيْرٌ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بِلَفْظِ عَجِبْتُ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ حَمِدَ وَشَكَرَ وَإِنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ حَمِدَ وَصَبَرَ فَالْمُؤْمِنُ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ أَمْرِهِ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَمِمَّنْ جَاءَ عَنْهُ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْأَجْرَ لَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْمُصِيبَةِ بَلْ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِهَا التَّكْفِيرُ فَقَطْ مِنَ السَّلَفِ الْأَوَّلِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَصْلَهُ فِي النَّسَائِيِّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عِيَاضِ بْنِ غُطَيْفٍ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ نَعُودُهُ مِنْ شَكْوَى أَصَابَتْهُ فَقُلْنَا كَيْفَ بَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ نُحَيْفَةُ لَقَدْ بَاتَ بِأَجْرٍ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَا بِتُّ بِأَجْرٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِبَلَاءٍ فِي جَسَدِهِ فَهُوَ لَهُ حِطَّةٌ وَكَأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعِ الْحَدِيثَ الَّذِي صَرَّحَ فِيهِ بِالْأَجْرِ لِمَنْ أَصَابَتْهُ الْمُصِيبَةُ أَوْ سَمِعَهُ وَحَمَلَهُ عَلَى التَّقْيِيدِ بِالصَّبْرِ وَالَّذِي نَفَاهُ مُطْلَقُ حُصُولِ الْأَجْرِ الْعَارِي عَنِ الصَّبْرِ وَذَكَرَ بن بَطَّالٍ أَنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَدَلَّ عَلَى حُصُولِ الْأَجْرِ بِالْمَرَضِ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمَاضِي فِي الْجِهَادِ بِلَفْظِ إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا قَالَ فَقَدْ زَادَ عَلَى التَّكْفِيرِ وَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِهَذَا إِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ نِيَّتِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَدَامَ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فَتَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَكْتُبَ لَهُ ثَوَابَ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُسَاوِيَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْمَلُ فِي صِحَّتِهِ شَيْئًا وَمِمَّنْ جَاءَ عَنْهُ أَنَّ الْمَرِيضَ يُكْتَبُ لَهُ الْأَجْرُ بِمَرَضِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ فَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَا مِنْ مَرَضٍ يُصِيبُنِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الْحُمَّى لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنِّي وَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي كُلَّ عُضْوٍ قِسْطَهُ مِنَ الْأَجْرِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَقُولُهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بِرَأْيِهِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا جَزَاءُ الْحُمَّى قَالَ تَجْرِي الْحَسَنَاتُ عَلَى صَاحِبِهَا مَا اخْتَلَجَ عَلَيْهِ قَدَمٌ أَوْ ضُرِبَ عَلَيْهِ عِرْقٌ الْحَدِيثَ وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ عَلَى حَالَيْنِ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ ذُنُوبٌ مَثَلًا أَفَادَ الْمَرَضُ تَمْحِيصَهَا وَمَنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ ذُنُوبٌ كُتِبَ لَهُ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ وَلَمَّا كَانَ الْأَغْلَبُ مِنْ بَنِي آدَمَ وُجُودَ الْخَطَايَا فِيهِمْ أَطْلَقَ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ الْمَرَضَ كَفَّارَةٌ فَقَطْ وَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ وَمَنْ أَثْبَتَ الْأَجْرَ بِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَحْصِيلِ ثَوَابٍ يُعَادِلُ الْخَطِيئَةَ فَإِذَا لَمْ تَكُنْ خَطِيئَةٌ تَوَفَّرَ لِصَاحِبِ الْمَرَضِ الثَّوَابُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَقد استبعد بن عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ حُصُولَ الْأَجْرِ عَلَى نَفْسِ الْمُصِيبَةِ وَحَصَرَ حُصُولَ الْأَجْرِ بِسَبَبِهَا فِي الصَّبْرِ وَتُعُقِّبَ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ اسْتَأْذَنَتِ الْحُمَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهَا إِلَى أَهْلِ قُبَاءَ فَشَكَوْا إِلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ مَا شِئْتُمْ إِنْ شِئْتُمْ دَعَوْتُ اللَّهَ لَكُمْ فَكَشَفَهَا عَنْكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ أَنْ تَكُونَ لَكُمْ طَهُورًا قَالُوا فَدَعْهَا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يُؤَاخِذْهُمْ بِشَكْوَاهُمْ وَوَعَدَهُمْ بِأَنَّهَا طَهُورٌ لَهُمْ.

قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُصِيبَةَ إِذَا قَارَنَهَا الصَّبْرُ حَصَلَ التَّكْفِيرُ وَرَفْعُ الدَّرَجَاتِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلِ الصَّبْرُ نُظِرَ إِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنَ الْجَزَعِ مَا يُذَمُّ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فَالْفَضْلُ وَاسِعٌ وَلَكِنِ الْمَنْزِلَةُ مُنْحَطَّةٌ عَنْ مَنْزِلَةِ الصَّابِرِ السَّابِقَةِ وَإِنْ حَصَلَ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِنَقْصِ الْأَجْرِ الْمَوْعُودِ بِهِ أَوِ التَّكْفِيرِ فَقَدْ يَسْتَوِيَانِ وَقَدْ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَبِقَدْرِ ذَلِكَ يُقْضَى لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَيُشِيرُ إِلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ حَدِيثُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ الَّذِي ذَكَرْتُهُ قَرِيبًا وَاللَّهُ أعلم