فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من جر ثوبه من الخيلاء

( قَولُهُ بَابُ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ مِنَ الْخُيَلَاءِ)
أَيْ بِسَبَبِ الْخُيَلَاءِ أَوْرَدَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا وَمِثْلُهُ لِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ قَرِيبًا وَالْبَطَرُ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ قَالَ عِيَاضٌ جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ بَطَرًا بِفَتْحِ الطَّاءِ علىالمصدر وَبِكَسْرِهَا عَلَى الْحَالِ مِنْ فَاعِلِ جَرَّ أَيْ جَرَّهُ تَكَبُّرًا وَطُغْيَانًا وَأَصْلُ الْبَطَرِ الطُّغْيَانُ عِنْدَ النِّعْمَةِ وَاسْتُعْمِلَ بِمَعْنَى التَّكَبُّرِ.

     وَقَالَ  الرَّاغِبُ أَصْلُ الْبَطَرِ دَهْشٌ يَعْتَرِي الْمَرْءَ عِنْدَ هُجُومِ النِّعْمَةِ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّهَا



[ قــ :5475 ... غــ :5788] .

     قَوْلُهُ  لَا يَنْظُرُ اللَّهُ أَيْ لَا يَرْحَمُهُ فَالنَّظَرُ إِذَا أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ كَانَ مَجَازًا وَإِذَا أُضِيفَ إِلَى الْمَخْلُوقِ كَانَ كِنَايَةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ نَظَرَ رَحْمَةٍ.

     وَقَالَ  شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَبَّرَ عَنِ الْمَعْنَى الْكَائِنِ عِنْدَ النَّظَرِ بِالنَّظَرِ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إِلَى مُتَوَاضِعٍ رَحِمَهُ وَمَنْ نَظَرَ إِلَى مُتَكَبِّرٍ مَقَتَهُ فَالرَّحْمَةُ وَالْمَقْتُ مُتَسَبِّبَانِ عَنِ النَّظَرِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ نِسْبَةُ النَّظَرِ لِمَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّظَرُ كِنَايَةً لِأَنَّ مَنِ اعْتَدَّ بِالشَّخْصِ التَفَتَ إِلَيْهِ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى صَارَ عِبَارَةً عَنِ الْإِحْسَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَظَرٌ وَلِمَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ حَقِيقَةُ النَّظَرِ وَهُوَ تَقْلِيبُ الْحَدَقَةِ وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَعْنَى الْإِحْسَانِ مَجَازٌ عَمَّا وَقَعَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كِنَايَةً وَقَولُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ مَحَلُّ الرَّحْمَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ بِخِلَافِ رَحْمَةِ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا قَدْ تَنْقَطِعُ بِمَا يَتَجَدَّدُ مِنَ الْحَوَادِثِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذُكِرَ مِنْ حَمْلِ النَّظَرِ عَلَى الرَّحْمَةِ أَوِ الْمَقْتِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَصْلُهُ فِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُرَيٍّ إِنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَبِسَ بُرْدَةً فَتَبَخْتَرَ فِيهَا فَنَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فَمَقَتَهُ فَأَمَرَ الْأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  مَنْ يَتَنَاوَلُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ وَقَدْ فَهِمَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِع عَن بن عُمَرَ مُتَّصِلًا بِحَدِيثِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ فَقَالَ يُرْخِينَ شِبْرًا فَقَالَتْ إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَقَدْ عَزَا بَعْضُهُمْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِمُسْلِمٍ فَوَهِمَ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُ وَكَأَنَّ مُسْلِمًا أَعْرَضَ عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا عَلَى نَافِعٍ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ نَفْسِهَا وَفِيهِ اخْتِلَافَاتٌ أُخْرَى وَمَعَ ذَلِكَ فَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيث بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الصّديق عَن بن عُمَرَ قَالَ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شِبْرًا ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا فَكُنَّ يُرْسِلْنَ إِلَيْنَا فَنَذْرَعُ لَهُنَّ ذِرَاعًا وَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ قَدْرَ الذِّرَاعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَأَنَّهُ شِبْرَانِ بِشِبْرِ الْيَدِ الْمُعْتَدِلَةِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْفَهْمِ التَّعَقُّبُ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُطْلَقَةَ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْإِسْبَالِ مُقَيَّدَةٌ بِالْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى الْمُصَرِّحَةِ بِمَنْ فَعَلَهُ خُيَلَاءَ قَالَ النَّوَوِيُّ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ فِي تَقْيِيدِهَا بِالْجَرِّ خُيَلَاءُ يَقْتَضِي أَنَّ التَّحْرِيمَ مُخْتَصٌّ بِالْخُيَلَاءِ وَوَجْهُ التَّعَقُّبِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا كَانَ فِي اسْتِفْسَارِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ حُكْمِ النِّسَاءِ فِي جَرِّ ذُيُولِهِنَّ مَعْنًى بَلْ فَهِمَتِ الزَّجْرَ عَنِ الْإِسْبَالِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَنْ مَخِيلَةٍ أَمْ لَا فَسَأَلَتْ عَنْ حُكْمِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ لِاحْتِيَاجِهِنَّ إِلَى الْإِسْبَالِ مِنْ أَجْلِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ لِأَنَّ جَمِيعَ قَدَمِهَا عَوْرَةٌ فَبَيَّنَ لَهَا أَنَّ حُكْمَهُنَّ فِي ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ حُكْمِ الرِّجَالِ فِي هَذَا الْمَعْنَى فَقَطْ وَقَدْ نَقَلَ عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ فِي حَقِّ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَمُرَادُهُ مَنْعُ الْإِسْبَالِ لِتَقْرِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ عَلَى فَهْمِهَا إِلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ لَهَا أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ لِتَفْرِقَتِهِ فِي الْجَوَابِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي الْإِسْبَالِ وَتَبْيِينِهِ الْقَدْرَ الَّذِي يَمْنَعُ مَا بَعْدَهُ فِي حَقِّهِنَّ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِلرِّجَالِ حَالَيْنِ حَالُ اسْتِحْبَابٍ وَهُوَ أَنْ يَقْتَصِرَ بِالْإِزَارِ عَلَى نِصْفِ السَّاقِ وَحَالُ جَوَازٍ وَهُوَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَكَذَلِكَ لِلنِّسَاءِ حَالَانِ حَالُ اسْتِحْبَابٍ وَهُوَ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا هُوَ جَائِزٌ لِلرِّجَالِ بِقَدْرِ الشِّبْرِ وَحَالُ جَوَازٍ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ مُعْتَمِرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَرَ لِفَاطِمَةَ مِنْ عَقِبِهَا شِبْرًا.

     وَقَالَ  هَذَا ذَيْلُ الْمَرْأَةِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى بِلَفْظِ شَبَرَ مِنْ ذَيْلِهَا شِبْرًا أَوْ شِبْرَيْنِ.

     وَقَالَ  لَا تَزِدْنَ عَلَى هَذَا وَلَمْ يُسَمِّ فَاطِمَةَ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ مُعْتَمِرٌ عَنْ حُمَيْدٍ.

قُلْتُ وأو شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالَّذِي جَزَمَ بِالشِّبْرِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَرَ لِفَاطِمَةَ شِبْرًا وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ سِيَاقِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْجَرِّ خَرَجَ لِلْغَالِبِ وَأَنَّ الْبَطَرَ وَالتَّبَخْتُرَ مَذْمُومٌ وَلَوْ لِمَنْ شَمَّرَ ثَوْبَهُ وَالَّذِي يَجْتَمِعُ مِنَ الْأَدِلَّةِ أَنَّ مَنْ قَصَدَ بِالْمَلْبُوسِ الْحَسَنِ إِظْهَارَ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ مُسْتَحْضِرًا لَهَا شَاكِرًا عَلَيْهَا غَيْرَ مُحْتَقِرٍ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ مِثْلُهُ لَا يَضُرُّهُ مَا لَبِسَ مِنَ الْمُبَاحَاتِ وَلَوْ كَانَ فِي غَايَةِ النَّفَاسَةِ فَفِي صَحِيح مُسلم عَن بن مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ فَقَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ وَقَولُهُ وَغَمْطُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ الِاحْتِقَارُ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ إِنَّ الرَّجُلَ يُعْجِبُهُ أَنْ يَكُونَ شِرَاكُ نَعْلِهِ أَجْوَدَ مِنْ شِرَاكِ صَاحِبِهِ فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْض الْآيَةَ فَقَدْ جَمَعَ الطَّبَرِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ بِأَنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ لِيَتَعَظَّمَ بِهِ عَلَى صَاحِبِهِ لَا مَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ ابْتِهَاجًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْجُشَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ وَرَآهُ رث الثِّيَاب إِذا آتاك الله مَا لَا فَلْيَرَ أَثَرَهُ عَلَيْكَ أَيْ بِأَنْ يَلْبَسَ ثِيَابًا تَلِيقُ بِحَالِهِ مِنَ النَّفَاسَةِ وَالنَّظَافَةِ لِيَعْرِفَهُ الْمُحْتَاجُونَ لِلطَّلَبِ مِنْهُ مَعَ مُرَاعَاةِ الْقَصْدِ وَتَرْكِ الْإِسْرَافِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ تَكْمِلَةٌ الرَّجُلُ الَّذِي أُبْهِمَ فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ هُوَ سَوَادُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَوَقَعَ ذَلِكَ لِجَمَاعَةٍ غَيْرِهِ الْحَدِيثُ الثَّانِي





[ قــ :5476 ... غــ :5789] .

     قَوْلُهُ  قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكٌّ مِنْ آدَمَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ غُنْدَرٍ وَغَيْرِهِ عَنْ شُعْبَةَ فَقَالُوا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ .

     قَوْلُهُ  بَيْنَمَا رَجُلٌ زَادَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَمِنْ ثَمَّ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا مَضَى وَخَفِيَ هَذَا عَلَى بَعْضِ الشُّرَّاحِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَفِي رِوَايَتِهِمَا أَيْضًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَبِذَلِكَ جَزَمَ النَّوَوِيُّ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى من طَرِيق كريب قَالَ كنت أَقُود بن عَبَّاس فَقَالَ حَدثنِي الْعَبَّاس قَالَ بَيْنَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ ثَوْبَيْنِ الْحَدِيثَ فَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ وَقَعَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ وَيُحْتَمَلُ التَّعَدُّدُ أَوِ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ كَانَ قَبْلَ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَأَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو يَعْلَى وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ أَتَى أَبَا هُرَيْرَةَ فِي حُلَّةٍ يَتَبَخْتَرُ فِيهَا فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّكَ تُكْثِرُ الْحَدِيثَ فَهَلْ سَمِعْتَهُ يَقُولُ فِي حُلَّتِي هَذِهِ شَيْئًا فَقَالَ وَاللَّهِ إِنَّكُمْ لَتُؤْذُونَنَا وَلَوْلَا مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا يَكْتُمُونَهُ مَا حَدَّثْتُكُمْ بِشَيْءٍ سَمِعْتُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ فَوَاللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّهُ كَانَ مِنْ قَوْمِكَ وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي مُبْهَمَاتِ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ وَالصَّافَّاتِ عَنِ الطَّبَرِيِّ أَنَّ اسْمَ الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ الْهَيْزَنُ وَأَنَّهُ مِنْ أَعْرَابِ فَارِسٍ.

قُلْتُ وَهَذَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ فِي التَّارِيخِ مِنْ طَرِيقِ بن جُرَيْجٍ عَنْ شُعَيْبٍ الْجَيَّانِيِّ وَجَزَمَ الْكَلَابَاذِيُّ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ بِأَنَّهُ قَارُونُ وَكَذَا ذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ وَكَأَنَّ الْمُسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ مِنْ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَة وبن عَبَّاسٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ جِدًّا قَالَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الطَّوِيلَ وَفِيهِ وَمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا فَاخْتَالَ فِيهِ خُسِفَ بِهِ مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَيَتَجَلْجَلُ فِيهَا لِأَنَّ قَارُونَ لَبِسَ حُلَّةً فَاخْتَالَ فِيهَا فَخُسِفَ بِهِ الأَرْض فَهُوَ يتجلجل فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ فِي التَّارِيخِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ ذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ يُخْسَفُ بِقَارُونَ كُلَّ يَوْمٍ قَامَةً وَأَنَّهُ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا لَا يَبْلُغُ قَعْرَهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

     قَوْلُهُ  يَمْشِي فِي حُلَّةٍ الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ أَحَدُهُمَا فَوْقَ الْآخَرِ وَقِيلَ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ وَهَمَّامٍ جَمِيعًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَيْهِ .

     قَوْلُهُ  تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ فَأَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ وَبُرْدَاهُ وَمِثْلُهُ لِأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أبي رَافع وَفِي حَدِيث بن عمر بَينا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ هَكَذَا هُنَا وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِزِيَادَةِ مِنَ الْخُيَلَاءِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْإِزَارِ لَا يَدْفَعُ وُجُودَ الرِّدَاءِ وَإِنَّمَا خُصَّ الْإِزَارُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ بِهِ الْخُيَلَاءُ غَالِبًا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَنَسٍ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى خَرَجَ فِي بُرْدَيْنِ يَخْتَالُ فِيهِمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ هُوَ مُلَاحَظَتُهُ لَهَا بِعَيْنِ الْكَمَالِ مَعَ نِسْيَانِ نِعْمَةِ اللَّهِ فَإِنِ احْتَقَرَ غَيْرَهُ مَعَ ذَلِكَ فَهُوَ الْكِبْرُ الْمَذْمُومُ .

     قَوْلُهُ  مُرَجِّلٌ بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ جُمَّتَهُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ هِيَ مُجْتَمَعُ الشَّعْرِ إِذَا تَدَلَّى مِنَ الرَّأْسِ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَإِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الَّذِي لَا يَتَجَاوَزُ الْأُذُنَيْنِ فَهُوَ الْوَفْرَةُ وَتَرْجِيلُ الشَّعْرِ تَسْرِيحُهُ وَدَهْنُهُ .

     قَوْلُهُ  إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فِي سُرْعَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ بِهِ .

     قَوْلُهُ  فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فِي حَدِيث بن عُمَرَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَفِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ حَتَّى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالتَّجَلْجُلُ بِجِيمَيْنِ التَّحَرُّكُ وَقيل الجلجلة الْحَرَكَة مَعَ صَوت.

     وَقَالَ  بن دُرَيْدٍ كُلُّ شَيْءٍ خَلَطْتَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ فَقَدْ جلجلته.

     وَقَالَ  بن فَارِسٍ التَّجَلْجُلُ أَنْ يَسُوخَ فِي الْأَرْضِ مَعَ اضْطِرَابٍ شَدِيدٍ وَيَنْدَفِعُ مِنْ شِقٍّ إِلَى شِقٍّ فَالْمَعْنَى يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ أَيْ يَنْزِلُ فِيهَا مُضْطَرِبًا مُتَدَافِعًا وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّهُ رُوِيَ يَتَجَلَّلُ بِجِيمٍ وَاحِدَةٍ وَلَامٍ ثَقِيلَةٍ وَهُوَ بِمَعْنَى يَتَغَطَّى أَيْ تُغَطِّيهِ الْأَرْضُ وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَيْضًا يَتَخَلْخَلُ بِخَاءَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ وَاسْتَبْعَدَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ خَلْخَلْتُ الْعَظْمَ إِذَا أَخَذْتُ مَا عَلَيْهِ مِنَ اللَّحْمِ وَجَاءَ فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ يَتَحَلْحَلُ بِحَاءَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ.

قُلْتُ وَالْكُلُّ تَصْحِيفٌ إِلَّا الْأَوَّلَ وَمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَرْضَ لَا تَأْكُلُ جَسَدَ هَذَا الرَّجُلِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُلْغَزَ بِهِ فَيُقَالُ كَافِرٌ لَا يَبْلَى جَسَدُهُ بعد الْمَوْت





[ قــ :5477 ... غــ :5790] قَوْله تَابعه يُونُس يَعْنِي بن يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَرِوَايَتُهُ تَقَدَّمَتْ مَوْصُولَةً فِي أَوَاخِرِ ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ .

     قَوْلُهُ  وَلَمْ يَرْفَعْهُ شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْيَمَانِ عَنْهُ بِتَمَامِهِ وَلَفْظُهُ جَرَّ إِزَارَهُ مسبلا من الْخُيَلَاء الحَدِيث الثَّالِث
.

     قَوْلُهُ  وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا أَبِي هُوَ جَرِيرُ بْنُ أَبِي حَازِمِ بْنِ زَيْدٍ الْأَزْدِيُّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَمِّهِ جَرِيرِ بْنِ زَيْدٍ هُوَ أَبُو سَلَمَةَ الْبَصْرِيُّ قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَلَيْسَ لِجَرِيرِ بْنِ زَيْدٍ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ خَالَفَ فِيهِ الزُّهْرِيُّ فَقَالَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالزُّهْرِيِّ يَقُولُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ لَكِنْ قَوِيَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَعًا لِشِدَّةِ إِتْقَانِ الزُّهْرِيِّ وَمَعْرِفَتِهِ بِحَدِيثِ سَالِمٍ وَلِقَوْلِ جَرِيرِ بْنِ زَيْدٍ فِي رِوَايَتِهِ كُنْتُ مَعَ سَالِمٍ عَلَى بَابِ دَارِهِ فَقَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَإِنَّهَا قَرِينَةٌ فِي أَنَّهُ حَفِظَ ذَلِكَ عَنْهُ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ فَمَرَّ بِهِ شَابٌّ مِنْ قُرَيْشٍ يَجُرُّ إِزَارَهُ فَقَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يُقَوِّيِ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ زَيْدٍ ضَبَطَهُ لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ رَوَاهَا أَبُو رَافِعٍ عَنْهُ كَمَا قَدَّمْتُ أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهَا كَذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ مِنْ السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ بِهَذَا السَّنَدِ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أبي هُرَيْرَة وَأوردهُ بن عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ وَهْمٌ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمزي وَكَأَنَّهُ وَقع فِي نسخته تَصْحِيف بن عَبْدِ اللَّهِ فَصَارَتْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوَهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ الْمَذْكُورَةِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ذكر طرق أُخْرَى للْحَدِيث الثَّانِي





[ قــ :5478 ... غــ :5791] .

     قَوْلُهُ  مُحَارِبٌ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَزْنُ مُقَاتِلٍ وَدِثَارٌ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَلَّثَةِ .

     قَوْلُهُ  مَكَانَهُ الَّذِي يَقْضِي فِيهِ كَانَ مُحَارِبٌ قَدْ وَلِيَ قَضَاءَ الْكُوفَةِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ عَنْ أَبِيهِ رَأَيْتُ الْحَكَمَ وَحَمَّادًا فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ.

     وَقَالَ  سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ فِي الرَّجُلِ سِتُّ خِصَالٍ سَوَّدُوهُ الْحِلْمُ وَالْعَقْلُ وَالسَّخَاءُ وَالشَّجَاعَةُ وَالْبَيَانُ وَالتَّوَاضُعُ وَلَا يَكْمُلْنَ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا بِالْعَفَافِ وَقَدِ اجْتَمَعْنَ فِي هَذَا الرَّجُلِ يَعْنِي مُحَارِبَ بْنَ دِثَارٍ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ لَعَلَّ رُكُوبَهُ الْفَرَسَ كَانَ لِيَغِيظَ بِهِ الْكُفَّارَ وَيُرْهِبَ بِهِ الْعَدُوَّ.
وَتَعَقَّبَهُ بن التِّينِ بِأَنَّ رُكُوبَ الْخَيْلِ جَائِزٌ فَلَا مَعْنَى لِلِاعْتِذَارِ عَنْهُ.

قُلْتُ لَكِنَّ الْمَشْيَ أَقْرَبُ إِلَى التَّوَاضُعِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَنْزِلَهُ كَانَ بَعِيدًا عَنْ مَنْزِلِ حُكْمِهِ .

     قَوْلُهُ  فَقُلْتُ لِمُحَارِبٍ أَذْكُرُ إِزَارَهُ قَالَ مَا خَصَّ إِزَارًا وَلَا قَمِيصًا كَانَ سَبَبُ سُؤَالِ شُعْبَةَ عَنِ الْإِزَارِ أَنَّ أَكْثَرَ الطُّرُقِ جَاءَتْ بِلَفْظِ الْإِزَارِ وَجَوَابُ مُحَارَبٍ حَاصِلُهُ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالثَّوْبِ يَشْمَلُ الْإِزَارَ وَغَيْرَهُ وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِمَا اقْتَضَاهُ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ أَصْحَابُ السّنَن إِلَّا التِّرْمِذِيّ وَاسْتَغْرَبَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئًا خُيَلَاءَ الْحَدِيثَ كَحَدِيثِ الْبَابِ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ فِيهِ مَقَالٌ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بن أبي سميَّة عَن بن عُمَرَ قَالَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِزَارِ فَهُوَ فِي الْقَمِيصِ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ إِنَّمَا وَرَدَ الْخَبَرُ بِلَفْظِ الْإِزَارِ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ فِي عَهْدِهِ كَانُوا يَلْبَسُونَ الْإِزَارَ وَالْأَرْدِيَةَ فَلَمَّا لَبِسَ النَّاسُ الْقَمِيصَ وَالدَّرَارِيعَ كَانَ حُكْمُهَا حُكْمَ الْإِزَارِ فِي النَّهْيِ قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا قِيَاسٌ صَحِيحٌ لَوْ لَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِالثَّوْبِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَفِي تَصْوِيرِ جَرِّ الْعِمَامَةِ نَظَرٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ مِنْ إِرْخَاءِ الْعَذْبَاتِ فَمَهْمَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ فِي ذَلِكَ كَانَ مِنَ الْإِسْبَالِ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثَ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ السَّاعَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الْمِنْبَرِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَهَلْ يَدْخُلُ فِي الزَّجْرِ عَنْ جَرِّ الثَّوْبِ تَطْوِيلُ أَكْمَامِ الْقَمِيصِ وَنَحْوِهِ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَنْ أَطَالَهَا حَتَّى خَرَجَ عَنِ الْعَادَةِ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْحِجَازِيِّينَ دَخَلَ فِي ذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ مَا مَسَّ الْأَرْضَ مِنْهَا خُيَلَاءَ لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ قَالَ وَلَوْ قِيلَ بِتَحْرِيمِ مَا زَادَ عَلَى الْمُعْتَادِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا وَلَكِنْ حَدَثَ لِلنَّاسِ اصْطِلَاحٌ بِتَطْوِيلِهَا وَصَارَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ النَّاسِ شِعَارٌ يُعْرَفُونَ بِهِ وَمَهْمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْخُيَلَاءِ فَلَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ وَمَا كَانَ عَلَى طَرِيقِ الْعَادَةِ فَلَا تَحْرِيمَ فِيهِ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى جَرِّ الذَّيْلِ الْمَمْنُوعِ وَنَقَلَ عِيَاضٌ عَنِ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَةَ كُلِّ مَا زَادَ عَلَى الْعَادَةِ وَعَلَى الْمُعْتَادِ فِي اللِّبَاسِ مِنَ الطُّولِ وَالسَّعَةِ.

قُلْتُ وَسَأَذْكُرُ الْبَحْثَ فِيهِ قَرِيبًا .

     قَوْلُهُ  تَابَعَهُ جَبَلَةُ بِفَتْح الْجِيم وَالْمُوَحَّدَة بن سحيم بمهملتين مصغر وَقَدْ وَصَلَ رِوَايَتَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنهُ عَن بن عُمَرَ بِلَفْظِ مَنْ جَرَّ ثَوْبًا مِنْ ثِيَابِهِ مِنْ مَخِيلَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَجَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ جَمِيعًا عَنِ بن عُمَرَ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ .

     قَوْلُهُ  وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ اللِّبَاسِ قَوْله وَزيد بن عبد الله أَي بن عُمَرَ يَعْنِي تَابَعُوا مُحَارِبَ بْنَ دِثَارٍ فِي رِوَايَته عَن بن عُمَرَ بِلَفْظِ الثَّوْبِ لَا بِلَفْظِ الْإِزَارِ جَزَمَ بِذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَلَمْ تَقَعْ لِي رِوَايَةُ زَيْدٍ مَوْصُولَةً بَعْدُ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عَوَانَةَ هَذَا الحَدِيث من رِوَايَة بن وهب عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ إِنَّ الَّذِي يَجُرُّ ثِيَابَهُ مِنَ الْخُيَلَاءِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَيَأْتِي لِمُسْلِمٍ مَقْرُونًا بسالم وَنَافِع وَأخرج البُخَارِيّ من رِوَايَة بن وهب عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ جَدِّهِ حَدِيثًا آخَرَ فَلَعَلَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ هُنَا عَنْ أَبِيهِ جَدُّهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْله.

     وَقَالَ  اللَّيْث عَن نَافِع يَعْنِي عَن بن عُمَرَ مِثْلَهُ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْهُ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ بَلْ قَالَ مِثْلَ حَدِيثِ مَالِكٍ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الثَّوْبِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ .

     قَوْلُهُ  وَتَابَعَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَعُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَقُدَامَةُ بْنُ مُوسَى عَن سَالم عَن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ أَمَّا رِوَايَةُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَتَقَدَّمَتْ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ كِتَابِ اللِّبَاسِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ عُمَرَ بن مُحَمَّد وَهُوَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَوَصَلَهَا مُسلم من طَرِيق بن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ وَسَالم وَنَافِع عَن بن عُمَرَ بِلَفْظِ الَّذِي يَجُرُّ ثِيَابَهُ مِنَ الْمَخِيلَةِ الْحَدِيثَ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى وَهُوَ بن عُمَرَ بْنِ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ الْجُمَحِيُّ وَهُوَ مَدَنِيٌّ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ وَكَانَ إِمَامَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَوَصَلَهَا أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَوَقَعَتْ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي الثَّقَفِيَّاتِ بِلَفْظِ حَدِيثِ مَالِكٍ الْمَذْكُورِ أَوَّلَ كِتَابِ اللِّبَاسِ.

قُلْتُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ سَالم وَقد رَوَاهُ جمَاعَة عَن بن عُمَرَ بِلَفْظِ مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ مِنْهُمْ مُسْلِمُ بن يناق بِفَتْح التَّحْتَانِيَّة وَتَشْديد النُّون وَآخره قَافٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ كِلَاهُمَا عِنْد مُسلم وعطية الْعَوْفِيّ عِنْد بن مَاجَهْ وَرَوَاهُ آخَرُونَ بِلَفْظِ الْإِزَارِ وَالرِّوَايَةُ بِلَفْظِ الثَّوْبِ أَشْمَلُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ إِسْبَالَ الْإِزَارِ لِلْخُيَلَاءِ كَبِيرَةٌ.
وَأَمَّا الْإِسْبَالُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ فَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ تَحْرِيمُهُ أَيْضًا لَكِنِ اسْتُدِلَّ بِالتَّقْيِيدِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِالْخُيَلَاءِ عَلَى أَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الزَّجْرِ الْوَارِدِ فِي ذَمِّ الْإِسْبَالِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا فَلَا يَحْرُمُ الْجَرُّ وَالْإِسْبَالُ إِذَا سَلِمَ مِنَ الْخُيَلَاءِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ مَفْهُومُهُ أَنَّ الْجَرَّ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ لَا يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ إِلَّا أَنَّ جَرَّ الْقَمِيصِ وَغَيْرِهِ مِنَ الثِّيَابِ مَذْمُومٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الْإِسْبَالُ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ لِلْخُيَلَاءِ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَهَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَرِّ لِلْخُيَلَاءِ وَلِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ قَالَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْإِزَارُ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ وَالْجَائِزُ بِلَا كَرَاهَةٍ مَا تَحْتَهُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَمَا نَزَلَ عَنِ الْكَعْبَيْنِ مَمْنُوعٌ مَنْعَ تَحْرِيمٍ إِنْ كَانَ لِلْخُيَلَاءِ وَإِلَّا فَمَنْعُ تَنْزِيهٍ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْإِسْبَالِ مُطْلَقَةٌ فَيَجِبُ تَقْيِيدُهَا بِالْإِسْبَالِ لِلْخُيَلَاءِ انْتَهَى وَالنَّصُّ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ذَكَرَهُ الْبُوَيْطِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ لَا يَجُوزُ السَّدْلُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا لِلْخُيَلَاءِ وَلِغَيْرِهَا خَفِيفٌ لِقَوْلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ اه وَقَولُهُ خَفِيفٌ لَيْسَ صَرِيحًا فِي نَفْيِ التَّحْرِيمِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَرِّ خُيَلَاءُ فَأَمَّا لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ فَيَخْتَلِفُ الْحَالُ فَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ عَلَى قَدْرِ لَابِسِهِ لَكِنَّهُ يَسْدُلُهُ فَهَذَا لَا يَظْهَرُ فِيهِ تَحْرِيمٌ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَالَّذِي وَقَعَ لِأَبِي بَكْرٍ وَإِنْ كَانَ الثَّوْب زَائِدا على قدر لابسه فَهَذَا لَا يَظْهَرُ فِيهِ تَحْرِيمٌ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ كَالَّذِي وَقَعَ لِأَبِي بَكْرٍ وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ لَابِسِهِ فَهَذَا قَدْ يُتَّجَهُ الْمَنْعُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْإِسْرَافِ فَيَنْتَهِي إِلَى التَّحْرِيمِ وَقَدْ يُتَّجَهُ الْمَنْعُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ وَهُوَ أَمْكَنُ فِيهِ مِنَ الْأَوَّلِ وَقَدْ صَحَّحَ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُعِنَ الرَّجُلُ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَقَدْ يُتَّجَهُ الْمَنْعُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ لَابِسَهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ تَعَلُّقِ النَّجَاسَةِ بِهِ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَاسْمُ أَبِيهِ سُلَيْمٌ الْمُحَارِبِيُّ عَنْ عَمَّتِهِ وَاسْمُهَا رُهْمٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَهِيَ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ حَنْظَلَةَ عَنْ عَمِّهَا وَاسْمُهُ عُبَيْدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي وَعَلَيَّ بُرْدٌ أَجُرُّهُ فَقَالَ لِي رَجُلٌ ارْفَعْ ثَوْبَكَ فَإِنَّهُ أَنْقَى وَأَبْقَى فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنَّمَا هِيَ بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ فَقَالَ أَمَا لَكَ فِيَّ أُسْوَةٌ قَالَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا إِزَارُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ وَسَنَدُهُ قَبْلَهَا جَيِّدٌ وَقَولُهُ مَلْحَاءُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِمُهْمَلَةٍ قَبْلَهَا سُكُونٌ مَمْدُودَةٌ أَيْ فِيهَا خُطُوطٌ سُودٌ وَبِيضٌ وَفِي قِصَّةِ قَتْلِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لِلشَّابِّ الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهِ ارْفَعْ ثَوْبَكَ فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ وَيُتَّجَهُ الْمَنْعُ أَيْضًا فِي الْإِسْبَالِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَهِيَ كَوْنُهُ مَظِنَّةَ الْخُيَلَاءِ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجَاوِزَ بِثَوْبِهِ كَعْبَهُ وَيَقُولُ لَا أَجُرُّهُ خُيَلَاءَ لِأَنَّ النَّهْيَ قَدْ تَنَاوَلَهُ لَفْظًا وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ حُكْمًا أَنْ يَقُولَ لَا أَمْتَثِلُهُ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ فِيَّ فَإِنَّهَا دَعْوَى غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ بَلْ إِطَالَتُهُ ذَيْلَهُ دَالَّةٌ عَلَى تَكَبُّرِهِ اه مُلَخَّصًا وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِسْبَالَ يَسْتَلْزِمُ جَرَّ الثَّوْبِ وَجَرُّ الثَّوْبِ يَسْتَلْزِمُ الْخُيَلَاءَ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ اللَّابِسُ الْخُيَلَاءَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بن منيع من وَجه آخر عَن بن عُمَرَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ رَفَعَهُ وَإِيَّاكَ وَجَرَّ الْإِزَارِ فَإِنَّ جَرَّ الْإِزَارِ مِنَ الْمَخِيلَةِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ لَحِقَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيُّ فِي حُلَّةٍ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ قَدْ أَسْبَلَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْخُذُ بِنَاحِيَةِ ثَوْبه ويتواضع لله وَيَقُول عَبدك وبن عَبْدِكَ وَأَمَتِكَ حَتَّى سَمِعَهَا عَمْرٌو فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي حَمْشُ السَّاقَيْنِ فَقَالَ يَا عَمْرُو إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ يَا عَمْرُو إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُسْبِلَ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرٍو نَفْسِهِ لَكِنْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ فُلَانٍ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فَقَالَ عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ وَفِيهِ وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ تَحْتَ رُكْبَةِ عَمْرٍو فَقَالَ يَا عَمْرُو هَذَا مَوْضِعُ الْإِزَارِ ثُمَّ ضَرَبَ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ تَحْتَ الْأَرْبَعِ فَقَالَ يَا عَمْرُو هَذَا مَوْضِعُ الْإِزَارِ الْحَدِيثَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَمْرًا الْمَذْكُورَ لَمْ يَقْصِدْ بِإِسْبَالِهِ الْخُيَلَاءَ وَقَدْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةً وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الشَّرِيدِ الثَّقَفِيِّ قَالَ أَبْصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا قَدْ أَسْبَلَ إِزَارَهُ فَقَالَ ارْفَعْ إِزَارَكَ فَقَالَ إِنِّي أَحْنَفُ تَصْطَكُّ رُكْبَتَايَ قَالَ ارْفَعْ إِزَارَكَ فَكُلُّ خَلْقِ اللَّهِ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ مُسَدّد وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة من طرق عَن رجل من ثَقِيف لم يسم وَفِي آخِره ذَاكَ أَقْبَحُ مِمَّا بِسَاقِكَ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ بن أبي شيبَة عَن بن مَسْعُودٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ كَانَ يُسْبِلُ إِزَارَهُ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي حَمْشُ السَّاقَيْنِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَسْبَلَهُ زِيَادَةً عَلَى الْمُسْتَحَبِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ وَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ جَاوَزَ بِهِ الْكَعْبَيْنِ وَالتَّعْلِيلُ يُرْشِدُ إِلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ وَاللَّهُ أعلم وَأخرج النَّسَائِيّ وبن ماجة وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِرِدَاءِ سُفْيَانَ بْنِ سُهَيْلٍ وَهُوَ يَقُولُ يَا سُفْيَانُ لَا تُسْبِلْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المسبلين