فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب النعال السبتية وغيرها

( قَولُهُ بَابُ النِّعَالِ)
جَمْعُ نَعْلٍ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ قَالَ بن الْأَثِيرِ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى الْآنَ تَاسُومَةً.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ النَّعْلُ لِبَاسُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا اتَّخَذَ النَّاسُ غَيْرَهَا لِمَا فِي أَرْضِهِمْ مِنَ الطِّينِ وَقَدْ يُطْلَقُ النَّعْلُ عَلَى كُلِّ مَا يَقِي الْقَدَمَ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ النَّعْلُ وَالنَّعْلَةُ مَا وُقِيَتْ بِهِ الْقَدَمُ .

     قَوْلُهُ  السِّبْتِيَّةُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ مَنْسُوبَةٌ إِلَى السَّبْتِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هِيَ الْمَدْبُوغَةُ وَنُقِلَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ وَعَنِ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ زَادَ الشَّيْبَانِيُّ بِالْقَرَظِ قَالَ وَزَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهَا الَّتِي حُلِقَ عَنْهَا الشَّعْرُ.

قُلْتُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَالِكٍ نَقله بن وَهْبٍ عَنْهُ وَوَافَقَهُ وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ لَفْظِ السَّبْتِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْقَطْعُ فَالْحَلْقُ بِمَعْنَاهُ وَأَيَّدَ ذَلِك جَوَاب بن عُمَرَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَقَدْ وَافَقَ الْأَصْمَعِيُّ الْخَلِيلَ وَقَالُوا قِيلَ لَهَا سِبْتِيَّةٌ لِأَنَّهَا تَسَبَّتَتْ بِالدِّبَاغِ أَيْ لَانَتْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَلْبَسُ النِّعَالَ الْمَدْبُوغَةَ إِلَّا أهل السعَة وَاسْتشْهدَ لذَلِك بِشعر وَذكر فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الصَّلَاةِ فِي النَّعْلَيْنِ وَقد تقدم شَرحه فِي الصَّلَاة الثَّانِي حَدِيث بن عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ وَهُمَا تَابِعِيَّانِ مَدَنِيَّانِ



[ قــ :5537 ... غــ :5851] .

     قَوْلُهُ  رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا فَذَكَرَهَا فَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى مَسِّ الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ فَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَكَذَلِكَ الْإِهْلَالُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ.
وَأَمَّا الصَّبْغُ بِالصُّفْرَةِ فَتَقَدَّمَ فِي بَابِ التزعفر وَوَقع فِي رِوَايَة بن إِسْحَاقَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ تُصَفِّرُ بِالْوَرْسِ.
وَأَمَّا لُبْسُ النِّعَالِ السِّبْتِيَّةِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالذِّكْرِ هُنَا وَقَول بن عُمَرَ يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعْرٌ يُؤَيِّدُ تَفْسِيرَ مَالِكٍ الْمَذْكُورَ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ السِّبْتِيَّةُ الَّتِي دُبِغَتْ بِالْقَرَظِ وَهِيَ الَّتِي سُبِّتَ مَا عَلَيْهَا مِنْ شَعْرٍ أَيْ حُلِقَ قَالَ وَقَدْ يتَمَسَّك بِهَذَا مَنْ يَدَّعِي أَنَّ الشَّعْرَ يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ وَأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الدِّبَاغُ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لذَلِك وَاسْتدلَّ بِحَدِيث بن عُمَرَ فِي لِبَاسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَمَحَبَّتِهِ لِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ لُبْسِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ يُكْرَهُ لبسهَا فِي الْمَقَابِر لحَدِيث بشير بن الْخَصَاصِيَةِ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي فِي الْمَقَابِرِ عَلَى نَعْلَانِ إِذَا رَجُلٌ يُنَادِي مِنْ خَلْفِي يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ إِذَا كُنْتَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَاحْتُجَّ بِهِ عَلَى مَا ذُكِرَ.
وَتَعَقَّبَهُ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِخَلْعِهِمَا لِأَذًى فِيهِمَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ إِذَا وَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى جَوَازِ لُبْسِ النِّعَالِ فِي الْمَقَابِرِ قَالَ وَثَبَتَ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي نَعْلَيْهِ قَالَ فَإِذَا جَازَ دُخُولُ الْمَسْجِدِ بِالنَّعْلِ فَالْمَقْبَرَةُ أَوْلَى.

قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِإِكْرَامِ الْمَيِّتِ كَمَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ وَلَيْسَ ذِكْرُ السِّبْتِيَّتَيْنِ لِلتَّخْصِيصِ بَلِ اتَّفَقَ ذَلِكَ وَالنَّهْيُ إِنَّمَا هُوَ لِلْمَشْيِ عَلَى الْقُبُورِ بِالنِّعَالِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ حَدِيثُ بن عمر وبن عَبَّاسٍ فِيمَا لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ وَفِيهِ ذِكْرُ النَّعْلَيْنِ وَقد تَقَدَّمَ شَرْحُهُمَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ لُبْسِ النَّعْلِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ اسْتَكْثِرُوا مِنَ النِّعَالِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ رَاكِبًا مَا انْتَعَلَ أَيْ إِنَّهُ شَبِيهٌ بِالرَّاكِبِ فِي خِفَّةِ الْمَشَقَّةِ وَقِلَّةِ التَّعَبِ وَسَلَامَةِ الرِّجْلِ مِنْ أَذَى الطَّرِيقِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ هَذَا كَلَامٌ بَلِيغٌ وَلَفْظٌ فَصِيحٌ بِحَيْثُ لَا يُنْسَجُ عَلَى مِنْوَالِهِ وَلَا يُؤْتَى بِمِثَالِهِ وَهُوَ إِرْشَادٌ إِلَى الْمَصْلَحَةِ وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَا يُخَفِّفُ الْمَشَقَّةَ فَإِنَّ الْحَافِيَ الْمُدِيمَ لِلْمَشْيِ يَلْقَى مِنَ الْآلَامِ وَالْمَشَقَّةِ بِالْعِثَارِ وَغَيْرِهِ مَا يَقْطَعُهُ عَنِ الْمَشْيِ وَيَمْنَعُهُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى مَقْصُودِهِ كَالرَّاكِبِ فَلِذَلِكَ شُبِّهَ بِهِ