فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب

( قَولُهُ بَابُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ)
أَيْ جَوَازُ لُبْسِهِ وَذكر فِيهِ حديثين الأول



[ قــ :5552 ... غــ :5866] قَوْله عبيد الله هُوَ بن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ .

     قَوْلُهُ  اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ مَعْنَى اتَّخَذَهُ أَمَرَ بِصِيَاغَتِهِ فَصِيغَ فَلَبِسَهُ أَوْ وَجَدَهُ مَصُوغًا فَاتَّخَذَهُ وَقَولُهُ مِمَّا يَلِي بَاطِنَ كَفِّهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بَطْنُ كَفِّهِ زَادَ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا إِذَا لَبِسَهُ وَقَولُهُ وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ كَذَا فِيهِ بِالرَّفْعِ عَلَى الْحِكَايَةِ وَنَقَشَ أَيْ أَمَرَ بِنَقْشِهِ .

     قَوْلُهُ  فَاتَّخَذَ النَّاسُ مِثْلَهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمِثْلِيَّةِ كَوْنَهُ مِنْ فِضَّةٍ وَكَوْنَهُ عَلَى صُورَةِ النَّقْشِ الْمَذْكُورَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمُطْلَقِ الِاتِّخَاذِ وَقَولُهُ فَرَمَى بِهِ.

     وَقَالَ  لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ اصْطَنَعْتُهُ وَإِنِّي لَا أَلْبَسُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ فَرَمَى بِهِ فَلَا نَدْرِي مَا فَعَلَ وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ الْمُشَارَكَةِ أَوْ لِمَا رَأَى مِنْ زَهْوِهِمْ بِلُبْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ مِنْ ذَهَبٍ وَصَادَفَ وَقْتَ تَحْرِيمِ لُبْسِ الذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ بن عُمَرَ الْمُخْتَصَرَةُ فِي هَذَا الْبَابِ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَنَبَذَهُ فَقَالَ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا وَقَولُهُ وَاتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فِي رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ ثُمَّ أَمَرَ بِخَاتَمٍ مِنْ فِضَّةٍ فَأَمَرَ أَنْ يُنْقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ الْفِضَّةِ لم يذكر فِي حَدِيث بن عُمَرَ فِي اتِّخَاذِ النَّاسِ خَوَاتِيمَ الْفِضَّةِ مَنْعًا وَلَا كَرَاهِيَةً وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ قَوْله قَالَ بن عُمَرَ فَلَبِسَ الْخَاتَمَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ حَتَّى وَقَعَ مِنْ عُثْمَانَ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَزْنُ عَظِيمٍ وَهِيَ فِي حَدِيقَةٍ بِالْقُرْبِ مِنْ مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ نَقْشِ الْخَاتَمِ قَرِيبًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ بِلَفْظِ ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ وَذَكَرَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ بِمِثْلِ هَذَا التَّرْتِيبِ وَيَأْتِي بَعْدُ فِي بَاب هَل يَجْعَل نقش الْخَاتم ثَلَاثَة أسطر مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوُهُ.

     وَقَالَ  فِيهِ فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ وَزَادَ بن سعد عَن الْأَنْصَارِيُّ بِسَنَدِ الْمُصَنِّفِ ثُمَّ كَانَ فِي يَدِ عُثْمَانَ سِتَّ سِنِينَ ثُمَّ اتَّفَقَا وَوَقَعَ فِي حَدِيث بن عُمَرَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ نَافِعٍ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي آخِره عَن بن عُمَرَ فَاتَّخَذَ عُثْمَانُ خَاتَمًا وَنَقَشَ فِيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَكَانَ يَخْتِمُ بِهِ أَوْ يَتَخَتَّمُ بِهِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ مُرْسَلِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن عِنْد بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ نَحْوُ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ إِلَى قَوْلِهِ فَجَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ قَالَ وَهُوَ الَّذِي سَقَطَ مِنْ مُعَيْقِيبٍ فِي بِئْرِ أَرِيسٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نِسْبَةَ سُقُوطِهِ إِلَى عُثْمَانَ نِسْبَةٌ مَجَازِيَّةٌ أَوْ بِالْعَكْسِ وَأَنَّ عُثْمَانَ طَلَبَهُ مِنْ مُعَيْقِيبٍ فَخَتَمَ بِهِ شَيْئًا وَاسْتَمَرَّ فِي يَدِهِ وَهُوَ مُفَكِّرٌ فِي شَيْءٍ يَعْبَثُ بِهِ فَسَقَطَ فِي الْبِئْرِ أَوْ رَدَّهُ إِلَيْهِ فَسَقَطَ مِنْهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بن زِيَاد عَن نَافِع هَذَا الحَدِيث.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ وَفِي يَدِ عُثْمَانَ سِتَّ سِنِينَ مِنْ عَمَلِهِ فَلَمَّا كَثُرَتْ عَلَيْهِ دَفَعَهُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَكَانَ يَخْتِمُ بِهِ فَخَرَجَ الْأَنْصَارِيُّ إِلَى قَلِيبٍ لِعُثْمَانَ فَسَقَطَ فَالْتُمِسَ فَلَمْ يُوجد الطَّرِيق الثَّانِيَة لحَدِيث بن عمر





[ قــ :5553 ... غــ :5867] .

     قَوْلُهُ  كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَنَبَذَهُ كَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَتَمَّ مِنْهُ وَسَاقَهُ نَحْوَ رِوَايَةِ نَافِعٍ الَّتِي قَبْلَهَا وَسَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَامِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَار الحَدِيث الثَّانِي





[ قــ :5554 ... غــ :5868] قَوْله يُونُس هُوَ بن يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ .

     قَوْلُهُ  إِنَّهُ رَأَى فِي يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتمًا مِنْ وَرِقٍ يَوْمًا وَاحِدًا وَأَنَّ النَّاسَ اصْطَنَعُوا الْخَوَاتِيمَ مِنْ وَرِقٍ فَلَبِسُوهَا فَطَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ هَكَذَا رَوَى الْحَدِيثَ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَنَسٍ وَاتفقَ الشَّيْخَانِ عَلَى تَخْرِيجِهِ مِنْ طَرِيقِهِ وَنُسِبَ فِيهِ إِلَى الْغَلَطِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّ الْخَاتَمَ الَّذِي طَرَحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبَبِ اتِّخَاذِ النَّاسِ مِثْلَهُ إِنَّمَا هُوَ خَاتَمُ الذَّهَبِ كَمَا صرح بِهِ فِي حَدِيث بن عُمَرَ قَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ قَالَ جَمِيعُ أهل الحَدِيث هَذَا وهم من بن شِهَابٍ لِأَنَّ الْمَطْرُوحَ مَا كَانَ إِلَّا خَاتَمَ الذَّهَبِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ كَمَا سَيَأْتِي.

قُلْتُ وَحَاصِلُ الْأَجْوِبَةِ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهَا قَالَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ سَاقَهُ إِنْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ مَحْفُوظًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ عَلَى لَوْنٍ مِنَ الْأَلْوَانِ وَكَرِهَ أَنْ يَتَّخِذَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ فَلَمَّا اتَّخَذُوهُ رَمَى بِهِ حَتَّى رَمَوْا بِهِ ثُمَّ اتَّخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا اتَّخَذَهُ وَنَقَشَ عَلَيْهِ مَا نُقِشَ لِيَخْتِمَ بِهِ ثَانِيهَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَيْضًا أَنَّهُ اتَّخَذَهُ زِينَةً فَلَمَّا تَبِعَهُ النَّاسُ فِيهِ رَمَى بِهِ فَلَمَّا احْتَاجَ إِلَى الْخَتْمِ اتَّخَذَهُ لِيَخْتِمَ بِهِ وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى قَوْلَ الْمُهَلَّبِ وَذَكَرَ أَنَّهُ مُتَكَلِّفٌ قَالَ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوهَا لِلزِّينَةِ فَطَرَحَ خَاتَمَهُ لِيَطْرَحُوا ثُمَّ لَبِسَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْحَاجَةِ إِلَى الْخَتْمِ بِهِ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ وَسَيَأْتِي جَوَابُ الْبَيْهَقِيِّ عَنْ ذَلِكَ فِي بَاب اتِّخَاذ الْخَاتم ثَالِثهَا قَالَ بن بطال خَالف بن شِهَابٍ رِوَايَةَ قَتَادَةَ وَثَابِتٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ فِي كَوْنِ الْخَاتَمِ الْفِضَّةِ اسْتَقَرَّ فِي يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتِمُ بِهِ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ فَوَجَبَ الْحُكْمُ لِلْجَمَاعَةِ وَإِنْ وَهِمَ الزُّهْرِيُّ فِيهِ لَكِنْ قَالَ الْمُهَلَّبُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُتَأَوَّلَ لِابْنِ شِهَابٍ مَا يَنْفِي عَنْهُ الْوَهْمَ وَإِنْ كَانَ الْوَهْمُ أَظْهَرَ وَذَلِكَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمَّا عَزَمَ عَلَى إِطْرَاحِ خَاتَمِ الذَّهَبِ اصْطَنَعَ خَاتَمَ الْفِضَّةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ كَانَ لَا يَسْتَغْنِي عَنِ الْخَتْمِ عَلَى الْكُتُبِ إِلَى الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَمَرَاءِ السَّرَايَا وَالْعُمَّالِ فَلَمَّا لَبِسَ خَاتَمَ الْفِضَّةِ أَرَادَ النَّاسُ أَنْ يَصْطَنِعُوا مِثْلَهُ فَطَرَحَ عِنْدَ ذَلِكَ خَاتَمَ الذَّهَبِ فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ الذَّهَبِ.

قُلْتُ وَلَا يَخْفَى وَهْيُ هَذَا الْجَوَابُ وَالَّذِي قَالَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَقْرَبُ مَعَ أَنَّهُ يَخْدِشُ فِيهِ أَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ اتِّخَاذ خَاتم الْوَرِقِ مَرَّتَيْنِ وَقَدْ نَقَلَ عِيَاضٌ نَحْوًا مِنْ قَول بن بَطَّالٍ قَائِلًا قَالَ بَعْضُهُمْ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ لَمَّا عَزَمَ عَلَى تَحْرِيمِ خَاتَمِ الذَّهَبِ اتَّخَذَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فَلَمَّا لَبِسَهُ أَرَاهُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِيَعْلَمُوا إِبَاحَتَهُ ثُمَّ طَرَحَ خَاتَمَ الذَّهَبِ وَأَعْلَمَهُمْ تَحْرِيمَهُ فَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ مِنَ الذَّهَبِ فَيَكُونُ .

     قَوْلُهُ  فَطَرَحَ خَاتَمَهُ وَطَرَحُوا خَوَاتِيمَهُمْ أَيِ الَّتِي مِنَ الذَّهَبِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ جَعَلَ الْمَوْصُوفَ فِي قَوْلِهِ فَطَرَحَ خَاتَمَهُ فَطَرَحُوا خَوَاتِيمَهُمْ خَاتَمَ الذَّهَبِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ قَالَ عِيَاضٌ وَهَذَا يُسَوِّغُ أَنْ لَوْ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ مُجْمَلَةً ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ بن شِهَابٍ لَا تَحْتَمِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ فَأَمَّا النَّوَوِيُّ فَارْتَضَى هَذَا التَّأْوِيلَ.

     وَقَالَ  هَذَا هُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَمْنَعُهُ قَالَ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  فَصَنَعَ النَّاسُ الْخَوَاتِيمَ مِنَ الْوَرِقِ فَلَبِسُوهَا ثُمَّ قَالَ فَطَرَحَ خَاتَمَهُ فَطَرَحُوا خَوَاتِيمَهُمْ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يَصْطَنِعَ لِنَفْسِهِ خَاتَمَ فِضَّةٍ اصْطَنَعُوا لِأَنْفُسِهِمْ خَوَاتِيمَ الْفِضَّةِ وَبَقِيَتْ مَعَهُمْ خَوَاتِيمُ الذَّهَبِ كَمَا بَقِيَ مَعَهُ خَاتَمُهُ إِلَى أَنِ اسْتَبْدَلَ خَاتَمَ الْفِضَّةِ وَطَرَحَ خَاتَمَ الذَّهَبِ فَاسْتَبْدَلُوا وَطَرَحُوا اه وَأَيَّدَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَاتَمَ الْمَطْرُوحَ كَانَ مِنْ وَرِقٍ بَلْ هُوَ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى خَاتَمِ الذَّهَبِ أَوْ عَلَى مَا نُقِشَ عَلَيْهِ نَقْشُ خَاتَمِهِ قَالَ وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ لَا يَجُوزُ توهيم الرَّاوِي قلت وَيحْتَمل وَجها رَابِعهَا لَيْسَ فِيهِ تَغْيِيرٌ وَلَا زِيَادَةُ اتِّخَاذٍ وَهُوَ أَنَّهُ اتَّخَذَ خَاتَمَ الذَّهَبِ لِلزِّينَةِ فَلَمَّا تَتَابَعَ النَّاسُ فِيهِ وَافَقَ وُقُوعَ تَحْرِيمِهِ فَطَرَحَهُ وَلِذَلِكَ قَالَ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا وَطَرَحَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ تَبَعًا لَهُ وَصَرَّحَ بِالنَّهْيِ عَنْ لُبْسِ خَاتَمِ الذَّهَبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ ثُمَّ احْتَاجَ إِلَى الْخَاتَمِ لِأَجْلِ الْخَتْمِ بِهِ فَاتَّخَذَهُ مِنْ فِضَّةٍ وَنَقَشَ فِيهِ اسْمَهُ الْكَرِيمَ فَتَبِعَهُ النَّاسُ أَيْضًا فِي ذَلِكَ فَرَمَى بِهِ حَتَّى رَمَى النَّاسُ تِلْكَ الْخَوَاتِيمَ الْمَنْقُوشَةَ عَلَى اسْمِهِ لِئَلَّا تَفُوتَ مَصْلَحَةُ نَقْشِ اسْمِهِ بِوُقُوعِ الِاشْتِرَاكِ فَلَمَّا عَدِمَتْ خَوَاتِيمُهُمْ بِرَمْيِهَا رَجَعَ إِلَى خَاتَمِهِ الْخَاصِّ بِهِ فَصَارَ يَخْتِمُ بِهِ وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا فِي بَابِ الْخَاتَمِ فِي الْخِنْصَرِ إِنَّا اتَّخَذْنَا خَاتَمًا وَنَقَشْنَا فِيهِ نَقْشًا فَلَا يَنْقُشُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ أَوْ بَعْضَ مَنْ بَلَغَهُ مِمَّنْ لَمْ يَرْسَخْ فِي قلبه الْإِيمَان من مُنَافِق وَنَحْوه اتَّخذُوا وَنَقَشُوا فَوَقَعَ مَا وَقَعَ وَيَكُونُ طَرْحُهُ لَهُ غَضَبًا مِمَّنْ تَشَبَّهَ بِهِ فِي ذَلِكَ النَّقْشِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْكِرْمَانِيُّ مُخْتَصَرًا جِدًّا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ فِي رِوَايَتِهِ إِنَّهُ رَآهُ فِي يَدِهِ يَوْمًا لَا يُنَافِي ذَلِكَ وَلَا يُعَارِضُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ سُئِلَ أَنَسٌ هَلِ اتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا قَالَ أخر لَيْلَة صَلَاة الْعشَاء إِلَى أَن قَالَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ كَذَلِكَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَاسْتَمَرَّ فِي يَدِهِ بَقِيَّةَ يَوْمِهَا ثُمَّ طَرَحَهُ فِي آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ زِيَاد عَن نَافِع عَن بن عُمَرَ اتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَلَبِسَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إِنْ قُلْنَا إِنَّ قَوْلَ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ خَاتَمٌ مِنْ وَرِقٍ سَهْوٌ وَإِنَّ الصَّوَابَ خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَ.

     قَوْلُهُ  يَوْمًا وَاحِدًا ظَرْفٌ لِرُؤْيَةِ أنس لَا لمُدَّة اللّبْس وَقَول بن عُمَرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ظَرْفٌ لِمُدَّةِ اللُّبْسِ وَإِنْ قُلْنَا أَنْ لَا وَهْمَ فِيهَا وَجَمَعْنَا بِمَا تَقَدَّمَ فَمُدَّةُ لُبْسِ خَاتَمِ الذَّهَبِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ كَمَا فِي حَدِيث بن عُمَرَ هَذَا وَمُدَّةُ لُبْسِ خَاتَمِ الْوَرِقِ الْأَوَّلِ كَانَتْ يَوْمًا وَاحِدًا كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ ثُمَّ لَمَّا رَمَى النَّاسُ الْخَوَاتِيمَ الَّتِي نَقَشُوهَا عَلَى نَقْشِهِ ثُمَّ عَادَ فَلَبِسَ خَاتَمَ الْفِضَّةِ وَاسْتَمَرَّ إِلَى أَنْ مَاتَ .

     قَوْلُهُ  تَابَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَزِيَادٌ وَشُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَمَّا مُتَابَعَةُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِهِ بِمِثْلِ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ لَا مُخَالَفَةَ إِلَّا فِي بَعْضِ لَفْظٍ.
وَأَمَّا مُتَابَعَةُ زِيَادٍ وَهُوَ بن سعد بن عبد الرَّحْمَن الخرساني نَزِيلُ مَكَّةَ ثُمَّ الْيَمَنِ فَوَصَلَهَا مُسْلِمٌ أَيْضًا وَأَشَارَ إِلَيْهَا أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَلَفْظُهُ عَنْهُ كَذَلِكَ لَكِنْ قَالَ اضْطَرَبُوا وَاصْطَنَعُوا.
وَأَمَّا مُتَابَعَةُ شُعَيْبٍ فَوَصَلَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ كَذَلِكَ وَأَشَارَ إِلَيْهَا أَبُو دَاوُد أَيْضا قَوْله.

     وَقَالَ  بن مُسَافِرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَرَى خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ هَذَا التَّعْلِيقُ لَمْ أَرَهُ فِي أَصْلٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ ثَابِتٌ لِلْبَاقِينَ إِلَّا النَّسَفِيَّ وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَصله الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عُفَيْرٍ عَنِ اللَّيْث عَن بن مُسَافِرٍ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ عَنِ بن شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ كَذَلِكَ وَلَيْسَ فِيهِ لَفْظٌ أَرَى فَكَأَنَّهَا مِنَ الْبُخَارِيِّ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ رَوَاهُ أَيْضا عَن بن شهَاب كَذَلِك مُوسَى بن عقبَة وبن أَبِي عَتِيقٍ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عَنْهُمَا قَالَ مِثْلَ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَفِي حَدِيثَيِ الْبَابِ مُبَادَرَةُ الصَّحَابَةِ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِأَفْعَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَهْمَا أَقَرَّ عَلَيْهِ اسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ وَمَهْمَا أَنْكَرَهُ امْتَنعُوا مِنْهُ وَفِي حَدِيث بن عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُورَثُ وَإِلَّا لَدُفِعَ خَاتَمُهُ لِلْوَرَثَةِ كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخَاتَمُ اتُّخِذَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ فَانْتَقَلَ لِلْإِمَامِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ فِيمَا صُنِعَ لَهُ وَفِيهِ حِفْظُ الْخَاتَمِ الَّذِي يُخْتَمُ بِهِ تَحْتَ يَدِ أَمِينٍ إِذَا نَزَعَهُ الْكَبِيرُ مِنْ أَصْبَعِهِ وَفِيهِ أَنَّ يَسِيرَ المَال إِذا ضَاعَ لَا يهمل طلبه وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مِنْ أَثَرِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَفِيهِ بَحْثٌ سَيَأْتِي وَفِيهِ أَنَّ الْعَبَثَ الْيَسِيرَ بِالشَّيْءِ حَالَ التَّفَكُّرِ لَا عَيْبَ فِيهِ (