فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: عقوق الوالدين من الكبائر

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ بِالتَّنْوِينِ .

     قَوْلُهُ  عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْكَبَائِر)

قَالَه بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عُمَرُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَلِلْأَصِيلِيِّ عَمْرٌو بِفَتْحِهَا وَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ مَوْصُولًا مِنْ رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَلِابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ فِي الْعَاقِّ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ وَالْمَنَّانُ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَيْضا نَحْو حَدِيث بن عُمَرَ هَذَا لَكِنْ قَالَ الدَّيُّوثُ بَدَلَ الْمَنَّانِ وَالدَّيُّوثُ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ وَآخِرُهُ مُثَلَّثَةٌ بِوَزْنِ فَرُّوجٍ وَقَعَ تَفْسِيرُهُ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ أَنَّهُ الَّذِي يُقِرُّ الْخُبْثَ فِي أَهْلِهِ وَالْعُقُوقُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَقِّ وَهُوَ الْقَطْعُ وَالْمُرَادُ بِهِ صُدُورُ مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْوَالِدُ مِنْ وَلَدِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ إِلَّا فِي شِرْكٍ أَوْ مَعْصِيّة مَا لم يتعنت الْوَالِد وَضَبطه بن عَطِيَّةَ بِوُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِي الْمُبَاحَاتِ فِعْلًا وَتَرْكًا وَاسْتِحْبَابُهَا فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَفُرُوضِ الْكِفَايَةِ كَذَلِكَ وَمِنْهُ تقديمهما عبد تَعَارُضِ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ كَمَنْ دَعَتْهُ أُمُّهُ لِيُمَرِّضَهَا مَثَلًا بِحَيْثُ يَفُوتُ عَلَيْهِ فِعْلُ وَاجِبٍ إِنِ اسْتَمَرَّ عِنْدَهَا وَيَفُوتُ مَا قَصَدَتْهُ مِنْ تَأْنِيسِهِ لَهَا وَغَيْرَ ذَلِكَ لَوْ تَرَكَهَا وَفَعَلَهُ وَكَانَ مِمَّا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ مَعَ فَوَاتِ الْفَضِيلَةِ كَالصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ فِي الْجَمَاعَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ أيْضًا أَوَّلُهَا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ



[ قــ :5654 ... غــ :5975] .

     قَوْلُهُ  عَنْ مَنْصُورٍ هُوَ بن الْمُعْتَمِر وَالْمُسَيب هُوَ بن رَافِعٍ وَوَرَّادٌ هُوَ كَاتِبُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِ مَنْصُورٍ لَهُ مِنَ الْمُسَيَّبِ فِي الدَّعَوَاتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِقْرَاضِ مِنْ رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنِ مَنْصُورٍ كَالَّذِي هُنَا وَذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنِ الْمُسَيَّبِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ ذِكْرَ عُقُوقِ الْأُمَّهَاتِ فَقَطْ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُوَ بِتَمَامِهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لَكِنَّهُ فِي الْأَصْلِ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ مُطَوَّلٌ سَيَأْتِي فِي الْقَدَرِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ وَفِي الرِّقَاقِ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ كِلَاهُمَا عَنْ وَرَّادٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى الْمُغِيرَةِ أَنِ اكْتُبْ إِلَيَّ بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي التَّهْلِيلِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ قَالَ وَكَانَ يَنْهَى فَذَكَرَ مَا هُنَا وَسَيَأْتِي فِي الدَّعَوَاتِ أَوَّلُهُ فَقَطْ مِنْ رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ دُونَ مَا فِي آخِرِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ فَرَّقَهُ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ فِي مَوْضِعَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ شَيْخِهِ هَكَذَا وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الشَّعْبِيِّ مُقْتَصِرًا عَلَى الَّذِي هُنَا أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِقْرَاضِ الْإِشَارَةُ إِلَى حِكْمَةِ اخْتِصَاصِ الْأُمِّ بِالذِّكْرِ وَهُوَ مِنْ تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ إِظْهَارًا لِعِظَمِ مَوْقِعِهِ وَالْأُمَّهَاتُ جَمْعُ أُمَّهَةٍ وَهِيَ لِمَنْ يَعْقِلُ بِخِلَافِ لَفْظِ الْأُمِّ فَإِنَّهُ أَعَمُّ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْعًا وَهَاتِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَفِي الِاسْتِقْرَاضِ وَمَنْعَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَهِيَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِسُكُونِ النُّونِ مَصْدَرٌ مَنَعَ يَمْنَعُ وَسَيَأْتِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قِيلَ.

     وَقَالَ .
وَأَمَّا هَاتِ فَبِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ الْإِيتَاءِ قَالَ الْخَلِيلُ أَصْلُ هَاتِ آتِ فَقُلِبَتِ الْأَلِفُ هَاءً وَالْحَاصِلُ مِنَ النَّهْيِ مَنْعُ مَا أُمِرَ بِإِعْطَائِهِ وَطَلَبُ مَا لَا يَسْتَحِقُّ أَخْذَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنِ السُّؤَالِ مُطْلَقًا كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ قَرِيبًا وَيَكُونُ ذِكْرُهُ هُنَا مَعَ ضِدِّهِ ثُمَّ أُعِيدَ تَأْكِيدًا لِلنَّهْيِ عَنْهُ ثُمَّ هُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَدْخُلَ فِي النَّهْيِ مَا يَكُونُ خِطَابًا لِاثْنَيْنِ كَمَا يُنْهَى الطَّالِبُ عَنْ طَلَبِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ وَيُنْهَى الْمَطْلُوبُ مِنْهُ عَنْ إِعْطَاءِ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ الطَّالِبُ لِئَلَّا يُعِينَهُ عَلَى الْإِثْمِ .

     قَوْلُهُ  وَوَأْدُ الْبَنَاتِ بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ هُوَ دَفْنُ الْبَنَاتِ بِالْحَيَاةِ وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ كَرَاهَةً فِيهِنَّ وَيُقَالُ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ التَّمِيمِيُّ وَكَانَ بَعْضُ أَعْدَائِهِ أَغَارَ عَلَيْهِ فَأَسَرَ بِنْتَهُ فَاتَّخَذَهَا لِنَفْسِهِ ثُمَّ حَصَلَ بَيْنَهُمْ صُلْحٌ فَخَيَّرَ ابْنَتَهُ فَاخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَآلَى قَيْسٌ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ لَا تُولَدَ لَهُ بِنْتٌ إِلَّا دَفَنَهَا حَيَّةً فَتَبِعَهُ الْعَرَبُ فِي ذَلِكَ وَكَانَ مِنَ الْعَرَبِ فَرِيقٌ ثَانٍ يَقْتُلُونَ أَوْلَادَهُمْ مُطْلَقًا إِمَّا نَفَاسَةً مِنْهُ عَلَى مَا يَنْقُصُهُ مِنْ مَالِهِ وَإِمَّا مِنْ عَدَمِ مَا يُنْفِقُهُ عَلَيْهِ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ أَمْرَهُمْ فِي الْقُرْآنِ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ وَكَانَ صَعْصَعَةُ بْنُ نَاجِيَةَ التَّمِيمِيِّ أَيْضًا وَهُوَ جَدُّ الْفَرَزْدَقِ هَمَّامُ بْنُ غَالِبِ بْنِ صَعْصَعَةَ أَوَّلُ مَنْ فَدَى الْمَوْءُودَةَ وَذَلِكَ أَنه يَعْمِدُ إِلَى مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَيَفْدِيَ الْوَلَدَ مِنْهُ بِمَالٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْفَرَزْدَقُ بِقَوْلِهِ وَجَدِّي الَّذِي مَنَعَ الْوَائِدَاتِ وَأَحْيَا الْوَئِيدَ فَلَمْ يُوأَدِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْفَرِيقِ الثَّانِي وَقَدْ بَقِيَ كُلٌّ مِنْ قَيْسٍ وَصَعْصَعَةَ إِلَى أَنْ أَدْرَكَا الْإِسْلَامَ وَلَهُمَا صُحْبَةٌ وَإِنَّمَا خَصَّ الْبَنَاتَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ كَانَ الْغَالِبُ مِنْ فِعْلِهِمْ لِأَنَّ الذُّكُورَ مَظِنَّةُ الْقُدْرَةِ عَلَى الِاكْتِسَابِ وَكَانُوا فِي صِفَةِ الْوَأْدِ عَلَى طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَأْمُرَ امْرَأَتَهُ إِذَا قَرُبَ وَضْعُهَا أَنْ تُطْلِقَ بِجَانِبِ حَفِيرَةٍ فَإِذَا وَضَعَتْ ذَكَرًا أَبْقَتْهُ وَإِذَا وَضَعَتْ أُنْثَى طَرَحَتْهَا فِي الْحَفِيرَةِ وَهَذَا أَلْيَقِ بِالْفَرِيقِ الْأَوَّلِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ إِذَا صَارَتِ الْبِنْتُ سُدَاسِيَّةً قَالَ لِأُمِّهَا طَيِّبِيهَا وَزَيِّنِيهَا لِأَزُورَ بِهَا أَقَارِبَهَا ثُمَّ يَبْعُدُ بِهَا فِي الصَّحْرَاءِ حَتَّى يَأْتِيَ الْبِئْرِ فَيَقُولُ لَهَا انْظُرِي فِيهَا وَيَدْفَعُهَا مِنْ خَلْفِهَا وَيَطِمُّهَا وَهَذَا اللَّائِقُ بِالْفَرِيقِ الثَّانِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ.

     وَقَالَ  فِي رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ وَكَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ.

     وَقَالَ  كَذَا لِلْأَكْثَرِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاضِعِ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا قِيلًا وَقَالًا وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ جَائِزٌ وَلَمْ تَقَعْ بِهِ الرِّوَايَةُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قِيلَ.

     وَقَالَ  اسْمَانِ يُقَالُ كَثِيرُ الْقِيلِ وَالْقَالِ كَذَا جَزَمَ بِأَنَّهُمَا اسْمَانِ وَأَشَارَ إِلَى الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ بِدُخُولِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ عَلَيْهِمَا.

     وَقَالَ  أَيْن دَقِيقِ الْعِيدِ لَوْ كَانَا اسْمَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَالْقَوْلِ لَمْ يَكُنْ لِعَطْفِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَائِدَةٌ فَأَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ.

     وَقَالَ  الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي قِيلَ.

     وَقَالَ  ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُمَا مَصْدَرَانِ لِلْقَوْلِ تَقُولُ.

قُلْتُ قَوْلًا وَقِيلًا وَقَالًا وَالْمُرَادُ فِي الْأَحَادِيثِ الْإِشَارَةُ إِلَى كَرَاهَةِ كَثْرَةِ الْكَلَامِ لِأَنَّهَا تُئَوِّلُ إِلَى الْخَطَأِ قَالَ وَإِنَّمَا كَرَّرَهُ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ ثَانِيهَا إِرَادَةُ حِكَايَةِ أَقَاوِيلِ النَّاسِ وَالْبَحْثُ عَنْهَا لِيُخْبِرَ عَنْهَا فَيَقُولُ قَالَ فُلَانٌ كَذَا وَقِيلَ كَذَا وَالنَّهْيُ عَنْهُ إِمَّا لِلزَّجْرِ عَنِ الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ وَإِمَّا لِشَيْءٍ مَخْصُوصٍ مِنْهُ وَهُوَ مَا يَكْرَهُهُ الْمَحْكِيُّ عَنْهُ ثَالِثُهَا أَنَّ ذَلِكَ فِي حِكَايَةِ الِاخْتِلَافِ فِي أُمُورِ الدِّينِ كَقَوْلِهِ قَالَ فُلَانٌ كَذَا.

     وَقَالَ  فُلَانٌ كَذَا وَمَحَلُّ كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُؤْمَنُ مَعَ الْإِكْثَارِ مِنَ الزَّلَلِ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ يَنْقُلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ وَلَكِنْ يُقَلِّدُ مَنْ سَمِعَهُ وَلَا يَحْتَاطُ لَهُ.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ .

     قَوْلُهُ  قِيلَ.

     وَقَالَ  مِنْ قَوْلِهِمْ قِيلَ كَذَا.

     وَقَالَ  كَذَا وَبِنَاؤُهُمَا عَلَى كَوْنِهِمَا فعلين محكيين متضمنين للضمير والأعرب عَلَى إِجْرَائِهِمَا مَجْرَى الْأَسْمَاءِ خِلْوَيْنِ مِنَ الضَّمِيرِ وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا الدُّنْيَا قِيلَ.

     وَقَالَ  وَإِدْخَالُ حَرْفِ التَّعْرِيفِ عَلَيْهِمَا فِي قَوْلِهِ مَا يُعْرَفُ الْقَالُ الْقِيلُ لِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  وَكَثْرَةُ السُّؤَالِ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُرَادِ مِنْهُ وَهَلْ هُوَ سُؤَالُ الْمَالِ أَوِ السُّؤَالُ عَنِ الْمُشْكِلَاتِ وَالْمُعْضِلَاتِ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّ الْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كَثْرَةُ السُّؤَالِ عَنْ أَخْبَارِ النَّاسِ وَأَحْدَاثِ الزَّمَانِ أَوْ كَثْرَةُ سُؤَالِ إِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ عَنْ تَفَاصِيلِ حَالِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَكْرَهُ الْمَسْئُولُ غَالِبًا وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنِ الْأُغْلُوطَاتِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَثَبَتَ عَنْ جَمْعٍ مِنَ السَّلَفِ كَرَاهَةَ تَكَلُّفِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَسْتَحِيلُ وُقُوعُهَا عَادَةً أَوْ يَنْدُرُ جِدًّا وَإِنَّمَا كَرِهُوا ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّنَطُّعِ وَالْقَوْلِ بِالظَّنِّ إِذْ لَا يَخْلُو صَاحِبُهُ مِنَ الْخَطَأِ.
وَأَمَّا مَا تَقَدَّمَ فِي اللِّعَانِ فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا وَكَذَا فِي التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تبدلكم تَسُؤْكُمْ فَذَلِكَ خَاصٌّ بِزَمَانِ نُزُولِ الْوَحْيِ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ حَدِيثِ أَعْظَمُ النَّاسِ جُرْمًا عِنْدَ اللَّهِ مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ وَثَبَتَ أَيْضًا ذَمُّ السُّؤَالِ لِلْمَالِ وَمَدْحُ مَنْ لَا يُلْحِفُ فِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يسْأَلُون النَّاس إلحافا وَتَقَدَّمَ فِي الزَّكَاةِ حَدِيثُ لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ جَائِحَةٍ وَفِي السُّنَنِ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ سَائِلًا فَاسْأَلِ الصَّالِحِينَ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ جَائِزٌ لِأَنَّهُ طَلَبُ مُبَاحٍ فَأَشْبَهَ الْعَارِيَةَ وَحَمَلُوا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ عَلَى مَنْ سَأَلَ مِنَ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّهْيِ عَنِ السُّؤَالِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قَالَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي سُؤَالِ الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا التَّحْرِيمُ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَالثَّانِي يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ أَنْ لَا يُلِحَّ وَلَا يُذِلَّ نَفْسَهُ زِيَادَةً عَلَى ذُلِّ نَفْسِ السُّؤَالِ وَلَا يُؤْذِي الْمَسْئُولَ فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ حَرُمَ.

     وَقَالَ  الْفَاكِهَانِيُّ يُتَعَجَّبُ مِمَّنْ قَالَ بِكَرَاهَةِ السُّؤَالِ مُطْلَقًا مَعَ وُجُودِ السُّؤَالِ فِي عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَالشَّارِعُ لَا يُقِرُّ عَلَى مَكْرُوهٍ.

قُلْتُ لَعَلَّ مَنْ كَرِهَ مُطْلَقًا أَرَادَ أَنَّهُ خِلَافَ الْأَوْلَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ أَنْ تَتَغَيَّرَ صِفَتُهُ وَلَا مِنْ تَقْرِيرِهِ أَيْضًا وَيَنْبَغِي حَمْلُ حَالِ أُولَئِكَ عَلَى السَّدَادِ وَأَنَّ السَّائِلَ مِنْهُمْ غَالِبًا مَا كَانَ يَسْأَلُ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ الشَّدِيدَةِ وَفِي قَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ نَظَرٌ فَفِي الْأَحَادِيثِ الْكَثِيرَةِ الْوَارِدَةِ فِي ذَمِّ السُّؤَالِ كِفَايَةٌ فِي إِنْكَارِ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا سَأَلَ لِنَفْسِهِ.
وَأَمَّا إِذَا سَأَلَ لِغَيْرِهِ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَيْضًا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ .

     قَوْلُهُ  وَإِضَاعَةُ الْمَالِ تَقَدَّمَ فِي الِاسْتِقْرَاضِ أَنَّ الْأَكْثَرَ حَمَلُوهُ عَلَى الْإِسْرَافِ فِي الْإِنْفَاقِ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِالْإِنْفَاقِ فِي الْحَرَامِ وَالْأَقْوَى أَنَّهُ مَا أُنْفِقَ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا سَوَاءٌ كَانَتْ دِينِيَّةً أَوْ دُنْيَوِيَّةً فَمَنَعَ مِنْهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْمَالَ قِيَامًا لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ وَفِي تَبْذِيرِهَا تَفْوِيتُ تِلْكَ الْمَصَالِحِ إِمَّا فِي حَقِّ مُضَيِّعِهَا وَإِمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ كَثْرَةُ إِنْفَاقِهِ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ لِتَحْصِيلِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ مَا لَمْ يُفَوِّتْ حَقًّا أُخْرَوِيًّا أَهَمَّ مِنْهُ وَالْحَاصِلُ فِي كَثْرَةِ الْإِنْفَاقِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ إِنْفَاقُهُ فِي الْوُجُوهِ الْمَذْمُومَةِ شَرْعًا فَلَا شَكَّ فِي مَنْعِهِ وَالثَّانِي إِنْفَاقُهُ فِي الْوُجُوهِ الْمَحْمُودَةِ شَرْعًا فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ مَطْلُوبًا بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَالثَّالِثُ إِنْفَاقُهُ فِي الْمُبَاحَاتِ بِالْأَصَالَةِ كَمَلَاذِّ النَّفْسِ فَهَذَا يَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ يَلِيقُ بِحَالِ الْمُنْفِقِ وَبِقَدْرِ مَالِهِ فَهَذَا لَيْسَ بِإِسْرَافٍ وَالثَّانِي مَا لَا يَلِيقُ بِهِ عُرْفًا وَهُوَ يَنْقَسِمُ أَيْضًا إِلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَكُونُ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ إِمَّا نَاجِزَةٍ أَوْ مُتَوَقَّعَةٍ فَهَذَا لَيْسَ بِإِسْرَافٍ وَالثَّانِي مَا لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ إِسْرَافٌ وَذَهَبَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِإِسْرَافٍ قَالَ لِأَنَّهُ تَقُومُ بِهِ مَصْلَحَةُ الْبَدَنِ وَهُوَ غَرَضٌ صَحِيحٌ وَإِذَا كَانَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَهُوَ مُبَاح لَهُ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَمْنَعُ مَا قَالَ اه وَقَدْ صَرَّحَ بِالْمَنْعِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَقَالَ فِي كِتَابِ قَسْمِ الصَّدَقَاتِ هُوَ حَرَامٌ وَتَبِعَهُ الْغَزَالِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَغَارِمِ وَصَحَّحَ فِي بَابِ الْحَجْرِ مِنَ الشَّرْحِ وَفِي الْمُحَرَّرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِتَبْذِيرٍ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ أَنَّهُ لَيْسَ مَذْمُومًا لِذَاتِهِ لَكِنَّهُ يُفْضِي غَالِبًا إِلَى ارْتِكَابِ الْمَحْذُورِ كَسُؤَالِ النَّاسِ وَمَا أَدَّى إِلَى الْمَحْذُورِ فَهُوَ مَحْذُورٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ الْبَحْثُ فِي جَوَازِ التَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ الْمَالِ وَأَنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ لِمَنْ عُرِفَ مَنْ نَفْسِهِ الصَّبْرُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ وَجَزَمَ الْبَاجِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِمَنْعِ اسْتِيعَابِ جَمِيعِ الْمَالِ بِالصَّدَقَةِ قَالَ وَيُكْرَهُ كَثْرَةُ إِنْفَاقِهِ فِي مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا وَقَعَ نَادِرًا لِحَادِثٍ يَحْدُثُ كَضَيْفٍ أَوْ عِيدٍ أَوْ وَلِيمَةٍ وَمِمَّا لَا خِلَافَ فِي كَرَاهَتِهِ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْبِنَاءِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ فِي الزَّخْرَفَةِ وَمِنْهُ احْتِمَالُ الْغَبْنِ الْفَاحِشِ فِي الْبِيَاعَاتِ بِغَيْرِ سَبَبٍ.
وَأَمَّا إِضَاعَةُ الْمَالِ فِي الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَخْتَصُّ بِارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ بَلْ يَدْخُلُ فِيهَا سُوءُ الْقِيَامِ عَلَى الرَّقِيقِ وَالْبَهَائِمِ حَتَّى يَهْلِكُوا وَدَفْعُ مَالِ مَنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ إِلَيْهِ وَقَسْمُهُ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِجُزْئِهِ كَالْجَوْهَرَةِ النَّفِيسَةِ.

     وَقَالَ  السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ فِي الْحَلَبِيَّاتِ الضَّابِطُ فِي إِضَاعَةِ الْمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ لِغَرَضٍ دِينِيٍّ وَلَا دُنْيَوِيٍّ فَإِنِ انْتَفَيَا حَرُمَ قَطْعًا وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا وُجُودًا لَهُ بَالٌ وَكَانَ الْإِنْفَاقُ لَائِقًا بِالْحَالِ وَلَا مَعْصِيَةَ فِيهِ جَازَ قَطْعًا وَبَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ وَسَائِطُ كَثِيرَةٌ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ ضَابِطٍ فَعَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَرَى فِيمَا تَيَسَّرَ مِنْهَا رَأْيَهُ.
وَأَمَّا مَا لَا يَتَيَسَّرُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لَهُ فَالْإِنْفَاقُ فِي الْمَعْصِيَةِ حَرَامٌ كُلُّهُ وَلَا نَظَرَ إِلَى مَا يَحْصُلُ فِي مَطْلُوبِهِ مِنْ قَضَاءِ شَهْوَةٍ وَلَذَّةٍ حَسَنَةٍ.
وَأَمَّا إِنْفَاقُهُ فِي الْمَلَاذِّ الْمُبَاحَةِ فَهُوَ مَوْضِعُ الِاخْتِلَافِ فَظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَين ذَلِك قواما أَنَّ الزَّائِدَ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُنْفِقِ إِسْرَاف ثمَّ قَالَ وَمن بذل مَا لَا كَثِيرًا فِي غَرَضٍ يَسِيرٍ تَافِهٍ عَدَّهُ الْعُقَلَاءُ مُضَيِّعًا بِخِلَافِ عَكْسِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي مَعْرِفَةِ حُسْنِ الْخُلُقِ وَهُوَ تَتَبُّعُ جَمِيعِ الْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ وَالْخِلَالِ الْجَمِيلَةِ الحَدِيث الثَّانِي





[ قــ :5655 ... غــ :5976] قَوْله حَدثنِي إِسْحَاق هُوَ بن شاهين الوَاسِطِيّ وخَالِد هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ وَالْجُرَيْرِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ وَهُوَ مِمَّنِ اخْتَلَطَ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ سَمَاعَ خَالِدٍ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَلَا بَعْدَهُ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ وَيَأْتِي فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْجُرَيْرِيِّ وَإِسْمَاعِيلُ مِمَّنْ سَمِعَ مِنَ الْجُرَيْرِيِّ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ وَبَيَّنَ فِي الشَّهَادَاتِ تَصْرِيحَ الْجُرَيْرِيِّ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ عَنْهُ بِتَحْدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ لَهُ بِهِ .

     قَوْلُهُ  أَلَا أُنَبِّئُكُمْ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ فِي الِاسْتِئْذَانِ أَلَا أُخْبِركُمْ .

     قَوْلُهُ  بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ثَلَاثًا أَيْ قَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى عَادَتِهِ فِي تَكْرِيرِ الشَّيْءِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَأْكِيدًا لِيُنَبِّهَ السَّامِعَ عَلَى إِحْضَارِ قَلْبِهِ وَفَهْمِهِ لِلْخَبَرِ الَّذِي يَذْكُرُهُ وَفَهِمَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا عَدَدُ الْكَبَائِرِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ أَوَّلَ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ فِي اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ ثَلَاثًا وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مِنَ الذُّنُوبِ كَبَائِرَ وَمِنْهَا صَغَائِرَ وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ الْأُسْتَاذُ أَبُو إِسْحَاقَ الِاسْفَرَايِنِيُّ فَقَالَ لَيْسَ فِي الذُّنُوبِ صَغِيرَةٌ بَلْ كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنهُ كَبِيرَة وَنقل ذَلِك عَن بن عَبَّاسٍ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنِ الْمُحَقِّقِينَ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ كُلَّ مُخَالَفَةٍ لِلَّهِ فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى جلالة كَبِيرَة اه وَنسبه بن بَطَّالٍ إِلَى الْأَشْعَرِيَّةِ فَقَالَ انْقِسَامُ الذُّنُوبِ إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَخَالَفَهُمْ مِنَ الْأَشْعَرِيَّةِ أَبُو بَكْرِ بْنُ الطَّيِّبِ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا الْمَعَاصِي كُلُّهَا كَبَائِرُ وَإِنَّمَا يُقَالُ لِبَعْضِهَا صَغِيرَةٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا كَمَا يُقَالُ الْقُبْلَةُ الْمُحَرَّمَةُ صَغِيرَةٌ بِإِضَافَتِهَا إِلَى الزِّنَا وَكُلُّهَا كَبَائِرُ قَالُوا وَلَا ذَنْبَ عِنْدَنَا يُغْفَرُ وَاجِبًا بِاجْتِنَابِ ذَنْبٍ آخَرَ بَلْ كُلُّ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ وَمُرْتَكِبُهُ فِي الْمَشِيئَةِ غَيْرَ الْكُفْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَأَجَابُوا عَنِ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِهَا وَهِيَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ الشِّرْكُ وَقَدْ قَالَ الْفَرَّاءُ مَنْ قَرَأَ كَبَائِرَ فَالْمُرَادُ بِهَا كَبِيرٌ وَكَبِيرُ الْإِثْمِ هُوَ الشِّرْكُ وَقَدْ يَأْتِي لَفْظُ الْجَمْعِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسلين وَلَمْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ غَيْرُ نُوحٍ قَالُوا وَجَوَازُ الْعِقَابِ عَلَى الصَّغِيرَةِ كَجَوَازِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ اه قَالَ النَّوَوِيُّ قَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَدِلَّةُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.

     وَقَالَ  الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إِنْكَارُ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لَا يَلِيقُ بِالْفَقِيهِ.

قُلْتُ قَدْ حَقَّقَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَنْقُولَ عَنِ الْأَشَاعِرَةِ وَاخْتَارَهُ وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ فَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ الْمَرْضِيُّ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ يُعْصَى اللَّهُ بِهِ كَبِيرَةٌ فَرُبَّ شَيْءٍ يُعَدُّ صَغِيرَةً بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَقْرَانِ وَلَوْ كَانَ فِي حَقِّ الْمَلِكِ لَكَانَ كَبِيرَةً وَالرَّبُّ أَعْظَمُ مَنْ عُصِيَ فَكُلُّ ذَنْب بِالْإِضَافَةِ إِلَى مُخَالَفَتِهِ عَظِيمٌ وَلَكِنَّ الذُّنُوبَ وَإِنْ عَظُمَتْ فَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ فِي رُتَبِهَا وَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ فَقَالَ التَّحْقِيقُ أَنَّ لِلْكَبِيرَةِ اعْتِبَارَيْنِ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى مُقَايَسَةِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ فَهِيَ تَخْتَلِفُ قَطْعًا وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآمِرِ النَّاهِيِ فَكُلُّهَا كَبَائِرُ اه وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ وَإِنَّمَا جَرَى إِلَيْهِ الْأَخْذُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ الصَّغَائِرَ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ مَا أَظُنهُ يَصح عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّ كُلَّ مَا نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ كَبِيرَةٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ فِي قَوْلِهِ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ وَقَولُهُ إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُم سَيِّئَاتكُمْ فَجَعَلَ فِي الْمَنْهِيَّاتِ صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ إِذْ جَعَلَ تَكْفِيرَ السَّيِّئَاتِ فِي الْآيَةِ مَشْرُوطًا بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَاسْتَثْنَى اللَّمَمَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَالْفَوَاحِشِ فَكَيْفَ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَى حَبْرِ الْقُرْآن قلت وَيُؤَيِّدهُ مَا سَيَأْتِي عَن بن عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ اللَّمَمِ لَكِنَّ النَّقْلَ الْمَذْكُورَ عَنْهُ أَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَالطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ على شَرط الشَّيْخَيْنِ إِلَى بن عَبَّاسٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مَحْمُولًا عَلَى نَهْيٍ خَاصٍّ وَهُوَ الَّذِي قُرِنَ بِهِ وَعِيدٌ كَمَا قَيَّدَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن بن عَبَّاسٍ فَيُحْمَلُ مُطْلَقُهُ عَلَى مُقَيَّدِهِ جَمْعًا بَيْنَ كَلَامَيْهِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ أَمْرَانِ نِسْبِيَّانِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ يُضَافَانِ إِلَيْهِ وَهُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ الطَّاعَةُ أَوِ الْمَعْصِيَةُ أَوِ الثَّوَابُ فَأَمَّا الطَّاعَةُ فَكُلُّ مَا تُكَفِّرُهُ الصَّلَاةُ مثلا فَهُوَ مِنَ الصَّغَائِرِ وَكُلُّ مَا يُكَفِّرُهُ الْإِسْلَامُ أَوِ الْهِجْرَةُ فَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ.
وَأَمَّا الْمَعْصِيَةُ فَكُلُّ مَعْصِيَةٍ يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهَا بِسَبَبِهَا وَعِيدًا أَوْ عِقَابًا أَزْيَدَ مِنَ الْوَعِيدِ أَوِ الْعِقَابِ الْمُسْتَحَقِّ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ أُخْرَى فَهِيَ كَبِيرَةٌ.
وَأَمَّا الثَّوَابُ فَفَاعِلُ الْمَعْصِيَةِ إِذَا كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَالصَّغِيرَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَبِيرَةٌ فَقَدْ وَقَعَتِ الْمُعَاتَبَةُ فِي حَقِّ بَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَى أُمُورٍ لَمْ تُعَدَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مَعْصِيَةً اه وَكَلَامُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْوَعِيدِ وَالْعِقَابِ يُخَصِّصُ عُمُومَ مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ عَلَامَةَ الْكَبِيرَةِ وُرُودُ الْوَعِيدِ أَوِ الْعِقَابِ فِي حَقِّ فَاعِلِهَا لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ مُطْلَقَ قَتْلِ النَّفْسِ مَثَلًا لَيْسَ كَبِيرَةً كَأَنَّهُ وَإِنْ وَرَدَ الْوَعِيدُ فِيهِ أَوِ الْعِقَابُ لَكِنْ وَرَدَ الْوَعِيدُ وَالْعِقَابُ فِي حَقِّ قَاتِلِ وَلَدِهِ أَشَدُّ فَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَأَنَّ الْمِثَالَ الْمَذْكُورَ وَمَا أَشْبَهَهُ يَنْقَسِمُ إِلَى كَبِيرَةٍ وَأَكْبَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِ الْكَبِيرَةِ اخْتِلَافًا كثيرا منتشرا فروى عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهَا كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ أَو غضب أَو لعنة أَو عَذَاب قَالَ وَجَاء نَحْو هَذَا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ هِيَ مَا أوعد الله عَلَيْهِ بِنَارٍ فِي الْآخِرَةِ أَوْ أَوْجَبَ فِيهِ حَدًّا فِي الدُّنْيَا.

قُلْتُ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى هَذَا الْأَخِيرِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِيمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَفْظُهُ الْكَبِيرَةُ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الْحُدُودُ أَوْ تَوَجَّهَ إِلَيْهَا الْوَعِيدُ وَالْمَنْقُول عَن بن عَبَّاس أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ إِلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا وَأُخْرِجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُتَّصِل لَا بَأْس بِرِجَالِهِ أَيْضا عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ كُلُّ مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ كَبِيرَةٌ وَقَدْ ضَبَطَ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ الْكَبَائِرَ بِضَوَابِطَ أُخْرَى مِنْهَا قَوْلُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ وَقَوْلُ الْحَلِيمِيُّ كُلُّ مُحَرَّمٍ لِعَيْنِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ.

     وَقَالَ  الرَّافِعِيُّ هِيَ مَا أَوْجَبَ الْحَدَّ وَقِيلَ مَا يُلْحِقُ الْوَعِيدَ بِصَاحِبِهِ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ هَذَا أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ لِلْأَصْحَابِ وَهُمْ إِلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ أَمْيَلُ لَكِنَّ الثَّانِي أَوْفَقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ اهـ كَلَامُهُ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ بِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّا وَرَدَتِ النُّصُوصُ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً لَا حَدَّ فِيهِ كَالْعُقُوقِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ مُرَادَ قَائِلِهِ ضَبْطَ مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَصٌّ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ السَّلَامِ فِي الْقَوَاعِدِ لَمْ أَقِفْ لِأَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ضَابِطٍ لِلْكَبِيرَةِ لَا يَسْلَمُ من الِاعْتِرَاضِ وَالْأَوْلَى ضَبْطُهَا بِمَا يُشْعِرُ بِتَهَاوُنِ مُرْتَكِبِهَا بِدِينِهِ إِشْعَارًا دُونَ الْكَبَائِرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا.

قُلْتُ وَهُوَ ضَابِطٌ جَيِّدٌ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الرَّاجِحُ أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ نُصَّ عَلَى كِبَرِهِ أَوْ عِظَمِهِ أَوْ تُوُعِّدَ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ أَوْ عُلِّقَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ شُدِّدَ النَّكِيرُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَبِيرَة وَكَلَام بن الصّلاح يُوَافق مَا نقل أَولا عَن بن عَبَّاسٍ وَزَادَ إِيجَابُ الْحَدِّ وَعَلَى هَذَا يَكْثُرُ عَدَدُ الْكَبَائِرِ فَأَمَّا مَا وَرَدَ النَّصُّ الصَّرِيحُ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً فَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِيهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ فِي كِتَابِ اسْتِتَابَةِ الْمُرْتَدِّينَ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ زِيَادَةً عَلَى السَّبْعِ الْمَذْكُورَاتِ مِمَّا نَصَّ عَلَى كَوْنِهَا كَبِيرَةً أَوْ مُوبِقَةً وَقَدْ ذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الذُّنُوبَ الَّتِي لَمْ يُنَصَّ عَلَى كَوْنِهَا كَبِيرَةً مَعَ كَوْنِهَا كَبِيرَةً لَا ضَابِطَ لَهَا فَقَالَ الْوَاحِدِيُّ مَا لَمْ يَنُصَّ الشَّارِعُ عَلَى كَوْنِهِ كَبِيرَةً فَالْحِكْمَةُ فِي إِخْفَائِهِ أَنْ يَمْتَنِعَ الْعَبْدُ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهِ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ كَبِيرَةً كَإِخْفَاءِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَسَاعَةِ الْجُمُعَةِ وَالِاسْمِ الْأَعْظَمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَصْلٌ .

     قَوْلُهُ  أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْحَصْرِ بَلْ مِنْ فِيهِ مُقَدَّرَةٌ فَقَدْ ثَبَتَ فِي أَشْيَاءَ أُخَرَ أَنَّهَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قَتْلِ النَّفْسِ وَسَيَأْتِي بَيَانه فِي الَّذِي بعده وَحَدِيث بن مَسْعُودٍ أَيِ الذَّنْبِ أَعْظَمُ فَذَكَرَ فِيهِ الزِّنَا بِحَلِيلَةِ الْجَارِ وَسَيَأْتِي بَعْدَ أَبْوَابٍ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيِّ مَرْفُوعًا قَالَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ فَذَكَرَ مِنْهَا الْيَمِينَ الْغَمُوسَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ اسْتِطَالَةُ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسلم أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَحَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَفَعَهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ فَذَكَرَ مِنْهَا مَنْعَ فَضْلِ الْمَاءِ وَمَنْعَ الْفَحْلِ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَحَدِيث بن عُمَرَ رَفَعَهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ أخرجه بن مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَيَقْرَبُ مِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَلَكِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ العقوق قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ انْقِسَامُ الذُّنُوبِ إِلَى كَبِيرٍ وَأَكْبَرَ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ فِي الذُّنُوبِ صَغَائِرَ لَكِنْ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَنْ قَالَ كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرَةٌ فَالْكَبَائِرُ وَالذُّنُوبُ عِنْدَهُ مُتَوَارِدَانِ عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ فَكَأَنَّهُ قِيلَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الذُّنُوبِ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ اسْتِوَاؤُهَا فَإِنَّ الشِّرْكَ بِاللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مَعَهُ .

     قَوْلُهُ  الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مُطْلَقَ الْكُفْرِ وَيَكُونُ تَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ لِغَلَبَتِهِ فِي الْوُجُودِ لَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ الْعَرَبِ فَذَكَرَ تَنْبِيهًا عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أَصْنَافِ الْكُفْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ خُصُوصُهُ إِلَّا أَنَّهُ يَرِدُ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَدْ يَظْهَرُ أَنَّ بَعْضَ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنَ الشِّرْكِ وَهُوَ التَّعْطِيلُ فَيَتَرَجَّحُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ عَلَى هَذَا .

     قَوْلُهُ  وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ قَرِيبًا وَذَكَرَ قَبْلَهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي بَعْدَهُ قَتْلَ النَّفْسِ وَالْمُرَادُ قَتْلُهَا بِغَيْرِ حَقٍّ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ عَنِ الْجُرَيْرِيِّ فِي الشَّهَادَاتِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا.
وَأَمَّا فِي الِاسْتِئْذَانِ فَكَالْأَوَّلِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى.

قُلْتُ لَا يَسْكُتُ هَكَذَا فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ فَقَالَ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ أَيْ تَمَنَّيْنَاهُ يَسْكُتُ إِشْفَاقًا عَلَيْهِ لِمَا رَأَوْا من انزعاجه فِي ذَلِك.

     وَقَالَ  بن دَقِيقِ الْعِيدِ اهْتِمَامُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِأَنَّهَا أَسْهَلَ وُقُوعًا عَلَى النَّاسِ وَالتَّهَاوُنِ بِهَا أَكْثَرُ وَمَفْسَدَتُهَا أَيْسَرُ وُقُوعًا لِأَنَّ الشِّرْكَ يَنْبُو عَنْهُ الْمُسْلِمُ وَالْعُقُوقُ يَنْبُو عَنْهُ الطَّبْعُ.
وَأَمَّا قَوْلُ الزُّورِ فَإِنَّ الْحَوَامِلَ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ فَحَسُنَ الِاهْتِمَامُ بِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ لِعِظَمِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ذُكِرَ مَعَهَا قَالَ.
وَأَمَّا عَطْفُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْقَوْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ تَأْكِيدًا لِلشَّهَادَةِ لِأَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْكِذْبَةُ الْوَاحِدَةُ مُطْلَقًا كَبِيرَةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْكَذِبِ مَنْصُوصًا عَلَى عِظَمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبينًا وَفِي الْجُمْلَةِ فَمَرَاتِبُ الْكَذِبِ مُتَفَاوِتَةٌ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ مَفَاسِدِهِ قَالَ وَقَدْ نَصَّ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَلَى أَنَّ الْغِيبَةَ وَالنَّمِيمَةَ كَبِيرَةٌ وَالْغِيبَةُ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْقَوْلِ الْمُغْتَابِ بِهِ فَالْغِيبَةُ بِالْقَذْفِ كَبِيرَةٌ وَلَا تُسَاوِيهَا الْغِيبَةُ بِقُبْحِ الْخِلْقَةِ أَوِ الْهَيْئَةِ مَثَلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ لِأَنَّ كُلَّ شَهَادَةِ زُورٍ قَوْلُ زُورٍ بِغَيْرِ عَكْسٍ وَيُحْتَمَلُ قَوْلُ الزُّورِ عَلَى نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْهُ.

قُلْتُ وَالْأَوْلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ وَيُؤَيِّدُهُ وُقُوعُ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي بَعْدَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ شَيْءٌ وَاحِدٌ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ شَهَادَةُ الزُّورِ هِيَ الشَّهَادَةُ بِالْكَذِبِ لِيُتَوَصَّلَ بِهَا إِلَى الْبَاطِلِ مِنْ إِتْلَافِ نَفْسٍ أَوْ أَخْذِ مَالٍ أَوْ تَحْلِيلِ حَرَامٍ أَوْ تَحْرِيمِ حَلَالٍ فَلَا شَيْءَ مِنَ الْكَبَائِرِ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْهَا وَلَا أَكْثَرُ فَسَادًا بَعْدَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكُفْرُ فَإِنَّ الْكَافِرَ شَاهِدٌ بِالزُّورِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ يَسْتَحِلُّ شَهَادَةَ الزُّورِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ





[ قــ :5656 ... غــ :5977] .

     قَوْلُهُ  عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَيِ بن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَوَقَعَ كَذَلِكَ فِي الشَّهَادَاتِ مِنْ رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ شُعْبَةَ .

     قَوْلُهُ  ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَبَائِرَ أَوْ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالشَّكِّ وَجَزَمَ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي الشَّهَادَاتِ بِالثَّانِي قَالَ سُئِلَ الخ وَوَقع فِي الدِّيات عَن عمر وَهُوَ بن مَرْزُوق عَن شُعْبَة عَن بن أَبِي بَكْرٍ سَمِعَ أَنَسًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ الْحَدِيثَ وَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لِابْنِ مَنْدَهْ وَفِي كِتَابِ الْقُضَاةِ لِلنَّقَّاشِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَامِرٍ الْعَقَدِيِّ عَنْ شُعْبَةَ وَقَدْ عَلَّقَ الْبُخَارِيُّ فِي الشَّهَادَاتِ طَرِيقَ أَبِي عَامِرٍ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ فِي أَنَّ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ لَا مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُطْلَقَةِ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قَالَ قَوْلُ الزُّورِ إِلَخْ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ خَصَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ بِقَوْلِ الزُّورِ وَلَكِنَّ الرِّوَايَةَ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا قَبْلُ تُؤْذِنَ بِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَاتِ مُشْتَرِكَاتٌ فِي ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  أَوْ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ قَالَ شُعْبَةُ وَأَكْثَرُ ظَنِّي أَنَّهُ قَالَ شَهَادَةُ الزُّورِ.

قُلْتُ وَوَقَعَ الْجَزْمُ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فِي الشَّهَادَاتِ قَالَ قُتَيْبَةُ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَلَمْ يَشُكَّ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَلَمْ يَشُكَّ أَيْضًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالَّذِي قَبْلَهُ اسْتِحْبَابُ إِعَادَةِ الْمَوْعِظَةِ ثَلَاثًا لِتُفْهَمَ وَانْزِعَاجِ الْوَاعِظِ فِي وَعْظِهِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الْوَعْيِ عَنْهُ وَالزَّجْرِ عَنْ فِعْلِ مَا يَنْهَى عَنْهُ وَفِيهِ غِلَظُ أَمْرِ شَهَادَةِ الزُّورِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَفَاسِدِ وَإِنْ كَانَتْ مَرَاتِبُهَا مُتَفَاوِتَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَضَابِطُ الزُّورِ وَصْفُ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ بِهِ وَقَدْ يُضَافُ إِلَى الْقَوْلِ فَيَشْمَلُ الْكَذِبَ وَالْبَاطِلَ وَقَدْ يُضَافُ إِلَى الشَّهَادَةِ فَيَخْتَصُّ بِهَا وَقَدْ يُضَافُ إِلَى الْفِعْلِ وَمِنْهُ لَابِسُ ثَوْبَيْ زُورٍ وَمِنْهُ تَسْمِيَةُ الشَّعْرِ الْمَوْصُولِ زُورًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي اللِّبَاسِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذين لَا يشْهدُونَ الزُّور وَأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي الْآيَةِ الْبَاطِلُ وَالْمُرَادُ لَا يَحْضُرُونَهُ وَفِيهِ التَّحْرِيضُ عَلَى مُجَانَبَةِ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ لِيَحْصُلَ تَكْفِيرُ الصَّغَائِرِ بِذَلِكَ كَمَا وَعَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَفِيهِ إِشْفَاقُ التِّلْمِيذِ عَلَى شَيْخِهِ إِذَا رَآهُ مُنْزَعِجًا وَتَمَنِّي عَدَمَ غَضَبِهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْغَضَبِ مِنْ تَغَيُّرِ مِزَاجِهِ وَاللَّهُ أعلم