فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب التسليم في مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين

( .

     قَوْلُهُ  بَاب التَّسْلِيمِ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ)

أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي قَالَ بن التِّين



[ قــ :5924 ... غــ :6254] قَوْله بن سَلُولَ هِيَ قَبِيلَةٌ مِنْ هَوَازِنَ وَهُوَ اسْمُ أُمِّهِ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ فَعَلَى هَذَا لَا يَنْصَرِفُ.

قُلْتُ وَمُرَادُهُ أَنَّ اسْمَ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَافَقَ اسْمَ الْقَبِيلَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا أَنَّهُمَا لِمُسَمًّى وَاحِدٍ وَفِيهِ حَتَّى مَرَّ فِي مجْلِس فِيهِ أخلاط من الْمُسلمين وَالْمُشْرِكين وَفِيهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ قَرِيبًا فِي بَابِ كُنْيَةِ الْمُشْرِكِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ قَالَ النَّوَوِيُّ السُّنَّةُ إِذَا مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ أَنْ يُسَلِّمَ بِلَفْظِ التَّعْمِيمِ وَيَقْصِدُ بِهِ الْمُسلم قَالَ بن الْعَرَبِيِّ وَمِثْلُهُ إِذَا مَرَّ بِمَجْلِسٍ يَجْمَعُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ وَبِمَجْلِسٍ فِيهِ عُدُولٌ وَظَلَمَةٌ وَبِمَجْلِسٍ فِيهِ مُحِبٌّ وَمُبْغِضٌ وَاسْتَدَلَّ النَّوَوِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى مَنْعِ ابْتِدَاءِ الْكَافِرِ بِالسَّلَامِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ صَرِيحًا فِيمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَصْرَةَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ الْغِفَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي رَاكِبٌ غَدًا إِلَى الْيَهُودِ فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ .

     وَقَالَتْ  طَائِفَةٌ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ فَأخْرج الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن عُيَيْنَةَ قَالَ يَجُوزُ ابْتِدَاءِ الْكَافِرِ بِالسَّلَامِ لِقولِهِ تَعَالَى لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدّين وَقَول إِبْرَاهِيم لِأَبِيهِ سَلام عَلَيْك وَأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ ابْتِدَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالسَّلَامِ فَقَالَ نَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَلَا نَبْدَؤُهُمْ قَالَ عَوْنٌ فَقُلْتُ لَهُ فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ قَالَ مَا أَرَى بَأْسًا أَنْ نَبْدَأَهُمْ.

قُلْتُ لِمَ قَالَ لِقولِهِ تَعَالَى فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلام.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ سَاقَ حَدِيثَ أَبِي أُمَامَةَ إنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيَهُ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ السَّلَامَ تَحِيَّةً لِأُمَّتِنَا وَأَمَانًا لِأَهْلِ ذِمَّتِنَا هَذَا رَأْيُ أَبِي أُمَامَةَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ عَنِ ابْتِدَائِهِمْ أَوْلَى وَأَجَابَ عِيَاضٌ عَنِ الْآيَةِ وَكَذَا عَنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَبِيهِ بِأَنَّ الْقَصْدَ بِذَلِكَ الْمُتَارَكَةُ وَالْمُبَاعَدَةُ وَلَيْسَ الْقَصْدُ فِيهِمَا التَّحِيَّةَ وَقَدْ صَرَّحَ بَعْضُ السَّلَفِ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يعلمُونَ نُسِخَتْ بِآيَةِ الْقِتَالِ.

     وَقَالَ  الطَّبَرِيُّ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ حَدِيثِ أُسَامَةَ فِي سَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفَّارِ حَيْثُ كَانُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ عَنِ السَّلَامِ عَلَى الْكُفَّارِ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَامٌّ وَحَدِيثُ أُسَامَةَ خَاصٌّ فَيَخْتَصُّ من حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ مَا إِذَا كَانَ الِابْتِدَاءُ لِغَيْرِ سَبَبٍ وَلَا حَاجَةٍ مِنْ حَقِّ صُحْبَةٍ أَوْ مُجَاوَرَةٍ أَوْ مُكَافَأَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ مَنْعُ ابْتِدَائِهِمْ بِالسَّلَامِ الْمَشْرُوعِ فَأَمَّا لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ بِلَفْظٍ يَقْتَضِي خُرُوجَهُمْ عَنْهُ كَأَنْ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَهُوَ جَائِزٌ كَمَا كَتَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ وَغَيْرِهِ سَلَامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا دَخَلْتَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمُ السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتبع الْهدى وَأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مِثْلَهُ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مَالِكٍ إِذَا سَلَّمْتَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقُلِ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَيَحْسَبُونَ أَنَّكَ سَلَّمْتَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ صَرَفْتَ السَّلَامَ عَنْهُمْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِهِ وَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهِ مَعْنَاهُ لَا تَتَنَحَّوْا لَهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ الضَّيِّقِ إِكْرَامًا لَهُمْ وَاحْتِرَامًا وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُنَاسِبَةً لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى فِي الْمَعْنَى وَلَيْسَ الْمَعْنَى إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ فَأَلْجِئُوهُمْ إِلَى حَرْفِهِ حَتَّى يَضِيقَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ أَذًى لَهُمْ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ أَذَاهُمْ بِغَيْرِ سَبَبٍ