فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب (إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس، فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا) الآية

( قَولُهُ بَابُ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمجْلس فافسحوا)
كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَزَادَ غَيْرُهُ وَإِذَا قِيلَ انشزوا فانشزوا الْآيَةَ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِمَجْلِسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم قَالَ بن بَطَّالٍ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَجْلِسُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ.

قُلْتُ لَفْظُ الطَّبَرِيِّ عَنْ قَتَادَةَ كَانُوا يَتَنَافَسُونَ فِي مَجْلِسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَوْهُ مُقْبِلًا ضَيَّقُوا مَجْلِسَهُمْ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى أَن يُوسع بَعضهم لبَعض قلت وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْآيَةِ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ الِاخْتِصَاص وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ الثَّقِيلَةِ قَالَ نَزَلَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَقْبَلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فَلَمْ يَجِدُوا مَكَانًا فَأَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِمَّنْ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ فَأَجْلَسَهُمْ فِي أَمَاكِنِهِمْ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَتَكَلَّمَ الْمُنَافِقُونَ فِي ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمجْلس فافسحوا وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَجْلِسُ الْقِتَالِ قَالَ وَمَعْنَى قَوْلِهِ اُنْشُزُوا انْهَضُوا لِلْقِتَالِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْخَيْرِ وَقَولُهُ افْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ أَيْ وَسِّعُوا يُوَسِّعِ اللَّهُ عَلَيْكُمُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ



[ قــ :5940 ... غــ :6270] .

     قَوْلُهُ  سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُقَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ وَيَجْلِسُ فِيهِ آخَرُ كَذَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ لَا يُقِمِ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَقْعَدِهِ ثُمَّ يَجْلِسْ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا هُوَ عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَة قبيصَة عَن سُفْيَان عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ وَلَكِنْ لِيَقُلِ افْسَحُوا وَتَوَسَّعُوا وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ قَبِيصَةَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ لِيَقُلْ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَشَارَ مُسْلِمٌ إِلَى أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ تَفَرَّدَ بِهَا عَنْ نَافِعٍ وَأَن مَالِكًا وَاللَّيْث وَأَيوب وبن جريج رَوَوْهُ عَن نَافِع بِدُونِهَا وَأَن بن جُرَيْجٍ زَادَ.

قُلْتُ لِنَافِعٍ فِي الْجُمُعَةِ قَالَ وَفِي غَيرهَا وَقد تقدّمت زِيَادَة بن جُرَيْجٍ هَذِهِ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يُخَالِفْ إِلَى مَقْعَدِهِ فَيَقْعُدْ فِيهِ وَلَكِنْ يَقُولُ افْسَحُوا فَجَمَعَ بَيْنَ الزيادتين ورفعهما وَكَانَ ذَلِك سَبَب سُؤال بن جريج لنافع قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ هَذَا اللَّفْظُ عَامٌّ فِي الْمَجَالِسِ وَلَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْمَجَالِسِ الْمُبَاحَةِ إِمَّا عَلَى الْعُمُومِ كَالْمَسَاجِدِ وَمَجَالِسِ الْحُكَّامِ وَالْعِلْمِ وَإِمَّا عَلَى الْخُصُوصِ كَمَنْ يَدْعُو قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ إِلَى مَنْزِلِهِ لِوَلِيمَةٍ وَنَحْوِهَا.
وَأَمَّا الْمَجَالِسُ الَّتِي لَيْسَ لِلشَّخْصِ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا إِذْنَ لَهُ فِيهَا فَإِنَّهُ يُقَامُ وَيُخْرَجُ مِنْهَا ثُمَّ هُوَ فِي الْمَجَالِسِ الْعَامَّةِ وَلَيْسَ عَامًّا فِي النَّاسِ بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِغَيْرِ الْمَجَانِينِ وَمَنْ يَحْصُلُ مِنْهُ الْأَذَى كَآكِلِ الثوم النيء إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالسَّفِيهِ إِذَا دَخَلَ مَجْلِسَ الْعِلْمِ أَوِ الْحُكْمِ قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا النَّهْيِ مَنْعُ اسْتِنْقَاصِ حَقِّ الْمُسْلِمِ الْمُقْتَضِي لِلضَّغَائِنِ وَالْحَثِّ عَلَى التَّوَاضُعِ الْمُقْتَضِي لِلْمُوَادَدَةِ وَأَيْضًا فَالنَّاسُ فِي الْمُبَاحِ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فَمَنْ سَبَقَ إِلَى شَيْءٍ اسْتَحَقَّهُ وَمَنِ اسْتَحَقَّ شَيْئًا فَأَخَذَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهُوَ غَصْبٌ وَالْغَصْبُ حَرَامٌ فَعَلَى هَذَا قَدْ يَكُونُ بَعْضُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ وَبَعْضُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ قَالَ فَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا فَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَتَوَسَّعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَنْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ حَتَّى يَفْضُلَ مِنَ الْجَمْعِ مَجْلِسٌ للداخل انْتهى مُلَخصا قَوْله وَكَانَ بن عُمَرَ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  يَكْرَهُ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يُجْلَسَ مَكَانَهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ قَبِيصَةَ عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ بِلَفْظِ وَكَانَ بن عُمَرَ إِذَا قَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ وَقَولُهُ يَجْلِسُ فِي رِوَايَتنَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَبَطَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْغَرْنَاطِيُّ فِي نُسْخَتِهِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى وَزْنِ يُقَامُ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِك عَن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْخَصِيبِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ آخِرَهُ مُوَحَّدَةٌ بِوَزْنِ عَظِيمٍ وَاسْمُهُ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَن عَن بن عُمَرَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ فَذَهَبَ لِيَجْلِسَ فَنَهَاهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ جَاءَنَا أَبُو بَكْرَةَ فَقَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ فَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ.

     وَقَالَ  أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ ذَا وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنْ لَفْظُهُ مِثْلُ لفظ بن عُمَرَ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ فَكَأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ وَقَدْ قَالَ الْبَزَّارُ إِنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ طَرِيقٌ إِلَّا هَذِهِ وَفِي سَنَدِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى وَقِيلَ مَوْلَى قُرَيْش وَهُوَ بَصرِي لَا يعرف قَالَ بن بَطَّالٍ اخْتُلِفَ فِي النَّهْيِ فَقِيلَ لِلْأَدَبِ وَإِلَّا فَالَّذِي يَجِبُ لِلْعَالِمِ أَنْ يَلِيَهُ أَهْلُ الْفَهْمِ وَالنَّهْيِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ سَبَقَ إِلَى مَجْلِسٍ مُبَاحٍ أَنْ يُقَامَ مِنْهُ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ قَالُوا فَلَمَّا كَانَ أَحَقَّ بِهِ بَعْدَ رُجُوعِهِ ثَبَتَ أَنَّهُ حَقُّهُ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ ويتأيد ذَلِك بِفعل بن عمر الْمَذْكُور فَإِنَّهُ رَاوِي الْحَدِيثِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ مِنْهُ وَأَجَابَ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْأَدَبِ أَنَّ الْمَوْضِعَ فِي الْأَصْلِ لَيْسَ مِلْكَهُ قَبْلَ الْجُلُوسِ وَلَا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّيَّةِ فِي حَالَةِ الْجُلُوسِ الْأَوْلَوِيَّةُ فَيَكُونُ مَنْ قَامَ تَارِكًا لَهُ قَدْ سَقَطَ حَقُّهُ جُمْلَةً وَمَنْ قَامَ لِيَرْجِعَ يَكُونُ أَوْلَى وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ مَا سَمِعْتُ بِهِ وَإِنَّهُ لَحَسَنٌ إِذَا كَانَتْ أَوْبَتُهُ قَرِيبَةً وَإِنْ بَعُدَ فَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ وَلَكِنَّهُ مِنْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ اخْتِصَاصِ الْجَالِسِ بِمَوْضِعِهِ إِلَى أَنْ يَقُومَ مِنْهُ وَمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْأَدَبِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِلْكًا لَهُ لَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِأَنَّا نُسَلِّمُ أَنَّهُ غَيْرُ مِلْكٍ لَهُ لَكِنْ يَخْتَصُّ بِهِ إِلَى أَنْ يَفْرُغَ غَرَضُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ مَلَكَ مَنْفَعَتَهُ فَلَا يُزَاحِمُهُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا فِي حَقِّ مَنْ جَلَسَ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ لِصَلَاةٍ مَثَلًا ثُمَّ فَارَقَهُ لِيَعُودَ إِلَيْهِ كَإِرَادَةِ الْوُضُوءِ مَثَلًا أَوْ لِشُغْلٍ يَسِيرٍ ثُمَّ يَعُودُ لَا يَبْطُلُ اخْتِصَاصُهُ بِهِ وَلَهُ أَنْ يُقِيمَ مَنْ خَالَفَهُ وَقَعَدَ فِيهِ وَعَلَى الْقَاعِدِ أَنْ يُطِيعَهُ وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا قَالَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُومَ مِنْهُ وَيَتْرُكَ لَهُ فِيهِ سَجَّادَةً وَنَحْوَهَا أَمْ لَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنِ اعْتَادَ بِمَوْضِعٍ مِنَ الْمَسْجِدِ لِلتَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى فَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ إِذَا عُرِفَ بِهِ قَالَ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَلَيْسَ بِحَقٍّ وَاجِبٍ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَالِكٍ وَكَذَا قَالُوا فِي مَقَاعِدِ الْبَاعَةِ مِنَ الْأَفْنِيَةِ وَالطُّرُقِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُتَمَلَّكَةٍ قَالُوا مَنِ اعْتَادَ بِالْجُلُوسِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يَتِمَّ غَرَضُهُ قَالَ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مَالِكٍ قَطْعًا لِلتَّنَازُعِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ اسْتَثْنَى أَصْحَابُنَا مِنْ عُمُومِ قَوْلِ لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسْ فِيهِ مَنْ أَلِفَ مِنَ الْمَسْجِدِ مَوْضِعًا يُفْتِي فِيهِ أَوْ يُقْرِئُ فِيهِ قُرْآنًا أَوْ عِلْمًا فَلَهُ أَنْ يُقِيمَ مَنْ سَبَقَهُ إِلَى الْقُعُودِ فِيهِ وَفِي مَعْنَاهُ مَنْ سَبَقَ إِلَى مَوْضِعٍ مِنَ الشَّوَارِعِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ لِمُعَامَلَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَأما مَا نسب إِلَى بن عُمَرَ فَهُوَ وَرَعٌ مِنْهُ وَلَيْسَ قُعُودُهُ فِيهِ حَرَامًا إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِرِضَا الَّذِي قَامَ وَلَكِنَّهُ تَوَرُّعٌ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَامَ لأَجله استحيى مِنْهُ فَقَامَ عَنْ غَيْرِ طِيبِ قَلْبِهِ فَسَدَّ الْبَابَ لِيَسْلَمَ مِنْ هَذَا أَوْ رَأَى أَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى فَكَانَ يَمْتَنِعُ لِأَجْلِ ذَلِكَ لِئَلَّا يَرْتَكِبَ ذَلِكَ أَحَدٌ بِسَبَبِهِ قَالَ عُلَمَاءُ أَصْحَابِنَا وَإِنَّمَا يُحْمَدُ الْإِيثَارُ بحظوظ النَّفس وَأُمُور الدُّنْيَا