فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها

( قَولُهُ بَابُ إِذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ وَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهَا)
قَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي رِوَايَةٍ وَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهِ وَالتَّأْنِيثُ فِي عَلَمِهَا بِاعْتِبَارِ الْخَمِيصَةِ .

     قَوْلُهُ 



[ قــ :369 ... غــ :373] خَمِيصَةٌ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ لَهُ عَلَمَانِ وَالْأَنْبِجَانِيَّةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَبَعْدَ النُّونِ يَاءُ النِّسْبَةِ كِسَاءٌ غَلِيظٌ لَا عَلَمَ لَهُ.

     وَقَالَ  ثَعْلَبٌ يَجُوزُ فَتْحُ هَمْزَتِهِ وَكَسْرِهَا وَكَذَا الْمُوَحَّدَةُ يُقَالُ كَبْشٌ أَنْبِجَانِيٌّ إِذَا كَانَ مُلْتَفًّا كَثِيرَ الصُّوفِ وَكِسَاءٌ أَنْبِجَانِيٌّ كَذَلِكَ وَأَنْكَرَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى مَنْبِجَ الْبَلَدِ الْمَعْرُوفِ بِالشَّامِ قَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ إِذَا نَسَبْتَ إِلَى مَنْبِجَ فَتَحْتَ الْبَاءَ فَقُلْتَ كِسَاءٌ مَنْبَجَانِيٌّ أَخْرَجُوهُ مَخْرَجَ مَنْظَرَانِيٍّ وَفِي الْجَمْهَرَةِ مَنْبِجُ مَوْضِعٌ أَعْجَمِيٌّ تَكَلَّمَتْ بِهِ الْعَرَبُ وَنَسَبُوا إِلَيْهِ الثِّيَابَ الْمَنْبِجَانِيَّةِ.

     وَقَالَ  أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ لَا يُقَالُ كِسَاءٌ أَنْبِجَانِيٌّ وَإِنَّمَا يُقَالُ مَنْبِجَانِيٌّ قَالَ وَهَذَا مِمَّا تُخْطِئُ فِيهِ الْعَامَّةُ.
وَتَعَقَّبَهُ أَبُو مُوسَى كَمَا تَقَدَّمَ فَقَالَ الصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ النِّسْبَةَ إِلَى مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ أَنْبِجَانُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  إِلَى أَبِي جَهْمٍ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَيُقَالُ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَإِنَّمَا خَصَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِرْسَالِ الْخَمِيصَةِ لِأَنَّهُ كَانَ أَهْدَاهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَهْدَى أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمِيصَةً لَهَا عَلَمٌ فَشَهِدَ فِيهَا الصَّلَاةَ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رُدِّي هَذِهِ الْخَمِيصَةَ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَوَقَعَ عِنْدِ الزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ فَأَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ مُرْسَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِخَمِيصَتَيْنِ سَوْدَاوَيْنِ فَلَبِسَ إِحْدَاهُمَا وَبَعَثَ الْأُخْرَى إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَأَخَذَ كُرْدِيًّا لِأَبِي جَهْمٍ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَمِيصَةُ كَانَتْ خَيْرًا مِنَ الْكُرْدِيِّ قَالَ بن بَطَّالٍ إِنَّمَا طَلَبَ مِنْهُ ثَوْبًا غَيْرَهَا لِيُعْلِمَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ هَدِيَّتَهُ اسْتِخْفَافًا بِهِ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ الْوَاهِبَ إِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ عَطِيَّتَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّاجِعَ فِيهَا فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ.

قُلْتُ وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا وَاحِدَةٌ وَرِوَايَةُ الزُّبَيْرِ وَالَّتِي بَعْدَهَا تُصَرِّحُ بِالتَّعَدُّدِ .

     قَوْلُهُ  أَلْهَتْنِي أَيْ شَغَلَتْنِي يُقَالُ لَهِيَ بِالْكَسْرِ إِذَا غَفَلَ وَلَهَا بِالْفَتْحِ إِذَا لَعِبَ .

     قَوْلُهُ  آنِفًا أَيْ قَرِيبًا وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنِ ائْتِنَافِ الشَّيْءِ أَيِ ابْتِدَائِهِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ صَلَاتِي أَيْ عَنْ كَمَالِ الْحُضُورِ فِيهَا كَذَا قِيلَ وَالطَّرِيقُ الْآتِيَةُ الْمُعَلَّقَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا خَشِيَ أَنْ يَقَعَ لِقَوْلِهِ فَأَخَافُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فَكَادَ فَلْتُؤَوَّلِ الرِّوَايَة الأولى قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِيهِ مُبَادَرَةُ الرَّسُولِ إِلَى مَصَالِحِ الصَّلَاةِ وَنَفْيُ مَا لَعَلَّهُ يَخْدِشُ فِيهَا.
وَأَمَّا بَعْثُهُ بِالْخَمِيصَةِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا فِي الصَّلَاةِ وَمِثْلُهُ .

     قَوْلُهُ  فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ حَيْثُ بَعَثَ بِهَا إِلَى عُمَرَ إِنِّي لَمْ أَبْعَثُ بِهَا إِلَيْكَ لِتَلْبَسَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ كُلْ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تُنَاجِي وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ كَرَاهِيَةُ كُلِّ مَا يَشْغَلُ عَنِ الصَّلَاةِ مِنَ الْأَصْبَاغِ وَالنُّقُوشِ وَنَحْوِهَا وَفِيهِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنَ الْأَصْحَابِ وَالْإِرْسَالُ إِلَيْهِمْ وَالطَّلَبُ مِنْهُمْ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْبَاجِيُّ عَلَى صِحَّةِ الْمُعَاطَاةِ لِعَدَمِ ذِكْرِ الصِّيغَةِ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ فِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ لِلصُّوَرِ وَالْأَشْيَاءِ الظَّاهِرَةِ تَأْثِيرًا فِي الْقُلُوبِ الطَّاهِرَةِ وَالنُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ يَعْنِي فَضْلًا عَمَّنْ دُونَهَا .

     قَوْلُهُ  وقَال هِشَام بن عُرْوَة أخرجه أَحْمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِهِمْ هَذَا اللَّفْظَ نَعَمِ اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْمُوَطَّأِ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ الْمُعَلَّقِ وَلَفْظُهُ فَإِنِّي نَظَرْتُ إِلَى عَلَمِهَا فِي الصَّلَاةِ فَكَادَ يَفْتِنُنِي وَالْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ يحمل بقوله أَلْهَتْنِي عَلَى قَوْلِهِ كَادَتْ فَيَكُونُ إِطْلَاقُ الْأُولَى لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْقُرْبِ لَا لِتَحَقُّقِ وُقُوعِ الْإِلْهَاءِ تَنْبِيه قَوْله فَأَخَاف أَن تفتنني فِي رِوَايَتِنَا بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَاقِينَ بِإِظْهَارِ النُّونِ الْأُولَى وَهُوَ بِفَتْحِ أَوله من الثلاثي ق