فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الصلاة على الفراش

( قَولُهُ بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ)
تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا قَرِيبًا وَأَنَّ ضَبْطَهَا تَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْحَيْضِ وَكَأَنَّهُ أَفْرَدَهَا بِتَرْجَمَةٍ لِكَوْنِ شَيْخِهِ أَبِي الْوَلِيد حَدثهُ بِالْحَدِيثِ مُخْتَصرا وَالله أعلم قَولُهُ بَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْفِرَاشِ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ يَنَامُ عَلَيْهِ مَعَ امْرَأَتِهِ أَمْ لَا وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَشْعَثِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي فِي لُحُفِنَا وَكَأَنَّهُ أَيْضًا لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ أَوْ رَآهُ شَاذًّا مَرْدُودًا وَقَدْ بَيَّنَ أَبُو دَاوُدَ عِلَّتَهُ .

     قَوْلُهُ  وَصلى أنس وَصله بن أَبِي شَيْبَةَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ كِلَاهُمَا عَنِ بن الْمُبَارَكِ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ كَانَ أَنَسٌ يُصَلِّي عَلَى فِرَاشِهِ .

     قَوْلُهُ  وقَال أَنَسٌ كُنَّا نُصَلِّي كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَسَقَطَ أَنَسٌ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ بَقِيَّةٌ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ حَدِيثٌ آخَرُ كَمَا سَيَأْتِي مَوْصُولًا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ بِمَعْنَاهُ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنَ الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَفِيهِ اللَّفْظُ الْمُعَلَّقُ هُنَا وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ بِالتَّرْجَمَةِ إِلَى مَا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنِ الْأَسْوَدَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُصَلُّوا عَلَى الطَّنَافِسِ وَالْفِرَاءِ وَالْمُسُوحِ وَأَخْرَجَ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ جَوَازَ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  مَالِكٌ لَا أَرَى بَأْسًا بِالْقِيَامِ عَلَيْهَا إِذَا كَانَ يَضَعُ جَبْهَتُهُ وَيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ



[ قــ :378 ... غــ :382] .

     قَوْلُهُ  حَدثنَا إِسْمَاعِيل هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ وَالْإِسْنَادُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ أَيْ فِي مَكَانِ سُجُودِهِ وَيَتَبَيَّنُ ذَلِكَ مِنَ الرِّوَايَةِ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ .

     قَوْلُهُ  فَقَبَضْتُ رِجْلَيْ كَذَا بِالتَّثْنِيَةِ لِلْأَكْثَرِ وَكَذَا فِي قَوْلِهَا بَسَطْتُهُمَا وَلِلْمُسْتَمْلِي وَالْحَمَوِيِّ رِجْلِي بِالْإِفْرَادِ وَكَذَا بَسَطْتُهَا وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهَا غَمَزَنِي عَلَى أَنَّ لَمْسَ الْمَرْأَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ الْحَائِلِ أَوْ بِالْخُصُوصِيَّةِ وَعَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَسَيَأْتِي مَعَ بَقِيَّةِ مَبَاحِثِهِ فِي أَبْوَابِ السُّتْرَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهَا وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ كَأَنَّهَا أَرَادَتْ بِهِ الِاعْتِذَارَ عَنْ نَوْمِهَا على تِلْكَ الصّفة قَالَ بن بَطَّالٍ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُمْ صَارُوا بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَصْبِحُونَ وَمُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهَا كُنْتُ أَنَامُ وَقَدْ صَرَّحَتْ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي يَلِيهِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ



( قَولُهُ بَابُ وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُون إِلَى وَتَركنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين)
سَقَطَ لَفْظُ بَابِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رَجَحَ عِنْدَهُ كَوْنُ إِدْرِيسَ لَيْسَ مِنْ أَجْدَادِ نُوحٍ فَلِهَذَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ وَسَأَذْكُرُ مَا فِي ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَإِلْيَاسُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَهُوَ اسْمٌ عِبْرَانِيٌّ.
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى سَلام على الياسين فَقَرَأَهُ الْأَكْثَرُ بِصُورَةِ الِاسْمِ الْمَذْكُورِ وَزِيَادَةِ يَاءٍ وَنُونٍ فِي آخِرِهِ وَقَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ آلِ يَاسِينَ بِفَصْلِ آلٍ مِنْ يَاسِينَ وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ سَلَامٌ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بَعِيدٌ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا أَخْبَرَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ ذَكَرَ فِيهِ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِأَنَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ السَّلَامُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى إِلْيَاسَ الْمُبْدَأُ بِذِكْرِهِ وَإِنَّمَا زِيدَتْ فِيهِ الْيَاءُ وَالنُّونُ كَمَا قَالُوا فِي إِدْرِيسَ إِدْرَاسِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ بن عَبَّاس وَصله بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى سَلام على الياسين يذكر بِخَير قَوْله وَيذكر عَن بن مَسْعُود وبن عَبَّاسٍ أَنَّ إِلْيَاسَ هُوَ إِدْرِيسُ أَمَّا قَوْلُ بن مَسْعُود فوصله عبد بن حميد وبن أَبِي حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْهُ قَالَ إِلْيَاسُ هُوَ إِدْرِيسُ وَيَعْقُوبُ هُوَ إِسْرَائِيلُ.
وَأَمَّا قَوْلُ بن عَبَّاس فوصله جويبير فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنْهُ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَلِهَذَا لَمْ يَجْزِمْ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ أَخَذَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ هَذَا أَنَّ إِدْرِيسَ لَمْ يَكُنْ جَدًّا لِنُوحٍ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِأَنَّ إِلْيَاسَ قَدْ وَرَدَ أَنَّهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَجْدَادِهِ لَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لَهُ آدَمُ وَإِبْرَاهِيمُ وَالِابْنِ الصَّالِحِ وَهُوَ اسْتِدْلَالٌ جَيِّدٌ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَالتَّلَطُّفِ فَلَيْسَ ذَلِك نصا فِيمَا زعم وَقد قَالَ بن إِسْحَاقَ فِي أَوَّلِ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ لَمَّا سَاقَ النَّسَبَ الْكَرِيمَ فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى نُوحٍ قَالَ بن لَمْكِ بْنِ مَتُّوشَلَخَ بْنِ خَنُوخَ وَهُوَ إِدْرِيسُ النَّبِيُّ فِيمَا يَزْعُمُونَ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مَأْخُوذٌ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ فَالْأَكْثَرُ خَنُوخُ بِمُعْجَمَتَيْنِ بَعْدَ الْأُولَى نُونٌ بِوَزْنِ ثَمُودَ وَقِيلَ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ فِي أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ الْأُولَى وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ لَكِنْ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَقِيلَ كَذَلِكَ لَكِنْ بَدَلَ الْخَاءِ الْأُولَى هَاءٌ وَقِيلَ كَالثَّانِي لَكِنْ بَدَلَ الْمُعْجَمَةِ مُهْمَلَةٌ وَاخْتُلِفَ فِي لَفْظِ إِدْرِيسَ فَقِيلَ هُوَ عَرَبِيٌّ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الدِّرَاسَةِ وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ دَرْسِهِ الصُّحُفَ وَقِيلَ بَلْ هُوَ سُرْيَانِيٌّ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلِ الَّذِي صَحَّحَهُ بن حِبَّانَ أَنَّهُ كَانَ سُرْيَانِيًّا وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ كَوْنُ لَفْظِ إِدْرِيسَ عَرَبِيًّا إِذَا ثَبَتَ بِأَنَّ لَهُ اسْمَيْنِ

[ قــ :378 ... غــ :38]





[ قــ :379 ... غــ :383] .

     قَوْلُهُ  اعْتِرَاضَ الْجِنَازَةِ مَنْصُوبٌ بِأَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ بِعَامِلٍ مُقَدَّرٍ أَيْ مُعْتَرِضَةٌ اعْتِرَاضًا كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا تَكُونُ نَائِمَةً بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ إِلَى جِهَةِ شِمَالِهِ كَمَا تَكُونُ الْجِنَازَةُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي عَلَيْهَا





[ قــ :380 ... غــ :384] .

     قَوْلُهُ  عَنْ يزِيد هُوَ بن أبي حبيب وعراك هُوَ بن مَالك وَعُرْوَة هُوَ بن الزُّبَيْرِ وَالثَّلَاثَةُ مِنَ التَّابِعِينَ وَصُورَةُ سِيَاقِهِ بِهَذَا الْإِرْسَالِ لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ عَائِشَةِ بِدَلِيلِ الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَالنُّكْتَةُ فِي إِيرَادِهِ أَنَّ فِيهِ تَقْيِيدَ الْفِرَاشِ بِكَوْنِهِ الَّذِي يَنَامَانِ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ أَوَّلَ الْبَابِ بِخِلَافِ الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا فَإِنَّ قَوْلَهَا فِرَاشُ أَهْلِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي نَامَ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُ وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ إِلَى النَّائِمِ لَا تُكْرَهُ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ إِنْ ثَبَتَتْ عَلَى مَا إِذَا حصل شغل الْفِكر بِهِ