فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب عظة الإمام الناس في إتمام الصلاة، وذكر القبلة

( قَولُهُ بَابُ عِظَةِ الْإِمَامِ النَّاسَ)
بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَقَولُهُ فِي إِتْمَامِ الصَّلَاةِ أَيْ بِسَبَبِ تَرْكِ إِتْمَامِ الصَّلَاةِ .

     قَوْلُهُ  وَذِكْرِ الْقِبْلَةِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى عِظَةٍ وَأَوْرَدَهُ لِلْإِشْعَارِ بِمُنَاسَبَةِ هَذَا الْبَابِ لِمَا قَبْلَهُ



[ قــ :410 ... غــ :418] .

     قَوْلُهُ  هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَيْ أَنْتُمْ تَظُنُّونَ أَنِّي لَا أَرَى فِعْلَكُمْ لِكَوْنِ قِبْلَتِي فِي هَذِهِ الْجِهَةِ لِأَنَّ مَنِ اسْتَقْبَلَ شَيْئًا اسْتَدْبَرَ مَا وَرَاءَهُ لَكِنْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رُؤْيَتَهُ لَا تَخْتَصُّ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ فَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا الْعِلْمُ إِمَّا بِأَنْ يُوحَى إِلَيْهِ كَيْفِيَّةُ فِعْلِهِمْ وَإِمَّا أَنْ يُلْهَمَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَوْ كَانَ مُرَادًا لَمْ يُقَيِّدْهُ بِقَوْلِهِ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَرَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمَنْ عَنْ يَسَارِهِ مِمَّنْ تُدْرِكُهُ عَيْنُهُ مَعَ الْتِفَاتٍ يَسِيرٍ فِي النَّادِرِ وَيُوصَفُ مَنْ هُوَ هُنَاكَ بِأَنَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ التَّكَلُّفِ وَفِيهِ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ بِلَا مُوجِبٍ وَالصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ هَذَا الْإِبْصَارَ إِدْرَاكٌ حَقِيقِيٌّ خَاصٌّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْخَرَقَتْ لَهُ فِيهِ الْعَادَةُ وَعَلَى هَذَا عَمَلُ الْمُصَنِّفِ فَأَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ ثُمَّ ذَلِكَ الْإِدْرَاكُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِرُؤْيَةِ عَيْنِهِ انْخَرَقَتْ لَهُ الْعَادَةُ فِيهِ أَيْضًا فَكَانَ يَرَى بِهَا مِنْ غَيْرِ مُقَابَلَةٍ لِأَنَّ الْحَقَّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا عَقْلًا عُضْوٌ مَخْصُوصٌ وَلَا مُقَابَلَةٌ وَلَا قُرْبٌ وَإِنَّمَا تِلْكَ أُمُورٌ عَادِيَّةٌ يَجُوزُ حُصُولُ الْإِدْرَاكِ مَعَ عَدَمِهَا عَقْلًا وَلِذَلِكَ حَكَمُوا بِجَوَازِ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ خِلَافًا لِأَهْلِ الْبِدَعِ لِوُقُوفِهِمْ مَعَ الْعَادَةِ وَقِيلَ كَانَتْ لَهُ عَيْنٌ خَلْفَ ظَهْرِهِ يَرَى بِهَا مَنْ وَرَاءَهُ دَائِمًا وَقِيلَ كَانَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ عَيْنَانِ مِثْلُ سَمِّ الْخِيَاطِ يُبْصِرُ بِهِمَا لَا يَحْجُبُهُمَا ثَوْبٌ وَلَا غَيْرُهُ وَقِيلَ بَلْ كَانَتْ صُوَرُهُمْ تَنْطَبِعُ فِي حَائِطِ قِبْلَتِهِ كَمَا تَنْطَبِعُ فِي الْمِرْآةِ فَيَرَى أَمْثِلَتَهُمْ فِيهَا فَيُشَاهِدُ أَفْعَالَهُمْ .

     قَوْلُهُ  وَلَا خُشُوعُكُمْ أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَرْكَانِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ السُّجُودَ لِأَنَّ فِيهِ غَايَةَ الْخُشُوعِ وَقَدْ صَرَّحَ بِالسُّجُودِ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ .

     قَوْلُهُ  إِنِّي لَأَرَاكُمْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ