فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب بنيان المسجد

قَولُهُ بَابُ بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ أَيِ النَّبَوِيِّ ِ
.

     قَوْلُهُ  وقَال أَبُو سَعِيدٍ هُوَ الْخُدْرِيُّ وَالْقَدْرُ الْمَذْكُورُ هُنَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِهِ فِي ذِكْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقَدْ وَصَلَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ وَسَيَأْتِي قَرِيبًا فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ .

     قَوْلُهُ  وَأَمَرَ عُمَرُ هُوَ طَرَفٌ مِنْ قِصَّةٍ فِي ذِكْرِ تَجْدِيدِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ .

     قَوْلُهُ  وقَال أُكِنُّ النَّاسَ وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا أُكِنُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْمَضْمُومَةِ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ مِنْ أَكَنَّ الرُّبَاعِيِّ يُقَالُ أَكْنَنْتُ الشَّيْءَ إِكْنَانًا أَيْ صُنْتُهُ وَسَتَرْتُهُ وَحَكَى أَبُو زَيْدٍ كَنَنْتُهُ مِنَ الثُّلَاثِيِّ بِمَعْنَى أَكْنَنْتُهُ وَفَرَّقَ الْكِسَائِيُّ بَيْنَهُمَا فَقَالَ كَنَنْتُهُ أَيْ سَتَرْتُهُ وَأَكْنَنْتُهُ فِي نَفْسِي أَيْ أَسْرَرْتُهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ أَكِنَّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ الْإِكْنَانِ أَيْضًا وَيُرَجِّحُهُ .

     قَوْلُهُ  قَبْلَهُ وَأَمَرَ عُمَرُ وَقَولُهُ بَعْدَهُ وَإِيَّاكَ وَتُوَجَّهُ الْأُولَى بِأَنَّهُ خَاطَبَ الْقَوْمَ بِمَا أَرَادَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى الصَّانِعِ فَقَالَ لَهُ وَإِيَّاكَ أَوْ يُحْمَلُ .

     قَوْلُهُ  وَإِيَّاكَ عَلَى التَّجْرِيدِ كَأَنَّهُ خَاطَبَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ قَالَ عِيَاضٌ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ الْأَصِيلِيِّ وَالْقَابِسِيِّ أَيْ وَأَبِي ذَرٍّ كِنَّ النَّاسَ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ وَهُوَ صَحِيح أَيْضا وَجوز بن مَالِكٍ ضَمَّ الْكَافِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كُنَّ فَهُوَ مَكْنُونٌ انْتَهَى وَهُوَ مُتَّجَهٌ لَكِنَّ الرِّوَايَةَ لَا تُسَاعِدُهُ .

     قَوْلُهُ  فَتَفْتِنَ النَّاسَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ من فتن وَضَبطه بن التِّينِ بِالضَّمِّ مِنْ أَفْتَنَ وَذَكَرَ أَنَّ الْأَصْمَعِيَّ أَنْكَرَهُ وَأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ أَجَازَهُ فَقَالَ فَتَنَ وأفتن بِمَعْنى قَالَ بن بَطَّالٍ كَانَ عُمَرُ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ رَدِّ الشَّارِعِ الْخَمِيصَةَ إِلَى أَبِي جَهْمٍ مِنْ أَجْلِ الْأَعْلَامِ الَّتِي فِيهَا.

     وَقَالَ  إِنَّهَا أَلْهَتْنِي عَنْ صَلَاتِي.

قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عُمَرَ مِنْ ذَلِكَ عِلْمٌ خَاصٌّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ روى بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا مَا سَاءَ عَمَلُ قَوْمٍ قَطُّ إِلَّا زَخْرَفُوا مَسَاجِدَهُمْ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا شَيْخَهُ جُبَارَةَ بْنَ الْمُغَلِّسِ فَفِيهِ مَقَالٌ .

     قَوْلُهُ  وقَال أَنَسٌ يَتَبَاهَوْنَ بِهَا بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ يَتَفَاخَرُونَ وَهَذَا التَّعْلِيقُ رَوَيْنَاهُ مَوْصُولًا فِي مُسْنَدِ أَبِي يعلى وصحيح بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ أَنَسًا قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَأْتِي عَلَى أُمَّتِي زَمَانٌ يَتَبَاهَوْنَ بِالْمَسَاجِدِ ثُمَّ لَا يَعْمُرُونَهَا إِلَّا قَلِيلًا وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وبن حِبَّانَ مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَبَاهَى النَّاسُ فِي الْمَسَاجِدِ وَالطَّرِيقُ الْأُولَى أَلْيَقُ بِمُرَادِ الْبُخَارِيِّ وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ الْمَسَاجِد من الْوَجْه الَّذِي عِنْد بن خُزَيْمَة يتباهون بِكَثْرَةِ الْمَسَاجِدِ تَنْبِيهٌ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ لَا يَعْمُرُونَهَا الْمُرَادُ بِهِ عِمَارَتُهَا بِالصَّلَاةِ وَذِكْرِ اللَّهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ بُنْيَانَهَا بِخِلَافِ مَا يَأْتِي فِي تَرْجَمَة الْبَاب الَّذِي بعده قَوْله.

     وَقَالَ  بن عَبَّاسٍ لَتُزَخْرِفُنَّهَا بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ لَامُ الْقَسَمِ وَضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَهِيَ نُونُ التَّأْكِيدِ وَالزَّخْرَفَةُ الزِّينَةُ وَأَصْلُ الزُّخْرُفِ الذَّهَبُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو دَاوُد وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنِ بن عَبَّاسٍ هَكَذَا مَوْقُوفًا وَقَبْلَهُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَلَفْظُهُ مَا أُمِرْتُ بِتَشْيِيدِ الْمَسَاجِدِ وَظَنَّ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ أَنَّهُمَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ فَشَرَحَهُ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي لَتُزَخْرِفُنَّهَا مَكْسُورَةٌ وَهِيَ لَامُ التَّعْلِيلِ لِلْمَنْفِيِّ قَبْلَهُ وَالْمَعْنَى مَا أُمِرْتُ بِالتَّشْيِيدِ لِيُجْعَلَ ذَرِيعَةً إِلَى الزَّخْرَفَةِ قَالَ وَالنُّونُ فِيهِ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ وَفِيهِ نَوْعُ تَوْبِيخٍ وَتَأْنِيبٍ ثُمَّ قَالَ وَيَجُوزُ فَتْحُ اللَّامِ عَلَى أَنَّهَا جَوَابُ الْقَسَمِ.

قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْأَوَّلُ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ الرِّوَايَةُ أَصْلًا فَلَا يُغْتَرُّ بِهِ وَكَلَام بن عَبَّاسٍ فِيهِ مَفْصُولٌ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ لِلِاخْتِلَافِ عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ قَالَ الْبَغَوِيُّ التَّشْيِيدُ رَفْعُ الْبِنَاءِ وَتَطْوِيلُهُ وَإِنَّمَا زَخْرَفَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى مَعَابِدَهَا حِينَ حَرَّفُوا كُتُبَهُمْ وَبَدَّلُوهَا



[ قــ :437 ... غــ :446] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ زَادَ الْأصيلِيّ بْنِ سَعْدٍ وَرِوَايَةُ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ نَافِعٍ مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ لِأَنَّهُمَا مَدَنِيَّانِ ثِقَتَانِ تَابِعِيَّانِ من طبقَة وَاحِدَة وَعبد الله هُوَ بن عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  بِاللَّبِنِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ .

     قَوْلُهُ  وَعَمَدَهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَمَا وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  خَشَبٌ .

     قَوْلُهُ  وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ عَلَى بُنْيَانِهِ أَيْ بِجِنْسِ الْآلَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ هَيْئَتِهِ إِلَّا تَوْسِيعَهُ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ غَيَّرَهُ عُثْمَانُ أَيْ مِنَ الْوَجْهَيْنِ التَّوْسِيعُ وَتَغْيِيرُ الْآلَاتِ .

     قَوْلُهُ  بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ أَيْ بَدَلَ اللَّبِنِ وَلِلْحَمَوِيِّ وَالْمُسْتَمْلِي بِحِجَارَةٍ مَنْقُوشَةٍ .

     قَوْلُهُ  وَالْقَصَّةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْجَصُّ بِلُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ تُشْبِهُ الْجَصَّ وَلَيْسَتْ بِهِ .

     قَوْلُهُ  وَسَقَفَهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي عَطْفًا عَلَى جَعَلَ وَبِإِسْكَانِ الْقَافِ عَلَى عُمُدِهِ وَالسَّاجُ نَوْعٌ مِنَ الْخَشَبِ مَعْرُوفٌ يُؤْتَى بِهِ من الْهِنْد.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ الْقَصْدُ وَتَرْكُ الْغُلُوِّ فِي تَحْسِينِهِ فَقَدْ كَانَ عُمَرُ مَعَ كَثْرَةِ الْفُتُوحِ فِي أَيَّامِهِ وَسَعَةِ الْمَالِ عِنْدَهُ لَمْ يُغَيِّرِ الْمَسْجِدَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى تَجْدِيدِهِ لِأَنَّ جَرِيدَ النَّخْلِ كَانَ قَدْ نَخِرَ فِي أَيَّامِهِ ثُمَّ كَانَ عُثْمَانُ وَالْمَالُ فِي زَمَانه أَكثر فحسنه بِمَا لايقتضي الزَّخْرَفَةَ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْدَ قَلِيلٍ وَأَوَّلُ مَنْ زَخْرَفَ الْمَسَاجِدَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَسَكَتَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ إِنْكَارِ ذَلِكَ خَوْفًا مِنَ الْفِتْنَةِ وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا وَقع ذَلِك عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ لِلْمَسَاجِدِ وَلَمْ يَقَعِ الصَّرْفُ على ذَلِك من بَيت المَال.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ لَمَّا شَيَّدَ النَّاسُ بُيُوتَهُمْ وَزَخْرَفُوهَا نَاسَبَ أَنْ يُصْنَعَ ذَلِكَ بِالْمَسَاجِدِ صَوْنًا لَهَا عَنِ الِاسْتِهَانَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَنْعَ إِنْ كَانَ لِلْحَثِّ عَلَى اتِّبَاعِ السَّلَفِ فِي تَرْكِ الرَّفَاهِيَةِ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ لِخَشْيَةِ شَغْلِ بَالِ الْمُصَلِّي بِالزَّخْرَفَةِ فَلَا لِبَقَاءِ الْعِلَّةِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِإِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا سَيَقَعُ فَوَقَعَ كَمَا قَالَ