فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من قال: لا يقطع الصلاة شيء

قَوْله بَاب التَّطَوُّع خلف الْمَرْأَة)
أورد فِيهِ حَدِيث عَائِشَة أَيْضًا بِلَفْظٍ آخَرَ وَقَدْ تَقَدَّمُ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْفِرَاشِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَدَلَالَةُ الْحَدِيثِ عَلَى التَّطَوُّعِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ صَلَاتَهُ هَذِهِ فِي بَيْتِهِ بِاللَّيْلِ وَكَانَتْ صَلَاتُهُ الْفَرَائِضَ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ لَفْظُ التَّرْجَمَةِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ظَهْرُ الْمَرْأَةِ إِلَيْهِ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ لَا تَخْصِيصَ فِيهِ بِالظَّهْرِ ثُمَّ أَجَابَ بِأَنَّ السُّنَّةَ لِلنَّائِمِ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَى الْقِبْلَةِ وَالْغَالِبَ مِنْ حَالِ عَائِشَةَ ذَلِكَ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ وَسُنَّةُ ذَلِكَ لِلنَّائِمِ فِي ابْتِدَاءِ النَّوْمِ لَا فِي دَوَامِهِ لِأَنَّهُ يَنْقَلِبُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَى خَلْفَ الْمَرْأَةِ وَرَاءَهَا فَتَكُونُ هِيَ نَفْسُهَا أَمَامَ الْمُصَلِّي لَا خُصُوصُ ظَهْرِهَا وَلَوْ أَرَادَهُ لَقَالَ خَلْفَ ظَهْرِ الْمَرْأَةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْدِيرِ وَفِي قَوْلِهَا وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ إِشَارَةٌ إِلَى عَدَمِ الِاشْتِغَالِ بِهَا وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ كَوْنِهِ يَغْمِزُهَا عِنْدَ السُّجُودِ لِيَسْجُدَ مَكَانَ رِجْلَيْهَا كَمَا وَقَعَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ لِأَنَّ الشُّغْلَ بِهَا مَأْمُونٌ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ أَمِنَ ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ فِي حَقِّهِ تَنْبِيهٌ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ غَيْرَ الْحَالَةِ الَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِهَةِ السَّرِيرِ الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ لِأَنْ يَسْجُدَ مَكَانَ رِجْلَيْهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ بِأَنْ يُقَالَ كَانَتْ صَلَاتُهُ فَوْقَ السَّرِيرِ لَا أَسْفَلَ مِنْهُ كَمَا جَنَحَ إِلَيْهِ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِيمَا سَبَقَ لَكِنَّ حَمْلَهُ على حالتين أولى وَالله أعلم قَولُهُ بَابُ مِنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ أَيْ مِنْ فِعْلٍ غَيْرِ الْمُصَلِّي وَالْجُمْلَةُ الْمُتَرجَمُ بِهَا أَوْرَدَهَا فِي الْبَابِ صَرِيحًا مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعَةً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَالِمٍ لَكِنَّ إِسْنَادَهَا ضَعِيفٌ وَوَرَدَتْ أَيْضًا مَرْفُوعَةً مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِي إِسْنَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا ضَعْفٌ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمَا نَحْوَ ذَلِك مَوْقُوفا

[ قــ :501 ... غــ :514] .

     قَوْلُهُ  قَالَ الْأَعْمَشُ هُوَ مَقُولُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَلَيْسَ بِتَعْلِيقٍ وَهُوَ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَائِشَةَ ذُكِرَ عِنْدَهَا أَيْ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهَا وَقَولُهُ الْكَلْبُ إِلَخْ فِيهِ حَذْفٌ وَبَيَانُهُ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ فَقَالُوا يَقْطَعُهَا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ فَقُلْتُ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَالَتْ عَائِشَةُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ قَدْ عَدَلْتُمُونَا الْحَدِيثَ وَكَأَنَّهَا أَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى مَا رَوَاهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ مَرْفُوعًا وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَقَيَّدَ الْكَلْبَ فِي رِوَايَتِهِ بِالْأَسْوَدِ وَعند بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْحسن أَيْضا عَن الحكم بن عَمْرو نَحْوَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَلِكَ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ مِثْلَهُ لَكِنْ قَيَّدَ الْمَرْأَةَ بِالْحَائِضِ وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ كَذَلِكَ وَفِيهِ تَقْيِيدُ الْكَلْبِ أَيْضًا بِالْأَسْوَدِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْعَمَلِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَمَالَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ وَمَا وَافَقَهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا وَتُعُقِّبُ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا عُلِمَ التَّارِيخُ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَالتَّارِيخُ هُنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ وَالْجَمْعُ لَمْ يَتَعَذَّرْ وَمَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى تَأْوِيلِ الْقَطْعِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَقْصُ الْخُشُوعِ لَا الْخُرُوجُ مِنَ الصَّلَاةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ سَأَلَ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي التَّقْيِيدِ بِالْأَسْوَدِ فَأُجِيبَ بِأَنَّهُ شَيْطَانٌ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَوْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الصَّحِيحِ إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ فَإِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفَسِهِ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْعَمَلِ فِي الصَّلَاةِ حَدِيثُ إِنَّ الشَّيْطَانَ عَرَضَ لِي فَشَدَّ عَلَيَّ الْحَدِيثَ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَأَخَذْتُهُ فَصَرَعْتُهُ فَخَنَقْتُهُ وَلَا يُقَالُ قَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ جَاءَ لِيَقْطَعَ صَلَاتَهُ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ بَيَّنَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ سَبَبَ الْقَطْعِ وَهُوَ أَنَّهُ جَاءَ بِشِهَابٍ مِنْ نَارٍ لِيَجْعَلهُ فِي وَجْهِهِ.
وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْمُرُورِ فَقَدْ حَصَلَ وَلَمْ تَفْسُدْ بِهِ الصَّلَاةُ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ مُقَدَّمٌ لِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ انْتَهَى وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُمَا مُتَعَارِضَانِ وَمَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ لَا تَعَارُضَ.

     وَقَالَ  أَحْمَدُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَفِي النَّفْسِ من الْحمار وَالْمَرْأَة شَيْء وَوَجهه بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِي الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ مَا يُعَارِضُهُ وَوَجَدَ فِي الْحِمَارِ حَدِيث بن عَبَّاسٍ يَعْنِي الَّذِي تَقَدَّمَ فِي مُرُورِهِ وَهُوَ رَاكِبٌ بِمِنًى وَوَجَدَ فِي الْمَرْأَةِ حَدِيثَ عَائِشَةَ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ بَعْدُ .

     قَوْلُهُ  شَبَّهْتُمُونَا هَذَا اللَّفْظُ رِوَايَةُ مَسْرُوقٍ وَرِوَايَةُ الْأَسْوَدِ عَنْهَا أَعَدَلْتُمُونَا وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَتَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِرٍ بِلَفْظِ جَعَلْتُمُونَا كِلَابًا وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ قَالَ بن مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ تَعَدِّي الْمُشَبَّهِ بِهِ بِالْبَاءِ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُ النَّحْوِيِّينَ حَتَّى بَالَغَ فَخَطَّأَ سِيبَوَيْهِ فِي قَوْلِهِ شَبَّهَ كَذَا بِكَذَا وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ مَنْ يُوثَقُ بِعَرَبِيَّتِهِ وَقَدْ وُجِدَ فِي كَلَامِ مَنْ هُوَ فَوْقَ ذَلِكَ وَهِيَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ سُقُوطُهَا أَشْهَرَ فِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَثُبُوتُهَا لَازِمٌ فِي عُرْفِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ .

     قَوْلُهُ  فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّشْوِيشَ بِالْمَرْأَةِ وَهِيَ قَاعِدَةٌ يَحْصُلُ مِنْهُ مَا لَا يَحْصُلُ بِهَا وَهِيَ رَاقِدَةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَعَلَى هَذَا فَمُرُورُهَا أَشَدُّ وَفِي النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأُسُودِ عَنْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَكْرَهُ أَنْ أَقُومَ فَأَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَنْسَلُّ انْسِلَالًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ عَائِشَةَ إِنَّمَا أَنْكَرَتْ إِطْلَاقَ كَوْنِ الْمَرْأَةِ تَقْطَعُ الصَّلَاةَ فِي جَمِيعِ الْحَالَاتِ لَا الْمُرُورَ بِخُصُوصِهِ .

     قَوْلُهُ  فَأَنْسَلُّ بِرَفْعِ اللَّامِ عَطْفًا عَلَى فَأَكْرَهُ





[ قــ :50 ... غــ :515] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الْحَنْظَلِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ رَاهَوَيْهِ وَبِذَلِك جزم بن السَّكَنِ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ غَيْرُ مَنْسُوبٍ وَزَعَمَ أَبُو نُعَيْمٍ أَنَّهُ بن مَنْصُورٍ الْكَوْسَجُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ سَأَلَ عَمَّهُ إِلَخْ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي احْتج بِهِ بن شِهَابٍ أَنَّ حَدِيثَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةَ إِلَخْ يَشْمَلُ مَا إِذَا كَانَتْ مَارَّةً أَوْ قَائِمَةً أَوْ قَاعِدَةً أَوْ مُضْطَجِعَةً فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى وَهِيَ مُضْطَجِعَةٌ أَمَامَهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى نَسْخِ الْحُكْمِ فِي الْمُضْطَجِعِ وَفِي الْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ وَهَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إِثْبَاتِ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ فَلَوْ ثَبَتَ أَنَّ حَدِيثَهَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ لَمْ يَدُلَّ إِلَّا عَلَى نَسْخِ الِاضْطِجَاعِ فَقَطْ وَقَدْ نَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مَعَ ذَلِكَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخْرَى أَحَدُهَا أَنَّ الْعِلَّةَ فِي قَطْعِ الصَّلَاةِ بِهَا مَا يَحْصُلُ مِنَ التَّشْوِيشِ وَقَدْ قَالَتْ إِنَّ الْبُيُوتَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَصَابِيحُ فَانْتَفَى الْمَعْلُولُ بِانْتِفَاءِ عِلَّتِهِ ثَانِيهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مُطْلَقَةٌ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مُقَيَّدَةٌ بِكَوْنِهَا زَوْجَتَهُ فَقَدْ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَيُقَالُ يَتَقَيَّدُ الْقَطْعُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ لِخَشْيَةِ الِافْتِتَانِ بِهَا بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا حَاصِلَةٌ ثَالِثُهَا أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَاقِعَةُ حَالٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ بِخِلَافِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فَإِنَّهُ مسوق مساق التشريع الْعَام وَقد أَشَارَ بن بَطَّالٍ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ مِنْ مِلْكِ إِرْبِهِ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ يُعَارِضُ حَدِيثَ أَبِي ذَرٍّ وَمَا وَافَقَهُ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ غَيْرُ صَرِيحَةٍ وَصَرِيحَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَلَا يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الصَّرِيحِ بِالْمُحْتَمَلِ يَعْنِي حَدِيثَ عَائِشَةَ وَمَا وَافَقَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَارِّ وَبَيْنَ النَّائِمِ فِي الْقِبْلَةِ أَنَّ الْمُرُورَ حَرَامٌ بِخِلَافِ الِاسْتِقْرَارِ نَائِمًا كَانَ أَمْ غَيْرَهُ فَهَكَذَا الْمَرْأَةُ يَقْطَعُ مُرُورُهَا دُونَ لُبْثِهَا .

     قَوْلُهُ  عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَيُصَلِّيَ وَوَقَعَ لِلْمُسْتَمْلِي عَنْ فِرَاشِ أَهْلِهِ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَقُومُ وَالْأَوَّلُ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ صَلَاتُهُ كَانَتْ وَاقِعَةً عَلَى الْفِرَاشِ بِخِلَافِ الثَّانِي فَفِيهِ احْتِمَالٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْفراش من رِوَايَة عقيل عَن بن شهَاب مثل الأول