فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب التعوذ من جهد البلاء

( قَولُهُ بَابُ التَّعَوُّذِ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ)
الْجَهْدُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبِضَمِّهَا الْمَشَقَّةُ وَتَقَدَّمَ مَا فِيهِ فِي حَدِيثِ بَدْءِ الْوَحْيِ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَالْبَلَاءُ بِالْفَتْحِ مَعَ الْمَدِّ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ مَعَ الْقَصْرِ



[ قــ :6013 ... غــ :6347] .

     قَوْلُهُ  سُمَيٌّ بِالْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرٌ هُوَ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ .

     قَوْلُهُ  كَانَ يَتَعَوَّذُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَرَوَاهُ مُسَدَّدٌ عَنْ سُفْيَانَ بِسَنَدِهِ هَذَا بِلَفْظِ الْأَمْرِ تَعَوَّذُوا وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْقَدَرِ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَاسِطِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَأَبِي نُعَيْمٍ .

     قَوْلُهُ  وَدَرَكِ الشَّقَاءِ بِفَتْحِ الدَّالِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَيَجُوزُ سُكُونُ الرَّاءِ وَهُوَ الْإِدْرَاكُ وَاللِّحَاقُ وَالشَّقَاءُ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ قَافٍ هُوَ الْهَلَاكُ وَيُطْلَقُ عَلَى السَّبَبِ الْمُؤَدِّي إِلَى الْهَلَاكِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ رَاوِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  الْحَدِيثُ ثَلَاثٌ زِدْتُ أَنَا وَاحِدَةً لَا أَدْرِي أَيَّتُهُنَّ أَيِ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ الْمَرْوِيُّ يَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثِ جُمَلٍ مِنَ الْجُمَلِ الْأَرْبَعِ وَالرَّابِعَةُ زَادَهَا سُفْيَانُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ ثُمَّ خَفِيَ عَلَيْهِ تَعْيِينُهَا وَوَقَعَ عِنْدَ الْحُمَيْدِيِّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ الْحَدِيثُ ثَلَاثٌ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ الْحُمَيْدِيِّ وَلَمْ يُفَصِّلْ ذَلِكَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَنْ سُفْيَانَ وَفِي ذَلِكَ تَعَقُّبٌ عَلَى الْكَرْمَانِيِّ حَيْثُ اعْتَذَرَ عَنْ سُفْيَانَ فِي جَوَابِ مَنِ اسْتَشْكَلَ جَوَازَ زِيَادَتِهِ الْجُمْلَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِدْرَاجُ فِي الْحَدِيثِ فَقَالَ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ يُمَيِّزُهَا إِذَا حَدَّثَ كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ فَسَيَأْتِي فِي الْقَدَرِ عَنْ مُسَدَّدٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ الْعَلَاءِ وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بِالْخِصَالِ الْأَرْبَعَةِ بِغَيْرِ تَمْيِيزٍ إِلَّا أَنَّ مُسْلِمًا قَالَ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ قَالَ سُفْيَانُ أَشُكُّ أَنِّي زِدْتُ وَاحِدَةً مِنْهَا وَأَخْرَجَهُ الْجَوْزَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ سُفْيَانَ فَاقْتَصَرَ عَلَى ثَلَاثَةٍ ثُمَّ قَالَ قَالَ سُفْيَانُ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ من طَرِيق بن أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ وَبَيَّنَ أَنَّ الْخَصْلَةَ الْمَزِيدَةَ هِيَ شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُجَاعِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ سُفْيَانَ مُقْتَصِرًا عَلَى الثَّلَاثَةِ دُونَهَا وَعُرِفَ مِنْ ذَلِكَ تَعْيِينُ الْخَصْلَةِ الْمَزِيدَةِ وَيُجَابُ عَنِ النَّظَرِ بِأَنَّ سُفْيَانَ كَانَ إِذَا حَدَّثَ مَيَّزَهَا ثُمَّ طَالَ الْأَمْرُ فَطَرَقَهُ السَّهْوُ عَنْ تَعْيِينِهَا فَحَفِظَ بَعْضُ مَنْ سَمِعَ تَعْيِينَهَا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَطْرُقَهُ السَّهْوُ ثُمَّ كَانَ بَعْدَ أَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ تَعْيِينُهَا يَذْكُرُ كَوْنَهَا مَزِيدَةً مَعَ إِبْهَامِهَا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ إِمَّا أَنْ يُحْمَلَ الْحَالُ حَيْثُ لَمْ يَقَعْ تَمْيِيزُهَا لَا تَعْيِينًا وَلَا إِبْهَامًا أَنْ يَكُونَ ذَهِلَ عَنْ ذَلِكَ أَوْ عَيَّنَ أَوْ مَيَّزَ فَذَهِلَ عَنْهُ بَعْضُ مَنْ سَمِعَ وَيَتَرَجَّحُ كَوْنُ الْخَصْلَةِ الْمَذْكُورَةِ هِيَ الْمَزِيدَةَ بِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي عُمُومِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ مُسْتَقِلَّةٌ فَإِنَّ كُلَّ أَمْرٍ يُكْرَهُ يُلَاحَظُ فِيهِ جِهَةُ الْمَبْدَأِ وَهُوَ سُوءُ الْقَضَاءِ وَجِهَةُ الْمَعَادِ وَهُوَ دَرَكُ الشَّقَاءِ لِأَنَّ شَقَاءَ الْآخِرَةِ هُوَ الشَّقَاءُ الْحَقِيقِيُّ وَجِهَةُ الْمَعَاشِ وَهُوَ جَهْدُ الْبَلَاءِ.
وَأَمَّا شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ فَتَقَعُ لِكُلِّ مَنْ وَقَعَ لَهُ كُلٌّ من الْخِصَال الثَّلَاثَة.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ جَهْدُ الْبَلَاءِ كُلُّ مَا أَصَابَ الْمَرْء من شدَّة مشقة ومالا طَاقَةَ لَهُ بِحَمْلِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِجَهْدِ الْبَلَاءِ قِلَّةُ الْمَالِ وَكَثْرَةُ الْعِيَال كَذَا جَاءَ عَن بن عُمَرَ وَالْحَقُّ أَنَّ ذَلِكَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَقِيلَ هُوَ مَا يَخْتَارُ الْمَوْتَ عَلَيْهِ قَالَ وَدَرَكُ الشَّقَاءِ يَكُونُ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَفِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَكَذَلِكَ سُوءُ الْقَضَاءِ عَامٌّ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ وَالْخَاتِمَةِ وَالْمَعَادِ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ هُنَا الْمَقْضِيُّ لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ كُلَّهُ حَسَنٌ لَا سُوءَ فِيهِ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْقَضَاءُ الْحُكْمُ بِالْكُلِّيَّاتِ عَلَى سَبِيلِ الْإِجْمَالِ فِي الْأَزَلِ وَالْقَدَرُ الْحُكْمُ بِوُقُوعِ الْجُزْئِيَّاتِ الَّتِي لِتِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْصِيلِ قَالَ بن بَطَّالٍ وَشَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ مَا يَنْكَأُ الْقَلْبَ وَيَبْلُغُ مِنَ النَّفْسِ أَشَدَّ مَبْلَغٍ وَإِنَّمَا تَعَوَّذَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ آمَنَهُ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَبِذَلِكَ جَزَمَ عِيَاضٌ.

قُلْتُ وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَعَاذَ بِرَبِّهِ مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ بِأُمَّتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسَدَّدٍ الْمَذْكُورَةُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ كَمَا قَدَّمْتُهُ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ شَمَاتَةُ الْأَعْدَاءِ فَرَحُهُمْ بِبَلِيَّةٍ تَنْزِلُ بِالْمُعَادِي قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِاسْتِحْبَابِ الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ وَأَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ وَالْأَمْصَارِ وَشَذَّتْ طَائِفَةٌ مِنَ الزُّهَّادِ.

قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى ذَلِكَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدَّعَوَاتِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَلَامَ الْمَسْجُوعَ لَا يُكْرَهُ إِذَا صَدَرَ عَنْ غَيْرِ قصد إِلَيْهِ وَلَا تكلّف قَالَه بن الْجَوْزِيِّ قَالَ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الِاسْتِعَاذَةِ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ كَوْنُ مَا سَبَقَ فِي الْقَدَرِ لَا يُرَدُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا قَضَى فَقَدْ يُقْضَى عَلَى الْمَرْءِ مَثَلًا بِالْبَلَاءِ وَيُقْضَى أَنَّهُ ان دَعَا كشف فالقضاء مُحْتَمل للدافع وَالْمَدْفُوعِ وَفَائِدَةُ الِاسْتِعَاذَةِ وَالدُّعَاءِ إِظْهَارُ الْعَبْدِ فَاقَتَهُ لِرَبِّهِ وَتَضَرُّعَهُ إِلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي أَوَائِل كتاب الدَّعْوَات 0