فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الدعاء برفع الوباء والوجع

( قَولُهُ بَابُ الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الْوَبَاءِ وَالْوَجَعِ)
أَيْ بِرَفْعِ الْمَرَضِ عَمَّنْ نَزَلَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَامًّا أَوْ خَاصًّا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْوَبَاءِ وَتَفْسِيرُهُ فِي بَابِ مَا يُذْكَرُ فِي الطَّاعُونِ مِنْ كِتَابِ الطِّبِّ وَأَنَّهُ أَعَمُّ مِنَ الطَّاعُونِ وَأَنَّ حَقِيقَتَهُ مَرَضٌ عَامٌّ يَنْشَأُ عَنْ فَسَادِ الْهَوَاءِ وَقَدْ يُسَمَّى طَاعُونًا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَأَوْضَحْتُ هُنَاكَ الرَّدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الطَّاعُونَ وَالْوَبَاءَ مُتَرَادِفَانِ بِمَا ثَبَتَ هُنَاكَ أَنَّ الطَّاعُونَ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَأَنَّ الْوَبَاءَ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ وَكَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ عُمَرَ فَوَقَعَ بِالْمَدِينَةِ بِالنَّاسِ مَوْتٌ ذَرِيعٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ أَحَدَهُمَا حَدِيثَ عَائِشَةَ اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ انْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ وَهُوَ يَتَعَلَّقُ بِالرُّكْنِ الْأَوَّلِ مِنَ التَّرْجَمَةِ وَهُوَ الْوَبَاءُ لِأَنَّهُ الْمَرَضُ الْعَامُّ وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ حَيْثُ قَالَتْ فِي أَوَّلِهِ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ أَوَبَأُ أَرْضِ اللَّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ ثَانِيهِمَا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَادَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ شَكْوَى الْحَدِيثَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالرُّكْنِ الثَّانِي مِنَ التَّرْجَمَةِ وَهُوَ الْوَجَعُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْوَصَايَا وَقَولُهُ



[ قــ :6038 ... غــ :6373] فِي آخِرِهِ قَالَ سَعْدٌ رَثَى لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ فِي الْحَدِيثِ إِدْرَاجًا وَأَنَّ قَوْلَهُ يُرْثَى لَهُ إِلَخْ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ مُتَمَسِّكًا بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَفِيهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ إِلَخْ فَإِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ هَلْ وَصَلَ هَذَا الْقَدْرُ عَن سعد اوقال مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَالْحُكْمُ لِلْوَصْلِ لِأَنَّ مَعَ رُوَاتِهِ زِيَادَةُ عِلْمٍ وَهُوَ حَافِظٌ وَشَاهِدُ التَّرْجَمَةِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَمْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ وَلَا تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ فَإِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى الدُّعَاءِ لِسَعْدٍ بِالْعَافِيَةِ لِيَرْجِعَ إِلَى دَارِ هِجْرَتِهِ وَهِيَ الْمَدِينَةُ وَلَا يَسْتَمِرَّ مُقِيمًا بِسَبَبِ الْوَجَعِ بِالْبَلَدِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا وَهِيَ مَكَّةُ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ لَكِن البائس سعد بن خَوْلَةَ إِلَخْ وَقَدْ أَوْضَحْتُ فِي أَوَائِلِ الْوَصَايَا مَا يتَعَلَّق بِسَعْد بن خَوْلَة وَنقل بن المزين الْمَالِكِي ان الرثاء لسعد بن خَوْلَةَ بِسَبَبِ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرْ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا مَتَى رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى مَرِضَ بِهَا فَمَاتَ فَقِيلَ إِنَّهُ سَكَنَ مَكَّةَ بَعْدَ أَنْ شَهِدَ بَدْرًا وَقِيلَ مَاتَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ فِيمَا حَكَاهُ بن التِّينِ فَقَالَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُهَاجِرِينَ أَنْ يُقِيمُوا بِمَكَّةَ إِلَّا ثَلَاثًا بَعْدَ الصَّدْرِ فَدَلَّ ذَلِكَ ان سعد بن خَوْلَةَ تُوُفِّيَ قَبْلَ تِلْكَ الْحَجَّةِ وَقِيلَ مَاتَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ أَنْ أَطَالَ الْمَقَامَ بِمَكَّةَ بِغَيْرِ عُذْرٍ إِذْ لَوْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ لَمْ يَأْثَمْ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قِيلَ لَهُ إِنَّ صَفِيَّةَ حَاضَتْ أَحَابِسَتُنَا هِيَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِلْمُهَاجِرِ إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ أَنْ يُقِيمَ أَزْيَدَ مِنَ الثَّلَاثِ الْمَشْرُوعَةِ لِلْمُهَاجِرِينَ.

     وَقَالَ  يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ قَالَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ ثُمَّ حَجَّ فَقَرَنَهَا الرَّاوِي بِالْحَدِيثِ لِكَوْنِهَا مِنْ تَكْمِلَتِهِ انْتَهَى وَكَلَامُهُ مُتَعَقَّبٌ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا اسْتِشْهَادُهُ بِقِصَّةِ صَفِيَّةَ وَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تُجَاوِزَ الثَّلَاثَ الْمَشْرُوعَةَ وَالِاحْتِبَاسُ الِامْتِنَاعُ وَهُوَ يَصْدُقُ بِالْيَوْمِ بَلْ بِدُونِهِ وَمِنْهَا جزمه بِأَن سعد بن خَوْلَةَ أَطَالَ الْمَقَامَ بِمَكَّةَ وَرَمْزُهُ إِلَى أَنَّهُ أَقَامَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِنَّهُ أَثِمَ بِذَلِكَ إِلَى غير ذَلِك مِمَّا يظْهر فَسَاده بِالتَّأَمُّلِ





[ قــ :6038 ... غــ :6373] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَلغيره حَدثنِي بالافراد فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَوْله بن أَبِي حَازِمٍ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ دِينَارٍ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ أَنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ أَبِي حَازِمٍ وَعَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيَّ حَدَّثَاهُ عَنْ يَزِيدَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ لما حدث بِهِ البُخَارِيّ اقْتصر على بن أَبِي حَازِمٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَ عَنْهُمَا فَحَذَفَ الْبُخَارِيُّ ذِكْرَ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا إِشْكَالَ وَعَلَى الثَّانِي يَتَوَقَّفُ الْجَوَازُ عَلَى أَنَّ اللَّفْظَ لِلِاثْنَيْنِ سَوَاءٌ وَأَنَّ الْمَذْكُورَ لَيْسَ هُوَ لَفْظَ الْمَحْذُوفِ أَوْ أَنَّ الْمَعْنَى عَلَيْهِمَا مُتَّحِدٌ تَفْرِيعًا عَلَى جَوَازِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدِيثًا جمع فِيهِ بَين بن أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيِّ وَهُوَ فِي بَابِ فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ .

     قَوْلُهُ  عَنْ يزِيد هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْهَادِ وَوَقَعَ مَنْسُوبًا فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورَةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ التَّيْمِيُّ وَرِجَالُ هَذَا الْإِسْنَادِ كُلُّهُمْ مَدَنِيُّونَ وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ وَعِيسَى بن طَلْحَة هُوَ بن عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ وَثَبَتَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَطَلْحَةَ هُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَلِأَبِي ذَرٍّ يَتَكَلَّمُ بِحَذْفِ اللَّامِ .

     قَوْلُهُ  بِالْكَلِمَةِ أَيِ الْكَلَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا يُفْهِمُ الْخَيْرَ أَوِ الشَّرِّ سَوَاءٌ طَالَ أَمْ قَصُرَ كَمَا يُقَالُ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ وَكَمَا يُقَالُ لِلْقَصِيدَةِ كَلِمَةُ فُلَانٍ .

     قَوْلُهُ  مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا أَيْ لَا يَتَطَلَّبُ مَعْنَاهَا أَيْ لَا يُثْبِتُهَا بِفِكْرِهِ وَلَا يَتَأَمَّلُهَا حَتَّى يَتَثَبَّتَ فِيهَا فَلَا يَقُولُهَا إِلَّا إِنْ ظَهَرَتِ الْمَصْلَحَةُ فِي الْقَوْلِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُبَيِّنُهَا بِعِبَارَةٍ وَاضِحَةٍ وَهَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بَيَّنَ وَتَبَيَّنَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا وَهَذِه أوضح وَمَا الأولى نَافِيَة وَمَا الثَّانِيَةُ مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكشميهني مَا يَتَّقِي بهَا وَمَعْنَاهَا يؤل لِمَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  يَزِلُّ بِهَا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الزَّايِ بَعْدَهَا لَامٌ أَيْ يَسْقُطُ .

     قَوْلُهُ  أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ كَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الَّتِي وَقَعَتْ لَنَا فِي الْبُخَارِيِّ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُضَرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ بِلَفْظِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ بن بَطَّالٍ وَشَرَحَهُ الْكِرْمَانِيُّ عَلَى مَا وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ .

     قَوْلُهُ  مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ لَفْظُ بَيْنَ يَقْتَضِي دُخُولَهُ عَلَى الْمُتَعَدِّدِ وَالْمَشْرِقِ مُتَعَدِّدٌ مَعْنًى إِذْ مَشْرِقُ الصَّيْفِ غَيْرُ مَشْرِقِ الشِّتَاءِ وَبَيْنَهُمَا بُعْدٌ كَبِيرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اكْتَفَى بِأَحَدِ الْمُتَقَابِلَيْنِ عَنِ الْآخَرِ مِثْلَ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحر قَالَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي بَعْضِهَا بِلَفْظِ بَيْنَ الْمشرق وَالْمغْرب قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ الْكَلِمَةُ الَّتِي يَهْوِي صَاحِبُهَا بِسَبَبِهَا فِي النَّارِ هِيَ الَّتِي يَقُولُهَا عِنْدَ السُّلْطَانِ الجائر وَزَاد بن بَطَّالٍ بِالْبَغْيِ أَوْ بِالسَّعْيِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَتَكُونُ سَبَبًا لِهَلَاكِهِ وَإِنْ لَمْ يُرِدِ الْقَائِلُ ذَلِكَ لَكِنَّهَا رُبَّمَا أَدَّتْ إِلَى ذَلِكَ فَيُكْتَبُ عَلَى الْقَائِلِ إِثْمُهَا وَالْكَلِمَةُ الَّتِي تُرْفَعُ بِهَا الدَّرَجَاتُ وَيُكْتَبُ بِهَا الرِّضْوَانُ هِيَ الَّتِي يَدْفَعُ بِهَا عَنِ الْمُسْلِمِ مَظْلِمَةً أَوْ يُفَرِّجَ بِهَا عَنْهُ كُرْبَةً أَوْ يَنْصُرَ بِهَا مَظْلُومًا.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ فِي الْأُولَى هِيَ الْكَلِمَةُ عِنْدَ ذِي السُّلْطَانِ يرضيه بهَا فِيمَا يسْخط الله قَالَ بن التِّينِ هَذَا هُوَ الْغَالِبُ وَرُبَّمَا كَانَتْ عِنْدَ غَيْرِ ذِي السُّلْطَانِ مِمَّنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ ذَلِكَ وَنقل عَن بن وَهْبٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا التَّلَفُّظُ بِالسُّوءِ وَالْفُحْشُ مَا لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ الْجَحْدَ لِأَمْرِ اللَّهِ فِي الدِّينِ.

     وَقَالَ  الْقَاضِي عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْخَنَى وَالرَّفَثِ وَأَنْ تَكُونَ فِي التَّعْرِيضِ بِالْمُسْلِمِ بِكَبِيرَةٍ أَوْ بِمُجُونٍ أَوِ اسْتِخْفَافٍ بِحَقِّ النُّبُوَّةِ وَالشَّرِيعَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي لَا يَعْرِفُ الْقَائِلُ حُسْنَهَا مِنْ قُبْحِهَا قَالَ فَيَحْرُمُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْرِفُ حُسْنَهُ مِنْ قُبْحِهِ.

قُلْتُ وَهَذَا الَّذِي يَجْرِي عَلَى قَاعِدَةٍ مُقَدَّمَةُ الْوَاجِبِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى حِفْظِ اللِّسَانِ فَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْطِقَ أَنْ يَتَدَبَّرَ مَا يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَنْطِقَ فَإِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَكَلَّمَ وَإِلَّا أَمْسَكَ.

قُلْتُ وَهُوَ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ تَنْبِيه وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ تَأْخِيرُ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنِ الطَّرِيقِ الْأُخْرَى وَلِغَيْرِهِ بِالْعَكْسِ وَسَقَطَ طَرِيقُ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ عِنْدَ النَّسَفِيِّ أَصْلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ