فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الدعاء إذا أراد سفرا أو رجع

( قَولُهُ بَابُ الدُّعَاءِ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَوْ رَجَعَ فِيهِ)
يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَنَسٍ كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَمَوِيِّ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْهُ لَكِنْ بِالْوَاوِ الْعَاطِفَةِ بَدَلَ لَفْظِ بَابِ وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ فِيمَا أَظُنُّ الْحَدِيثَ الَّذِي أَوَّلِهِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ مِنْ خَيْبَرَ وَقَدْ أَرْدَفَ صَفِيَّةَ فَلَمَّا كَانَ بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَثَرَتِ النَّاقَةُ فَإِنَّ فِي آخِرِهِ فَلَمَّا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُهَا حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي أَوَاخِرِ الْجِهَادِ وَفِي الْأَدَبِ وَفِي أَوَاخِرِ اللِّبَاسِ وَشَرَحْتُهُ هُنَاكَ إِلَّا الْكَلَامَ الْأَخِيرَ هُنَا فَوَعَدْتُ بِشَرْحِهِ هُنَا وَإِسْمَاعِيلُ فِي الحَدِيث الْمَوْصُول هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ



[ قــ :6048 ... غــ :6385] .

     قَوْلُهُ  كَانَ إِذَا قَفَلَ بِقَافٍ ثُمَّ فَاءٍ أَيْ رَجَعَ وَزْنَهُ وَمَعْنَاهُ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الله الْأَزْدِيّ عَن بن عُمَرَ فِي أَوَّلِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ آيِبُونَ تَائِبُونَ الْحَدِيثَ وَإِلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ بِقَوْلِهِ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا .

     قَوْلُهُ  مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ظَاهِرُهُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثِ وَلَيْسَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَلْ يُشْرَعُ قَوْلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَفَرٍ إِذَا كَانَ سَفَرَ طَاعَةٍ كَصِلَةِ الرَّحِمِ وَطَلَبِ الْعِلْمِ لِمَا يَشْمَلُ الْجَمِيعَ مِنِ اسْمِ الطَّاعَةِ وَقِيلَ يَتَعَدَّى أَيْضًا إِلَى الْمُبَاحِ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ فِيهِ لَا ثَوَابَ لَهُ فَلَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا يَحْصُلُ لَهُ الثَّوَابُ وَقِيلَ يُشْرَعُ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَيْضًا لِأَنَّ مُرْتَكِبَهَا أَحْوَجُ إِلَى تَحْصِيلِ الثَّوَابِ مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ مُتَعَقَّبٌ لِأَنَّ الَّذِي يَخُصُّهُ بِسَفَرِ الطَّاعَةِ لَا يَمْنَعُ مَنْ سَافَرَ فِي مُبَاحٍ وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ مِنَ الْإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي خُصُوصِ هَذَا الذِّكْرِ فِي هَذَا الْوَقْتِ الْمَخْصُوصِ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى الِاخْتِصَاصِ لِكَوْنِهَا عِبَادَاتٍ مَخْصُوصَةً شُرِعَ لَهَا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ فَتَخْتَصُّ بِهِ كَالذِّكْرِ الْمَأْثُورِ عَقِبَ الْأَذَانِ وَعَقِبَ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الصَّحَابِيُّ عَلَى الثَّلَاثِ لِانْحِصَارِ سَفَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَلِهَذَا تَرْجَمَ بِالسَّفَرِ عَلَى أَنَّهُ تَعَرَّضَ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الظَّاهِرُ فَتَرْجَمَ فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ مَا يَقُولُ إِذَا رَجَعَ مِنَ الْغَزْوِ أَوِ الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ .

     قَوْلُهُ  يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ بَعْدَهَا فَاءٌ هُوَ الْمَكَانُ الْعَالِي وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ إِذَا أَوْفَى أَيِ ارْتَفَعَ عَلَى ثَنِيَّةٍ بِمُثَلَّثَةٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ هِيَ الْعَقَبَةُ أَوْ فَدْفَدُ بِفَتْحِ الْفَاءِ بَعْدَهَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ ثُمَّ فَاءٌ ثُمَّ دَالٌ وَالْأَشْهَرُ تَفْسِيرُهُ بِالْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ وَقِيلَ هُوَ الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ وَقِيلَ الْفَلَاةُ الْخَالِيَةُ مِنْ شَجَرٍ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ غَلِيظُ الْأَوْدِيَةِ ذَاتِ الْحَصَى .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَخْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي بِهَذَا الذِّكْرِ عَقِبَ التَّكْبِيرِ وَهُوَ عَلَى الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ التَّكْبِيرَ يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ وَمَا بَعْدَهُ إِنْ كَانَ مُتَّسِعًا أَكْمَلَ الذِّكْرَ الْمَذْكُورَ فِيهِ وَإِلَّا فَإِذَا هَبَطَ سَبَّحَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُكْمِلَ الذِّكْرَ مُطْلَقًا عَقِبَ التَّكْبِيرِ ثُمَّ يَأْتِي بِالتَّسْبِيحِ إِذَا هَبَطَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَفِي تَعْقِيبِ التَّكْبِيرِ بِالتَّهْلِيلِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ الْمُتَفَرِّدَ بِإِيجَادِ جَمِيعِ الْمَوْجُودَاتِ وَأَنَّهُ الْمَعْبُودُ فِي جَمِيعِ الْأَمَاكِنِ .

     قَوْلُهُ  آيِبُونَ جَمْعُ آيِبٍ أَيْ رَاجِعٍ وَزْنَهُ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ نَحْنُ آيِبُونَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِخْبَارَ بِمَحْضِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ بَلِ الرُّجُوعُ فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ تَلَبُّسُهُمْ بِالْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَالِاتِّصَافُ بِالْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ وَقَولُهُ تَائِبُونَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّقْصِيرِ فِي الْعِبَادَةِ.

     وَقَالَ هُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ أَوْ تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ أَوِ الْمُرَادُ أُمَّتُهُ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ التَّوْبَةُ لِإِرَادَةِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الطَّاعَةِ فَيَكُونُ الْمُرَادَ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُمْ ذَنْبٌ .

     قَوْلُهُ  صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ أَيْ فِيمَا وَعَدَ بِهِ مِنْ إِظْهَارِ دِينِهِ فِي قَوْلِهِ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً وَقَولُهُ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَات ليَستَخْلِفنهم فِي الأَرْض الْآيَةَ وَهَذَا فِي سَفَرِ الْغَزْوِ وَمُنَاسَبَتُهُ لِسَفَرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ .

     قَوْلُهُ  وَنَصَرَ عَبْدَهُ يُرِيدُ نَفْسَهُ .

     قَوْلُهُ  وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ أَيْ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ أَحَدٍ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْأَحْزَابِ هُنَا فَقِيلَ هُمْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ وَالْيَهُودِ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا أَيْ تَجَمَّعُوا فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ وَنَزَلَتْ فِي شَأْنِهِمْ سُورَةُ الْأَحْزَابِ وَقَدْ مَضَى خَبَرُهُمْ مُفَصَّلًا فِي كِتَابِ الْمَغَازِي وَقِيلَ الْمُرَادُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَقِيلَ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ إِنَّمَا شُرِعَ مِنْ بَعْدِ الْخَنْدَقِ وَالْجَوَابُ أَنَّ غَزَوَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا بِنَفْسِهِ مَحْصُورَةٌ وَالْمُطَابِقُ مِنْهَا لِذَلِكَ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ لِظَاهِرِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى الله الْمُؤمنِينَ الْقِتَال وَفِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِم ريحًا وجنودا لم تَرَوْهَا الْآيَةَ وَالْأَصْلُ فِي الْأَحْزَابِ أَنَّهُ جَمْعُ حِزْبٍ وَهُوَ الْقِطْعَةُ الْمُجْتَمِعَةُ مِنَ النَّاسِ فَاللَّامُ إِمَّا جِنْسِيَّةٌ وَالْمُرَادُ كُلُّ مَنْ تَحَزَّبَ مِنَ الْكُفَّارِ وَإِمَّا عَهْدِيَّةٌ وَالْمُرَادُ مَنْ تَقَدَّمَ وَهُوَ الْأَقْرَبُ قَالَ الْقُرْطُبِيّ ويحتملان يَكُونَ هَذَا الْخَبَرُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ أَيِ اللَّهُمَّ اهزم الْأَحْزَاب وَالْأول أظهر