فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق: 3]

( قَولُهُ بَابُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)
اسْتَعْمَلَ لَفْظَ الْآيَةِ تَرْجَمَةً لِتَضَمُّنِهَا التَّرْغِيبَ فِي التَّوَكُّلِ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى تَقْيِيدِ مَا أُطْلِقَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ قَبْلَهُ وَأَنَّ كُلًّا مِنَ الِاسْتِغْنَاءِ وَالتَّصَبُّرِ وَالتَّعَفُّفِ إِذَا كَانَ مَقْرُونًا بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي يَنْفَعُ وَيَنْجَعُ وَأَصْلُ التَّوَكُّلِ الْوُكُولُ يُقَالُ وَكَّلْتُ أَمْرِي إِلَى فُلَانٍ أَيْ أَلْجَأْتُهُ إِلَيْهِ وَاعْتَمَدْتُ فِيهِ عَلَيْهِ وَوَكَّلَ فُلَانٌ فُلَانًا اسْتَكْفَاهُ أَمْرَهُ ثِقَةً بِكِفَايَتِهِ وَالْمُرَادُ بِالتَّوَكُّلِ اعْتِقَادُ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى الله رزقها وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ تَرْكَ التَّسَبُّبِ وَالِاعْتِمَادَ عَلَى مَا يَأْتِي مِنَ الْمَخْلُوقِينَ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَجُرُّ إِلَى ضِدِّ مَا يَرَاهُ مِنَ التَّوَكُّلِ وَقَدْ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ جَلَسَ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ.

     وَقَالَ  لَا أَعْمَلُ شَيْئا حَتَّى يَأْتِيَنِي رِزْقِي فَقَالَ هَذَا رَجُلٌ جَهِلَ الْعِلْمَ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي.

     وَقَالَ  لَوْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا فَذَكَرَ أَنَّهَا تَغْدُو وَتَرُوحُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ قَالَ وَكَانَ الصَّحَابَةُ يَتَّجِرُونَ وَيَعْمَلُونَ فِي تخيلهم وَالْقُدْوَةُ بِهِمْ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْجِهَادِ وَالثَّانِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ بِمُعْجَمَةٍ وَمُثَلَّثَةٍ مُصَغَّرٌ .

     قَوْلُهُ  مِنْ كُلِّ مَا ضَاقَ على النَّاس وَصله الطَّبَرَانِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ مُنْذِرٍ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مخرجا الْآيَةَ قَالَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ضَاقَ عَلَى النَّاسِ وَالرَّبِيعُ الْمَذْكُورُ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ صَحِبَ بن مَسْعُودٍ وَكَانَ يَقُولُ لَهُ لَوْ رَآكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَحَبَّكَ أَوْرَدَ ذَلِكَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَحَدِيثُهُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَالرَّبِيعُ بْنُ مُنْذِرٍ لم يخرجُوا عَنهُ لَكِن ذكره البُخَارِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ وَلَمْ يَذْكُرَا فِيهِ جَرْحًا وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَأَبُوهُ مُتَّفَقٌ عَلَى تَوْثِيقِهِ والتخريج عَنهُ



[ قــ :6134 ... غــ :6472] قَوْله حَدثنِي إِسْحَاق هُوَ بن مَنْصُورٍ كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ انه بن إِبْرَاهِيمَ وَسَيَأْتِي شَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بَعْدَ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ بَابا ان شَاءَ الله تَعَالَى