فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب الانتهاء عن المعاصي

( قَولُهُ بَابُ الِانْتِهَاءِ عَنِ الْمَعَاصِي)
أَيْ تَرْكِهَا أَصْلًا وَرَأَسَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْهَا بَعْدَ الْوُقُوعِ فِيهَا ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ



[ قــ :6144 ... غــ :6482] .

     قَوْلُهُ  بُرَيْد بِمُوَحَّدَةٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَةٍ مُصَغَّرٌ .

     قَوْلُهُ  مَثَلِي بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَالْمَثَلُ الصِّفَةُ الْعَجِيبَةُ الشَّأْنِ يُورِدُهَا الْبَلِيغُ عَلَى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ لِإِرَادَةِ التَّقْرِيبِ وَالتَّفْهِيمِ .

     قَوْلُهُ  مَا بَعَثَنِي اللَّهُ الْعَائِدُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ بَعَثَنِي اللَّهِ بِهِ إِلَيْكُمْ .

     قَوْلُهُ  أَتَى قَوْمًا التَّنْكِيرُ فِيهِ لِلشُّيُوعِ .

     قَوْلُهُ  رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِالْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامُ فِيهِ لِلْعَهْدِ .

     قَوْلُهُ  بِعَيْنِي بِالْإِفْرَادِ وَلِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِالتَّثْنِيَةِ بِفَتْحِ النُّونِ وَالتَّشْدِيدِ قِيلَ ذَكَرَ الْعَيْنَيْنِ إِرْشَادًا إِلَى أَنَّهُ تَحَقَّقَ عِنْدَهُ جَمِيعُ مَا أَخْبَرَ عَنْهُ تَحَقُّقَ مَنْ رَأَى شَيْئًا بِعَيْنِهِ لَا يَعْتَرِيهِ وَهْمٌ وَلَا يُخَالِطُهُ شَكٌّ .

     قَوْلُهُ  وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ قَالَ بن بَطَّالٍ النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ رَجُلٌ مِنْ خَثْعَمٍ حَمَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ يَوْمَ ذِي الْخَلَصَةِ فَقَطَعَ يَدَهُ وَيَدَ امْرَأَتِهِ فَانْصَرَفَ إِلَى قَوْمِهِ فَحَذَّرَهُمْ فَضُرِبَ بِهِ الْمَثَلُ فِي تَحْقِيقِ الْخَبَرِ.

قُلْتُ وَسَبَقَ إِلَى ذَلِك يَعْقُوب بن السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ وَسَمَّى الَّذِي حَمَلَ عَلَيْهِ عَوْفَ بْنَ عَامِرٍ الْيَشْكُرِيَّ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ تَنْزِيلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى لَفْظِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَنَّهُ كَانَ عُريَانا وَزعم بن الْكَلْبِيِّ أَنَّ النَّذِيرَ الْعُرْيَانَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي عَامر بن كَعْبٍ لَمَّا قَتَلَ الْمُنْذِرُ بْنُ مَاءِ السَّمَاءِ أَوْلَادَ أَبِي دَاوُدَ وَكَانَ جَارَ الْمُنْذِرِ خَشِيَتْ عَلَى قَوْمِهَا فَرَكِبَتْ جَمَلًا وَلَحِقَتْ بِهِمْ .

     وَقَالَتْ  أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ وَيُقَالُ أَوَّلُ مَنْ قَالَهُ أَبْرَهَةُ الْحَبَشِيُّ لَمَّا أَصَابَتْهُ الرَّمْيَةُ بِتِهَامَةَ وَرَجَعَ إِلَى الْيَمَنِ وَقَدْ سَقَطَ لَحْمُهُ وَذَكَرَ أَبُو بِشْرٍ الْآمِدِيُّ أَنَّ زَنْبَرًا بِزَايٍّ وَنُونٍ سَاكِنَةٍ ثمَّ مُوَحدَة بن عَمْرٍو الْخَثْعَمِيَّ كَانَ نَاكِحًا فِي آلِ زُبَيْدٍ فأرادوا أَن يغزوا قَوْمَهُ وَخَشُوا أَنْ يُنْذِرَ بِهِمْ فَحَرَسَهُ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ فَصَادَفَ مِنْهُمْ غِرَّةً فَقَذَفَ ثِيَابَهُ وَعَدَا وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَدْوًا فَأَنْذَرَ قَوْمَهُ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ رَجُلًا لَقِيَ جَيْشًا فَسَلَبُوهُ وَأَسَرُوهُ فَانْفَلَتَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُ الْجَيْشُ فَسَلَبُونِي فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا فَتَحَقَّقُوا صِدْقَهُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْرِفُونَهُ وَلَا يَتَّهِمُونَهُ فِي النَّصِيحَةِ وَلَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِالتَّعَرِّي فَقَطَعُوا بِصِدْقِهِ لِهَذِهِ الْقَرَائِنِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ وَلِمَا جَاءَ بِهِ مَثَلًا بِذَلِكَ لِمَا أَبْدَاهُ مِنَ الْخَوَارِقِ وَالْمُعْجِزَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الْقَطْعِ بِصِدْقِهِ تَقْرِيبًا لِأَفْهَامِ الْمُخَاطَبِينَ بِمَا يَأْلَفُونَهُ وَيَعْرِفُونَهُ.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الرَّامَهُرْمُزِيُّ فِي الْأَمْثَالِ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَيْضًا بِسَنَدٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَنَادَى ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَيُّهَا النَّاسُ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ مَثَلُ قَوْمٍ خَافُوا عَدُوًّا أَنْ يَأْتِيَهُمْ فَبَعَثُوا رَجُلًا يَتَرَايَا لَهُمْ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَبْصَرَ الْعَدُوَّ فَأَقْبَلَ لِيُنْذِرَ قَوْمَهُ فَخَشِيَ أَنْ يُدْرِكَهُ الْعَدُوُّ قَبْلَ أَنْ يُنْذِرَ قَوْمَهُ فَأَهْوَى بِثَوْبِهِ أَيُّهَا النَّاسُ أُتِيتُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَحْسَنُ مَا فُسِّرَ بِهِ الْحَدِيثُ مِنَ الْحَدِيثِ وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعُرْيَانَ مِنَ التَّعَرِّي وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدٍ رَوَاهُ بِالْمُوَحَّدَةِ قَالَ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَمَعْنَاهُ الْفَصِيحُ بِالْإِنْذَارِ لَا يُكَنَّى وَلَا يُوَرَّى يُقَالُ رَجُلٌ عُرْيَانُ أَيْ فَصِيحُ اللِّسَانِ .

     قَوْلُهُ  فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ بِالْمَدِّ فِيهِمَا وَبِمَدِّ الْأُولَى وَقَصْرِ الثَّانِيَةِ وَبِالْقَصْرِ فِيهِمَا تَخْفِيفًا وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ أَيِ اطْلُبُوا النَّجَاءَ بِأَنْ تُسْرِعُوا الْهَرَبَ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمْ لَا يُطِيقُونَ مُقَاوَمَةَ ذَلِكَ الْجَيْشِ قَالَ الطِّيبِيُّ فِي كَلَامِهِ أَنْوَاعٌ مِنَ التَّأْكِيدَاتِ أَحَدُهَا بِعَيْنِي ثَانِيهَا .

     قَوْلُهُ  وَإِنِّي أَنَا ثَالِثُهَا .

     قَوْلُهُ  الْعُرْيَانُ لِأَنَّهُ الْغَايَةُ فِي قُرْبِ الْعَدُوِّ وَلِأَنَّهُ الَّذِي يَخْتَصُّ فِي إِنْذَارِهِ بِالصِّدْقِ .

     قَوْلُهُ  فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ كَذَا فِيهِ بِالتَّذْكِيرِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بَعْضُ الْقَوْمِ .

     قَوْلُهُ  فَأَدْلَجُوا بِهَمْزَةِ قَطْعٍ ثُمَّ سُكُونٍ أَيْ سَارُوا أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ سَارُوا اللَّيْلَ كُلَّهُ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي مَدْلُولِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَإِمَّا بِالْوَصْلِ وَالتَّشْدِيدِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ سَيْرُ آخِرِ اللَّيْلِ فَلَا يُنَاسِبُ هَذَا الْمَقَامَ .

     قَوْلُهُ  عَلَى مَهَلِهِمْ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْهِينَةُ وَالسُّكُونُ وَبِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ الْإِمْهَالُ وَلَيْسَ مُرَادًا هُنَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَلَى مُهْلَتِهِمْ بِزِيَادَةِ تَاءِ تَأْنِيثٍ وَضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ .

     قَوْلُهُ  وَكَذَّبَتْهُ طَائِفَةٌ قَالَ الطِّيبِيُّ عَبَّرَ فِي الْفِرْقَةِ الْأُولَى بِالطَّاعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِالتَّكْذِيبِ لِيُؤْذِنَ بِأَنَّ الطَّاعَةَ مَسْبُوقَةٌ بِالتَّصْدِيقِ وَيُشْعِرُ بِأَنَّ التَّكْذِيبَ مُسْتَتْبِعٌ لِلْعِصْيَانِ .

     قَوْلُهُ  فَصَبَّحَهُمُ الْجَيْشُ أَيْ أَتَاهُمْ صَبَاحًا هَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى اسْتُعْمِلَ فِيمَنْ طُرِقَ بَغْتَةً فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ .

     قَوْلُهُ  فَاجْتَاحَهُمْ بِجِيمٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيِ اسْتَأْصَلَهُمْ مِنْ جحت الشَّيْء أجرحه إِذَا اسْتَأْصَلْتُهُ وَالِاسْمُ الْجَائِحَةُ وَهِيَ الْهَلَاكُ وَأُطْلِقَتْ عَلَى الْآفَةِ لِأَنَّهَا مُهْلِكَةٌ قَالَ الطِّيبِيُّ شَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ بِالرَّجُلِ وَإِنْذَارَهُ بِالْعَذَابِ الْقَرِيبِ بِإِنْذَارِ الرَّجُلِ قَوْمَهُ بِالْجَيْشِ الْمُصْبِحِ وَشَبَّهَ مَنْ أَطَاعَهُ مِنْ أُمَّتِهِ وَمَنْ عَصَاهُ بِمَنْ كَذَّبَ الرَّجُلَ فِي إِنْذَارِهِ وَمَنْ صَدَّقَهُ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ جَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ ذَكَرَهُ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أَوْرَدَهُ فِي الرِّقَاقِ فَوَجَدْتُهُ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ إِلَّا طَرَفًا مِنْهُ وَلَمْ أَسْتَحْضِرْهُ إِذْ ذَاكَ فِي الرِّقَاقِ فَشَرَحْتُهُ هُنَاكَ ثُمَّ ظَفِرْتُ بِهِ هُنَا فَأَذْكُرُ الْآنَ مِنْ شَرْحِهِ مَا لَمْ يَتَقَدَّمْ





[ قــ :6145 ... غــ :6483] .

     قَوْلُهُ  اِسْتَوْقَدَ بِمَعْنَى أَوْقَدَ وَهُوَ أَبْلَغُ وَالْإِضَاءَةُ فَرْطُ الْإِنَارَةِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ اخْتَصَرَهَا الْمُؤَلِّفُ هُنَاكَ وَنَسَبْتُهَا أَنَا لِتَخْرِيجِ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ وَهِيَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ كَمَا تَرَى وَكَأَنَّهُ تَبَرَّكَ بِلَفْظِ الْآيَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَا حَوْلَهَا وَالضَّمِيرُ لِلنَّارِ وَالْأَوَّلُ لِلَّذِي أَوْقَدَ النَّارَ وَحَوْلُ الشَّيْءِ جَانِبُهُ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَيْهِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى الدَّوَرَانِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْعَامِ حَوْلٌ .

     قَوْلُهُ  الْفَرَاش جَزَمَ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهَا الْجَنَادِبُ.
وَتَعَقَّبَهُ عِيَاضٌ فَقَالَ الْجُنْدُبُ هُوَ الصِّرَارُ.

قُلْتُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْفَرَاشَ اسْمٌ لِنَوْعٍ مِنَ الطَّيْرِ مُسْتَقِلٌّ لَهُ أَجْنِحَةٌ أَكْبَرُ مِنْ جُثَّتِهِ وَأَنْوَاعُهُ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَكَذَا أَجْنِحَتُهُ وَعَطْفُ الدَّوَابِّ عَلَى الْفَرَاشِ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا غَيْرُ الْجَنَادِبِ وَالْجَرَاد وَأغْرب بن قُتَيْبَةَ فَقَالَ الْفَرَاشُ مَا تَهَافَتَ فِي النَّارِ مِنَ الْبَعُوضِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ بَعْضَ الْبَعُوضِ هُوَ الَّذِي يَقَعُ فِي النَّارِ وَيُسَمَّى حِينَئِذٍ الْفَرَاشُ.

     وَقَالَ  الْخَلِيلُ الْفَرَاشُ كَالْبَعُوضِ وَإِنَّمَا شَبَّهَهُ بِهِ لِكَوْنِهِ يُلْقِي نَفْسَهُ فِي النَّارِ لَا أَنَّهُ يُشَارِكُ الْبَعُوضَ فِي الْقَرْصِ .

     قَوْلُهُ  وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ اخْتَصَرَهُ هُنَاكَ فَنِسْبَتُهُ لِتَخْرِيجِ أَبِي نُعَيْمٍ وَهُوَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ كَمَا تَرَى وَيَدْخُلُ فِيمَا يَقَعُ فِي النَّارِ الْبَعُوضُ وَالْبَرْغَشُ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الشُّرَّاحِ الْبَقُّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَعُوضُ .

     قَوْلُهُ  فَجَعَلَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَجَعَلَ وَمِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ .

     قَوْلُهُ  فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَزَعُهُنَّ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالزَّايِ وَضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يَدْفَعُهُنَّ وَفِي رِوَايَةِ يَنْزِعُهُنَّ بِزِيَادَةِ نُونٍ وَعِنْدَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَعَلَ يَحْجِزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا .

     قَوْلُهُ  فَيَقْتَحِمْنَ فِيهَا أَيْ يَدْخُلْنَ وَأَصْلُهُ الْقَحْمُ وَهُوَ الْإِقْدَامُ وَالْوُقُوعُ فِي الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ وَيُطْلَقُ عَلَى رَمْيِ الشَّيْءِ بَغْتَةً وَاقْتَحَمَ الدَّارَ هَجَمَ عَلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  فَأَنَا آخِذٌ قَالَ النَّوَوِيُّ رُوِيَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَيُرْوَى بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ.

قُلْتُ هَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ الْفَاءُ فِيهِ فَصَيْحَةٌ كَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ مَثَلِي وَمَثَلُ النَّاسِ إِلَخْ أَتَى بِمَا هُوَ أَهَمُّ وَهُوَ .

     قَوْلُهُ  فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَمِنْ هَذِهِ الدَّقِيقَةِ الْتَفَتَ مِنَ الْغِيبَةِ فِي قَوْلِهِ مَثَلُ النَّاسِ إِلَى الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ بِحُجَزِكُمْ كَمَا أَنَّ مَنْ أَخَذَ فِي حَدِيثِ مَنْ لَهُ بِشَأْنِهِ عِنَايَةٌ وَهُوَ مُشْتَغِلٌ فِي شَيْءٍ يُوَرِّطُهُ فِي الْهَلَاكِ يَجِدُ لِشِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى نَجَاتِهِ أَنَّهُ حَاضِرٌ عِنْدَهُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إِلَى النَّذِيرِ أَحْوَجُ مِنْهُ إِلَى الْبَشِيرِ لِأَنَّ جِبِلَّتَهُ مَائِلَةٌ إِلَى الْحَظِّ الْعَاجِلِ دُونَ الْحَظِّ الْآجِلِ وَفِي الْحَدِيثِ مَا كَانَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْحِرْصِ عَلَى نَجَاةِ الْأُمَّةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رءوف رَحِيم .

     قَوْلُهُ  بِحُجَزِكُمْ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ بَعْدَهَا زَايٌ جَمْعُ حُجْزَةٍ وَهِيَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَمِنَ السَّرَاوِيلِ مَوْضِعُ التِّكَّةِ وَيَجُوزُ ضَمُّ الْجِيمِ فِي الْجَمْعِ .

     قَوْلُهُ  عَنِ النَّارِ وَضَعَ الْمُسَبَّبَ مَوْضِعَ السَّبَبِ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمَعَاصِي الَّتِي تَكُونُ سَبَبًا لِوُلُوجِ النَّارِ .

     قَوْلُهُ  وَأَنْتُمْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَهُمْ وَعَلَيْهَا شَرْحُ الْكِرْمَانِيِّ فَقَالَ كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ وَأَنْتُمْ وَلَكِنَّهُ قَالَ وَهُمْ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُجْزَتِهِ لَا اقْتِحَامَ لَهُ فِيهَا قَالَ وَفِيهِ أَيْضًا احْتِرَازٌ عَنْ مُوَاجَهَتِهِمْ بِذَلِكَ.

قُلْتُ وَالرِّوَايَةُ بِلَفْظِ وَأَنْتُمْ ثَابِتَةٌ تَدْفَعُ هَذَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَنْتُمْ تَفْلِتُونَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْفَاءِ وَاللَّامِ الثَّقِيلَةِ وَأَصْلُهُ تَتَفَلَّتُونَ وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ ضَبَطُوهُ بِالْوَجْهَيْنِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ تَقُولُ تَفَلَّتَ مِنِّي وَأَفْلَتَ مِنِّي لِمَنْ كَانَ بِيَدِكَ فَعَالَجَ الْهَرَبَ مِنْكَ حَتَّى هَرَبَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا التَّمْثِيلِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ شَبَّهَ تَهَافُتُ أَصْحَابِ الشَّهَوَاتِ فِي الْمَعَاصِي الَّتِي تَكُونُ سَبَبًا فِي الْوُقُوعِ فِي النَّارِ بِتَهَافُتِ الْفَرَاشِ بِالْوُقُوعِ فِي النَّارِ اتِّبَاعًا لِشَهَوَاتِهَا وَشَبَّهَ ذَبَّهُ الْعُصَاةَ عَنِ الْمَعَاصِي بِمَا حَذَّرَهُمْ بِهِ وَأَنْذَرَهُمْ بِذَبِّ صَاحِبِ النَّارِ الْفَرَاشَ عَنْهَا.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ شَبَّهَ تَسَاقُطَ أَهْلِ الْمَعَاصِي فِي نَارِ الْآخِرَةِ بِتَسَاقُطِ الْفِرَاشِ فِي نَارِ الدُّنْيَا .

     قَوْلُهُ  تَقَحَّمُونَ فِيهَا فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَيَغْلِبُونِّي النُّونُ مُثَقَّلَةٌ لِأَنَّ أَصْلَهُ فَيَغْلِبُونَنِي وَالْفَاءُ سَبَبِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ لِأُخَلِّصَكُمْ مِنَ النَّارِ فَجَعَلْتُمُ الْغَلَبَةَ مُسَبَّبَةً عَنِ الْأَخْذِ .

     قَوْلُهُ  تَقَحَّمُونَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْقَافِ وَالْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَالْأَصْلُ تَتَقَحَّمُونَ فَحُذِفَتْ إِحْدَى التَّاءَيْنِ قَالَ الطِّيبِيُّ تَحْقِيقُ التَّشْبِيهِ الْوَاقِعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَى قَوْلِهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَذَلِكَ أَنَّ حُدُودَ اللَّهِ مَحَارِمُهُ وَنَوَاهِيهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ وَرَأْسُ الْمَحَارِمِ حُبُّ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَاسْتِيفَاءُ لَذَّتِهَا وَشَهَوَاتِهَا فَشَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِظْهَارَ تِلْكَ الْحُدُودِ بِبَيَانَاتِهِ الشَّافِيَةِ الْكَافِيَةِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِاسْتِنْقَاذِ الرِّجَالِ مِنَ النَّارِ وَشَبَّهَ فُشُوَّ ذَلِكَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا بِإِضَاءَةِ تِلْكَ النَّارِ مَا حَوْلَ الْمُسْتَوْقَدِ وَشَبَّهَ النَّاسَ وَعَدَمَ مُبَالَاتِهِمْ بِذَلِكَ الْبَيَانِ وَالْكَشْفِ وَتَعَدِّيَهُمْ حُدُودَ اللَّهِ وَحِرْصَهُمْ عَلَى اسْتِيفَاءِ تِلْكَ اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ وَمَنْعَهُ إِيَّاهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِأَخْذِ حُجَزِهِمْ بِالْفَرَاشِ الَّتِي تَقْتَحِمْنَ فِي النَّارِ وَتَغْلِبْنَ الْمُسْتَوْقِدَ عَلَى دَفْعِهِنَّ عَنْ الِاقْتِحَامِ كَمَا أَنَّ الْمُسْتَوْقِدَ كَانَ غَرَضُهُ مِنْ فِعْلِهِ انْتِفَاعَ الْخَلْقِ بِهِ مِنَ الِاسْتِضَاءَةِ وَالِاسْتِدْفَاءِ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَالْفَرَاشُ لِجَهْلِهَا جَعَلَتْهُ سَبَبًا لِهَلَاكِهَا فَكَذَلِكَ كَانَ الْقَصْدُ بِتِلْكَ الْبَيَانَاتِ اهْتِدَاءَ الْأُمَّةِ وَاجْتِنَابَهَا مَا هُوَ سَبَبُ هَلَاكِهِمْ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ لِجَهْلِهِمْ جَعَلُوهَا مُقْتَضِيَةً لِتَرَدِّيهِمْ وَفِي قَوْلِهِ آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ اسْتِعَارَةٌ مِثْلُ حَالَةِ مَنْعِهِ الْأُمَّةِ عَنِ الْهَلَاكِ بِحَالَةِ رَجُلٍ أَخَذَ بِحُجْزَةِ صَاحِبِهِ الَّذِي يَكَادُ يَهْوِي فِي مَهْوَاةِ مهلكة الحَدِيث الثَّالِث





[ قــ :6146 ... غــ :6484] قَوْله زَكَرِيَّا هُوَ بن أَبِي زَائِدَةَ وَعَامِرٌ هُوَ الشَّعْبِيُّ .

     قَوْلُهُ  الْمُسْلِمُ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِيمَانِ .

     قَوْلُهُ  وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ قِيلَ خُصَّ الْمُهَاجِرُ بِالذِّكْرِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لِفَوَاتِ ذَلِكَ بِفَتْحِ مَكَّةَ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ كَانَ هُوَ الْمُهَاجِرَ الْكَامِلَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لِلْمُهَاجِرِينَ أَنْ لَا يَتَّكِلُوا عَلَى الْهِجْرَةِ فَيُقَصِّرُوا فِي الْعَمَلِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُوتِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ