فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب سكرات الموت

( قَولُهُ بَابُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ)
بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْكَافِ جَمْعُ سَكْرَةٍ قَالَ الرَّاغِبُ وَغَيْرُهُ السُّكْرُ حَالَةٌ تَعْرِضُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَعَقْلِهِ وَأَكْثَرُ مَا تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرَابِ الْمُسْكِرِ وَيُطْلَقُ فِي الْغَضَبِ وَالْعِشْقِ والالم وَالنُّعَاس والغشي الناشيء عَنِ الْأَلَمِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَذَكَرَ فِيهِ سِتَّةَ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ



[ قــ :6172 ... غــ :6510] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عُمَرَ بْنِ سعيد أَي بن أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكِّيِّ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ قَوْله شكّ عمر هُوَ بن سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ رَاوِيهِ وَتَقَدَّمَ فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ بِلَفْظِ يَشُكُّ عُمَرُ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيّ شكّ بن أَبِي حُسَيْنٍ .

     قَوْلُهُ  فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَهُ عِنْدَ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَدَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَكَذَا تَقَدَّمَ لَهُمْ فِي الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ أَوَّلُهُ قِصَّةُ السِّوَاكِ فَاخْتَصَرَهُ الْمُؤَلِّفُ هُنَا .

     قَوْلُهُ  فَيَمْسَحُ بِهَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِهِمَا بِالتَّثْنِيَةِ وَكَذَا لَهُمْ فِي الْوَفَاةِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَصْحَابِ السُّنَنِ سِوَى أَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ ثُمَّ يَقُول اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى سَكَرَات الْمَوْت وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْحَدِيثِ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّهُ لَبَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي فَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لِأَحَدٍ أَبَدًا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهَا بِلَفْظِ مَا أَغْبِطُ أَحَدًا بِهَوْنِ مَوْتٍ بَعْدَ الَّذِي رَأَيْتُ مِنْ شِدَّةِ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْبُخَارِيُّ .

     قَوْلُهُ  الْعُلْبَةُ مِنَ الْخَشَبِ وَالرَّكْوَةُ مِنَ الْأَدَمِ ثَبَتَ هَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي تَفْسِيرِهِمَا وَوَقَعَ فِي الْمُحْكَمِ الرَّكْوَةُ شِبْهُ تَوْرٍ مِنْ أَدَمٍ قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ دَلْوٌ صَغِيرٌ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ كَالْقَصْعَةِ تُتَّخَذُ مِنْ جِلْدٍ وَلَهَا طَوْقٌ خَشَبٌ.
وَأَمَّا الْعُلْبَةُ فَقَالَ الْعَسْكَرِيُّ هِيَ قَدَحُ الاعراب تتَّخذ من جلد.

     وَقَالَ  بن فَارِسٍ قَدَحٌ ضَخْمٌ مِنْ خَشَبٍ وَقَدْ يُتَّخَذُ مِنْ جِلْدٍ وَقِيلَ أَسْفَلُهُ جِلْدٌ وَأَعْلَاهُ خَشَبٌ مُدَوَّرٌ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ شِدَّةَ الْمَوْتِ لَا تَدُلُّ عَلَى نَقْصٍ فِي الْمَرْتَبَةِ بَلْ هِيَ لِلْمُؤْمِنِ إِمَّا زِيَادَةٌ فِي حَسَنَاتِهِ وَإِمَّا تَكْفِيرٌ لسيأته وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ أَحَادِيثِ الْبَابِ لِلتَّرْجَمَةِ الحَدِيث الثَّانِي





[ قــ :6173 ... غــ :6511] قَوْله صَدَقَة هُوَ بن الْفضل الْمروزِي وَعَبدَة هُوَ بن سُلَيْمَان وَهِشَام هُوَ بن عُرْوَةَ .

     قَوْلُهُ  كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأَعْرَابِ لَمْ أَقِفْ عَلَى أَسْمَائِهِمْ .

     قَوْلُهُ  جُفَاة فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ بِالْجِيمِ وَفِي رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ بِالْمُهْمَلَةِ وَإِنَّمَا وَصَفَهُمْ بِذَلِكَ أَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْجِيمِ فَلِأَنَّ سُكَّانَ الْبَوَادِي يَغْلِبُ عَلَيْهِمُ الشَّظَفُ وَخُشُونَةُ الْعَيْشِ فَتَجْفُو أَخْلَاقُهُمْ غَالِبًا.
وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْحَاءِ فَلِقِلَّةِ اعْتِنَائِهِمْ بِالْمَلَابِسِ .

     قَوْلُهُ  مَتَى السَّاعَةُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ كَانَ الْأَعْرَابُ إِذَا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ مَتَى السَّاعَةُ وَكَانَ ذَلِكَ لَمَّا طَرَقَ أَسْمَاعَهُمْ مِنْ تَكْرَارِ اقْتِرَابِهَا فِي الْقُرْآنِ فَأَرَادُوا أَنْ يَعْرِفُوا تَعْيِينَ وَقْتِهَا .

     قَوْلُهُ  فَيَنْظُرُ إِلَى أَصْغَرِهِمْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَنَظَرَ إِلَى أَحْدَثِ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ فَقَالَ وَرِوَايَةُ عَبْدَةَ ظَاهِرُهَا تَكْرِيرُ ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ سِيَاقَ مُسْلِمٍ حَدِيثُ أَنَسٍ عِنْدَهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا بِعَيْنِهِ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُفَسَّرَ بِذِي الْخُوَيْصِرَةِ الْيَمَانِيِّ الَّذِي بَالَ فِي الْمَسْجِدِ وَسَأَلَ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ.

     وَقَالَ  اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَكِنَّ جَوَابَهُ عَنِ السُّؤَالِ عَنِ السَّاعَةِ مُغَايِرٌ لِجَوَابِ هَذَا .

     قَوْلُهُ  إِنْ يَعِشْ هَذَا لَا يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعِنْدَهُ غُلَامٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَعَنْدَهُ غُلَامٌ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ النُّونِ وَمَدٍّ وَبَعْدَ الْوَاوِ هَمْزَةٌ ثُمَّ هَاءُ تَأْنِيثٍ وَفِي أُخْرَى لَهُ غُلَامٌ لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِي وَلَا مُغَايَرَةَ بَيْنَهُمَا وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنَّهُ كَانَ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وَكَانَ حَلِيفًا لِلْأَنْصَارِ وَكَانَ يَخْدُمُ الْمُغِيرَةَ وَقَوْلُ أَنَسٍ وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِي وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ من اترابي يُرِيد فِي السِّنِّ وَكَانَ سِنُّ أَنَسٍ حِينَئِذٍ نَحْوَ سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَقُومَ عَلَيْكُمْ سَاعَتكُمْ قَالَ هِشَام هُوَ بن عُرْوَةَ رَاوِيهِ يَعْنِي مَوْتَهُمْ وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ قَالَ عِيَاضٌ حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا يُفَسِّرُ حَدِيثَ أَنَسٍ وَأَنَّ الْمُرَادَ سَاعَةُ الْمُخَاطَبِينَ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ أَرَأَيْتُكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهَا الْآنَ أَحَدٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَأَنَّ الْمُرَادَ انْقِرَاضُ ذَلِكَ الْقَرْنِ وَأَنَّ مَنْ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَضَتْ مِائَةُ سَنَةٍ مِنْ وَقْتِ تِلْكَ الْمَقَالَةِ لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ وَوَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ آخِرَ مَنْ بَقِيَ مِمَّنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ كَمَا جَزَمَ بِهِ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَذَلِكَ عِنْدَ رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ وَقْتِ تِلْكَ الْمَقَالَةِ وَقِيلَ كَانَتْ وَفَاتُهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَأَخَّرَ بَعْدَهُ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَانَ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ احْتَجَّ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى كَذِبِ مَنِ ادَّعَى الصُّحْبَةَ أَوِ الرُّؤْيَةَ مِمَّنْ تَأَخَّرَ عَنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ.

     وَقَالَ  الرَّاغِبُ السَّاعَةُ جُزْءٌ مِنَ الزَّمَانِ وَيُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْقِيَامَةِ تَشْبِيهًا بِذَلِكَ لِسُرْعَةِ الْحِسَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ أَوْ لَمَّا نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً من نَهَار وَأُطْلِقَتِ السَّاعَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ السَّاعَةِ الْكُبْرَى وَهِيَ بَعْثُ النَّاسِ لِلْمُحَاسَبَةِ وَالْوُسْطَى وَهِيَ مَوْتُ أَهْلِ الْقَرْنِ الْوَاحِدِ نَحْوُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ فَقَالَ إِنْ يَطُلْ عُمُرُ هَذَا الْغُلَامِ لَمْ يَمُتْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَقِيلَ أَنَّهُ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالصُّغْرَى مَوْتُ الْإِنْسَانِ فَسَاعَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ مَوْتُهُ وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ تَخَوَّفْتُ السَّاعَةَ يَعْنِي مَوْتَهُ انْتَهَى وَمَا ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَلَا هُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ جَزْمًا قَالَ الدَّاوُدِيُّ هَذَا الْجَوَابُ مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُمْ لَا أَدْرِي ابْتِدَاءً مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْجَفَاءِ وَقَبْلَ تَمَكُّنِ الْإِيمَانِ فِي قُلُوبِهِمْ لَارْتَابُوا فَعَدَلَ إِلَى إِعْلَامِهِمْ بِالْوَقْتِ الَّذِي يَنْقَرِضُونَ هُمْ فِيهِ وَلَوْ كَانَ تَمَكَّنَ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ لَأَفْصَحَ لَهُمْ بِالْمُرَادِ.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَكَلَّمُ بِأَشْيَاءَ عَلَى سَبِيلِ الْقِيَاسِ وَهُوَ دَلِيلٌ مَعْمُولٌ بِهِ فَكَأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِ الْآيَاتُ فِي تَقْرِيبِ السَّاعَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَتَى أَمْرُ الله فَلَا تستعجلوه وَقَولُهُ تَعَالَى وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَى مُضِيِّ قَرْنٍ وَاحِدٍ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ فِي الدَّجَّالِ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ فَجَوَّزَ خُرُوجَ الدَّجَّالِ فِي حَيَاتِهِ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ.

قُلْتُ وَالِاحْتِمَالُ الَّذِي أَبَدَاهُ بَعِيدٌ جِدًّا وَالَّذِي قَبْلَهُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْخَبَرِ عَنِ السَّاعَةِ وَعَنِ الدَّجَّالِ تَعْيِينُ الْمُدَّةِ فِي السَّاعَةِ دُونَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى حَدَّثَ بِهَا خَوَاصَّ أَصْحَابِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أُمُورًا عِظَامًا كَمَا سَيَأْتِي بَعْضُهَا صَرِيحًا وَإِشَارَةً وَمَضَى بَعْضُهَا فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ.

     وَقَالَ  الْكَرْمَانِيُّ هَذَا الْجَوَابُ مِنَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ أَيْ دَعُوا السُّؤَالَ عَنْ وَقْتِ الْقِيَامَةِ الْكُبْرَى فَإِنَّهَا لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ وَاسْأَلُوا عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ انْقِرَاضُ عَصْرِكُمْ فَهُوَ أَوْلَى لَكُمْ لِأَنَّ مَعْرِفَتَكُمْ بِهِ تَبْعَثُكُمْ عَلَى مُلَازَمَةِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ فَوْتِهِ لِأَنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَنِ الَّذِي يَسْبِقُ الْآخَرَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ





[ قــ :6174 ... غــ :651] .

     قَوْلُهُ  حَدثنَا إِسْمَاعِيل هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ وَحَلْحَلَةُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ وَلَامَيْنِ الْأُولَى سَاكِنَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَفْتُوحَةٌ وَقَدْ صَرَّحَ بِسَمَاعِهِ مِنِ بن كَعْبٍ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ مَدَنِيُّونَ وَلم تخْتَلف الرُّوَاةُ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْمَارِّ وَلَا الْمَمْرُورِ بِجِنَازَتِهِ .

     قَوْلُهُ  عَلَيْهِ أَيْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّآتِ لِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ مَرَّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِنَازَةٌ وَالْبَاءُ عَلَى هَذَا بِمَعْنَى عَلَى وَذِكْرُ الْجِنَازَةِ بِاعْتِبَارِ الْمَيِّتِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ مُسْتَرِيحٌ كَذَا هُنَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ فَقَالَ بِزِيَادَةِ الْفَاءِ فِي أَوَّلِهِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْمُحَارِبِيِّ الْمَذْكُورَةِ وَكَذَا لِلنَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ مَالِكٍ.

     وَقَالَ  فِي رِوَايَتِهِ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ طَلَعَتْ جِنَازَةٌ .

     قَوْلُهُ  مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ الْوَاوُ فِيهِ بِمَعْنَى أَوْ وَهِيَ لِلتَّقْسِيمِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِمُقْتَضَاهُ فِي جَوَابِ سُؤَالِهِمْ .

     قَوْلُهُ  قَالُوا أَيِ الصَّحَابَةُ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ السَّائِلِ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ قُلْنَا فَيَدْخُلُ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ السَّائِلَ .

     قَوْلُهُ  مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَمَا الْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ بِإِعَادَةِ مَا .

     قَوْلُهُ  مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةِ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ مِنْ أَوْصَابِ الدُّنْيَا وَالْأَوْصَابُ جَمْعُ وَصَبٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ دَوَامُ الْوَجَعِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى فُتُورِ الْبَدَنِ وَالنَّصَبُ بِوَزْنِهِ لَكِنْ أَوَّلُهُ نُونٌ هُوَ التَّعَبُ وَزْنَهُ وَمَعْنَاهُ وَالْأَذَى من عطف الْعَام على الْخَاص قَالَ بن التِّين يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمُؤْمِنِ التَّقِيَّ خَاصَّةً وَيَحْتَمِلُ كُلَّ مُؤْمِنٍ وَالْفَاجِرُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْكَافِرَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الْعَاصِي.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ أَمَّا اسْتِرَاحَةُ الْعِبَادِ فَلِمَا يَأْتِي بِهِ مِنَ الْمُنْكَرِ فَإِنْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ آذَاهُمْ وَإِنْ تَرَكُوهُ أَثِمُوا وَاسْتِرَاحَةُ الْبِلَادِ مِمَّا يَأْتِي بِهِ مِنَ الْمَعَاصِي فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ الْجَدْبُ فَيَقْتَضِي هَلَاكَ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ وَتَعَقَّبَ الْبَاجِيُّ أَوَّلَ كَلَامِهِ بِأَنَّ مَنْ نَالَهُ أَذَاهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ يُنْكِرَ بِقَلْبِهِ أَوْ يُنْكِرَ بِوَجْهٍ لَا يَنَالُهُ بِهِ أَذًى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِرَاحَةِ الْعِبَادِ مِنْهُ لِمَا يَقَعُ لَهُمْ مِنْ ظُلْمِهِ وَرَاحَةُ الْأَرْضِ مِنْهُ لِمَا يَقَعُ عَلَيْهَا مِنْ غَصْبِهَا وَمَنْعِهَا مِنْ حَقِّهَا وَصَرْفِهِ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ وَرَاحَةِ الدَّوَابِّ مِمَّا لَا يَجُوزُ مِنْ إِتْعَابِهَا وَاللَّهُ اعْلَم قَوْله فِي الطَّرِيق الثَّانِيَة





[ قــ :6175 ... غــ :6513] يحيى هوالقطان وَعَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدٍ كَذَا وَقَعَ هُنَا لِأَبِي ذَرٍّ عَنْ شُيُوخِهِ الثَّلَاثَةِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ جَدَّهُ وَكَذَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيِّ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سعيد وَكَذَا أخرجه بن السَّكَنِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ عَنْ مُسَدَّدٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ مِثْلَهُ سَوَاءً قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ هَذَا هُوَ الصَّوَاب وَكَذَا رَوَاهُ بن السَّكَنِ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عبد الله بن سعيد هُوَ بن أَبِي هِنْدٍ وَالْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ لَهُ لَا لِعَبْدِ رَبِّهِ.

قُلْتُ وَجَزَمَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ بِهَذَا السَّنَدِ وَعَطَفَ عَلَيْهِ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ وَلَكِنَّ التَّصْرِيحَ بِابْنِ أَبِي هِنْدٍ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ .

     قَوْلُهُ  مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ كَذَا أَوْرَدَهُ بِدُونِ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ مُقْتَصِرًا عَلَى بَعْضِهِ وَأَوْرَدَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ بُنْدَارٍ وَأَبِي مُوسَى عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ تَامًّا وَلَفْظُهُ مُرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِنَازَةٍ فَذَكَرَ مِثْلَ سِيَاقِ مَالِكٍ لَكِنْ قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مُسْتَرِيحٌ إِلَخْ تَنْبِيهٌ مُنَاسَبَةُ دُخُولِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي التَّرْجَمَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَعْدُو أَحَدَ الْقِسْمَيْنِ إِمَّا مُسْتَرِيحٌ وَإِمَّا مُسْتَرَاحٌ مِنْهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَجُوزُ أَنْ يُشَدَّدَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَأَنْ يُخَفَّفَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ وَلَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِتَقْوَاهُ وَلَا بِفُجُورِهِ بَلْ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى ازْدَادَ ثَوَابًا وَإِلَّا فَيُكَفَّرُ عَنْهُ بِقَدْرِ ذَلِكَ ثُمَّ يَسْتَرِيحُ مِنْ أَذَى الدُّنْيَا الَّذِي هَذَا خَاتِمَتُهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ عَائِشَةَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَا أُحِبُّ أَنْ يُهَوَّنَ عَلَيَّ سَكَرَاتُ الْمَوْتِ إِنَّهُ لَآخِرُ مَا يُكَفَّرُ بِهِ عَنِ الْمُؤْمِنِ وَمَعَ ذَلِكَ فَالَّذِي يَحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ مِنَ الْبُشْرَى وَمَسَرَّةِ الْمَلَائِكَةِ بِلِقَائِهِ وَرِفْقِهِمْ بِهِ وَفَرَحِهِ بِلِقَاءِ رَبِّهِ يُهَوِّنُ عَلَيْهِ كُلَّ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ أَلَمِ الْمَوْتِ حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ لَا يُحِسُّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الرَّابِع





[ قــ :6176 ... غــ :6514] قَوْله سُفْيَان هُوَ بن عُيَيْنَةَ وَلَيْسَ لِشَيْخِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ .

     قَوْلُهُ  يَتْبَعُ الْمَيِّتَ كَذَا لِلسَّرَخْسِيِّ وَالْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي الْمَرْءَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ الْمُؤْمِنَ وَالْأَوَّلُ الْمُعْتَمَدُ فَهُوَ الْمَحْفُوظ من حَدِيث بن عُيَيْنَةَ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ .

     قَوْلُهُ  يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ هَذَا يَقَعُ فِي الْأَغْلَبِ وَرُبَّ مَيِّتٍ لَا يَتْبَعُهُ إِلَّا عَمَلُهُ فَقَطْ وَالْمُرَادُ مَنْ يَتْبَعُ جِنَازَتَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَرُفْقَتِهِ وَدَوَابِّهِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ وَإِذَا انْقَضَى أَمْرُ الْحُزْنِ عَلَيْهِ رَجَعُوا سَوَاءٌ أَقَامُوا بَعْدَ الدَّفْنِ أَمْ لَا وَمَعْنَى بَقَاءِ علمه أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُ الْقَبْرَ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْقَبْرِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فَفِيهِ وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ حَسَنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ.

     وَقَالَ  فِي حَقِّ الْكَافِرِ وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ بِالَّذِي يَسُوءُكَ وَفِيهِ عَمَلُكَ الْخَبِيثُ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ التَّبَعِيَّةُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ بَعْضُهَا حَقِيقَةٌ وَبَعْضُهَا مَجَازٌ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ.

قُلْتُ هُوَ فِي الْأَصْلِ حَقِيقَةٌ فِي الْحِسِّ وَيَطْرُقُهُ الْمَجَازُ فِي الْبَعْضِ وَكَذَا الْمَالُ.
وَأَمَّا الْعَمَلُ فَعَلَى الْحَقِيقَةِ فِي الْجَمِيعِ وَهُوَ مَجَازٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّبَعِيَّةِ فِي الْحِسِّ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ





[ قــ :6177 ... غــ :6515] .

     قَوْلُهُ  أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَالسَّنَدُ إِلَى نَافِعٍ بَصْرِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ عَلَى مَقْعَدِهِ وَهَذَا الْعَرْضُ يَقَعُ عَلَى الرُّوحِ حَقِيقَةً وَعَلَى مَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنَ الْبَدَنِ الِاتِّصَالَ الَّذِي يُمْكِنُ بِهِ إِدْرَاكُ التَّنْعِيمِ أَوِ التَّعْذِيبِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ وَأَبْدَى الْقُرْطُبِيُّ فِي ذَلِكَ احْتِمَالَيْنِ هَلْ هُوَ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ أَوْ عَلَيْهَا وَعَلَى جُزْءٍ مِنَ الْبدن وَحكى بن بَطَّالٍ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ بَلَدِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَرْضِ هُنَا الْإِخْبَارُ بِأَنَّ هَذَا مَوْضِعَ جَزَائِكُمْ عَلَى أَعْمَالِكُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَأُرِيدَ بِالتَّكْرِيرِ تَذْكَارُهُمْ بِذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْأَجْسَادَ تَفْنَى وَالْعَرْضُ لَا يَقَعُ عَلَى شَيْءٍ فَإِنْ قَالَ فَبَانَ أَنَّ الْعَرْضَ الَّذِي يَدُومُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّمَا هُوَ عَلَى الْأَرْوَاحِ خَاصَّةً وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ حَمْلَ الْعَرْضِ عَلَى الْإِخْبَارِ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ بِغَيْرِ مُقْتَضٍ لِذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إِلَّا بِصَارِفٍ يَصْرِفُهُ عَنِ الظَّاهِرِ.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ الْحَمْلَ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ الْخَبَرَ وَرَدَ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَلَوِ اخْتُصَّ بِالرُّوحِ لَمْ يَكُنْ لِلشَّهِيدِ فِي ذَلِكَ كَبِيرُ فَائِدَةٍ لِأَنَّ رُوحَهُ مُنَعَّمَةٌ جَزْمًا كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَكَذَا رُوحُ الْكَافِرِ مُعَذَّبَةٌ فِي النَّارِ جَزْمًا فَإِذَا حُمِلَ عَلَى الرُّوحِ الَّتِي لَهَا اتِّصَالٌ بِالْبَدَنِ ظَهَرَتْ فَائِدَةُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الشَّهِيدِ وَفِي حَقِّ الْكَافِرِ أَيْضًا .

     قَوْلُهُ  غُدْوَةً وَعَشِيَّةً أَيْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَهْلِ الدُّنْيَا .

     قَوْلُهُ  إِمَّا النَّارُ وَإِمَّا الْجَنَّةُ تَقَدَّمَ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ بِلَفْظِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ بَحْثُ الْقُرْطُبِيِّ فِي الْمُفْهِمِ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْعَرْضَ لِلْمُؤْمِنِ الْمُتَّقِي وَالْكَافِرِ ظَاهِرٌ.
وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الْمُخَلِّطُ فَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ الَّتِي سَيَصِيرُ إِلَيْهَا.

قُلْتُ وَالِانْفِصَالُ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ يَظْهَرُ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي أخرجه بن أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ السُّؤَالِ فِي الْقَبْرِ وَفِيهِ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُكَ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ فَيُقَالُ لَهُ هَذَا مَقْعَدُكَ وَمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكَ فِيهَا لَوْ عَصَيْتَهُ فَيَزْدَادُ غِبْطَةً وَسُرُورًا الْحَدِيثَ وَفِيهِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ ثُمَّ يُفْتَحُ لَهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ النَّارِ وَفِيهِ فَيَزْدَادُ حَسْرَةً وَثُبُورًا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفِيهِ لَو اطعته واخرج الطَّبَرَانِيّ عَن بن مَسْعُودٍ مَا مِنْ نَفْسٍ إِلَّا وَتَنْظُرُ فِي بَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ وَبَيْتٍ فِي النَّارِ فَيَرَى أَهْلُ النَّارِ الْبَيْتَ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَوْ عَمِلْتُمْ وَيَرَى أَهْلُ الْجَنَّةِ الْبَيْتَ الَّذِي فِي النَّارِ فَيُقَالُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَلِأَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ رُؤْيَةَ ذَلِكَ لِلنَّجَاةِ أَوِ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ فِي الْمُذْنِبِ الَّذِي قُدِّرَ عَلَيْهِ أَنْ يُعَذَّبَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ أَنْ يُقَالَ لَهُ مَثَلًا بَعْدَ عَرْضِ مَقْعَدِهِ مِنَ الْجَنَّةِ هَذَا مَقْعَدُكَ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ لَوْ لَمْ تُذْنِبْ وَهَذَا مَقْعَدُكَ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ لِعِصْيَانِكَ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ مِنْ كُلِّ بَلِيَّةٍ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَوْتِ إِنَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .

     قَوْلُهُ  فَيُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى تُبْعَثَ إِلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَلَيْهِ وَفِي طَرِيقِ مَالِكٍ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ بَيَّنْتُ الْإِشَارَةَ إِلَيْهِ بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ الْحَدِيثُ السَّادِسُ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوفى فِي أَوَاخِر كتاب الْجَنَائِز