فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب نفخ الصور

( قَولُهُ بَابُ نَفْخِ الصُّورِ تَكَرَّرَ)
ذِكْرُهُ فِي الْقُرْآنِ فِي الْأَنْعَامِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالنَّمْلِ وَالزُّمَرِ وَق وَغَيْرِهَا وَهُوَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَثَبَتَ كَذَلِكَ فِي الْقِرَاءَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَالْأَحَادِيثِ وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَرَأَهَا بِفَتْحِ الْوَاوِ جَمْعُ صُورَةٍ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ النَّفْخُ فِي الْأَجْسَادِ لِتُعَادَ إِلَيْهَا الْأَرْوَاحُ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ فِي الْمَجَازِ يُقَالُ الصُّورُ يَعْنِي بِسُكُونِ الْوَاوِ جَمْعُ صُورَةٍ كَمَا يُقَالُ سُورُ الْمَدِينَةِ جَمْعُ سُورَة قَالَ الشَّاعِر لما اتى خبر الزبير تَوَاضَعَتْ سُوَرُ الْمَدِينَةِ فَيَسْتَوِي مَعْنَى الْقِرَاءَتَيْنِ وَحَكَى مِثْلَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَوْمٍ وَزَادَ كَالصُّوفِ جَمْعِ صُوفَةٍ قَالُوا وَالْمُرَادُ النَّفْخُ فِي الصُّورِ وَهِيَ الأجساد لتعاد فها الْأَرْوَاحُ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ روحي وَتُعُقِّبَ .

     قَوْلُهُ  جَمْعٌ بِأَنَّ هَذِهِ أَسْمَاءُ أَجْنَاسٍ لَا جُمُوعٌ وَبَالَغَ النَّحَّاسُ وَغَيْرُهُ فِي الرَّدِّ عَلَى التَّأْوِيلِ.

     وَقَالَ  الْأَزْهَرِيُّ إِنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.

قُلْتُ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ مِنْ طَرِيقِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ خَلَقَ اللَّهُ الصُّورَ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ بَيْضَاءَ فِي صَفَاءِ الزُّجَاجَةِ ثُمَّ قَالَ لِلْعَرْشِ خُذِ الصُّورَ فَتَعَلَّقْ بِهِ ثُمَّ قَالَ كُنْ فَكَانَ إِسْرَافِيلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ الصُّورَ فَأَخَذَهُ وَبِهِ ثُقْبٌ بِعَدَدِ كل روح مخلوقة وَنَفس منفوسة فذكرالحديث وَفِيهِ ثُمَّ تُجْمَعُ الْأَرْوَاحُ كُلُّهَا فِي الصُّورِ ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ إِسْرَافِيلَ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَتَدْخُلُ كُلُّ رُوحٍ فِي جَسَدِهَا فَعَلَى هَذَا فَالنَّفْخُ يَقَعُ فِي الصُّورِ أَوَّلًا لِيَصِلَ النَّفْخُ بِالرُّوحِ إِلَى الصُّورِ وَهِيَ الْأَجْسَادُ فَإِضَافَةُ النَّفْخِ إِلَى الصُّورِ الَّذِي هُوَ الْقَرْنُ حَقِيقَةً وَإِلَى الصُّورِ الَّتِي هِيَ الْأَجْسَادُ مَجَازٌ .

     قَوْلُهُ  قَالَ مُجَاهِدٌ الصُّورُ كَهَيْئَةِ الْبُوقِ وَصَلَهُ الْفرْيَابِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَنفخ فِي الصُّور قَالَ كَهَيْئَةِ الْبُوقِ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الصِّحَاحِ الْبُوقُ الَّذِي يُزْمَرُ بِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَيُقَالُ لِلْبَاطِلِ يَعْنِي يُطْلَقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَجَازًا لِكَوْنِهِ مِنْ جِنْسِ الْبَاطِلِ تَنْبِيهٌ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ مَذْمُومًا أَنْ لَا يُشَبَّهَ بِهِ الْمَمْدُوحُ فَقَدْ وَقَعَ تَشْبِيهُ صَوْتِ الْوَحْيِ بِصَلْصَلَةِ الْجَرْسِ مَعَ النَّهْيِ عَنِ اسْتِصْحَابِ الْجَرْسِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ وَالصُّورُ إِنَّمَا هُوَ قَرْنٌ كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي قِصَّةِ بَدْءِ الْأَذَانِ بِلَفْظِ الْبُوقِ وَالْقَرْنِ فِي الْآلَةِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا الْيَهُودُ لِلْأَذَانِ وَيُقَالُ إِنَّ الصُّورَ اسْمُ الْقَرْنِ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَشَاهِدُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ نَحْنُ نَفَخْنَاهُمْ غَدَاةَ النَّقْعَيْنِ نَطْحًا شَدِيدًا لَا كَنَطْحِ الصُّورَيْنِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا الصُّورُ قَالَ قَرْنٌ يُنْفَخُ فِيهِ وَالتِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ الصُّورِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ وَاسْتَمَعَ الْإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيث زيد بن أَرقم وبن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلِأَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَفِيهِ جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ صَاحِبُ الصُّورِ يَعْنِي إِسْرَافِيلَ وَفِي أَسَانِيدِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَالٌ وَلِلْحَاكِمِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِنَّ طَرَفَ صَاحِبِ الصُّورِ مُنْذُ وُكِّلَ بِهِ مُسْتَعِدٌّ يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرَفُهُ كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ .

     قَوْلُهُ  زَجْرَةٌ صَيْحَةٌ هُوَ مِنْ تَفْسِيرِ مُجَاهِدٍ أَيْضًا وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ مِنْ طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ قَالَ صَيْحَةٌ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَة وَاحِدَة فَإِذا هم بالساهرة قَالَ صَيْحَةٌ.

قُلْتُ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ نَفْخِ الصُّورِ النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ كَمَا عَبَّرَ بِهَا عَنِ النَّفْخَةِ الْأُولَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَا يَنْظُرُونَ الا صَيْحَة وَاحِدَة تأخذهم الْآيَة قَوْله قَالَ بن عَبَّاس الناقور الصُّور وَصله الطَّبَرِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور قَالَ الصُّورُ وَمَعْنَى نُقِرَ نُفِخَ قَالَهُ فِي الْأَسَاسِ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ أَنْعَمُ وَقَدِ الْتَقَمَ صَاحِبُ الْقَرْنِ الْقَرْنَ الْحَدِيثَ تَنْبِيهٌ اشْتُهِرَ أَنَّ صَاحِبَ الصُّورِ إِسْرَافِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَنَقَلَ فِيهِ الْحَلِيمِيُّ الْإِجْمَاعَ وَوَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي حَدِيثِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ الْمَذْكُورِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيّ وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عِنْد بن مَرْدَوَيْهِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالطَّبَرِيُّ وَأَبُو يَعْلَى فِي الْكَبِيرِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الطِّوَالَاتِ وَعَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ فِي كِتَابِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَدَارُهُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ وَاضْطَرَبَ فِي سَنَدِهِ مَعَ ضَعْفِهِ فَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ تَارَةً بِلَا وَاسِطَةٍ وَتَارَةً بِوَاسِطَةِ رَجُلٍ مُبْهَمٍ وَمُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تَارَةً بِلَا وَاسِطَةٍ وَتَارَةً بِوَاسِطَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مُبْهَمٍ أَيْضًا وَأَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الشَّامِيُّ أَحَدُ الضُّعَفَاءِ أَيْضًا فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَاعْتَرَضَ مُغْلَطَايْ عَلَى عَبْدِ الْحَقِّ فِي تَضْعِيفِهِ الْحَدِيثَ بِإِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ وَخَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ الشَّامِيَّ أَضْعَفُ مِنْهُ وَلَعَلَّهُ سَرَقَهُ مِنْهُ فَأَلْصَقَهُ بِابْنِ عَجْلَانَ وَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِنَّهُ مَتْرُوكٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ.

     وَقَالَ  الْخَلِيلِيُّ شَيْخٌ ضَعِيفٌ شَحَنَ تَفْسِيرَهُ بِمَا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْحَافِظُ عماد الدّين بن كَثِيرٍ فِي حَدِيثِ الصُّورِ جَمَعَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ مِنْ عِدَّةِ آثَارٍ وَأَصْلُهُ عِنْدَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَسَاقَهُ كُلَّهُ مَسَاقًا وَاحِدًا وَقَدْ صَحَّحَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي سِرَاجِهِ وَتَبِعَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ وَقَوْلُ عَبْدِ الْحَقِّ فِي تَضْعِيفِهِ أَوْلَى وَضَعَّفَهُ قَبْلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَوَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ إِنَّ اللَّهَ خَلْقَ الصُّورَ فَأَعْطَاهُ إِسْرَافِيلَ فَهُوَ وَاضِعُهُ عَلَى فِيهِ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إِلَى الْعَرْشِ الْحَدِيثَ وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا جَاءَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ فِي ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ أَصْلُهُ وَجَاءَ أَنَّ الَّذِي يَنْفُخُ فِي الصُّورِ غَيْرُهُ فَفِي الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ كُنَّا عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ يَا كَعْبُ أَخْبِرْنِي عَنْ إِسْرَافِيلَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَمَلَكُ الصُّورِ جَاثٍ عَلَى إِحْدَى رُكْبَتَيْهِ وَقَدْ نَصَبَ الْأُخْرَى يَلْتَقِمُ الصُّورَ مَحْنِيًّا ظَهْرُهُ شَاخِصًا بِبَصَرِهِ إِلَى إِسْرَافِيلَ وَقَدْ أُمِرَ إِذَا رَأَى إِسْرَافِيلَ قَدْ ضَمَّ جَنَاحَيْهِ أَنْ يَنْفُخَ فِي الصُّورِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا عَلِيَّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ فَفِيهِ ضَعْفٌ فَإِنْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُمَا جَمِيعًا يَنْفُخَانِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ قَالَ مَا مِنْ صَبَاحٍ إِلَّا وَمَلَكَانِ مُوَكَّلَانِ بِالصُّورِ وَمَنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضَمْرَةَ مِثْلَهُ وَزَادَ يَنْتَظِرَانِ مَتَى يَنْفُخَانِ وَنَحْوُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّافِخَانِ فِي السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ رَأْسُ أَحَدِهِمَا بِالْمَشْرِقِ وَرِجْلَاهُ بِالْمَغْرِبِ أَوْ قَالَ بِالْعَكْسِ يَنْتَظِرَانِ مَتَى يُؤْمَرَانِ أَنْ يَنْفُخَا فِي الصُّورِ فَيَنْفُخَا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بِغَيْرِ شَكٍّ وَلِابْنِ مَاجَهْ وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ إِنَّ صَاحِبَيِ الصُّورِ بِأَيْدِيهِمَا قَرْنَانِ يُلَاحِظَانِ النَّظَرَ مَتَى يُؤْمَرَانِ وَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إِنَّهُ إِذَا رَأَى إِسْرَافِيلَ ضَمَّ جَنَاحَيْهِ نَفَخَ أَنَّهُ يَنْفُخُ النَّفْخَةَ الْأُولَى وَهِيَ نَفْخَةُ الصَّعْقِ ثُمَّ يَنْفُخُ إِسْرَافِيلُ النَّفْخَةَ الثَّانِيَةَ وَهِيَ نَفْخَةُ الْبَعْثِ .

     قَوْلُهُ  الرَّاجِفَةُ النَّفْخَةُ الْأُولَى وَالرَّادِفَةُ النفخة الثَّانِيَة هُوَ من تَفْسِير بن عَبَّاس أَيْضا وَصله الطَّبَرِيّ أَيْضا وبن أَبِي حَاتِمٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ وَالنَّازِعَاتِ وَبِهِ جَزَمَ الْفَرَّاءُ وَغَيْرُهُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الرَّاجِفَةُ الزَّلْزَلَةُ وَالرَّادِفَةُ الدَّكْدَكَةُ أَخْرَجَهُ الْفِرْيَابِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ وَنَحْوَهُ فِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ قَالَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ ثُمَّ تَرْتَجُّ الْأَرْضُ وَهِيَ الرَّاجِفَةُ فَتَكُونُ الْأَرْضُ كَالسَّفِينَةِ فِي الْبَحْرِ تَضْرِبُهَا الْأَمْوَاجُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الزَّلْزَلَةَ تَنْشَأُ عَنْ نَفْخَةِ الصَّعْقِ ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ النَّاسَ يُصْعَقُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي قِصَّةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَذَكَرْتُ فِيهِ مَا نقل عَن بن حَزْمٍ أَنَّ النَّفْخَ فِي الصُّورِ يَقَعُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَتُعُقِّبَ كَلَامُهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي كَلَام بن الْعَرَبِيِّ أَنَّهَا ثَلَاثٌ نَفْخَةُ الْفَزَعِ كَمَا فِي النَّمْلِ وَنَفْخَةُ الصَّعْقِ كَمَا فِي الزُّمَرِ وَنَفْخَةُ الْبَعْثِ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي الزُّمَرِ أَيْضًا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ فَقَطْ لِثُبُوتِ الِاسْتِثْنَاءِ بقوله تَعَالَى الا من شَاءَ الله فِي كُلٍّ مِنَ الْآيَتَيْنِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ مُغَايَرَةِ الصَّعْقِ لِلْفَزَعِ أَنْ لَا يَحْصُلَا مَعًا من النفخة الأولى ثمَّ وجدت مُسْتَند بن الْعَرَبِيِّ فِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ فَقَالَ فِيهِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ثَلَاثُ نَفَخَاتٍ نَفْخَةِ الْفَزَعُ وَنَفْخَةِ الصَّعْقِ وَنَفْخَةِ الْقِيَامِ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ هَكَذَا مُخْتَصَرًا وَقَدْ ذَكَرْتُ أَنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ وَمُضْطَرِبٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ وَلَفْظُهُ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَلَا يَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا كَأَنَّهُ الطَّلُّ فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ قوي عَن بن مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا ثُمَّ يَقُومُ مَلَكُ الصُّورِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَيَنْفُخُ فِيهِ وَالصُّورُ قَرْنٌ فَلَا يَبْقَى لِلَّهِ خَلْقٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَاتَ إِلَّا مَنْ شَاءَ رَبُّكَ ثُمَّ يَكُونُ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ وَفِي حَدِيثِ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ رَفَعَهُ إِنَّ أَفْضَلَ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ الصَّعْقَةُ وَفِيهِ النَّفْخَةُ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الزُّمَرِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ فَقَطْ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ وَفِيهِ شَرْحُ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَّا قِيلَ لَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً أَبَيْتَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَمَعْنَاهُ امْتَنَعْتَ مِنْ تَبْيِينِهِ لِأَنِّي لَا أَعْلَمُهُ فَلَا أَخُوضُ فِيهِ بِالرَّأْيِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ يَحْتَمِلُ .

     قَوْلُهُ  امْتَنَعْتُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُفَسِّرْهُ لِأَنَّهُ لَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إِلَى بَيَانِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُ امْتَنَعْتُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْ تَفْسِيرِهِ فَعَلَى الثَّانِي لَا يَكُونُ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْهُ قَالَ وَقَدْ جَاءَ أَنَّ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعِينَ عَامًا.

قُلْتُ وَقَعَ كَذَلِكَ فِي طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَفْسِيرِ بن مرْدَوَيْه وَأخرج بن الْمُبَارَكِ فِي الرَّقَائِقِ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعُونَ سَنَةً الْأُولَى يُمِيتُ اللَّهُ بِهَا كُلَّ حَيٍّ وَالْأُخْرَى يُحْيِي اللَّهُ بِهَا كُلَّ ميت وَنَحْوه عِنْد بن مرْدَوَيْه من حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَعِنْدَهُ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِالتَّعْيِينِ فَأَخْرَجَ عَنْهُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ لَمَّا قَالُوا أَرْبَعُونَ مَاذَا قَالَ هَكَذَا سَمِعْتُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَةَ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مُنْقَطِعًا ثُمَّ قَالَ قَالَ أَصْحَابُهُ مَا سَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا زَادَنَا عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ مِنْ رَأْيِهِمْ أَنَّهَا أَرْبَعُونَ سَنَةً وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى قَوْلِ الْحَلِيمِيِّ اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى أَنَّ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

قُلْتُ وَجَاءَ فِيمَا يُصْنَعُ بِالْمَوْتَى بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ أَنَّ جَمِيعَ الْأَحْيَاءِ إِذَا مَاتُوا بَعْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ سُبْحَانَهُ أَنَا الْجَبَّارُ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ فَلَا يُجِيبُهُ أَحَدٌ فَيَقُولُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ وَأَخْرَجَ النَّحَّاسُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ بَعْدَ الْحَشْرِ وَرَجَّحَهُ وَرَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ الْأَوَّلَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزَّعْرَاءِ كُنَّا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرَ الدَّجَّالَ إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ يَكُونُ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ فَلَيْسَ فِي بَنِي آدَمَ خَلْقٌ إِلَّا فِي الْأَرْضِ مِنْهُ شَيْءٌ قَالَ فَيُرْسِلُ اللَّهُ مَاءً مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ فَتَنْبُتُ جُسْمَانُهُمْ وَلَحْمَاتُهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ كَمَا تَنْبُتُ الْأَرْضُ مِنَ الرَّيِّ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ تَنْبِيهٌ إِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ النَّفْخَةَ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْقُبُورِ فَكَيْفَ تَسْمَعُهَا الْمَوْتَى وَالْجَوَابُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَفْخَةُ الْبَعْثِ تَطُولُ إِلَى أَنْ يَتَكَامَلَ إِحْيَاؤُهُمْ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَتَقَدَّمَ الْإِلْمَامُ فِي قِصَّةِ مُوسَى بِشَيْءٍ مِمَّا وَرَدَ فِي تَعْيِينِ مَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا من شَاءَ الله وَحَاصِلُ مَا جَاءَ فِي ذَلِكَ عَشَرَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُمُ الْمَوْتَى كُلُّهُمْ لِكَوْنِهِمْ لَا إِحْسَاسَ لَهُمْ فَلَا يُصْعَقُونَ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ وَفِيهِ مَا فِيهِ وَمُسْتَنَدُهُ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي تَعْيِينِهِمْ خَبَرٌ صَحِيحٌ.
وَتَعَقَّبَهُ صَاحبه الْقُرْطُبِيّ فِي التَّذْكِرَة فَقَالَ قَدْ صَحَّ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي الزُّهْدِ لِهَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَوْقُوفًا هُمُ الشُّهَدَاءُ وَسَنَدُهُ إِلَى سَعِيدٍ صَحِيحٌ وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الَّذِي بعده وَهَذَا هُوَ قَول الثَّانِي الثَّالِثُ الْأَنْبِيَاءُ وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ الْبَيْهَقِيُّ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ فِي تَجْوِيزِهِ أَنْ يَكُونَ مُوسَى من اسْتَثْنَى اللَّهُ قَالَ وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّهُمْ أَحْيَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ كَالشُّهَدَاءِ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ النَّفْخَةُ الْأُولَى صَعِقُوا ثُمَّ لَا يَكُونُ ذَلِكَ مَوْتًا فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ إِلَّا فِي ذَهَابِ الِاسْتِشْعَارِ وَقَدْ جَوَّزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ مُوسَى مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ فَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ لَا يَذْهَبُ اسْتِشْعَارُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ لَهُ فِي صَعْقَةِ الطُّورِ ثُمَّ ذَكَرَ أَثَرَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الشُّهَدَاءِ وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَأَلَ جِبْرِيلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ مَنِ الَّذِينَ لَمْ يَشَأِ اللَّهُ أَنْ يُصْعَقُوا قَالَ هُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَرَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ الرَّابِعُ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ فِي تَفْسِيرِهِ بَلَغَنِي أَنَّ آخِرَ مَنْ يَبْقَى جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ ثُمَّ يَمُوتُ الثَّلَاثَةُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ لِمَلَكِ الْمَوْتِ مُتْ فَيَمُوتُ.

قُلْتُ وَجَاءَ نَحْوُ هَذَا مُسْنَدًا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيّ وبن مَرْدَوَيْهِ بِلَفْظِ فَكَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ ثَلَاثَةٌ جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ الْحَدِيثَ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ أَنَسٍ ضَعِيفَةٌ أَيْضًا عِنْد الطَّبَرِيّ وبن مَرْدَوَيْهِ وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ وَوَصَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي زِيَاد الشَّامي فِي تَفْسِيره عَن بن عَبَّاسٍ مِثْلَ يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ وَنَحْوَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَزَادَ لَيْسَ فِيهِمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ لِأَنَّهُمْ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ الْخَامِسُ يُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِمَّا فِي الرَّابِعِ السَّادِسُ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورُونَ وَحَمَلَةُ الْعَرْشِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الطَّوِيلِ الْمَعْرُوفِ بِحَدِيثِ الصُّورِ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ وَأَنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ مُضْطَرِبٌ وَعَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ نَحْوَهُ.

     وَقَالَ  هُمُ اثْنَا عشر أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مَقْطُوعًا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَجَمَعَ فِي حَدِيثِ الصُّورِ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَبَيْنَ الْقَوْلِ إِنَّهُمُ الشُّهَدَاءُ فَفِيهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَنِ اسْتُثْنِيَ حِينَ الْفَزَعِ قَالَ الشُّهَدَاءُ ثُمَّ ذَكَرَ نَفْخَةَ الصَّعْقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ السَّابِعُ مُوسَى وَحْدَهُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ قَتَادَةَ وَذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ عَنْ جَابِرٍ الثَّامِنُ الْوِلْدَانُ الَّذِينَ فِي الْجَنَّةِ وَالْحَوَرُ الْعَيْنُ التَّاسِعُ هُمْ وَخُزَّانُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ حَكَاهُمَا الثَّعْلَبِيُّ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ الْعَاشِرُ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ جَزَمَ بِهِ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ فَقَالَ الْمَلَائِكَةُ أَرْوَاحٌ لَا أَرْوَاحَ فِيهَا فَلَا يَمُوتُونَ أَصْلًا.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ قَالَ الْحَسَنُ يَسْتَثْنِي اللَّهُ وَمَا يَدَعُ أَحَدًا إِلَّا أَذَاقَهُ الْمَوْتَ فَيُمْكِنُ أَنْ يُعَدَّ قَوْلًا آخَرَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ اسْتَضْعَفَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ أَكْثَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَقَعَ مِنْ سُكَّانِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ سُكَّانِهَا لِأَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ فَحَمَلَتُهُ لَيْسُوا مِنْ سُكَّانِهَا وَجِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ مِنَ الصَّافِّينَ حَوْلَ الْعَرْشِ وَلِأَنَّ الْجَنَّةَ فَوْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْجَنَّةُ وَالنَّارُ عَالَمَانِ بِانْفِرَادِهِمَا خُلِقَتَا لِلْبَقَاءِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَثْنَى غَيْرُ الْمَلَائِكَةِ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الْمُسْنَدِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ مُطَوَّلًا وَفِيهِ يَلْبَثُونَ مَا لبثتم ثُمَّ تُبْعَثُ الصَّائِحَةُ فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ أَحَدٍ إِلَّا مَاتَ حَتَّى الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ مَعَ رَبِّكَ



[ قــ :6180 ... غــ :6518] .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ فَمَا أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَبَقِيَّتُهُ أَمْ لَا أَوْرَدَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى عَنْ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ يَعْنِي الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي أَصْلَ الْحَدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَوْصُولًا فِي كِتَابِ الْأَشْخَاصِ وَفِي قِصَّةِ مُوسَى مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَذَكَرْتُ شَرْحَهُ فِي قصَّة مُوسَى أَيْضا