فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: يقبض الله الأرض يوم القيامة

( قَولُهُ بَابُ يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
لَمَّا ذَكَرَ تَرْجَمَةَ نَفْخِ الصُّورِ أَشَارَ إِلَى مَا وَقَعَ فِي سُورَةِ الزُّمَرِ قَبْلَ آيَةِ النَّفْخِ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبضته يَوْم الْقِيَامَة الْآيَةَ وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دكة وَاحِدَة مَا قَدْ يُتَمَسَّكُ بِهِ أَنَّ قَبْضَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَقَعُ بَعْدَ النَّفْخِ فِي الصُّورِ أَوْ مَعَه وَسَيَأْتِي قَوْله رَوَاهُ نَافِع عَن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ هَذَا التَّعْلِيقُ هُنَا فِي رِوَايَةِ بَعْضِ شُيُوخِ أَبِي ذَرٍّ وَقَدْ وَصَلَهُ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ وَيَأْتِي شَرْحُهُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ ذكر فِي الْبَابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ



[ قــ :6181 ... غــ :6519] .

     قَوْلُهُ  عبد الله هُوَ بن الْمُبَارك وَيُونُس هُوَ بن يَزِيدَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ أَبِي سَلَمَةَ كَذَا قَالَ يُونُسُ وَخَالَفَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ فَقَالَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الزُّمَرِ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَقَدْ أخرج بن خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ الطَّرِيقَيْنِ.

     وَقَالَ  هُمَا مَحْفُوظَانِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَسَأُشْبِعُ الْقَوْلَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مَعَ شَرْحِ الْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَقْتَصِرُ هُنَا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِتَبْدِيلِ الْأَرْضِ لِمُنَاسَبَةِ الْحَالِ .

     قَوْلُهُ  يَقْبِضُ اللَّهُ الْأَرْضَ وَيَطْوِي السَّمَاءَ بِيَمِينِهِ زَاد فِي رِوَايَة بن وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ عِيَاضٌ هَذَا الْحَدِيثُ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ الْقَبْضُ وَالطَّيُّ وَالْأَخْذُ وَكُلُّهَا بِمَعْنَى الْجَمْعِ فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ مَبْسُوطَةٌ وَالْأَرْضَ مَدْحُوَّةٌ مَمْدُودَةٌ ثُمَّ رَجَعَ ذَلِكَ إِلَى مَعْنَى الرَّفْعِ وَالْإِزَالَةِ وَالتَّبْدِيلِ فَعَادَ ذَلِكَ إِلَى ضَمِّ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ وَإِبَادَتِهَا فَهُوَ تَمْثِيلٌ لِصِفَةِ قَبْضِ هَذِهِ الْمَخْلُوقَاتِ وَجَمْعِهَا بَعْدَ بَسْطِهَا وَتَفَرُّقِهَا دَلَالَةٌ عَلَى الْمَقْبُوضِ والمبسوط لَا على الْبسط وَالْقَبْض وَقد يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى الِاسْتِيعَابِ انْتَهَى وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَات هَلِ الْمُرَادُ ذَاتُ الْأَرْضِ وَصِفَتُهَا أَوْ تَبْدِيلُ صِفَتِهَا فَقَطْ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي شَرْحِ ثَالِثِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثُ الثَّانِي





[ قــ :618 ... غــ :650] .

     قَوْلُهُ  عَن خَالِد هُوَ بن يَزِيدَ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ إِلَى سَعِيدٍ وَمِنْهُ إِلَى مُنْتَهَاهُ مَدَنِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي أَرْضَ الدُّنْيَا خبْزَة بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الزَّايِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْخُبْزَةُ الطُّلْمَةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ عَجِينٌ يُوضَعُ فِي الْحُفْرَةِ بَعْدَ إِيقَادِ النَّارِ فِيهَا قَالَ وَالنَّاسُ يُسَمُّونَهَا الْمَلَّةَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَإِنَّمَا الْمَلَّةُ الْحُفْرَةُ نَفْسُهَا .

     قَوْلُهُ  يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ أَيْ يَمِيلُهَا مِنْ كَفَأْتُ الْإِنَاءَ إِذَا قَلَّبْتُهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَكْفَؤُهَا بِسُكُونِ الْكَافِ .

     قَوْلُهُ  كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يَعْنِي خُبْزَ الْمَلَّةِ الَّذِي يَصْنَعُهُ الْمُسَافِرُ فَإِنَّهَا لَا تُدْحَى كَمَا تُدْحَى الرُّقَاقَةُ وَإِنَّمَا تُقَلَّبُ عَلَى الْأَيْدِي حَتَّى تَسْتَوِيَ وَهَذَا عَلَى أَنَّ السَّفَرَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ جَمْعُ سُفْرَةٍ وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُتَّخَذُ لِلْمُسَافِرِ وَمِنْهُ سُمِّيَتِ السُّفْرَةُ .

     قَوْلُهُ  نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ النُّزُلُ بِضَمِّ النُّونِ وَبِالزَّايِ وَقَدْ تُسَكَّنُ مَا يُقَدَّمُ لِلضَّيْفِ وَلِلْعَسْكَرِ يُطْلَقُ عَلَى الرِّزْقِ وَعَلَى الْفَضْلِ وَيُقَالُ أَصْلَحَ لِلْقَوْمِ نُزُلَهُمْ أَيْ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِ مِنَ الْغِذَاءِ وَعَلَى مَا يُعَجَّلُ لِلضَّيْفِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَهُوَ اللَّائِقُ هُنَا قَالَ الدَّاوُدِيُّ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا مَنْ سَيَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْمَحْشَرِ لَا أَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَهَا حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ.

قُلْتُ وَظَاهِرُ الْخَبَرِ يُخَالِفُهُ وَكَأَنَّهُ بَنَى عَلَى مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ تَكُونُ الْأَرْضُ خُبْزَةً بَيْضَاءَ يَأْكُلُ الْمُؤْمِنُ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَوْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ نَحْوَهُ وَلِلْبَيْهَقِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ مِثْلَ الْخُبْزَةِ يَأْكُلُ مِنْهَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَفْرَغُوا مِنَ الْحِسَابِ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ نَحْوُهُ وَسَأَذْكُرُ بَقِيَّةَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَنَقَلَ الطِّيبِيُّ عَنِ الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُشْكِلٌ جِدًّا لَا مِنْ جِهَةِ إِنْكَارِ صُنْعِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ بَلْ لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ عَلَى قَلْبِ جِرْمِ الْأَرْضِ مِنَ الطَّبْعِ الَّذِي عَلَيْهِ إِلَى طَبْعِ الْمَطْعُومِ وَالْمَأْكُولِ مَعَ مَا ثَبَتَ فِي الْآثَارِ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ تَصِيرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا وَتَنْضَمُّ إِلَى جَهَنَّمَ فَلَعَلَّ الْوَجْهَ فِيهِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ خُبْزَةً وَاحِدَةً أَيْ كَخُبْزَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ نَعْتِهَا كَذَا وَكَذَا وَهُوَ نَظِيرُ مَا فِي حَدِيثِ سَهْلٍ يَعْنِي الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ كَقُرْصَةِ النَّقِيَّ فَضَرَبَ الْمَثَلَ بِهَا لِاسْتِدَارَتِهَا وَبَيَاضِهَا فَضَرْبُ الْمَثَلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِخُبْزَةٍ تُشْبِهُ الْأَرْضَ فِي مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا بَيَانُ الْهَيْئَةِ الَّتِي تَكُونُ الْأَرْضُ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ وَالْآخَرُ بَيَانُ الْخُبْزَةِ الَّتِي يُهَيِّئُهَا اللَّهُ تَعَالَى نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَبَيَانُ عِظَمِ مِقْدَارِهَا ابْتِدَاعًا وَاخْتِرَاعًا قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْإِشْكَالُ لِأَنَّهُ رَأَى الْحَدِيثَيْنِ فِي بَابِ الْحَشْرِ فَظَنَّ أَنَّهُمَا لِشَيْءٍ وَاحِدٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ بَابٍ وَحَدِيثُ سَهْلٍ مِنْ بَابٍ وَأَيْضًا فَالتَّشْبِيهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُشَارَكَةَ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْصَافِ بَلْ يَكْفِي حُصُولُهُ فِي الْبَعْضِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ شَبَّهَ أَرْضَ الْحَشْرِ بِالْخُبْزَةِ فِي الِاسْتِوَاءِ وَالْبَيَاضِ وَشَبَّهَ أَرْضَ الْجَنَّةِ فِي كَوْنِهَا نُزُلًا لِأَهْلِهَا وَمُهَيَّأَةً لَهُمْ تَكْرِمَةً بِعُجَالَةِ الرَّاكِبِ زَادَهُ يَقْنَعُ بِهِ فِي سَفَرِهِ.

قُلْتُ آخِرُ كَلَامِهِ يُقَرِّرُ مَا قَالَ الْقَاضِي أَنَّ كَوْنَ أَرْضِ الدُّنْيَا تَصِيرُ نَارًا مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ كَوْنَهَا تَصِيرُ خُبْزَةً يَأْكُلُ مِنْهَا أَهْلُ الْمَوْقِفِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَجَازِ وَالْآثَارُ الَّتِي أَوْرَدْتُهَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَالْأَوْلَى الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَهْمَا أَمْكَنَ وَقُدْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى صَالِحَةٌ لِذَلِكَ بَلِ اعْتِقَادُ كَونه حَقِيقَة ابلغ وَكَون أهل الدُّنْيَا وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُعَاقَبُونَ بِالْجُوعِ فِي طُولِ زَمَانِ الْمَوْقِفِ بَلْ يَقْلِبُ اللَّهُ لَهُمْ بِقُدْرَتِهِ طَبْعَ الْأَرْضِ حَتَّى يَأْكُلُوا مِنْهَا مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِهِمْ مَا شَاءَ اللَّهُ بِغَيْرِ عِلَاجٍ وَلَا كُلْفَةٍ وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ أَيِ الَّذِينَ يَصِيرُونَ إِلَى الْجَنَّةِ أَعَمَّ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ يَقَعُ بَعْدَ الدُّخُولِ إِلَيْهَا أَوْ قَبْلَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَأَتَى رَجُلٌ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَأَتَاهُ .

     قَوْلُهُ  مِنَ الْيَهُودِ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ .

     قَوْلُهُ  فَنَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْنَا ثُمَّ ضَحِكَ يُرِيدُ أَنَّهُ أَعْجَبَهُ إِخْبَارُ الْيَهُودِيِّ عَنْ كِتَابِهِمْ بِنَظِيرِ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْوَحْيِ وَكَانَ يُعْجِبُهُ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْهِ فَكَيْفَ بِمُوَافَقَتِهِمْ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ بِالنُّونِ وَالْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ نَاجِذٍ وَهُوَ آخِرُ الْأَضْرَاسِ وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ أَرْبَعُ نَوَاجِذَ وَتُطْلَقُ النَّوَاجِذُ أَيْضًا عَلَى الْأَنْيَابِ وَالْأَضْرَاسِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَقَالَ .

     قَوْلُهُ  أَلَا أُخْبِرُكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَلَا أُخْبِرُكُمْ .

     قَوْلُهُ  بِإِدَامِهِمْ أَيْ مَا يُؤْكَلُ بِهِ الْخُبْزُ .

     قَوْلُهُ  بَالَامٌ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَقَولُهُ وَنُونٌ أَيْ بِلَفْظِ أَوَّلِ السُّورَةِ .

     قَوْلُهُ  قَالُوا أَيِ الصَّحَابَةُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالُوا .

     قَوْلُهُ  مَا هَذَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَمَا هَذَا بِزِيَادَةِ وَاوٍ .

     قَوْلُهُ  قَالَ ثَوْرٌ وَنُونٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَكَذَا رَوَوْهُ لَنَا وَتَأَمَّلْتُ النُّسَخَ الْمَسْمُوعَةَ مِنَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ شَاكِرٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَعْقِلٍ وَالْفَرَبْرِيِّ فَإِذَا كُلُّهَا عَلَى نَحْوٍ وَاحِدٍ.

قُلْتُ وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فَأَمَّا نُونٌ فَهُوَ الْحُوتُ عَلَى مَا فُسِّرَ فِي الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا بَالَامٌ فَدَلَّ التَّفْسِيرُ مِنَ الْيَهُودِيِّ عَلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلثَّوْرِ وَهُوَ لَفْظٌ مُبْهَمٌ لَمْ يَنْتَظِمْ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّفْرِقَةِ اسْمًا لِشَيْءٍ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْيَهُودِيُّ أَرَادَ أَنْ يُعَمِّيَ الِاسْمَ فَقَطَعَ الْهِجَاءَ وَقَدَّمَ أَحَدَ الْحَرْفَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْهِجَاءِ لَامٌ يَاءٌ هِجَاءٌ لَأَى بِوَزْنِ لَعَى وَهُوَ الثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ وَجَمْعُهُ آلَاءٌ بِثَلَاثِ هَمَزَاتٍ وَزْنُ أَحْبَالٍ فَصَحَّفُوهُ فَقَالُوا بَالَامٌ بِالْمُوَحَّدَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَكَتَبُوهُ بِالْهِجَاءِ فَأَشْكَلَ الْأَمْرُ هَذَا أَقْرَبُ مَا يَقَعُ لِي فِيهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِلِسَانِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِلِسَانِهِمْ وَأَكْثَرُ الْعِبْرَانِيَّةِ فِيمَا يَقُولُهُ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ مَقْلُوبٌ عَلَى لِسَانِ الْعَرَبِ بِتَقْدِيمٍ فِي الْحُرُوفِ وَتَأْخِيرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّتِهِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ أَوْرَدَ الْحُمَيْدِيُّ فِي اخْتِصَارِهِ يَعْنِي الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ بِاللَّأَى بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَأَلِفِ وَصْلٍ وَلَامٍ ثَقِيلَةٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ خَفِيفَةٌ بِوَزْنِ الرَّحَى وَاللَّأَى الثَّوْرُ الْوَحْشِيُّ قَالَ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا رَوَاهُ كَذَلِكَ فَلَعَلَّهُ مِنْ إِصْلَاحِهِ وَإِذَا كَانَ هَكَذَا بَقِيَتِ الْمِيمُ زَائِدَةً إِلَّا أَنْ يُدَّعَى أَنَّهَا حُرِّفَتْ عَنِ الْيَاءِ الْمَقْصُورَةِ قَالَ وَكُلُّ هَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَسُّفِ قَالَ وَأَوْلَى مَا يُقَالُ فِي هَذَا أَنْ تَبْقَى الْكَلِمَةُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهَا عِبْرَانِيَّةٌ وَلِذَلِكَ سَأَلَ الصَّحَابَةُ الْيَهُودِيَّ عَنْ تَفْسِيرِهَا وَلَوْ كَانَ اللَّأَى لَعَرَفُوهَا لِأَنَّهَا مِنْ لِسَانِهِمْ وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ بِهَذَا فَقَالَ هِيَ لَفَظَّةٌ عِبْرَانِيَّةٌ مَعْنَاهَا ثَوْرٌ .

     قَوْلُهُ  يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا سَبْعُونَ أَلْفًا قَالَ عِيَاضٌ زِيَادَةُ الْكَبِدِ وَزَائِدَتُهَا هِيَ الْقِطْعَةُ الْمُنْفَرِدَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا وَهِيَ أَطْيَبُهُ وَلِهَذَا خُصَّ بِأَكْلِهَا السَّبْعُونَ أَلْفًا وَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ فُضِّلُوا بِأَطْيَبِ النُّزُلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَبَّرَ بِالسَّبْعِينَ عَنِ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ وَلَمْ يُرِدِ الْحَصْرَ فِيهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الْهِجْرَةِ قُبَيْلَ الْمَغَازِي فِي مَسَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ أَن أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ زِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ وَأَنَّ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ تُحْفَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ وَفِيهِ غِذَاؤُهُمْ عَلَى أَثَرِهَا أَنْ يُنْحَرَ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا وَفِيهِ وَشَرَابُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ عَيْنٍ تسمى سلسبيلا وَأخرج بن الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا إِنَّ لِكُلِّ ضَيْفٍ جَزُورًا وَإِنِّي أَجْزُرُكُمُ الْيَوْمَ حُوتًا وَثَوْرًا فَيُجْزَرُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ





[ قــ :6183 ... غــ :651] .

     قَوْلُهُ  مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَيِ بن أَبِي كَثِيرٍ وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ .

     قَوْلُهُ  يُحْشَرُ النَّاسُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ .

     قَوْلُهُ  أَرْضٍ عَفْرَاءَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْعَفَرُ بَيَاضٌ لَيْسَ بِالنَّاصِعِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ الْعَفَرُ بَيَاضٌ يَضْرِبُ إِلَى حُمْرَةٍ قَلِيلًا وَمِنْهُ سُمِّيَ عَفَرُ الْأَرْضِ وَهُوَ وَجههَا.

     وَقَالَ  بن فَارِسٍ مَعْنَى عَفْرَاءَ خَالِصَةُ الْبَيَاضِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ شَدِيدَةُ الْبَيَاضِ كَذَا قَالَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ .

     قَوْلُهُ  كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ أَيِ الدَّقِيقِ النَّقِيِّ مِنَ الْغِشِّ وَالنُّخَّالِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ .

     قَوْلُهُ  قَالَ سَهْلٌ أَوْ غَيْرُهُ لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لِأَحَدٍ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَسَهْلٌ هُوَ رَاوِي الْخَبَرِ وَأَوْ لِلشَّكِّ وَالْغَيْرُ الْمُبْهَمُ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ وَوَقَعَ هَذَا الْكَلَامُ الْأَخِيرُ لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ مُدْرَجًا بِالْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ لَيْسَ فِيهَا عِلْمٌ لِأَحَدٍ وَمِثْلُهُ لِسَعِيدِ بن مَنْصُور عَن بن أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَالْعِلْمُ وَالْمَعْلَمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ أَنَّهَا مُسْتَوِيَةٌ وَالْمَعْلَمُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ بَيْنَهُمَا مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ هُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الطَّرِيقِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ الْمُرَادُ أَنَّهَا لَيْسَ فِيهَا عَلَامَةُ سُكْنَى وَلَا بِنَاءٌ وَلَا أَثَرٌ وَلَا شَيْءٌ مِنَ الْعَلَامَاتِ الَّتِي يُهْتَدَى بِهَا فِي الطَّرَقَاتِ كَالْجَبَلِ وَالصَّخْرَةِ الْبَارِزَةِ وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَرْضِ الدُّنْيَا وَأَنَّهَا ذَهَبَتْ وَانْقَطَعَتِ الْعَلَّاقَةُ مِنْهَا.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَحُوزُ أَحَدٌ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا مَا أَدْرَكَ مِنْهَا.

     وَقَالَ  أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَالْإِعْلَامِ بِجُزْئِيَّاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِيَكُونَ السَّامِعُ عَلَى بَصِيرَةٍ فَيُخَلِّصَ نَفْسَهُ مِنْ ذَلِكَ الْهَوْلِ لِأَنَّ فِي مَعْرِفَةِ جُزْئِيَّاتِ الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ رِيَاضَةَ النَّفْسِ وَحَمْلَهَا عَلَى مَا فِيهِ خَلَاصُهَا بِخِلَافِ مَجِيءِ الْأَمْرِ بَغْتَةً وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَرْضَ الْمَوْقِفِ أَكْبَرُ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ الْمَوْجُودَةِ جِدًّا وَالْحِكْمَةُ فِي الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمُ عَدْلٍ وَظُهُورِ حَقٍّ فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ ذَلِكَ طَاهِرًا عَنْ عَمَلِ الْمَعْصِيَةِ وَالظُّلْمِ وَلِيَكُونَ تَجَلِّيهِ سُبْحَانَهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَرْضٍ تَلِيقُ بِعَظَمَتِهِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ فِيهِ إِنَّمَا يَكُونُ لِلَّهِ وَحْدَهُ فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَحَلُّ خَالِصًا لَهُ وَحْدَهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ أَرْضَ الدُّنْيَا اضْمَحَلَّتْ وَأُعْدِمَتْ وَأَنَّ أَرْضَ الْمَوْقِفِ تَجَدَّدَتْ وَقَدْ وَقَعَ لِلسَّلَفِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غير الأَرْض وَالسَّمَاوَات هَلْ مَعْنَى تَبْدِيلِهَا تَغْيِيرُ ذَاتِهَا وَصِفَاتِهَا أَوْ تَغْيِيرُ صِفَاتِهَا فَقَطْ وَحَدِيثُ الْبَابِ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالطَّبَرِيُّ فِي تَفَاسِيرِهِمْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غير الأَرْض الْآيَةَ قَالَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ أَرْضًا كَأَنَّهَا فِضَّةٌ لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ حَرَامٌ وَلَمْ يُعْمَلْ عَلَيْهَا خَطِيئَةٌ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَرْفُوعًا.

     وَقَالَ  الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَن بن مَسْعُودٍ بِلَفْظِ أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَأَنَّهَا سَبِيكَةُ فِضَّةٍ وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ أَيْضًا وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ أَرْضٌ كَالْفِضَّةِ الْبَيْضَاءِ قِيلَ فَأَيْنَ الْخَلْقُ يَوْمَئِذٍ قَالَ هُمْ أَضْيَافُ اللَّهِ لَنْ يُعْجِزَهُمْ مَا لَدَيْهِ وَلِلطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا يُبَدِّلُهَا اللَّهُ بِأَرْضٍ مِنْ فِضَّةٍ لَمْ يُعْمَلْ عَلَيْهَا الْخَطَايَا وَعَنْ عَليّ مَوْقُوفا نَحوه وَمن طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَرْضٌ كَأَنَّهَا فِضَّةٌ وَالسَّمَاوَاتُ كَذَلِكَ وَعَنْ عَلِيٍّ وَالسَّمَاوَاتُ مِنْ ذَهَبٍ وَعِنْدَ عَبْدٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ يَعْنِي أَرْضَ الدُّنْيَا تُطْوَى وَإِلَى جَنْبِهَا أُخْرَى يُحْشَرُ النَّاسُ مِنْهَا إِلَيْهَا وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ فَيَبْسُطُهَا وَيُسَطِّحُهَا وَيَمُدُّهَا مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ثُمَّ يَزْجُرُ اللَّهُ الْخَلْقَ زَجْرَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الْمُبَدَّلَةِ فِي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الْأَوْلَى مَا كَانَ فِي بَطْنِهَا كَانَ فِي بَطْنِهَا وَمَا كَانَ عَلَى ظَهْرِهَا كَانَ عَلَيْهَا انْتَهَى وَهَذَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عَقِبَ نَفْخَةِ الصَّعْقِ بَعْدَ الْحَشْرِ الْأَوَّلِ وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ.
وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ التَّغْيِيرَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي صِفَاتِ الْأَرْضِ دُونَ ذَاتِهَا فَمُسْتَنَدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مُدَّتِ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ وَحُشِرَ الْخَلَائِقُ وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ تُمَدُّ الْأَرْضُ مَدَّ الْأَدِيمِ ثُمَّ لَا يَكُونُ لِابْنِ آدَمَ مِنْهَا إِلَّا مَوْضِعُ قَدَمَيْهِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي صَحَابِيِّهِ وَوَقَعَ فِي تَفْسِيرِ الْكَلْبِيِّ عَن أبي صَالح عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غير الأَرْض قَالَ يُزَادُ فِيهَا وَيُنْقَصُ مِنْهَا وَيُذْهَبُ آكَامُهَا وَجِبَالُهَا وَأَوْدِيَتُهَا وَشَجَرُهَا وَتُمَدُّ مَدَّ الْأَدِيمِ الْعُكَاظِيِّ وَعَزَاهُ الثَّعْلَبِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيِّ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَقَعُ لِأَرْضِ الدُّنْيَا لَكِنَّ أَرْضَ الْمَوْقِفِ غَيْرُهَا وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ أَرْضَ الدُّنْيَا تَصِيرُ خُبْزَةً وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا تُعَدُّ لِأَكْلِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهَا فِي زَمَانِ الْمَوْقِفِ ثُمَّ تَصِيرُ نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ الْأَرْضُ كُلُّهَا تَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة فَالَّذِي قبله عَن بن مَسْعُودٍ أَصَحُّ سَنَدًا وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْضِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَرْضُ الْبَحْرِ فَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ قَالَ يَصِيرُ مَكَان الْبَحْر نَارا وَفِي تَفْسِير الرّبيع بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ تَصِيرُ السَّمَاوَاتُ جِفَانًا وَيَصِيرُ مَكَانَ الْبَحْرِ نَارًا وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دكة وَاحِدَة قَالَ يَصِيرَانِ غَبَرَةً فِي وُجُوهِ الْكُفَّارِ.

قُلْتُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ بَعْضَهَا يَصِيرُ نَارًا وَبَعْضَهَا غُبَارًا وَبَعْضَهَا يَصِيرُ خُبْزَةً.
وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ يَوْمَ تبدل الأَرْض غير الأَرْض أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ حِينَئِذٍ قَالَ عَلَى الصِّرَاطِ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ وَلِأَحْمَدَ من طَرِيق بن عَبَّاسٍ عَنْ عَائِشَةَ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا يَكُونُونَ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهَا الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِسْرِ الصِّرَاطُ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي تَرْجَمَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَأَنَّ فِي قَوْلِهِ عَلَى الصِّرَاطِ مَجَازًا لِكَوْنِهِمْ يُجَاوِزُونَهُ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ زِيَادَةً يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا لِثُبُوتِهَا وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الزَّجْرَةِ الَّتِي تَقَعُ عِنْدَ نَقْلِهِمْ مِنْ أَرْضِ الدُّنْيَا إِلَى أَرْضِ الْمَوْقِفِ وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صفا صفا وَجِيء يَوْمئِذٍ بجهنم وَاخْتُلِفَ فِي السَّمَاوَاتِ أَيْضًا فَتَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهَا تَصِيرُ جِفَانًا وَقِيلَ إِنَّهَا إِذَا طُوِيَتْ تُكَوَّرُ شَمْسُهَا وَقَمَرُهَا وَسَائِرُ نُجُومِهَا وَتَصِيرُ تَارَةً كَالْمُهْلِ وَتَارَةً كَالدِّهَانِ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ عَنْ مُرَّةَ عَنِ بن مَسْعُودٍ قَالَ السَّمَاءُ تَكُونُ أَلْوَانًا كَالْمُهْلِ وَكَالدِّهَانِ وَوَاهِيَةً وَتَشَقَّقُ فَتَكُونُ حَالًا بَعْدَ حَالٍ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا تَنْشَقُّ أَوَّلًا فَتَصِيرُ كَالْوَرْدَةِ وَكَالدِّهَانِ وَوَاهِيَةً وَكَالْمُهْلِ وَتُكَوَّرُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَسَائِرُ النُّجُومِ ثُمَّ تُطْوَى السَّمَاوَاتُ وَتُضَافُ إِلَى الْجِنَانِ وَنَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ حَيْدَرَةَ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ بِأَنَّ تَبْدِيلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَقَعُ مَرَّتَيْنِ إِحْدَاهمَا تبدل صِفَاتُهُمَا فَقَطْ وَذَلِكَ عِنْدَ النَّفْخَةِ الْأُولَى فَتُنْثَرُ الْكَوَاكِب وتخسف الشَّمْس وَالْقَمَر وَتصير السَّمَاء كَالْمهْلِ وَتُكْشَطُ عَنِ الرُّءُوسِ وَتَسِيرُ الْجِبَالُ وَتَمُوجُ الْأَرْضُ وَتَنْشَقُّ إِلَى أَنْ تَصِيرَ الْهَيْئَةُ غَيْرَ الْهَيْئَةِ ثُمَّ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ تُطْوَى السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَتُبَدَّلُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ فِي ذَلِكَ وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى