فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ)

فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ وَرَاءَ التَّقْسِيمِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ أَمْرًا آخَرَ وَأَنَّ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ مَنْ لَا يُحَاسَبُ أَصْلًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُنَاقَشُ الْحِسَابَ وَذَكَرَ فِيهِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ



[ قــ :6202 ... غــ :6541] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا أَبُو الفضيل هُوَ مُحَمَّد وحصين هُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمِنَ الْوَاسِطِيُّ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْبُخَارِيُّ .

     قَوْلُهُ  وَحَدَّثَنِي أَسِيدٌ بِفَتْحِ الْهمزَة وَكسر الْمُهْملَة هُوَ بن زَيْدٍ الْجَمَّالُ بِالْجِيمِ كُوفِيٌّ حَدَّثَ بِبَغْدَادَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ وأفحش بن مَعِينٍ فِيهِ الْقَوْلَ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ قَرَنَهُ فِيهِ بِغَيْرِهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ عِنْدَهُ ثِقَةً قَالَهُ أَبُو مَسْعُودٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ خَبُرَ أَمْرَهُ كَمَا يَنْبَغِي وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ وَقد وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ شُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَيْهِ فِرَارًا مِنْ تَكْرِيرِ الْإِسْنَادِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ السَّنَدَ الْأَوَّلَ فِي الطِّبِّ فِي بَابُ مَنِ اكْتَوَى ثُمَّ أَعَادَهُ هُنَا فَأَضَافَ إِلَيْهِ طَرِيقَ هُشَيْمٍ وَتَقَدَّمَ لَهُ فِي الطِّبِّ أَيْضًا فِي بَابِ مَنْ لَمْ يَرْقِ مِنْ طَرِيقِ حُصَيْنِ بْنِ بَهْزٍ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَتَقَدَّمَ بِاخْتِصَارٍ قَرِيبًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ .

     قَوْلُهُ  كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَدَّثَنِي بن عَبَّاس زَاد بن فُضَيْلٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ وَهُوَ الشَّعْبِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ الْحَدِيثَ وَقَدْ بَيَّنْتُ الِاخْتِلَافَ فِي رَفْعِ حَدِيثِ عِمْرَانَ هَذَا وَالِاخْتِلَافَ فِي سَنَدِهِ أَيْضًا فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَأَنَّ فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ زِيَادَةَ قِصَّةٍ وَقَعَتْ لِحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالرُّقْيَةِ وَذَكَرْتُ حُكْمَ الرُّقْيَةِ هُنَاكَ .

     قَوْلُهُ  عُرِضَتْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ .

     قَوْلُهُ  عَلَيَّ بِالتَّشْدِيدِ الْأُمَمُ بِالرَّفْعِ وَقَدْ بَيَّنَ عَبْثَرُ بْنُ الْقَاسِمِ بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ وَزْنَ جَعْفَرٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَلَفْظُهُ لَمَّا أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَ يُمَرُّ بِالنَّبِيِّ وَمَعَهُ الْوَاحِدُ الْحَدِيثَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَحْفُوظًا كَانَتْ فِيهِ قُوَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى تَعَدُّدِ الْإِسْرَاءِ وَأَنَّهُ وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ أَيْضًا غَيْرَ الَّذِي وَقَعَ بِمَكَّةَ فَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ بِسَنَدٍ صَحِيح قَالَ أكربنا الْحَدِيثَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عُدْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأَنْبِيَاءُ اللَّيْلَةَ بِأُمَمِهَا فَجَعَلَ النَّبِيُّ يَمُرُّ وَمَعَهُ الثَّلَاثَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَمَعَهُ الْعِصَابَةُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ أَبْطَأَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ حَتَّى نَامَ بَعْضُ مَنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَدِيثَ وَالَّذِي يَتَحَرَّرُ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْإِسْرَاءَ الَّذِي وَقَعَ بِالْمَدِينَةِ لَيْسَ فِيهِ مَا وَقَعَ بِمَكَّةَ مِنِ اسْتِفْتَاحِ أَبْوَابِ السَّمَاوَاتِ بَابًا بَابًا وَلَا مِنِ الْتِقَاءِ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي سَمَاءٍ وَلَا الْمُرَاجَعَةِ مَعَهُمْ وَلَا الْمُرَاجَعَةِ مَعَ مُوسَى فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِفَرْضِ الصَّلَوَاتِ وَلَا فِي طَلَبِ تَخْفِيفِهَا وَسَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا تَكَرَّرَتْ قَضَايَا كَثِيرَةٌ سِوَى ذَلِكَ رَآهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْهَا بِمَكَّة الْبَعْض وَمِنْهَا بِالْمَدِينَةِ بعدالهجرة الْبَعْضُ وَمُعْظَمُهَا فِي الْمَنَامِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  فَأَجِدُ بِكَسْرِ الْجِيمِ بِلَفْظِ الْمُتَكَلِّمِ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ لِتَحَقُّقِ صُورَةِ الْحَالِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَأَخَذَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي .

     قَوْلُهُ  النَّبِيَّ بِالنَّصْبِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ .

     قَوْلُهُ  يَمُرُّ مَعَهُ الْأُمَّةُ أَيِ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ .

     قَوْلُهُ  وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ النَّفَرُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ مَعَهُ الْعَشْرُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ رَاءٌ وَوَقع فِي رِوَايَة بن فُضَيْلٍ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ وَمَعَهُمُ الرَّهْطُ زَادَ عَبْثَرٌ فِي رِوَايَتِهِ وَالشَّيْءُ وَفِي رِوَايَةِ حُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ نَحْوُهُ لَكِنْ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا آنِفًا فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّهْطُ وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالنَّبِيَّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ وَالنَّبِيَّ مَعَهُ الْخَمْسَةُ وَالرَّهْطُ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ فِي قِصَّةِ هِرَقْلَ أول الْكتاب وَفِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ فَجَعَلَ النَّبِيُّ يَمُرُّ وَمَعَهُ الثَّلَاثَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَمَعَهُ الْعِصَابَةُ وَالنَّبِيُّ يَمُرُّ وَلَيْسَ مَعَهُ أحد وَالْحَاصِل من هَذِه الرِّوَايَات أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَتَفَاوَتُونَ فِي عَدَدِ أَتْبَاعِهِمْ .

     قَوْلُهُ  فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ فِي رِوَايَةِ حُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ فَرَأَيْتُ سَوَادًا كَثِيرًا سَدَّ الْأُفُقَ وَالسَّوَادُ ضِدُّ الْبَيَاضِ هُوَ الشَّخْصُ الَّذِي يُرَى من بعيد وَوَصفه بِالْكَثِيرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِلَفْظِ الْجِنْسِ لَا الْوَاحِد وَوَقع فِي رِوَايَة بن فُضَيْلٍ مَلَأَ الْأُفُقَ الْأُفُقُ النَّاحِيَةُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا نَاحِيَةُ السَّمَاءِ .

     قَوْلُهُ .

قُلْتُ يَا جِبْرِيلُ هَؤُلَاءِ أُمَّتِي قَالَ لَا فِي رِوَايَةِ حُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ فَرَجَوْتُ أَنْ تَكُونَ أُمَّتِي فَقِيلَ هَذَا مُوسَى فِي قومه وَفِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ حَتَّى مَرَّ عَلَى مُوسَى فِي كَبْكَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَعْجَبَنِي فَقُلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ فَقِيلَ هَذَا أَخُوكَ مُوسَى مَعَهُ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَالْكَبْكَبَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ هِيَ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ إِذَا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ .

     قَوْلُهُ  وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ كَثِيرٌ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَظِيمٌ وَزَادَ فَقِيلَ لِي انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لِي انْظُرْ إِلَى الْأُفق الاخر مثله وَفِي رِوَايَة بن فُضَيْلٍ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلَأَ الْأُفُقَ فَقِيلَ لي انْظُر هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاق السَّمَاء وَفِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ فَإِذَا الْأُفُقُ قَدْ سُدَّ بِوُجُوهِ الرِّجَالِ وَفِي لفظ لِأَحْمَد فَرَأَيْت أمتِي قد ملؤا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ فَأَعْجَبَنِي كَثْرَتُهُمْ وَهَيْئَتُهُمْ فَقِيلَ أَرَضِيتَ يَا مُحَمَّدُ.

قُلْتُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ كَوْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْرِفْ أُمَّتَهُ حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُمْ أُمَّةُ مُوسَى وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ تَرَ مِنْ أُمَّتِكَ فَقَالَ إِنَّهُمْ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ وَفِي لَفْظٍ سِيمَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ غَيْرِهِمْ وَأَجَابَ بِأَنَّ الْأَشْخَاصَ الَّتِي رَآهَا فِي الْأُفُقِ لَا يُدْرَكُ مِنْهَا إِلَّا الْكَثْرَةُ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ لِأَعْيَانِهِمْ.
وَأَمَّا مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا قَرُبُوا مِنْهُ وَهَذَا كَمَا يَرَى الشَّخْصُ شَخْصًا عَلَى بُعْدٍ فَيُكَلِّمُهُ وَلَا يَعْرِفُ أَنَّهُ أَخُوهُ فَإِذَا صَارَ بِحَيْثُ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيْرِهِ عَرَفَهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ عِنْدَ وُرُودِهِمْ عَلَيْهِ الْحَوْضَ .

     قَوْلُهُ  هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ وَهَؤُلَاءِ سَبْعُونَ الْفَا قدامهم لاحساب عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مَعَهُمْ بَدَلَ قُدَّامَهُمْ وَفِي رِوَايَةِ حُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ وَمَعَ هَؤُلَاءِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ وَالْمُرَادُ بِالْمَعِيَّةِ الْمَعْنَوِيَّةُ فَإِنَّ السَّبْعِينَ أَلْفًا الْمَذْكُورِينَ مِنْ جُمْلَةِ أُمَّتِهِ لَكِنْ لَمْ يَكُونُوا فِي الَّذِينَ عُرِضُوا إِذْ ذَاكَ فَأُرِيدَ الزِّيَادَةُ فِي تَكْثِيرِ أُمَّتِهِ بِإِضَافَةِ السَّبْعِينَ أَلْفًا إِلَيْهِمْ وَقد وَقع فِي رِوَايَة بن فُضَيْلٍ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَفِي رِوَايَةِ عَبْثَرِ بْنِ الْقَاسِمِ هَؤُلَاءِ أُمَّتُكَ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ سَبْعُونَ أَلْفًا وَالْإِشَارَةُ بِهَؤُلَاءِ إِلَى الْأُمَّةِ لَا إِلَى خُصُوصِ مَنْ عُرِضَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَعَ بِمَعْنَى مِنْ فَتَأْتَلِفُ الرِّوَايَاتُ .

     قَوْلُهُ .

قُلْتُ وَلِمَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا يَسْتَفْهِمُ بِهَا عَنِ السَّبَبِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَشُرَيْحٍ عَنْ هُشَيْمٍ ثُمَّ نَهَضَ أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَحَاصَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ هُمُ الَّذِينَ وَفِي رِوَايَةِ عَبْثَرٍ فَدَخَلَ وَلَمْ يَسْأَلُوهُ وَلَمْ يُفَسِّرْ لَهُمْ وَالْبَاقِي نَحوه وَفِي رِوَايَة بن فُضَيْلٍ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ فَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلَادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَقَالَ وَفِي رِوَايَةِ حُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ فَقَالُوا أَمَّا نَحْنُ فَوُلِدْنَا فِي الشِّرْكِ وَلَكِنَّا آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ أَبْنَاؤُنَا وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ.

     وَقَالَ  بَعْضُنَا هُمُ الشُّهَدَاءُ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مَنْ رَقَّ قَلْبُهُ لِلْإِسْلَامِ .

     قَوْلُهُ  كَانُوا لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ اتَّفَقَ عَلَى ذِكْرِ هَذِه الْأَرْبَع مُعظم الرِّوَايَات فِي حَدِيث بن عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْبَعْضِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَكَذَا فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي لَفْظٍ لَهُ سَقَطَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ هَكَذَا فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ اللَّذَيْنِ أَشَرْتُ إِلَيْهِمَا بِنَحْوِ الْأَرْبَعِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَا يَرْقُونَ بَدَلَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَقَدْ أَنْكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَزَعَمَ أَنَّهَا غَلَطٌ مِنْ رَاوِيهَا وَاعْتَلَّ بِأَنَّ الرَّاقِيَ يُحْسِنُ إِلَى الَّذِي يَرْقِيهِ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ مَطْلُوبَ التَّرْكِ وَأَيْضًا فَقَدْ رَقَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَقَى النَّبِيُّ أَصْحَابَهُ وَأَذِنَ لَهُمْ فِي الرقى.

     وَقَالَ  مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ وَالنَّفْعُ مَطْلُوبٌ قَالَ.
وَأَمَّا الْمُسْتَرِقِي فَإِنَّهُ يَسْأَلُ غَيْرَهُ وَيَرْجُو نَفْعَهُ وَتَمَامُ التَّوَكُّلِ يُنَافِي ذَلِكَ قَالَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ وَصْفُ السَّبْعِينَ بِتَمَامِ التَّوَكُّلِ فَلَا يَسْأَلُونَ غَيْرَهُمْ أَنْ يَرْقِيَهُمْ وَلَا يَكْوِيَهُمْ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ مِنْ شَيْءٍ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَافِظٌ وَقَدِ اعْتَمَدَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاعْتَمَدَ مُسْلِمٌ عَلَى رِوَايَتِهِ هَذِهِ وَبِأَنَّ تَغْلِيطَ الرَّاوِي مَعَ إِمْكَانِ تَصْحِيحِ الزِّيَادَةِ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ وَالْمَعْنَى الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى التَّغْلِيطِ مَوْجُودٌ فِي الْمُسْتَرِقِي لِأَنَّهُ اعْتَلَّ بِأَنَّ الَّذِي لَا يَطْلُبُ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ يَرْقِيَهُ تَامُّ التَّوَكُّلِ فَكَذَا يُقَالُ لَهُ وَالَّذِي يَفْعَلُ غَيْرُهُ بِهِ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُمَكِّنَهُ مِنْهُ لِأَجْلِ تَمَامِ التَّوَكُّلِ وَلَيْسَ فِي وُقُوعِ ذَلِكَ مِنْ جِبْرِيلَ دَلَالَةٌ عَلَى الْمُدَّعَى وَلَا فِي فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ أَيْضًا دَلَالَةٌ لِأَنَّهُ فِي مقَام التشريع وتبيين الْأَحْكَامِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّمَا تَرَكَ الْمَذْكُورُونَ الرُّقَى وَالِاسْتِرْقَاءَ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ لِأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكِلَ نَفْسَهُ إِلَيْهِ وَإِلَّا فَالرُّقْيَةُ فِي ذَاتِهَا لَيْسَتْ مَمْنُوعَةً وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْهَا مَا كَانَ شِرْكًا أَوِ احْتَمَلَهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ وَلَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ شِرْكٌ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِلَّةِ النَّهْيِ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَقَدْ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الرُّقَى وَالْكَيِّ قَادِحٌ فِي التَّوَكُّلِ بِخِلَافِ سَائِرِ أَنْوَاعِ الطِّبِّ وَفُرِّقَ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ بِأَنَّ الْبُرْءَ فِيهِمَا أَمْرٌ مَوْهُومٌ وَمَا عَدَاهُمَا مُحَقَّقٌ عَادَةً كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَلَا يَقْدَحُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَكْثَرَ أَبْوَابِ الطِّبِّ مَوْهُومٌ وَالثَّانِي أَنَّ الرُّقَى بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى تَقْتَضِي التَّوَكُّلَ عَلَيْهِ وَالِالْتِجَاءَ إِلَيْهِ وَالرَّغْبَةَ فِيمَا عِنْدَهُ وَالتَّبَرُّكَ بِأَسْمَائِهِ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَادِحًا فِي التَّوَكُّلِ لَقَدَحَ الدُّعَاءُ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَقَدْ رُقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَقَى وَفَعَلَهُ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ فَلَوْ كَانَ مَانِعًا مِنَ اللَّحَاقِ بِالسَّبْعِينَ أَوْ قَادِحًا فِي التَّوَكُّلِ لَمْ يَقَعْ مِنْ هَؤُلَاءِ وَفِيهِمْ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ وَأَفْضَلُ مِمَّنْ عَدَاهُمْ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ بَنَى كَلَامَهُ عَلَى أَنَّ السَّبْعِينَ الْمَذْكُورِينَ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنْ غَيْرِهِمْ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا سَأُبَيِّنُهُ وَجَوَّزَ أَبُو طَالِبِ بْنُ عَطِيَّةَ فِي مُوَازَنَةِ الْأَعْمَالِ أَنَّ السَّبْعِينَ الْمَذْكُورِينَ هُمُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المقربون فِي جنَّات النَّعيم فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ السَّابِقِينَ فَمُسَلَّمٌ والا فَلَا وَقد اخْرُج احْمَد وَصَححهُ بن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ الْجُهَنِيِّ قَالَ أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ حَدِيثًا وَفِيهِ وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ واني لأرجو أَن لَا يدخولها حَتَّى تبوؤا أَنْتُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَذُرِّيَّاتِكُمْ مَسَاكِنَ فِي الْجَنَّةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَزِيَّةَ السَّبْعِينَ بِالدُّخُولِ بِغَيْرِ حِسَابٍ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ بَلْ فِيمَنْ يُحَاسَبُ فِي الْجُمْلَةِ مَنْ يَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهُمْ وَفِيمَنْ يَتَأَخَّرُ عَنِ الدُّخُولِ مِمَّنْ تَحَقَّقَتْ نَجَاتُهُ وَعُرِفَ مَقَامُهُ مِنَ الْجَنَّةِ يَشْفَعُ فِي غَيْرِهِ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُمْ وَسَأَذْكُرُ بَعْدَ قَلِيلٍ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مُحْصَنٍ أَنَّ السَّبْعِينَ أَلْفًا مِمَّنْ يُحْشَرُ مِنْ مَقْبَرَةِ الْبَقِيعِ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ خُصُوصِيَّةٌ أُخْرَى .

     قَوْلُهُ  وَلَا يَتَطَيَّرُونَ تَقَدَّمَ بَيَانُ الطِّيرَةِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يَتَشَاءَمُونَ كَمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ .

     قَوْلُهُ  وَعَلَى رَبِّهمْ يَتَوَكَّلُونَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُفَسِّرَةً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَرْكِ الِاسْتِرْقَاءِ وَالِاكْتِوَاءِ وَالطِّيَرَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْعَامِّ بعد الْخَاص لِأَن صفة كل وَاحِدَةً مِنْهَا صِفَةٌ خَاصَّةٌ مِنَ التَّوَكُّلِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي التَّوَكُّلِ فِي بَابُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ قَرِيبًا.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ لَا يَسْتَحِقُّ اسْمُ التَّوَكُّلَ إِلَّا مَنْ لَمْ يُخَالِطْ قَلْبَهُ خَوْفٌ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَوْ هَجَمَ عَلَيْهِ الْأَسَدُ لَا يَنْزَعِجُ وَحَتَّى لَا يَسْعَى فِي طَلَبِ الرِّزْقِ لِكَوْنِ اللَّهِ ضَمِنَهُ لَهُ وَأَبَى هَذَا الْجُمْهُورُ وَقَالُوا يَحْصُلُ التَّوَكُّلُ بِأَنْ يَثِقَ بِوَعْدِ اللَّهِ وَيُوقِنَ بِأَنَّ قَضَاءَهُ وَاقِعٌ وَلَا يَتْرُكَ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ فِي ابْتِغَاءِ الرِّزْقِ مِمَّا لَا بُد لَهُ مِنْهُ مِنْ مَطْعَمٍ وَمُشْرَبٍ وَتَحَرُّزٍ مِنْ عَدُوٍّ بِإِعْدَادِ السِّلَاحِ وَإِغْلَاقِ الْبَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَطْمَئِنُّ إِلَى الْأَسْبَابِ بِقَلْبِهِ بَلْ يَعْتَقِدُ أَنَّهَا لَا تَجْلِبُ بِذَاتِهَا نَفْعًا وَلَا تَدْفَعُ ضُرًّا بَلِ السَّبَبُ وَالْمُسَبَّبُ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْكُلُّ بِمَشِيئَتِهِ فَإِذَا وَقَعَ مِنَ الْمَرْءِ رُكُونٌ إِلَى السَّبَبِ قَدَحَ فِي تَوَكُّلِهِ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ فِيهِ عَلَى قِسْمَيْنِ وَاصِلٌ وَسَالِكٌ فَالْأَوَّلُ صِفَةُ الْوَاصِلِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَلْتَفِتُ إِلَى الْأَسْبَابِ وَلَوْ تَعَاطَاهَا.
وَأَمَّا السَّالِكُ فَيَقَعُ لَهُ الِالْتِفَاتُ إِلَى السَّبَبِ أَحْيَانًا إِلَّا انه يَدْفَعُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ بِالطُّرُقِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْأَذْوَاقِ الْحَالِيَّةِ إِلَى أَنْ يَرْتَقِيَ إِلَى مَقَامِ الْوَاصِلِ.

     وَقَالَ  أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ التَّوَكُّلُ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ.
وَأَمَّا الْحَرَكَةُ الظَّاهِرَةُ فَلَا تُنَافِيهِ إِذَا تَحَقَّقَ الْعَبْدُ أَنَّ الْكُلَّ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ فَإِنْ تَيَسَّرَ شَيْءٌ فَبِتَيْسِيرِهِ وَإِنْ تَعَسَّرَ فَبِتَقْدِيرِهِ وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاكْتِسَابِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبُيُوعِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ أَفْضَلُ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَكَانَ دَاوُدُ يَأْكُلُ مِنْ كَسْبِهِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم.

     وَقَالَ  تَعَالَى وخذوا حذركُمْ وَأما قَول الْقَائِل كَيفَ تطلب مَالا تَعْرِفُ مَكَانَهُ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ السَّبَبَ الْمَأْمُورَ بِهِ وَيَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ فِيمَا يَخْرُجُ عَنْ قُدْرَتِهِ فَيَشُقُّ الْأَرْضَ مَثَلًا وَيُلْقِي الْحَبَّ وَيَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ فِي إِنْبَاتِهِ وَإِنْزَالِ الْغَيْثِ لَهُ وَيُحَصِّلُ السِّلْعَةَ مَثَلًا وَيَنْقُلُهَا وَيَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ فِي إِلْقَاءِ الرَّغْبَةِ فِي قَلْبِ مَنْ يَطْلُبُهَا مِنْهُ بَلْ رُبَّمَا كَانَ التَّكَسُّبُ وَاجِبًا كَقَادِرٍ عَلَى الْكَسْبِ يَحْتَاجُ عِيَالُهُ لِلنَّفَقَةِ فَمَتَى تَرَكَ ذَلِكَ كَانَ عَاصِيًا وَسَلَكَ الْكَرْمَانِيُّ فِي الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ مَسْلَكَ التَّأْوِيلِ فَقَالَ .

     قَوْلُهُ  لَا يَكْتَوُونَ مَعْنَاهُ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الشِّفَاءَ مِنَ اللَّهِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ الْكَيِّ وَقَولُهُ وَيَسْتَرْقُونَ مَعْنَاهُ بِالرُّقَى الَّتِي لَيْسَتْ فِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَرُقَى الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شِرْكٌ وَقَولُهُ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ أَيْ لَا يَتَشَاءَمُونَ بِشَيْءٍ فَكَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمُ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ أَعْمَالَ الْجَاهِلِيَّةِ فِي عَقَائِدِهِمْ قَالَ فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْمُتَّصِفَ بِهَذَا أَكْثَرُ مِنَ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فَمَا وَجْهُ الْحَصْرِ فِيهِ وَأَجَابَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ التَّكْثِيرَ لَا خُصُوصَ الْعَدَدِ.

قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَانِي أَحَادِيثِ الْبَابِ وَصْفُهُمْ بِأَنَّهُمْ تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَمَضَى فِي بَدْءِ الْخَلْقِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْهَا رِوَايَةُ أَبِي يُونُسَ وَهَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فَتَنْجُو أَوَّلُ زُمْرَةٍ وُجُوهُهُمْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا يُحَاسَبُونَ وَقَدْ وَقَعَ فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى أَنَّ مَعَ السَّبْعِينَ أَلْفًا زِيَادَةً عَلَيْهِمْ فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْثِ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَأَلْتُ رَبِّي فَوَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ نَحْوَ سِيَاقِ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَانِي أَحَادِيث الْبَاب وَزَاد فاستزدت رَبِّي فَزَادَنِي مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفًا وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ حُذَيْفَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَنْ أَنَسٍ عِنْد الْبَزَّار وَعَن ثَوْبَان عِنْد بن أَبِي عَاصِمٍ فَهَذِهِ طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَجَاء فِي أَحَادِيث أُخْرَى أَكثر من ذَلِك فَأخْرج التِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالطَّبَرَانِيّ وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رَفَعَهُ وَعَدَنِي رَبِّي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَذَابَ وَثَلَاثَ حثيات من حثيات رَبِّي وَفِي صَحِيح بن حِبَّانَ أَيْضًا وَالطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ نَحْوُهُ بِلَفْظِ ثُمَّ يَشْفَعُ كُلُّ أَلْفٍ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا ثُمَّ يُحْثِي رَبِّي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ بِكَفَّيْهِ وَفِيهِ فَكَبَّرَ عُمَرُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ السَّبْعِينَ أَلْفًا يُشَفِّعُهُمُ اللَّهُ فِي آبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَدْنَى أُمَّتِي الْحَثَيَاتِ وَأَخْرَجَهُ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ.

     وَقَالَ  لَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً.

قُلْتُ عِلَّتُهُ الِاخْتِلَافُ فِي سَنَدِهِ فَإِنَّ الطَّبَرَانِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَامٍ حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَامٍ أَيْضًا فَقَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ أَنَّ قَيْسَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْأَنْمَارِيَّ حَدَّثَهُ فَذَكَرَهُ وَزَادَ قَالَ قَيْسٌ فَقُلْتُ لِأَبِي سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ قَالَ.

     وَقَالَ  رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَسْتَوْعِبُ مُهَاجِرِي أُمَّتِي وَيُوَفِّي اللَّهُ بَقِيَّتَهُمْ مِنْ أَعْرَابِنَا وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِي عَاصِمٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَحَسَبْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَ أَرْبَعَةَ آلَافِ أَلْفٍ وَتِسْعَمِائَةِ أَلْفٍ يَعْنِي مَنْ عَدَا الْحَثَيَاتِ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ نَحْوَ حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ وَزَادَ وَالْخَبِيئَةُ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَهَمْزَةٍ وَزْنَ عَظِيمَةٍ عِنْدَ رَبِّي وَوَرَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَا يَزِيدُ عَلَى الْعَدَدِ الَّذِي حَسَبَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْأَنْمَارِيُّ فَعِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ نَحْوُهُ بِلَفْظِ أَعْطَانِي مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا سَبْعِينَ أَلْفًا وَفِي سَنَدِهِ رَاوِيَانِ أَحَدُهُمَا ضَعِيفُ الْحِفْظِ وَالْآخَرُ لَمْ يُسَمَّ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مِثْلُهُ وَفِيهِ رَاوٍ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَاخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ وَفِي سِيَاقِ مَتْنِهِ وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ نَحْوُهُ وَعِنْدَ الْكَلَابَاذِيِّ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ بِسَنَدٍ وَاهٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَقَدْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَاتَّبَعْتُهُ فَإِذَا هُوَ فِي مَشْرُبَةٍ يُصَلِّي فَرَأَيْتُ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَةَ أَنْوَارٍ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ قَالَ رَأَيْتِ الْأَنْوَارَ.

قُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِنَّ آتِيًا أَتَانِي مِنْ رَبِّي فَبَشَّرَنِي أَنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ ثُمَّ أَتَانِي فَبَشَّرَنِي أَنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ مِنْ أُمَّتِي مَكَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ ثُمَّ أَتَانِي فَبَشَّرَنِي أَنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ مِنْ أُمَّتِي مَكَانَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعِينَ أَلْفًا الْمُضَاعَفَةِ سَبْعِينَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ فَقُلْتُ يَا رَبِّ لَا يَبْلُغُ هَذَا أُمَّتِي قَالَ أُكَمِّلُهُمْ لَكَ مِنَ الْأَعْرَابِ مِمَّنْ لَا يَصُومُ وَلَا يُصَلِّي قَالَ الْكَلَابَاذِيُّ الْمُرَادُ بِالْأُمَّةِ أَوَّلًا أُمَّةُ الْإِجَابَةِ وَبِقَوْلِهِ آخِرًا أُمَّتِي أُمَّةُ الِاتِّبَاعِ فَإِنَّ أُمَّتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَخَصُّ مِنَ الْآخَرِ أُمَّةُ الِاتِّبَاعِ ثُمَّ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ ثُمَّ أُمَّةُ الدَّعْوَةِ فَالْأُولَى أَهْلُ الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالثَّانِيَةُ مُطْلَقُ الْمُسْلِمِينَ وَالثَّالِثَةُ مَنْ عَدَاهُمْ مِمَّنْ بُعِثَ إِلَيْهِمْ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْقَدْرَ الزَّائِدَ عَلَى الَّذِي قَبْلَهُ هُوَ مِقْدَارُ الْحَثَيَاتِ فَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ أَوْ غَيْرِهِ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَنِي أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي أَرْبَعَمِائَةِ أَلْفٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ زِدْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ هَكَذَا وَجَمَعَ كَفَّيْهِ فَقَالَ زِدْنَا فَقَالَ وَهَكَذَا فَقَالَ عُمَرُ حَسْبُكَ أَنَّ اللَّهَ إِنْ شَاءَ أَدْخَلَ خَلْقَهُ الْجَنَّةَ بِكَفٍّ وَاحِدَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ عُمَرُ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ لَكِنِ اخْتُلِفَ عَلَى قَتَادَةَ فِي سَنَدِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ إِلَيْهِ عُكَّاشَةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا يُقَالُ عَكِشَ الشَّعْرُ وَيَعْكَشُ إِذَا الْتَوَى حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ أَنَّهُ مِنْ عَكَشَ الْقَوْمُ إِذَا حَمَلَ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ الْعُكَاشَةُ بِالتَّخْفِيفِ الْعَنْكَبُوتُ وَيُقَالُ أَيْضًا لِبَيْتِ النَّمْلِ وَمِحْصَنُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ ثمَّ نون آخِره هُوَ بن حُرْثَانَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَمِنْ حُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ كَانَ عُكَّاشَةُ مِنَ السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ الرِّجَالِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو مِحْصَنٍ وَهَاجَرَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَقَاتَلَ فِيهَا قَالَ بن إِسْحَاقَ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَيْرُ فَارِسٍ فِي الْعَرَبِ عُكَّاشَةُ.

     وَقَالَ  أَيْضًا قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ قِتَالًا شَدِيدًا حَتَّى انْقَطَعَ سَيْفُهُ فِي يَدِهِ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَزْلًا مِنْ حَطَبٍ فَقَالَ قَاتِلْ بِهَذَا فَقَاتَلَ بِهِ فَصَارَ فِي يَدِهِ سَيْفًا طَوِيلًا شَدِيدَ الْمَتْنِ أَبْيَضَ فَقَاتَلَ بِهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ فَكَانَ ذَلِكَ السَّيْفُ عِنْدَهُ حَتَّى اسْتُشْهِدَ فِي قِتَالِ الرِّدَّةِ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ سَنَةَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ثَانِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مِثْلُهُ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْهُ وَسَاقَ مُسْلِمٌ سَنَدَهُ قَالَ فَدَعَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حُصَيْنِ بْنِ نُمَيْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ قَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَهُ نَعَمْ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ سَأَلَ الدُّعَاءَ أَوَّلًا فَدَعَا لَهُ ثُمَّ اسْتَفْهَمَ قِيلَ أُجِبْتَ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ آخَرُ وَقَعَ فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ هَلْ قَالَ ادْعُ لِي أَوْ قَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا كَمَا وَقَعَ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي بَعْدَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَجَاءَ مِنْ طَرِيقٍ وَاهِيَةٍ أَنَّهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي الْمُبْهَمَاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حُذَيْفَةَ إِسْحَاقَ بْنِ بِشْرٍ الْبُخَارِيِّ أَحَدِ الضُّعَفَاءِ مِنْ طَرِيقَيْنِ لَهُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا انْصَرَفَ مِنْ غَزَاةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَسَاقَ قِصَّةً طَوِيلَةً وَفِيهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ ثَمَانُونَ صَفًّا مِنْهَا أُمَّتِي وَأَرْبَعُونَ صَفًّا سَائِرُ الْأُمَمِ وَلِي مَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ الْفَا يدْخلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ قِيلَ مَنْ هُمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ عُكَّاشَةَ مِنْهُمْ قَالَ فَاسْتُشْهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ الْحَدِيثَ وَهَذَا مَعَ ضَعْفِهِ وَإِرْسَالِهِ يُسْتَبْعَدُ مِنْ جِهَةِ جَلَالَةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَلَعَلَّهُ آخَرُ بِاسْمِ سَيِّدِ الْخَزْرَجِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَنِسْبَتِهِ فَإِنَّ فِي الصَّحَابَةِ كَذَلِكَ آخَرَ لَهُ فِي مُسْنَدِ بِقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ حَدِيثٌ وَفِي الصَّحَابَةِ سَعْدُ بْنُ عِمَارَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَلَعَلَّ اسْمَ أَبِيهِ تَحَرَّفَ .

     قَوْلُهُ  سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ اتَّفَقَ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ على ذَلِك الا مَا وَقع عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَزَّارِ وَأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَزَادَ فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ وَصَاحِبُهُ أَمَا لَوْ قُلْتُمْ لَقُلْتُ وَلَوْ.

قُلْتُ لَوَجَبَتْ وَفِي سَنَدِهِ عَطِيَّةُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدِ اخْتَلَفَتْ أَجْوِبَةُ الْعُلَمَاءِ فِي الْحِكْمَة فِي قَوْله سَبَقَك بهَا عكاشة فَأخْرج بن الْجَوْزِيِّ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عمرالزاهد أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنَ يَحْيَى الْمَعْرُوفَ بِثَعْلَبٍ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ مُنَافِقًا وَكَذَا نَقَلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ الْقَاضِي أَبِي الْعَبَّاسِ الْبِرْتِيِّ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ فَقَالَ كَانَ الثَّانِي مُنَافِقًا وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُسْأَلُ فِي شَيْءٍ إِلَّا أعطَاهُ فَأَجَابَهُ بذلك وَنقل بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ نَحْوَ قَول ثَعْلَب.

     وَقَالَ  بن نَاصِرٍ قَوْلُ ثَعْلَبٍ أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ لِأَنَّ سَنَدَهَا وَاهٍ وَاسْتَبْعَدَ السُّهَيْلِيُّ قَوْلَ ثَعْلَبٍ بِمَا وَقَعَ فِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ خِيَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا مَعَ كَوْنِهِ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ مِنَ الْأَنْصَارِ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ مَعْنَى قَوْلِهِ سَبَقَكَ أَيْ إِلَى إِحْرَازِ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَهِيَ التَّوَكُّلُ وَعَدَمُ التَّطَيُّرِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ لَسْتَ مِنْهُمْ أَوْ لَسْتَ عَلَى أَخْلَاقِهِمْ تَلَطُّفًا بِأَصْحَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُسْنَ أَدَبِهِ مَعَهُمْ.

     وَقَالَ  بن الْجَوْزِيِّ يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَوَّلَ سَأَلَ عَنْ صِدْقِ قَلْبٍ فَأُجِيبَ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ حَسْمُ الْمَادَّةِ فَلَوْ قَالَ لِلثَّانِي نَعَمْ لَأَوْشَكَ أَنْ يَقُومَ ثَالِثٌ وَرَابِعٌ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَصْلُحُ لِذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الثَّانِي مِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ مَا كَانَ عِنْدَ عُكَّاشَةَ فَلِذَلِكَ لَمْ يُجَبْ إِذْ لَوْ أَجَابَهُ لَجَازَ أَنْ يَطْلُبَ ذَلِكَ كُلُّ مَنْ كَانَ حَاضِرًا فَيَتَسَلْسَلُ فَسَدَّ الْبَابَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ كَانَ مُنَافِقًا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّحَابَةِ عَدَمُ النِّفَاقِ فَلَا يَثْبُتُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ إِلَّا بِنَقْلٍ صَحِيحٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَلَّ أَنْ يَصْدُرَ مِثْلُ هَذَا السُّؤَالِ إِلَّا عَنْ قَصْدٍ صَحِيح ويقين بِتَصْدِيق الرَّسُول وَكَيف يصدر ذَلِك من مُنَافِق والى هَذَا جنح بن تَيْمِيَّةَ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ بِالْوَحْيِ أَنَّهُ يُجَابُ فِي عُكَّاشَةَ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْآخَرِ.

     وَقَالَ  السُّهَيْلِيُّ الَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا أَنَّهَا كَانَتْ سَاعَةَ إِجَابَةٍ عَلِمَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتَّفَقَ أَنَّ الرَّجُلَ قَالَ بَعْدَ مَا انْقَضَتْ وَيُبَيِّنُهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ جَلَسُوا سَاعَةً يَتَحَدَّثُونَ وَفِي رِوَايَةِ بن إِسْحَاقَ بَعْدَ قَوْلِهِ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ وَبَرَدَتِ الدَّعْوَةُ أَيِ انْقَضَى وَقْتُهَا.

قُلْتُ فَتَحَصَّلَ لَنَا مِنْ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ عَلَى خَمْسَةِ أَجْوِبَةٍ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ وَجَدْتُ لِقَوْلِ ثَعْلَبٍ وَمَنْ وَافَقَهُ مُسْتَنَدًا وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَنْجَرٍ فِي مُسْنَدِهِ وَعُمَرُ بْنُ شَيْبَةَ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ مَوْلَى حَمْنَةَ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ وَهِيَ أُخْتُ عُكَّاشَةَ أَنَّهَا خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَقِيعِ فَقَالَ يُحْشَرُ مِنْ هَذِهِ الْمَقْبَرَةِ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا قَالَ وَأَنْتَ فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ أَنَا قَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ قَالَ.

قُلْتُ لَهَا لِمَ لَمْ يَقُلْ لِلْآخَرِ فَقَالَتْ أَرَاهُ كَانَ مُنَافِقًا فَإِنْ كَانَ هَذَا أَصْل مَا جَزَمَ بِهِ مَنْ قَالَ كَانَ مُنَافِقًا فَلَا يَدْفَع تَأْوِيل غَيْره إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا الظَّنُّ الْحَدِيثُ الثَّانِي





[ قــ :603 ... غــ :654] .

     قَوْلُهُ  عَبْدُ اللَّهِ هُوَ بن الْمُبَارك وَيُونُس هُوَ بن يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ لَكِنَّ مُعَاذَ بْنَ أَسَدٍ شَيْخَ الْبُخَارِيِّ فِيهِ مَعْرُوفٌ بالرواية عَن بن الْمُبَارك لَا عَن بن وَهْبٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ .

     قَوْلُهُ  يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي زُمْرَةٌ بِضَمِّ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمِيمِ هِيَ الْجَمَاعَة إِذا كَانَ بَعْضُهُمْ إِثْرَ بَعْضٍ .

     قَوْلُهُ  سَبْعُونَ أَلْفًا تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَعُرِفَ مِنْ مَجْمُوعِ الطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ هَؤُلَاءِ السَّبْعُونَ الَّذِينَ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَعْنَى الْمَعِيَّةِ فِي قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَاضِيَةِ مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَبْعُونَ الْفَا يحْتَمل أَنْ يَدْخُلُوا بِدُخُولِهِمْ تَبَعًا لَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِثْلُ أَعْمَالِهِمْ كَمَا مَضَى حَدِيثُ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْمَعِيَّةِ مُجَرَّدُ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَإِنْ دُخُولهَا فِي الزُّمْرَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ مَا بَعْدَهَا وَهَذِهِ أَوْلَى وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ مَنْ زَادَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَذَاكَ الَّذِي يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ فَذَاكَ الَّذِي يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَمَنْ أَوْبَقَ نَفْسَهُ فَهُوَ الَّذِي يُشْفَعُ فِيهِ بَعْدَ أَنْ يُعَذَّبَ وَفِي التَّقْيِيد بِقَوْلِهِ أُمَّتِي إِخْرَاجُ غَيْرِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مِنَ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ دُخُولِ أَحَدٍ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ مِنْ شِبْهِ الْقَمَرِ وَمِنَ الْأَوَّلِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَالْأَنْبِيَاءِ وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الشُّهَدَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالصَّالِحِينَ وَإِنْ ثَبَتَ حَدِيثُ أُمِّ قَيْسٍ فَفِيهِ تَخْصِيصٌ آخَرُ بِمَنْ يُدْفَنُ فِي الْبَقِيعِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ مَزِيَّةٌ عَظِيمَةٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

     قَوْلُهُ  تُضِيءُ وُجُوهُهُمْ إِضَاءَةَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمُرَادُ بِالصُّورَةِ الصِّفَةُ يَعْنِي أَنَّهُمْ فِي إِشْرَاقِ وُجُوهِهِمْ عَلَى صِفَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ تَمَامِهِ وَهِيَ لَيْلَةُ أَرْبَعَةَ عَشْرَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ أَنْوَارَ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَتَفَاوَتُ بِحَسَبِ دَرَجَاتِهِمْ.

قُلْتُ وَكَذَا صِفَاتُهُمْ فِي الْجَمَالِ وَنَحْوِهِ قَوْله يرفع نمرة عَلَيْهِ بِفَتْح النُّون وكسرالميم هِيَ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ كَالشَّمْلَةِ مُخَطَّطَةٌ بِسَوَادٍ وَبَيَاضٍ يَلْبَسُهَا الْأَعْرَابُ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ





[ قــ :604 ... غــ :6543] .

     قَوْلُهُ  أَبُو غَسَّانَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ ثَقِيلَةٍ أَبُو حَازِمٍ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ .

     قَوْلُهُ  لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا أَوْ سَبْعمِائَةِ أَلْفٍ شَكَّ فِي أَحَدِهِمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ لَا يَدْرِي أَبُو حَازِمٍ أَيَّهُمَا قَالَ .

     قَوْلُهُ  مُتَمَاسِكِينَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مُتَمَاسِكُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الصِّفَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ كَذَا فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِالنَّصْبِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  آخِذٌ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بَعْضُهُمْ بَعْضًا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُهُمْ وَآخِرُهُمْ هُوَ غَايَةٌ لِلتَّمَاسُكِ الْمَذْكُورِ وَالْأَخْذ بِالْأَيْدِي وَفِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمَاضِيَةِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ لَا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وَهَذَا ظَاهِرُهُ يَسْتَلْزِمُ الدَّوْرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ صَفًّا وَاحِدًا فَيَدْخُلُ الْجَمِيعُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَوَصَفَهُمْ بِالْأَوَّلِيَّةِ وَالْآخِرِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ الَّتِي جَازُوا فِيهَا عَلَى الصِّرَاطِ وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى سَعَةِ الْبَابِ الَّذِي يَدْخُلُونَ مِنْهُ الْجَنَّةَ قَالَ عِيَاضٌ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَوْنِهِمْ مُتَمَاسِكِينَ أَنَّهُمْ عَلَى صِفَةِ الْوَقَارِ فَلَا يسابق بَعضهم بَعْضًا بل يكون دُخُولِهِمْ جَمِيعًا.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ مُعْتَرِضِينَ صَفًّا وَاحِدًا بَعْضُهُمْ بِجَنْبِ بَعْضٍ تَنْبِيهٌ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَخُصُّ عُمُومَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رَفَعَهُ لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا عَمِلَ بِهِ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ انفقه وَله شَاهد عَن بن مَسْعُودٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ عُمُومُ الْحَدِيثِ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَبِمَنْ يَدْخُلُ النَّارَ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى يعرف المجرمون بِسِيمَاهُمْ الْآيَةَ.

قُلْتُ وَفِي سِيَاقِ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ إِشَارَة إِلَى الْخُصُوص وَذَلِكَ أَنه لَيْسَ كل أَحَدٌ عِنْدَهُ عِلْمٌ يُسْأَلُ عَنْهُ وَكَذَا الْمَالُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَهُ عِلْمٌ وَبِمَنْ لَهُ مَالٌ دُونَ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَمَنْ لَا عِلْمَ لَهُ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنِ الْجَسَدِ وَالْعُمُرِ فَعَامٌّ وَيَخُصُّ مِنَ الْمَسْئُولِينَ مَنْ ذُكِرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الرابعُ





[ قــ :605 ... غــ :6544] .

     قَوْلُهُ  يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيم أَي بن سعد وَصَالح هُوَ بن كَيْسَانَ .

     قَوْلُهُ  يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَن بن عُمَرَ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَى الْجَنَّةِ وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ أُتِيَ بِالْمَوْتِ وَوَقَعَ مِثْلُهُ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ ذِكْرِ الْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ فَإِذَا أَدْخَلَ اللَّهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجنَّة وَأهل النَّار النَّار اتى بِالْمَوْتِ ملبيا وَهُوَ بِمُوَحَّدَتَيْنِ .

     قَوْلُهُ  ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن زيد قبل هَذَا قِصَّةُ ذَبْحِ الْمَوْتِ وَلَفْظُهُ ثُمَّ جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ثُمَّ يُذْبَحُ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا الْمُنَادِي .

     قَوْلُهُ  يَا أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ خُلُودٌ أَمَّا .

     قَوْلُهُ  لَا مَوْتَ فَهُوَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فِيهِمَا.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  فِي آخِرِهِ خُلُودٌ فَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ يَعْقُوبَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بِتَقْدِيمِ نِدَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَقُلْ لَا مَوْتَ فِيهِمَا بَلْ قَالَ كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَكَذَا هُوَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ يَعْقُوبَ وَضَبْطُ خُلُودٌ فِي الْبُخَارِيِّ بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ أَيْ هَذَا الْحَالُ مُسْتَمِرٌّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ خَالِدٍ أَيْ أَنْتُمْ خَالِدُونَ فِي الْجَنَّةِ الْحَدِيثُ الخامسُ حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ





[ قــ :606 ... غــ :6545] .

     قَوْلُهُ  يُقَالُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ سَقَطَ لِغَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ .

     قَوْلُهُ  يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَثَبَتَ لِلْجَمِيعِ فِي مُقَابِلِهِ يَا أَهْلَ النَّارِ .

     قَوْلُهُ  لَا مَوْتَ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ لَا مَوْتَ فِيهِ وَسَيَأْتِي فِي ثَالِثِ أَحَادِيثِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ أَنَّ ذَلِكَ يُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ عِنْدَ ذَبْحِ الْمَوْتِ وَثَبَتَ ذَلِكَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تَنْبِيهٌ مُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ وَالَّذِي قَبْلَهُ لِتَرْجَمَةِ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِغَيْرِ حِسَابٍ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَخْلُدُ فِيهَا فَيَكُونُ لِلسَّابِقِ إِلَى الدُّخُولِ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ وَالله اعْلَم