فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من حلف بملة سوى ملة الإسلام

( قَولُهُ بَابُ مَنْ حَلَفَ عَلَى الشَّيْءِ)
وَإِنْ لَمْ يُحَلَّفْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فِي بَابُ كَيْفَ كَانَتْ يَمِينُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ لِذَلِكَ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ وَأَوْرَدَ هُنَا حَدِيثَ بن عُمَرَ فِي لُبْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَ الذَّهَبِ وَفِيهِ فَرَمَى بِهِ ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ اللِّبَاسِ وَقَدْ أَطْلَقَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اسْتِحْلَافٍ تُكْرَهُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ طَاعَةً وَالْأَوْلَى أَنْ يعبر بِمَا فِيهِ مصلحَة قَالَ بن الْمُنِيرِ مَقْصُودُ التَّرْجَمَةِ أَنْ يُخْرِجَ مِثْلُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لايمانكم يَعْنِي عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَاتِ فِيهَا لِئَلَّا يُتَخَيَّلَ أَنَّ الْحَالِفَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَحْلَفَ يَرْتَكِبُ النَّهْيَ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ يَخْتَصُّ بِمَا لَيْسَ فِيهِ قَصْدٌ صَحِيحٌ كَتَأْكِيدِ الْحُكْمِ كَالَّذِي وَرَدَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ مَنْعِ لُبْسِ خَاتَمِ الذَّهَب قَولُهُ بَابُ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى الْإِسْلَامِ الْمِلَّةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الدِّينُ وَالشَّرِيعَةُ وَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ جَمِيعَ الْمِلَلِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَمَنْ لَحِقَ بِهِمْ مِنَ الْمَجُوسِيَّةِ وَالصَّابِئَةِ وَأَهْلِ الْأَوْثَانِ وَالدَّهْرِيَّةِ وَالْمُعَطِّلَةِ وَعَبَدَةِ الشَّيَاطِينِ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ وَلَمْ يَجْزِمِ الْمُصَنِّفُ بِالْحُكْمِ هَلْ يَكْفُرُ الْحَالِفُ بِذَلِكَ أَوْ لَا لَكِنَّ تَصَرُّفَهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكْفُرَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلَّقَ حَدِيثَ مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى الْكُفْرِ وَتَمَامِ الِاحْتِجَاجِ أَنْ يَقُولَ لِكَوْنِهِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأَمْرِ بِقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ يَقْتَضِي الْكُفْرَ لَأَمَرَهُ بِتَمَامِ الشَّهَادَتَيْنِ وَالتَّحْقِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّفْصِيلُ الْآتِي وَقَدْ وَصَلَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَأَوْرَدَهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ فِي بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا أَوْ جَاهِلًا وَقَدَّمْتُ الْكَلَامَ عَلَيْهِ هُنَاكَ قَالَ بن الْمُنْذِرِ اخْتُلِفَ فِيمَنْ قَالَ أَكْفُرُ بِاللَّهِ وَنَحْوَ ذَلِك ان فعلت ثمَّ فعل فَقَالَ بن عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ كَافِرًا إِلَّا إِنْ أَضْمَرَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ.

     وَقَالَ  الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ هُوَ يَمِينٌ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَة قَالَ بن الْمُنْذِرِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً زَادَ غَيْرُهُ وَلِذَا قَالَ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ فَأَرَادَ التَّغْلِيظَ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَا يَجْتَرِئَ أَحَدٌ عَلَيْهِ وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمُ احْتَجُّوا لِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ بِأَنَّ فِي الْيَمِينِ الِامْتِنَاعَ مِنَ الْفِعْلِ وَتَضَمَّنَ كَلَامُهُ بِمَا ذُكِرَ تَعْظِيمًا لِلْإِسْلَامِ وَتُعُقِّبَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ قَالَ وَحَقِّ الْإِسْلَامِ إِذَا حَنِثَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةً فَأَسْقَطُوا الْكَفَّارَةَ إِذَا صَرَّحَ بِتَعْظِيمِ الْإِسْلَامِ وَأَثْبَتُوهَا إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ



[ قــ :6305 ... غــ :6652] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ تَقَدَّمَ فِي بَابُ مَنْ أَكْفَرَ أَخَاهُ عَنْ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ وُهَيْبٍ كَالَّذِي هُنَا وَقِيلَ ذَلِكَ فِي بَابُ مَا يُنْهَى مِنَ السِّبَابِ وَاللَّعْنِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِسَنَدِهِ بِزِيَادَةٍ وَلَيْسَ على بن آدَمَ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَسِيَاقُهُ أَتَمُّ مِنْ سِيَاقِ غَيْرِهِ فَإِنَّ مَدَارَهُ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَغَيْرِهَا عَلَى أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَأَيُّوبُ فَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَنَائِزِ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ فَاقْتَصَرَ عَلَى خَصْلَتَيْنِ الْأُولَى مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ خَالِدٍ وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَيُّوبَ كَذَلِكَ وَأَشَرْتُ إِلَى رِوَايَةِ عَلَيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى وَأَنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ خَمْسَ خِصَالٍ الْأَرْبَعُ الْمَذْكُورَاتُ فِي الْبَابِ وَالْخَامِسَةُ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ يَحْيَى فَذَكَرَ خَصْلَةَ النَّذْرِ وَلَعْنِ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْخَصْلَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ وَزَادَ بَدَلَهُمَا وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ فَاجِرَةٍ وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّةً فَإِذَا ضُمَّ بَعْضُ هَذِهِ الْخِصَالِ إِلَى بَعْضٍ اجْتَمَعَ مِنْهَا تِسْعَةٌ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ هُنَاكَ وَالْكَلَامُ عَلَى قَوْلِهِ وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ فِي بَابُ مَنْ أَكْفَرَ أَخَاهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ وَمَنْ قَذَفَ بَدَلَ رَمَى وَهُوَ بِمَعْنَاهُ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرَ الْإِسْلَامِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا فَهُوَ كَمَا قَالَ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْحَلِفُ بِالشَّيْءِ حَقِيقَةً هُوَ الْقَسَمُ بِهِ وَإِدْخَالُ بَعْضِ حُرُوفِ الْقَسَمِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ وَاللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى التَّعْلِيقِ بِالشَّيْءِ يَمِينٌ كَقَوْلِهِمْ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ فَالْمُرَادُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْحَلِفُ لِمُشَابَهَتِهِ بِالْيَمِينِ فِي اقْتِضَاء الْحَث وَالْمَنْعِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَعْنَى الثَّانِي لِقَوْلِهِ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا وَالْكَذِبُ يَدْخُلُ الْقَضِيَّةَ الْإِخْبَارِيَّةَ الَّتِي يَقَعُ مُقْتَضَاهَا تَارَةً وَلَا يَقَعُ أُخْرَى وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِنَا وَاللَّهِ وَمَا اشبهه فَلَيْسَ الْإِخْبَارُ بِهَا عَنْ أَمْرٍ خَارِجِيٍّ بَلْ هِيَ لِإِنْشَاءِ الْقَسَمِ فَتَكُونُ صُورَةَ الْحَلِفِ هُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْمُسْتَقْبَلِ كَقَوْلِهِ إِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ وَالثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي كَقَوْلِهِ إِنْ كَانَ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا مَنْ لَمْ يَرَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَفَّارَةً بَلْ جَعَلَ الْمُرَتَّبَ عَلَى كَذِبِهِ قَوْله فَهُوَ كَمَا قَالَ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَلَا يَكْفُرُ فِي صُورَةِ الْمَاضِي إِلَّا إِنْ قَصَدَ التَّعْظِيمَ وَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِكَوْنِهِ يَتَخَيَّرُ مَعْنًى فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمِينٌ لَمْ يَكْفُرْ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَكْفُرُ بِالْحِنْثِ بِهِ كَفَرَ لِكَوْنِهِ رَضِيَ بِالْكُفْرِ حِينَ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ.

     وَقَالَ  بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ إِذَا كَانَ كَاذِبًا وَالتَّحْقِيقُ التَّفْصِيلُ فَإِنِ اعْتَقَدَ تَعْظِيمَ مَا ذَكَرَ كَفَرَ وَإِنْ قَصَدَ حَقِيقَةَ التَّعْلِيقِ فَيُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ كَفَرَ لِأَنَّ إِرَادَةَ الْكُفْرِ كُفْرٌ وَإِنْ أَرَادَ الْبُعْدَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكْفُرْ لَكِنْ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَولُهُ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا قَالَ عِيَاضٌ تَفَرَّدَ بِزِيَادَتِهَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ يُسْتَفَادُ مِنْهَا أَنَّ الْحَالِفَ الْمُتَعَمِّدَ إِنْ كَانَ مُطْمَئِنَّ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ وَهُوَ كَاذِبٌ فِي تَعْظِيمِ مَا لَا يَعْتَقِدُ تَعْظِيمَهُ لَمْ يَكْفُرْ وَإِنْ قَالَهُ مُعْتَقِدًا لِلْيَمِينِ بِتِلْكَ الْمِلَّةِ لِكَوْنِهَا حَقًّا كَفَرَ وَإِنْ قَالَهَا لِمُجَرَّدِ التَّعْظِيمِ لَهَا احْتَمَلَ.

قُلْتُ وَيَنْقَدِحُ بِأَنْ يُقَالَ إِنْ أَرَادَ تَعْظِيمَهَا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَتْ قَبْلَ النَّسْخِ لَمْ يَكْفُرْ أَيْضًا وَدَعْوَاهُ أَنَّ سُفْيَانَ تَفَرَّدَ بِهَا إِنْ أَرَادَ بِالنِّسْبَةِ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَعَسَى فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَيُّوبَ وَسُفْيَانَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَبَيَّنَ أَنَّ لَفْظَ مُتَعَمِّدًا لِسُفْيَانَ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا سُفْيَانُ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بن زُرَيْع عَنْ خَالِدٍ وَكَذَا أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ خَالِدٍ وَلِهَذِهِ الْخَصْلَةُ فِي حَدِيثِ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيق الْحُسَيْن بْنِ وَاقِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ مَنْ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا لَمْ يَعُدْ إِلَى الْإِسْلَامِ سَالِمًا يَعْنِي إِذَا حَلَفَ بِذَلِكَ وَهُوَ يُؤَيِّدُ التَّفْصِيلَ الْمَاضِيَ وَيُخَصَّصُ بِهَذَا عُمُومُ الْحَدِيثِ الْمَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْكَلَامِ التَّهْدِيدُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْوَعِيدِ لَا الْحُكْمُ وَكَأَنَّهُ قَالَ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ مِثْلَ عَذَابِ مَنِ اعْتَقَدَ مَا قَالَ وَنَظِيرُهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ أَيِ اسْتوْجبَ عُقُوبَة من كفر.

     وَقَالَ  بن الْمُنْذِرِ .

     قَوْلُهُ  فَهُوَ كَمَا قَالَ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فِي نِسْبَتِهِ إِلَى الْكُفْرِ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَاذِبٌ كَكَذِبِ الْمُعَظِّمِ لِتِلْكَ الْجِهَةِ .

     قَوْلُهُ  وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَولُهُ بِشَيْءٍ أَعَمُّ مِمَّا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِحَدِيدَةٍ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ هَذَا مِنْ بَابِ مُجَانَسَةِ الْعُقُوبَاتِ الْأُخْرَوِيَّةِ لِلْجِنَايَاتِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ جِنَايَةَ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ كَجِنَايَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ فِي الْإِثْمِ لِأَنَّ نَفْسَهُ لَيْسَتْ مِلْكًا لَهُ مُطْلَقًا بَلْ هِيَ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا إِلَّا بِمَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ قِيلَ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَوْجَبَ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْقِصَاصِ خِلَافًا لمن خصصه بالمحدد ورده بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ لَا تُقَاسُ بِأَفْعَالِهِ فَلَيْسَ كُلُّ مَا ذُكِرَ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ فِي الْآخِرَةِ يُشْرَعُ لِعِبَادِهِ فِي الدُّنْيَا كَالتَّحْرِيقِ بِالنَّارِ مَثَلًا وَسَقْيِ الْحَمِيمِ الَّذِي يُقَطَّعُ بِهِ الْأَمْعَاءُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُسْتَدَلُّ لِلْمُمَاثِلَةِ فِي الْقِصَاصِ بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا وَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

( قَولُهُ بَابُ لَا يَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ وَهَلْ يَقُولُ أَنَا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ)
هَكَذَا بَتَّ الْحُكْمَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَتَوَقَّفَ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَسَبَبُهُ أَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَقَعَتْ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَسَاقَهُ مُطَوَّلًا فِيمَا مَضَى لَكِنْ إِنَّمَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ الْمَلَكِ عَلَى سَبِيلِ الِامْتِحَانِ لِلْمَقُولِ لَهُ فَتَطَرَّقَ إِلَيْهِ الِاحْتِمَالُ



[ قــ :6305 ... غــ :6653] .

     قَوْلُهُ  وقَال عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ إِلَخْ وَصَلَهُ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ وَسَاقَهُ بِطُولِهِ وَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ قَدْ يُطْلِقُ قَالَ لِبَعْضِ شُيُوخِهِ فِيمَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ وَيكون بَينهمَا وَاسِطَة وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِالصُّورَةِ الْأُولَى إِلَى مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ بِتَحْتَانِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ عَنْ قُتَيْلَةَ بِقَافٍ وَمُثَنَّاةٍ فَوْقَانِيَّةٍ وَالتَّصْغِيرِ امْرَأَةٌ مِنْ جُهَيْنَةَ أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ وَتَقُولُونَ وَالْكَعْبَةِ فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَأَنْ يَقُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ أَيْضًا وَأَحَمَدُ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَم عَن بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ إِذَا حَلَفَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَقُلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ وَلَكِنْ لِيَقُلْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ وَفِي أَوَّلِ حَدِيثِ النَّسَائِيِّ قِصَّةٌ وَهِيَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَلَفْظُهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ فَقَالَ لَهُ أَجَعَلْتَنِي وَاللَّهَ عَدْلًا لَا بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَحده واخرج احْمَد وَالنَّسَائِيّ وبن مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَأَى رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ نِعْمَ الْقَوْمُ أَنْتُمْ لَوْلَا أَنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشَاءَ مُحَمَّدٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قُولُوا مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شَاءَ مُحَمَّدٌ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَنَّ الرَّاوِيَ لِذَلِكَ هُوَ حُذَيْفَة الرَّاوِي هَذِه رِوَايَة بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ.

     وَقَالَ  أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سخيرة أخي عَائِشَة بِنَحْوِهِ أخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا وَهَكَذَا قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَشُعْبَةُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْحُفَّاظُ وَقَالُوا ان بن عُيَيْنَةَ وَهِمَ فِي قَوْلِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَاللَّهُ اعْلَم وَحكى بن التِّينِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الدَّاوُدِيِّ قَالَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ نَهْيٌ عَنِ الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ فِي التَّرْجَمَةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ من فَضله.

     وَقَالَ  تَعَالَى وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وانعمت عَلَيْهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
وَتَعَقَّبَهُ بِأَنَّ الَّذِي قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ تَشْرِيكٌ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَغْنَاهُمْ وَأَنَّ رَسُولَهُ أَغْنَاهُمْ وَهُوَ مِنَ اللَّهِ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ الَّذِي قَدَّرَ ذَلِكَ وَمِنَ الرَّسُولِ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارِ تَعَاطِي الْفِعْلِ وَكَذَا الْإِنْعَامُ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى زَيْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعِتْقِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُشَارَكَةِ فِي الْمَشِيئَةِ فَإِنَّهَا مُنْصَرِفَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْحَقِيقَةِ وَإِذَا نُسِبَتْ لِغَيْرِهِ فَبِطَرِيقِ الْمَجَازِ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ إِنَّمَا أَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ جَائِزٌ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ أَنَا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْمَعْنَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا جَازَ بِدُخُولِ ثُمَّ لِأَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ سَابِقَةٌ عَلَى مَشِيئَةِ خَلْقِهِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عَلَى شَرْطِهِ اسْتَنْبَطَ مِنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَى شَرْطِهِ مَا يُوَافِقُهُ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتَ وَكَانَ يَكْرَهُ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَبِكَ وَيُجِيزُ أَعُوذُ بِاللَّهِ ثمَّ بك وَهُوَ مُطَابق لحَدِيث بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا أَشَرْتُ إِلَيْهِ تَنْبِيهٌ مُنَاسَبَةُ إِدْخَالِ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ مِنْ جِهَةِ ذِكْرِ الْحَلِفِ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْتُ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قَدْ يُتَخَيَّلُ جَوَازُ الْيَمِينِ بِاللَّهِ ثُمَّ بِغَيْرِهِ عَلَى وِزَانِ مَا وَقَعَ فِي قَوْلِهِ أَنَا بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ ثَبَتَ عَنِ التَّشْرِيكِ وَوَرَدَ بِصُورَةِ التَّرْتِيبِ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ وَذَلِكَ فِيمَا عَدَا الْأَيْمَانَ أَمَّا الْيَمِينُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهَا صَرِيحًا فَلَا يُلْحَقُ بِهَا مَا وَرَدَ فِي غَيْرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ