فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ابني عم: أحدهما أخ للأم، والآخر زوج

( قَولُهُ بَابُ ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِلْأُمِّ وَالْآخَرُ زَوْجٌ)
صُورَتُهَا أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَأَتَتْ مِنْهُ بِابْنٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْرَى فَأَتَتْ مِنْهُ بِآخَرَ ثُمَّ فَارَقَ الثَّانِيَةَ فَتَزَوَّجَهَا أَخُوهُ فَأَتَتْ مِنْهُ بِبِنْتٍ فَهِيَ أُخْتُ الثَّانِي لِأُمِّهِ وَابْنَةُ عَمِّهِ فَتَزَوَّجَتْ هَذِهِ الْبِنْتُ الِابْنَ الْأَوَّلَ وَهُوَ بن عَمِّهَا ثُمَّ مَاتَتْ عَنِ ابْنَيْ عَمِّهَا .

     قَوْلُهُ  وقَال عَلِيٌّ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأَخِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الزَّوْجَ يُعْطَى النِّصْفَ لِكَوْنِهِ زَوْجًا وَيُعْطَى الْآخَرُ السُّدُسَ لِكَوْنِهِ أَخًا مِنْ أُمٍّ فَيَبْقَى الثُّلُثُ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِطَرِيقِ الْعُصُوبَةِ فَيَصِحُّ لِلْأَوَّلِ الثُّلُثَانِ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ وَلِلْآخَرِ الثُّلُثُ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ وَهَذَا الْأَثَرُ وَصَلَهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ حَكِيمِ بْنِ غَفَّالٍ قَالَ أُتِيَ شُرَيْحٌ فِي امْرَأَةٍ تَرَكَتِ ابْنَيْ عَمِّهَا أَحَدُهُمَا زَوْجُهَا وَالْآخَرُ أَخُوهَا لِأُمِّهَا فَجَعَلَ لِلزَّوْجِ النِّصْفَ وَالْبَاقِيَ لِلْأَخِ مِنَ الْأُمِّ فَأَتَوْا عَلِيًّا فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَأَرْسَلَ إِلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ مَا قَضَيْتَ أَبِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ سنة مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ أَيْنَ قَالَ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله قَالَ فَهَلْ قَالَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأَخِ مَا بَقِيَ ثُمَّ أَعْطَى الزَّوْجَ النِّصْفَ وَلِلْأَخِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسَ ثُمَّ قَسَمَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا وَأَخْرَجَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَالدَّارِمِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ قَالَ أُتِيَ عَلِيٌّ فِي ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يُعْطِي الْأَخَ لِلْأُمِّ الْمَالَ كُلَّهُ فَقَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ إِنْ كَانَ لَفَقِيهًا وَلَوْ كُنْتُ أَنَا لَأَعْطَيْتُ الْأَخَ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسَ ثمَّ قسمت مَا بقى بَينهمَا قَالَ بن بَطَّالٍ وَافَقَ عَلِيًّا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَالْجُمْهُورُ.

     وَقَالَ  عمر وبن مَسْعُودٍ جَمِيعُ الْمَالِ يَعْنِي الَّذِي يَبْقَى بَعْدَ نَصِيبِ الزَّوْجِ لِلَّذِي جَمَعَ الْقَرَابَتَيْنِ فَلَهُ السُّدُسُ بِالْفَرْضِ وَالثُّلُثُ الْبَاقِي بِالتَّعْصِيبِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ وَاحْتَجُّوا بِالْإِجْمَاعِ فِي أَخَوَيْنِ أَحَدُهُمَا شَقِيقٌ وَالْآخَرُ لِأَبٍ أَنَّ الشَّقِيقَ يَسْتَوْعِبُ الْمَالَ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ بِأُمٍّ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَوْرَدَهُ فِي الْبَابِ بِلَفْظِ فَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَمَالُهُ لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ وَالْمُرَادُ بِمَوَالِي الْعَصَبَةِ بَنُو الْعَمِّ فَسَوَّى بَيْنَهُمْ وَلَمْ يُفَضِّلْ أَحَدًا عَلَى أَحَدٍ وَكَذَا قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ فِي قَوْلِهِ وَإِنِّي خِفْتُ الموَالِي من ورائي أَيْ بَنِي الْعَمِّ فَإِنِ احْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ الْمَذْكُور فِي الْبَاب أَيْضا من حَدِيث بن عَبَّاسٍ فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ فَالْجَوَابُ أَنَّهُمَا مِنْ جِهَةِ التَّعْصِيبِ سَوَاءً وَالتَّقْدِيرُ أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا أَيْ أَعْطُوا أَصْحَابَ الْفُرُوضِ حَقَّهُمْ فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَهُوَ لِلْأَقْرَبِ فَلَمَّا أَخَذَ الزَّوْجُ فَرْضَهُ وَالْأَخُ مِنَ الْأُمِّ فَرْضَهُ صَارَ مَا بَقِيَ مَوْرُوثًا بِالتَّعْصِيبِ وَهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَقَدْ أَجْمَعُوا فِي ثَلَاثَةِ إِخْوَةٍ للْأُم أحدهم بن عَمٍّ أَنَّ لِلثَّلَاثَةِ الثُّلُثَ وَالْبَاقِيَ لِابْنِ الْعَمِّ قَالَ الْمَازِرِيُّ مَرَاتِبُ التَّعْصِيبِ الْبُنُوَّةُ ثُمَّ الْأُبُوَّةُ ثُمَّ الْجُدُودَةُ فَالِابْنُ أَوْلَى مِنَ الْأَبِ وَإِنْ فُرِضَ لَهُ مَعَهُ السُّدُسُ وَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْإِخْوَةِ وَبَنِيهِمْ لِأَنَّهُمْ يَنْتَسِبُونَ بِالْمُشَارَكَةِ فِي الْأُبُوَّةِ وَالْجُدُودَةِ وَالْأَبُ أَوْلَى مِنَ الْإِخْوَةِ وَمِنَ الْجَدِّ لِأَنَّهُمْ بِهِ يَنْتَسِبُونَ فَيَسْقُطُونَ مَعَ وُجُودِهِ وَالْجَدُّ أَوْلَى مِنْ بَنِي الْإِخْوَةِ لِأَنَّهُ كَالْأَبِ مَعَهُمْ وَمِنَ الْعُمُومَةِ لِأَنَّهُمْ بِهِ يَنْتَسِبُونَ وَالْإِخْوَةُ وَبَنُوهُمْ أَوْلَى مِنَ الْعُمُومَةِ وَبَنِيهِمْ لِأَنَّ تَعْصِيبَ الْإِخْوَةِ بِالْأُبُوَّةِ وَالْعُمُومَةِ بِالْجُدُودَةِ هَذَا تَرْتِيبُهُمْ وَهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي الْقُرْبِ فَالْأَقْرَبُ أَوْلَى كَالْإِخْوَةِ مَعَ بَنِيهِمْ وَالْعُمُومَةِ مَعَ بَنِيهِمْ فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الطَّبَقَةِ وَالْقُرْبِ وَلِأَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ كَالشَّقِيقِ مَعَ الْأَخِ لِأَبٍ قُدِّمَ وَكَذَا الْحَالُ فِي بَنِيهِمْ وَفِي الْعُمُومَةِ وَبَنِيهِمْ فَإِنْ كَانَتْ زِيَادَةُ التَّرْجِيحِ بِمَعْنَى غَيْرِ مَا هُمَا فِيهِ كَابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لأم فَقيل يسْتَمر التَّرْجِيح فَيَأْخُذ بن الْعَمِّ الَّذِي هُوَ أَخٌ لِأُمٍّ جَمِيعَ مَا بَقِيَ بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وبن مَسْعُود وَشُرَيْح وَالْحسن وبن سِيرِينَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالطَّبَرِيِّ وَدَاوُدَ وَنُقِلَ عَنْ أَشْهَبَ وَأَبَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا بَلْ يَأْخُذُ الْأَخُ مِنَ الْأُمِّ فَرْضَهُ وَيَقْسِمُ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَبَيْنَ تَقَدُّمِ الشَّقِيقِ عَلَى الْأَخِ لِأَبٍ طَرِيقُ التَّرْجِيحِ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهَا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَعْنًى مُنَاسِبٌ لِجِهَةِ التَّعْصِيبِ لِأَنَّ الشَّقِيقَ شَارَكَ شَقِيقَهُ فِي جِهَةِ الْقُرْبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالتَّعْصِيبِ بِخِلَافِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالله اعْلَم



[ قــ :6393 ... غــ :6745] قَوْله حَدثنَا مَحْمُود هُوَ بن غيلَان وَعبيد الله شَيْخه هُوَ بن مُوسَى وَقَدْ حَدَّثَ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ كَثِيرًا بِغَيْرِ وَاسِطَة وَإِسْرَائِيل هُوَ بن يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ وَأَبُو حَصِينٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ وَأَبُو صَالِحٍ هُوَ ذَكْوَانُ السَّمَّانُ .

     قَوْلُهُ  أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْأَصِيلِيِّ هُنَا وأزواجه أُمَّهَاتُهُمْ قَالَ عِيَاضٌ وَهِيَ زِيَادَةٌ فِي الْحَدِيثِ لَا معنى لَهَا هُنَا قَول فلأدعي لَهُ قَالَ بن بَطَّالٍ هِيَ لَامُ الْأَمْرِ أَصْلُهَا الْكَسْرُ وَقَدْ تُسَكَّنُ مَعَ الْفَاءِ وَالْوَاوُ غَالِبًا فِيهِمَا وَإِثْبَاتُ الْأَلْفِ بَعْدَ الْعَيْنِ جَائِزٌ كَقَوْلِهِ أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَخْبَارُ تَنْمِي وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِشْبَاعِ لِلْجَزْمِ وَالْمَعْنَى فَادْعُونِي لَهُ أَقُومُ بِكَلِّهِ وَضَيَاعِهِ .

     قَوْلُهُ  وَالْكَلُّ الْعِيَالُ ثَبَتَ هَذَا التَّفْسِيرُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي والْكُشْمِيهَنِيِّ وَأَصْلُ الْكَلِّ الثِّقَلُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ أَمْرٍ يَصْعُبُ وَالْعِيَالُ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْأَسَاسِ كَلَّ بَصَرُهُ فَهُوَ كَلِيلٌ وَكَلَّ عَنِ الْأَمْرِ لَمْ تَنْبَعِثْ نَفْسُهُ لَهُ وَكَلَّ كَلَالَةً أَيْ قَصُرَ عَن بُلُوغ الْقَرَابَة وَقد مضى شرح حَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي أَوَائِلِ الْفَرَائِضِ وَرَوْحٌ شَيْخُ يَزِيدَ بن زُرَيْع فِيهِ هُوَ بن الْقَاسِم الْعَنْبَري