فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب إثم من تبرأ من مواليه

( قَولُهُ بَابُ إِثْمِ مَنْ تَبَرَّأَ مِنْ مَوَالِيهِ)
هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَرَجُلٌ أَنْعَمَ عَلَيْهِ قَوْمٌ فَكَفَرَ نِعْمَتَهُمْ وَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ عِنْدَ أَحْمَدَ كُفْرٌ بِاللَّهِ تَبَرُّؤٌ مِنْ نَسَبٍ وَإِنْ دَقَّ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ أَبِي بكر الصّديق وَأما حَدِيث الْبَاب فلفظه مَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَمِثْلُهُ لِأَحْمَدَ وبن ماجة وَصَححهُ بن حبَان عَن بن عَبَّاسٍ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهُ الْمُتَتَابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَدْ مَضَى شَرْحُ حَدِيثِ الْبَابِ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ وَفِي الْجِزْيَةِ وَيَأْتِيِ فِي الدِّيَاتِ وَفِي مَعْنَى حَدِيثِ عَلِيٍّ فِي هَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا مَنْ تَوَلَّى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ من النَّار صَححهُ بن حِبَّانَ وَوَالِدُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ الرَّاوِي لَهُ عَنْ عَلِيٍّ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ شَرِيكٍ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو جُحَيْفَةَ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّوَائِيُّ وَمَضَى فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَذَكَرْتُ هُنَاكَ وَفِي فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ عَنْ عَلِيٍّ فِيمَا فِي الصَّحِيفَةِ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا رَوَوْهُ مِنْ ذَلِكَ كَانَ فِيهَا وَكَانَ فِيهَا أَيْضًا مَا مَضَى فِي الْخَمْسِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ أَبَاهُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَرْسَلَهُ إِلَى عُثْمَانَ بِصَحِيفَةٍ فِيهَا فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ رِوَايَةَ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيٍّ فِي نَحْو حَدِيثِ الْبَابِ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ فِي صَحِيفَتِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ وَذَكَرْتُ فِي الْعِلْمِ سَبَبَ تَحْدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَإِعْرَابَ



[ قــ :6403 ... غــ :6755] قَوْلِهِ إِلَّا كِتَابَ اللَّهِ وَتَفْسِيرَ الصَّحِيفَةِ وَتَفْسِيرَ الْعقل وَمِمَّا وَقع فِيهِ فِي الْعلم لايقتل مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَأَحَلْتُ بِشَرْحِهِ عَلَى كِتَابِ الدِّيَاتِ وَالَّذِي تَضَمَّنَهُ حَدِيثُ الْبَابِ مِمَّا فِي الصَّحِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا الْجِرَاحَاتُ وَأَسْنَانُ الْإِبِلِ وَسَيَأْتِي شَرْحُهُ فِي الدِّيَاتِ وَهَلِ الْمُرَادُ بِأَسْنَانِ الْإِبِلِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْخَرَاجِ أَوِ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالزَّكَاةِ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ثَانِيهَا الْمَدِينَةُ حَرَمٌ وَقَدْ مَضَى شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي مَكَانِهِ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ وَذَكَرْتُ فِيهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّنَدِ وَبَيَانَ الِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ الصَّرْفِ وَالْعَدْلِ ثَالِثُهَا وَمَنْ وَالَى قَوْمًا هُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا وَقَولُهُ فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ قَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ أَنَّ الْخَطَّابِيَّ زَعَمَ أَنَّ لَهُ مَفْهُومًا وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا اسْتَأْذَنَ مَوَالِيَهُ مَنَعُوهُ ثُمَّ رَاجَعْتُ كَلَامَ الْخَطَّابِيِّ وَهُوَ لَيْسَ إِذْنُ الْمَوَالِي شَرْطًا فِي ادِّعَاءِ نَسَبٍ وَوَلَاءٍ لَيْسَ هُوَ مِنْهُ وَإِلَيْهِ وَإِنَّمَا ذُكِرَ تَأْكِيدًا لِلتَّحْرِيمِ وَلِأَنَّهُ إِذَا اسْتَأْذَنَهُمْ مَنَعُوهُ وَحَالُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى وَهَذَا لَا يَطَّرِدُ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَتَوَاطَئُونَ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ لِغَرَضٍ مَا وَالْأَوْلَى مَا قَالَ غَيْرُهُ إِنَّ التَّعْبِيرَ بِالْإِذْنِ لَيْسَ لِتَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِعَدَمِ الْإِذْنِ وَقَصْرِهِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَرَدَ الْكَلَامُ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ الْغَالِبُ انْتَهَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَنْ تَوَلَّى شَامِلًا لِلْمَعْنَى الْأَعَمِّ مِنَ الْمُوَالَاةِ وَأَنَّ مِنْهَا مُطْلَقَ النُّصْرَةِ وَالْإِعَانَةِ وَالْإِرْثِ وَيَكُونُ .

     قَوْلُهُ  بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ يَتَعَلَّقُ بِمَفْهُومِهِ بِمَا عَدَا الْمِيرَاثَ وَدَلِيلُ إِخْرَاجِهِ حَدِيثُ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَحَظَ هَذَا فَعَقَّبَ الْحَدِيثَ بِحَدِيث بن عُمَرَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إِذَا مُنِعَ السَّيِّدُ مِنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ مَعَ مَا تَحَصَّلَ لَهُ مِنَ الْعِوَضِ وَمِنْ هِبَتِهِ مَعَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْمَانَّةِ بِذَلِكَ فَمَنْعُهُ مِنَ الْإِذْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَا مَانَّةٍ أَوْلَى وَهُوَ مُنْدَرِجٌ فِي الْهِبَةِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ انْتِمَاءَ الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلُ إِلَى غَيْرِ مَوْلَاهُ مِنْ فَوْق حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرِ النِّعْمَةِ وَتَضْيِيعِ حَقِّ الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ وَالْعَقْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبِهِ اسْتَدَلَّ مَالِكٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ بن وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ قَالَ سُئِلَ عَنْ عَبْدٍ يَبْتَاعُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ عَلَى أَنَّهُ يُوَالِي مَنْ شَاءَ فَقَالَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِحَدِيث بن عُمَرَ ثُمَّ قَالَ فَتِلْكَ الْهِبَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا وَقَدْ شَذَّ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ بِالْأَخْذِ بِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ فِيمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ عَنْهُ إِنْ أَذِنَ الرَّجُلُ لِمَوْلَاهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ جَازَ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ بن بَطَّالٍ وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ عَطَاءٌ قَالَ وَيُحْمَلِ حَدِيثُ عَلِيٍّ عَلَى أَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تقتلُوا أَوْلَادكُم خشيَة إملاق وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَتْلَ الْوَلَدِ حَرَامٌ سَوَاءٌ خَشِيَ الْإِمْلَاقَ أَمْ لَا وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ.

قُلْتُ قَدْ سَبَقَ عَطَاءً إِلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ عُثْمَان فروى بن الْمُنْذِرِ أَنَّ عُثْمَانَ اخْتَصَمُوا إِلَيْهِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ فَقَالَ لِلْعَتِيقِ وَالِ مَنْ شِئْتَ وَأَنَّ مَيْمُونَةَ وَهَبَتْ وَلَاءَ مَوَالِيهَا لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ مُقَدَّمٌ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْ هَؤُلَاءِ أَوْ بَلَغَهُمْ وَتَأَوَّلُوهُ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ على خلاف قَوْلهم قَالَ بن بَطَّالٍ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَتِيقِ أَن يكْتب فلَان بن فُلَانٍ وَيُسَمِّيَ نَفْسَهُ وَمَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ بَلْ يَقُولُ فُلَانٌ مَوْلَى فُلَانٍ وَلَكِنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَسِبَ إِلَى نَسَبِهِ كَالْقُرَشِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُفْصِحَ بِذَلِكَ أَيْضًا كَأَنْ يَقُولَ الْقُرَشِيُّ بِالْوَلَاءِ أَوْ مَوْلَاهُمْ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَفَعَلَهُ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ لِمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الْوَعِيدِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ وَفِيهِ جَوَازُ لَعْنِ أَهْلِ الْفِسْقِ عُمُومًا وَلَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ رَابِعُهَا وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ الثَّانِيِ فَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ الْعِتْقِ وَأَحَلْتُ بِشَرْحِهِ عَلَى مَا هُنَا





[ قــ :6404 ... غــ :6756] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ هَكَذَا قَالَ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْهُ مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَوَكِيعٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَغَيْرُهُمْ .

     قَوْلُهُ  عَنِ بن عُمَرَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَن شُعْبَة وسُفْيَان عَن بن دِينَار سَمِعت بن عُمَرَ وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ حَتَّى قَالَ مُسْلِمٌ لَمَّا أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ النَّاسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِيَالٌ عَلَيْهِ.

     وَقَالَ  التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ رَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدٌ وَسُفْيَانُ وَمَالِكٌ وَيُرْوَى عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ وَدِدْتُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ لَمَّا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَذِنَ لِي حَتَّى كُنْتُ أَقُومُ إِلَيْهِ فَأُقَبِّلُ رَأْسَهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ.

قُلْتُ وَصَلَ رِوَايَة يحيى بن سليم بن مَاجَهْ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ فَقَدْ تَابَعَهُ أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِهِمَا لَكِنْ قَرَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَافِعًا بِعَبْد الله بن دِينَار وَأخرجه بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَسَاقَهُ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَار جَمِيعًا عَن بن عُمَرَ.

     وَقَالَ  عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ غَرِيبٌ وَقَدِ اعْتَنَى أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ بِجَمْعِ طُرُقِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فَأَوْرَدَهُ عَنْ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ نَفْسًا مِمَّنْ حَدَّثَ بِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ مِنْهُمْ مِنَ الْأَكَابِرِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَيَزِيدُ بْنُ الْهَادِ وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ وَهَؤُلَاءِ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَمِمَّنْ دُونَهُمْ مِسْعَرٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَوَرْقَاءُ وَأَيُّوبُ بْنُ مُوسَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ وَأَبُو أُوَيْسٍ وَمِمَّنْ لم يَقع لَهُ بن جُرَيْجٍ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَازِمٍ الْمُغَافِرِيِّ فِي جُزْءِ الْهَرَوِيِّ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ قَوْله عَن بن عُمَرَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الْحَفْرِيِّ عَنْ سُفْيَان عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ سَمِعت بن عُمَرَ وَكَذَا مَضَى فِي الْعِتْقِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَفِي مُسْنَدِ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ شُعْبَةَ.

قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا من بن عُمَرَ قَالَ نَعَمْ سَأَلَهُ ابْنُهُ عَنْهُ وَذَكَرَهُ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ بَهْزِ بْنِ أَسَدٍ عَنْ شُعْبَةَ.

قُلْتُ لِابْنِ دِينَارٍ أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنِ بن عُمَرَ قَالَ نَعَمْ وَسَأَلَهُ ابْنُهُ حَمْزَةُ عَنْهُ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَفَّانَ عَنْ شُعْبَةَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ شُعْبَةَ قَالَ.

قُلْتُ لِابْنِ دِينَارٍ آللَّهِ لقد سَمِعت بن عُمَرَ يَقُولُ هَذَا فَيَحْلِفُ لَهُ وَقِيلَ لِابْنِ عُيَيْنَةَ إِنَّ شُعْبَةَ يَسْتَحْلِفُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ قَالَ لَكِنَّا لَمْ نَسْتَحْلِفْهُ سَمِعْتُهُ مِنْهُ مِرَارًا رُوِّينَاهُ فِي مُسْنَدِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ بن دِينَارٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ شِرَاءِ الْوَلَاءِ فَذكر الحَدِيث فَهَذَا ظَاهره أَن بن دِينَار لم يسمعهُ من بن عمر وَلَيْسَ كَذَلِك.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ تَفَرَّدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ وَهُوَ مِنَ الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْخَبَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَنَّهُ نَقَلَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.

قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ بن عُمَرَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ كَمَا مَضَى فِي الْعِتْقِ لَكِنْ جَاءَتْ عَنْهُ صِيغَةُ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ مَالِكٍ وَلَفْظُهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا بِلَفْظِ الْوَلَاءُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَفِي رِوَايَةِ عِتْبَانِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ شُعْبَةَ مِثْلُهُ ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَان الخراز فِي السَّنَد عَن بن عُمَرَ عَنْ عُمَرَ فَوَهِمَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا وَضَعَّفَهُ وَاتَّفَقَ جَمِيعُ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى هَذَا اللَّفْظِ وَخَالَفَهُمْ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ بن عُمَرَ بِلَفْظِ الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ طَرِيقِهِ الْحَاكِمُ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ وَأَدْخَلَ بِشْرَ بْنَ الْوَلِيدِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَبَيْنَ بن دِينَارٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَبُو يعلى فِي مُسْنده عَنهُ وَأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي يَعْلَى وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَعْيَنَ عَنْ بِشْرٍ فَزَادَ فِي الْمَتْنِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ إِنَّمَا الْوَلَاءُ نَسَبٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ وَالْمَحْفُوظُ فِي هَذَا مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمسيب مَوْقُوفًا عَلَيْهِ الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ وَكَذَا مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ الْوَلَاءُ لَيْسَ بِمُنْتَقِلٍ وَلَا مُتَحَوِّلٍ وَفِي سَنَدِهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ جميل وَهُوَ مَجْهُول نعم عَن بن عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ لَا يجوز بَيْعه وَلَا هِبته.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَحْوِيلُ النَّسَبِ فَإِذَا كَانَ حُكْمُ الْوَلَاءِ حُكْمَ النَّسَبِ فَكَمَا لَا يَنْتَقِلُ النَّسَبُ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَنْقُلُونَ الْوَلَاءَ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَنَهَى الشَّرْع عَن ذَلِك.

     وَقَالَ  بن عَبْدِ الْبَرِّ اتَّفَقَ الْجَمَاعَةُ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّهَا وَهَبَتْ وَلَاءَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ وروى عبد الرَّزَّاق عَن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْذَنَ لِعَبْدِهِ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ.

قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ جَاءَ عَنْ عُثْمَانَ جَوَازُ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَكَذَا عَنْ عُرْوَةَ وَجَاءَ عَنْ مَيْمُونَةَ جَوَاز هبة الْوَلَاء وَكَذَا عَن بن عَبَّاسٍ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمُ الْحَدِيثُ.

قُلْتُ قَدْ انكر ذَلِك بن مَسْعُودٍ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ أَيَبِيعُ أَحَدُكُمْ نَسَبَهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ الْوَلَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ النَّسَبِ وَمِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ بَيْعَ الْوَلَاءِ وهبته وَمن طَرِيق عَطاء أَن بن عُمَرَ كَانَ يُنْكِرُهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ لَا يَجُوزُ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَمِنْ ثَمَّ فصلوا فِي النَّقْل عَن بن عَبَّاس بَين البيع وَالْهِبَة.

     وَقَالَ  بن الْعَرَبِيِّ مَعْنَى الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ أَنَّ اللَّهَ أَخْرَجَهُ بِالْحُرْمَةِ إِلَى النَّسَبِ حُكْمًا كَمَا أَنَّ الْأَبَ أَخْرَجَهُ بِالنُّطْفَةِ إِلَى الْوُجُودِ حِسًّا لِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ لَا يَقْضِي وَلَا يَلِي وَلَا يَشْهَدُ فَأَخْرَجَهُ سَيِّدُهُ بِالْحُرِّيَّةِ إِلَى وُجُودِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مِنْ عَدَمِهَا فَلَمَّا شَابَهَ حُكْمَ النَّسَبِ أُنِيطَ بِالْمُعْتَقِ فَلِذَلِكَ جَاءَ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَأُلْحِقَ بِرُتْبَةِ النَّسَبِ فَنُهِيَ عَنْ بَيْعِهِ وَهِبَتِهِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ اسْتُدِلَّ لِلْجُمْهُورِ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ أَمْرٌ وَجُودِيٌّ لَا يَتَأَتَّى الِانْفِكَاكُ عَنْهُ كَالنَّسَبِ فَكَمَا لَا تَنْتَقِلُ الْأُبُوَّةُ وَالْجُدُودَةُ فَكَذَلِكَ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ إِلَّا أَنَّهُ يَصِحُّ فِي الْوَلَاءِ جُرْمًا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْمِيرَاثِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ عَبْدٌ مُعْتَقَةَ آخَرَ فَوُلِدَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ حُرًّا لِحُرِّيَّةِ أُمِّهِ فَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِمَوَالِيهَا لَوْ مَاتَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلَوْ أَعْتَقَ السَّيِّدُ أَبَاهُ قَبْلَ مَوْتِ الْوَلَدِ فَإِنَّ وَلَاءَهُ يَنْتَقِلُ إِذَا مَاتَ لِمُعْتِقِ أَبِيهِ اتِّفَاقًا انْتَهَى وَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي الْأَصْلِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْوَلَاءَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لِأَنَّ التَّشْبِيهَ لَا يَسْتَلْزِمُ التَّسْوِيَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَاخْتُلِفَ فِيمَنِ اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ كَالْمُكَاتَبِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ وَلَاءَهُ لِسَيِّدِهِ وَقِيلَ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ وَفِي وَلَاءِ مَنْ أَعْتَقَ سائبة وَقد تقدم قَرِيبا