فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب إثم الزناة

( قَولُهُ بَابُ إِثْمِ الزُّنَاةِ)
بِضَمِّ أَوَّلِهِ جَمْعُ زَانٍ كَرُمَاةِ وَرَامٍ .

     قَوْلُهُ  وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَزْنُونَ يُشِيرُ إِلَى الْآيَةِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ وَأَوَّلُهَا وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَالْمُرَادُ .

     قَوْلُهُ  فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَمَنْ يفعل ذَلِك يلق أثاما وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَهُوَ فِي آخِرِ طَرِيقِ مُسَدَّدٍ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ فَقَالَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ حَلِيلَةَ جَارِكِ قَالَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِلَى قَوْله وَلَا يزنون وَوَقَعَتْ فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَش وسَاق إِلَى قَوْله يلق أثاما وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ كَمَا بَيَّنَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ كِلَاهُمَا عَنْ وَاصِلٍ الْأَحْدَبِ وَسَاقَهُ إِلَى قَوْله تَعَالَى ويخلد فِيهِ مهانا وَوَقَعَ لِغَيْرِ أَبِي ذَرٍّ بِحَذْفِ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ وَقَوْلُ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً زَادَ فِي رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَالْمَشْهُورُ فِي الزِّنَا الْقَصْرُ وَجَاءَ الْمَدُّ فِي بَعْضِ اللُّغَاتِ وَذَكَرَ فِي الْبَابِ أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ



[ قــ :6455 ... غــ :6808] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا فِي رِوَايَةٍ غَيْرِ أَبِي ذَرٍّ وَالنَّسَفِيِّ أَخْبَرَنَا .

     قَوْلُهُ  دَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَزْنَ عَظِيمٍ هُوَ الْبَاهِلِيُّ يُكْنَى أَبَا سُلَيْمَانَ بَصْرِيٌّ صَدُوقٌ قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ.

     وَقَالَ  الْبُخَارِيُّ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ.

قُلْتُ وَلَمْ يُخَرِّجْ عَنْهُ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُنَا فَقَطْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِزِيَادَةٍ فِي أَوَّلِهِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  فِيهِ وَيَظْهَرُ الزِّنَا أَيْ يَشِيعُ وَيَشْتَهِرُ بِحَيْثُ لَا يُتَكَاتَمُ بِهِ لِكَثْرَةِ مَنْ يَتَعَاطَاهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ سَبَبُ قَوْلِ أَنَسٍ لَا يُحَدِّثُكُمُوهُ أَحَدٌ بَعْدِي الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيث بن عَبَّاس



[ قــ :6456 ... غــ :6809] لَا يَزْنِي الزَّانِي وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي شَرْحِ حَدِيثِ أبي هُرَيْرَة فِي أول الْحُدُود وَقَول بن جَرِيرٍ إِنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ بِصِيغَةِ النَّهْيِ لَا يَزْنِيَنَّ مُؤْمِنٌ وَإِنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَهُ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ وَسَاقه بِسَنَدِهِ عَن بن عَبَّاسٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْمَذْكُورُ فِي السَّنَدِ هُوَ الْوَاسِطِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْأَزْرَقِ وَالْفُضَيْلُ بِفَاءٍ وَمُعْجَمَةٍ مُصَغَّرٌ وَأَبُو غَزْوَانَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ زَايٍ سَاكِنَةٍ بِوَزْنِ شَعْبَانَ وَقَولُهُ فِيهِ قَالَ عِكْرِمَةُ إِلَخْ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَقَولُهُ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ هُودٍ الْوَاسِطِيِّ عَنْ خَالِدٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ.

     وَقَالَ  هَكَذَا فَوَصَفَ صِفَةً لَا أَحْفَظُهَا وَقَدْ قَدَّمْتُ الْكَلَامَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَاكَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحِكَايَةُ تَأْوِيلِ





[ قــ :6457 ... غــ :6810] لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا كَفَّرَ أَحَدًا بِالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالشُّرْبِ يَعْنِي مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ يَعْنِي الْبَاقِرَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَى الْإِسْلَامِ يَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَ الْإِيمَانَ أَخَصَّ مِنَ الْإِسْلَامِ فَإِذَا خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ بَقِيَ فِي الْإِسْلَامِ وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيمَانِ هُنَا كَمَالُهُ لَا أَصْلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ وقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْلِهِ فِي آخِرِهِ وَالتَّوْبَةُ مَعْرُوضَةٌ بَعْدُ الحَدِيث الرَّابِع حَدِيث عبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ





[ قــ :6458 ... غــ :6811] .

     قَوْلُهُ  عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْفَلَّاسُ وَيَحْيَى هُوَ بن سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَسُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ وَمَنْصُورٌ هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ وَسُلَيْمَانُ هُوَ الْأَعْمَشُ وَأَبُو وَائِلٍ هُوَ شَقِيقٌ وَأَبُو مَيْسَرَةَ هُوَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ وواصل الْمَذْكُور فِي السَّنَد الثَّانِي هُوَ بن حَيَّانَ بِمُهْمَلَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْأَحْدَبِ وَرِجَالُ السَّنَدِ مِنْ سُفْيَانَ فَصَاعِدًا كُوفِيُّونَ وَقَولُهُ قَالَ عَمْرو هُوَ بن عَليّ الْمَذْكُور فَذَكرته لعبد الرَّحْمَن يَعْنِي بن مَهْدِيٍّ وَكَانَ حَدَّثَنَا هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ قَدَّمَ رِوَايَةَ يَحْيَى عَلَى رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَقَّبَهَا بِالْفَاءِ.

     وَقَالَ  الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنْهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ فَسَاقَ رِوَايَتَهُ وَحَذَفَ ذِكْرَ وَاصِلٍ مِنَ السَّنَدِ ثُمَّ قَالَ.

     وَقَالَ  عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَرَّةً عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ وَوَاصِلٍ فَقُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ مُفَصَّلًا فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ دَعْهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الثَّوْرِيَّ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ حَدَّثُوهُ بِهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ فَأَمَّا الْأَعْمَشُ وَمَنْصُور فأدخلا بَين أبي وَائِل وَبَين بن مَسْعُودٍ أَبَا مَيْسَرَةَ.
وَأَمَّا وَاصِلٌ فَحَذَفَهُ فَضَبَطَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ هَكَذَا مُفَصَّلًا.
وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَحَدَّثَ بِهِ أَوَّلًا بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ فَحَمَلَ رِوَايَةَ وَاصِلٍ عَلَى رِوَايَةِ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ فَجَمَعَ الثَّلَاثَةَ وَأَدْخَلَ أَبَا مَيْسَرَةَ فِي السَّنَدِ فَلَمَّا ذَكَرَ لَهُ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَنَّ يَحْيَى فَصَّلَهُ كَأَنَّهُ تَرَدَّدَ فِيهِ فَاقْتَصَرَ عَلَى التَّحْدِيثِ بِهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ حَسْبُ وَتَرَكَ طَرِيقَ وَاصِلٍ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَقَالَ دَعْهُ دَعْهُ أَيِ اتْرُكْهُ وَالضَّمِيرُ لِلطَّرِيقِ الَّتِي اخْتُلِفَ فِيهَا وَهِيَ رِوَايَةُ وَاصِلٍ وَقَدْ زَادَ الْهَيْثَمُ بْنُ خَلَفٍ فِي رِوَايَتِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ دَعْهُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ وَاصِلًا بَعْدَ ذَلِكَ فَعُرِفَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ دَعْهُ أَيِ اتْرُكِ السَّنَدَ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ أَبِي مَيْسَرَةَ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ حَاصِلُهُ أَنَّ أَبَا وَائِلٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ رَوَى كَثِيرًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ قَالَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الطَّعْنَ عَلَيْهِ لَكِنْ ظَهَرَ لَهُ تَرْجِيحُ الرِّوَايَةِ بِإِسْقَاطِ الْوَاسِطَةِ لِمُوَافَقَةِ الْأَكْثَرِينَ كَذَا قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ مَا قَدَّمْتُهُ أَنَّهُ تَرَكَهُ مِنْ أَجْلِ التَّرَدُّدِ فِيهِ لِأَنَّ ذِكْرَ أَبِي مَيْسَرَةَ إِنْ كَانَ فِي أَصْلِ رِوَايَةِ وَاصِلٍ فَتَحْدِيثُهُ بِهِ بِدُونِهِ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ طَعْنٌ فِيهِ بِالتَّدْلِيسِ أَوْ بِقِلَّةِ الضَّبْطِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي رِوَايَتِهِ فِي الْأَصْلِ فَيَكُونُ زَادَ فِي السَّنَدِ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ فَاكْتَفَى بِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَمَّنْ لَا تَرَدُّدَ عِنْدَهُ فِيهِ وَسَكَتَ عَنْ غَيْرِهِ وَقَدْ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَ بِهِ مَرَّةً عَنْ سُفْيَانَ عَنْ وَاصِلٍ وَحْدَهُ بِزِيَادَةِ أَبِي مَيْسَرَةَ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ لَكِنَّ التِّرْمِذِيَّ بَعْدَ أَنْ سَاقَهُ بِلَفْظِ وَاصِلٍ عَطَفَ عَلَيْهِ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ طَرِيقَ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ قَالَ بِمِثْلِهِ وَكَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَذَكَرَ الْخَطِيبُ هَذَا السَّنَدَ مِثَالًا لِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ مُدْرَجِ الْإِسْنَادِ وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ وَافَقَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ عَلَى رِوَايَتِهِ الْأُولَى عَنْ سُفْيَانَ فَيَصِيرُ الْحَدِيثُ عَنِ الثَّلَاثَةِ بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ.

قُلْتُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ عَن مُحَمَّد بن كثير لَكِن اقْتصر من السَّنَدِ عَلَى مَنْصُورٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ فَضَمَّ الْأَعْمَشَ إِلَى مَنْصُورٍ وَأَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ مَعَاذِ بْنِ الْمُثَنَّى وَيُوسُفَ الْقَاضِي وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَبَّاسِ الْبَرْقِيِّ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الثَّلَاثَةِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ عَنْ الطَّبَرَانِيِّ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ وَذَكَرَ الْخَطِيبُ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عَلَى مَنْصُورٍ وَعَلَى الْأَعْمَشِ فِي ذِكْرِ أَبِي مَيْسَرَةَ وَحَذْفِهِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ فِيهِ عَلَى وَاصِلٍ فِي إِسْقَاطِهِ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ سُفْيَانَ.

قُلْتُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ وَاصِلٍ بِحَذْفِ أَبِي مَيْسَرَةَ لَكِنْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةُ مَنْصُورٍ أَصَحُّ يَعْنِي بِإِثْبَاتِ أَبِي مَيْسَرَةَ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ.

     وَقَالَ  رَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ كَقَوْلِ وَاصِلٍ وَنُقِلَ عَنِ الْحَافِظِ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّهُ قَالَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الثَّوْرِيُّ جَمَعَ بَيْنَ الثَّلَاثَة لما حدث بِهِ بن مَهْدِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ وَفَصَّلَهُ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ غَيْرُهُمَا يَعْنِي فَيَكُونُ الْإِدْرَاجُ مِنْ سُفْيَانَ لَا مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ .

     قَوْلُهُ  أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ أَخْرَجَهَا الْحَارِثُ وَفِي رِوَايَةِ مُسَدَّدٍ الْمَاضِيَةِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مَعْنٍ عَنِ الْأَعْمَشِ أَيُّ الذُّنُوبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي وَائِل أكبر الْكَبَائِر قَالَ بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الذُّنُوبِ أَعْظَمَ مِنْ بَعْضٍ مِنَ الذَّنْبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ الشِّرْكِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ اللِّوَاطَ أَعْظَمُ إِثْمًا مِنَ الزِّنَا فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَصَدَ بِالْأَعْظَمِ هُنَا مَا تَكْثُرُ مُوَاقَعَتُهُ وَيَظْهَرُ الِاحْتِيَاجُ إِلَى بَيَانِهِ فِي الْوَقْتِ كَمَا وَقَعَ فِي حَقِّ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ حَيْثُ اقْتَصَرَ فِي مَنْهِيَّاتِهِمْ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَشْرِبَةِ لفشوها فِي بِلَادهمْ قلت وَفِيمَا قَالَ نَظَرٌ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا مَا نَقَلَهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَلَعَلَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَأْتِيَ بِنَقْلٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ بِمَا ادَّعَاهُ عَنْ إِمَامٍ وَاحِدٍ بَلِ الْمَنْقُولُ عَنْ جَمَاعَةٍ عَكْسُهُ فَإِنَّ الْحَدَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالرَّاجِحُ مِنَ الْأَقْوَالِ إِنَّمَا ثَبَتَ فِيهِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الزِّنَا وَالْمَقِيسُ عَلَيْهِ أَعْظَمُ مِنَ الْمَقِيسِ أَوْ مُسَاوِيهِ وَالْخَبَرُ الْوَارِدُ فِي قَتْلِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ أَوْ رَجْمِهِمَا ضَعِيفٌ.
وَأَمَّا ثَانِيًا فَمَا مِنْ مَفْسَدَةٍ فِيهِ إِلَّا وَيُوجَدُ مِثْلُهَا فِي الزِّنَا وَأَشَدُّ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا مَا قُيِّدَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ الْمَفْسَدَةَ فِيهِ شَدِيدَةٌ جِدًّا وَلَا يَتَأَتَّى مِثْلُهَا فِي الذَّنْبِ الْآخَرِ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَلَا يَزِيدُ.
وَأَمَّا ثَالِثًا فَفِيهِ مُصَادَمَةٌ لِلنَّصِّ الصَّرِيحِ عَلَى الْأَعْظَمِيَّةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إِلَى ذَلِكَ.
وَأَمَّا رَابِعًا فَالَّذِي مَثَّلَ بِهِ مِنْ قِصَّةِ الْأَشْرِبَةِ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ اقْتَصَرَ لَهُمْ عَلَى بَعْضِ الْمَنَاهِي وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ وَلَا إِشَارَةٌ بِالْحَصْرِ فِي الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي الْعِظَمِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ فِيمَا لَمْ يَذْكُرْهُ شَيْءٌ يَتَّصِفُ بِكَوْنِهِ أَعْظَمَ مِنْهَا لَمَا طَابَقَ الْجَوَابُ السُّؤَالَ نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا لَمْ يُذْكَرْ شَيْءٌ يُسَاوِي مَا ذُكِرَ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا بَعْدَ الْقَتْلِ الْمَوْصُوفِ وَمَا يَكُونُ فِي الْفُحْشِ مِثْلُهُ أَوْ نَحْوُهُ لَكِنْ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ فِيمَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ شَيْءٌ هُوَ أَعْظَمُ مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَا مَضَى فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ عَدِّ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ فِي أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ لَكِنَّهَا ذُكِرَتْ بِالْوَاوِ فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ رُتْبَةً رَابِعَةً وَهِيَ أَكْبَرُ مِمَّا دونهَا قَوْله حَلِيلَةَ جَارِكَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَزْنَ عَظِيمَةٍ أَيِ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا وَقِيلَ الَّتِي تَحُلُّ مَعَهُ فِي فِرَاشٍ وَاحِدٍ وَقَولُهُ أَجْلَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ مِنْ أَجْلِ فَحُذِفَ الْجَارُّ فَانْتَصَبَ وَذُكِرَ الْأَكْلُ لِأَنَّهُ كَانَ الْأَغْلَبَ مِنْ حَالِ الْعَرَبِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى بَقِيَّةِ شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى