فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب في بيع المكره ونحوه، في الحق وغيره

( .

     قَوْلُهُ  بَابٌ فِي بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَنَحْوِهِ فِي الْحَقِّ وَغَيْرِهِ)

قَالَ الْخَطَّابِيُّ اسْتَدَلَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَالْحَدِيثُ بِبَيْعِ الْمُضْطَرِّ أَشْبَهُ فَإِنَّ الْمُكْرَهَ عَلَى الْبَيْعِ هُوَ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَى بَيْعِ الشَّيْءِ شَاءَ أَوْ أَبَى وَالْيَهُودُ لَوْ لَمْ يَبِيعُوا أَرْضَهُمْ لَمْ يُلْزَمُوا بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ شَحُّوا عَلَى أَمْوَالِهِمْ فَاخْتَارُوا بَيْعَهَا فَصَارُوا كَأَنَّهُمُ اضْطُرُّوا إِلَى بَيْعِهَا كَمَنْ رَهِقَهُ دَيْنٌ فَاضْطُرَّ إِلَى بَيْعِ مَالَهُ فَيَكُونُ جَائِزًا وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ.

قُلْتُ لَمْ يَقْتَصِرِ الْبُخَارِيُّ فِي التَّرْجَمَةِ عَلَى الْمُكْرَهِ وَإِنَّمَا قَالَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ وَنَحْوُهُ فِي الْحق فَدخل فِي تَرْجَمَتِهِ الْمُضْطَرُّ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ لَا يُصَحِّحُ بَيْعَ الْمُضْطَرِّ وَقَولُهُ فِي أخر كَلَامه وَلَو أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ إِكْرَاهٌ بِحَقٍّ كَذَا تَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ وَتَوْجِيهُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ أَنَّهُ فَرَضَ كَلَامَهُ فِي الْمُضْطَرِّ مِنْ حَيْثُ هُوَ وَلَمْ يُرِدْ خُصُوصَ قِصَّةِ الْيَهُودِ.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ تَرْجَمَ بِالْحَقِّ وَغَيْرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ إِلَّا الشِّقَّ الْأَوَّلَ وَيُجَابُ بِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْحَقِّ الدَّيْنُ وَبِغَيْرِهِ مَا عَدَاهُ مِمَّا يَكُونُ بَيْعُهُ لَازِمًا لِأَنَّ الْيَهُودَ أُكْرِهُوا عَلَى بَيْعِ أَمْوَالِهِمْ لَا لِدَيْنٍ عَلَيْهِمْ وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ الْجَلَاءُ وَبِقَوْلِهِ وَغَيْرِهِ الْجِنَايَاتُ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْحَقَّ الْمَالِيَّاتُ وَبِقَوْلِهِ غَيْرَهُ الْجَلَاءُ.

قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَغَيْرِهِ الدَّيْنَ فَيَكُونُ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَإِذَا صَحَّ الْبَيْعُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ سَبَبٌ غَيْرُ مَالِيٍّ فَالْبَيْعُ فِي الدّين وَهُوَ سَبَب مَالِي أولى ثمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي إِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْجِزْيَةِ فِي بَابِ إِخْرَاجِ الْيَهُودِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَبَيَّنْتُ فِيهِ أَنَّ الْيَهُودَ الْمَذْكُورِينَ لَمْ يُسَمَّوْا وَلَمْ ينسبوا وَقد أورد مُسلم حَدِيث بن عُمَرَ فِي إِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ ثُمَّ عَقَّبَهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَوْهَمَ أَنَّ الْيَهُودَ الْمَذْكُورِينَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُمْ بَنُو النَّضِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّمَا جَاءَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَكَانَ فَتْحُهَا بَعْدَ إِجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ وَبَنِي قَيْنُقَاعٍ وَقِيلَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَّةُ بَنِي النَّضِيرِ فِي الْمَغَازِي قَبْلَ قِصَّةِ بَدْرٍ وَتَقَدَّمَ قَول بن إِسْحَاقَ إِنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَعَلَى الْحَالَيْنِ فَهِيَ قَبْلَ مَجِيءِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسِيَاقُ إِخْرَاجِهِمْ مُخَالِفٌ لِسِيَاقِ هَذِهِ الْقِصَّةِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا دَاخِلَ الْمَدِينَةِ وَلَا جَاءَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا لِيَسْتَعِينَ بِهِمْ فِي دِيَةِ رَجُلَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ مِنْ حُلَفَائِهِمْ فَأَرَادُوا الْغَدْرَ بِهِ فَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يُخَيِّرُهُمْ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَ الْخُرُوجِ فَأَبَوْا فَحَاصَرَهُمْ فَرَضُوا بِالْجَلَاءِ وَفِيهِمْ نَزَلَ أَوَّلُ سُورَةِ الْحَشْرِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْ ذُكِرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَقِيَّةٌ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا سُكَّانًا دَاخِلَ الْمَدِينَةِ فَاسْتَمَرُّوا فِيهَا عَلَى حُكْمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ حَتَّى أَجَلَاهُمْ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ لِأَنَّهَا لَمَّا فُتِحَتْ أَقَرَّ أَهْلُهَا عَلَى أَنْ يَزْرَعُوا فِيهَا وَيَعْمَلُوا فِيهَا بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا فَاسْتَمَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجَلَاهُمْ عُمَرُ مِنْ خَيْبَرَ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمَغَازِي فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَؤُلَاءِ طَائِفَةً مِنْهُمْ كَانُوا يَسْكُنُونَ بِالْمَدِينَةِ فَأَخْرَجَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ فَفَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ



[ قــ :6578 ... غــ :6944] .

     قَوْلُهُ  بَيْتُ الْمِدْرَاسِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ مِفْعَالٌ مِنَ الدَّرْسِ وَالْمُرَادُ بِهِ كَبِيرُ الْيَهُودِ وَنُسِبَ الْبَيْتُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانَ صَاحِبَ دِرَاسَةِ كُتُبِهِمْ أَيْ قِرَاءَتِهَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ حَتَّى إِذَا أَتَى الْمَدِينَةَ الْمدَارِس فَفَسَّرَهُ فِي الْمَطَالِعِ بِالْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ التَّوْرَاةُ وَوَجَّهَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ إِضَافَةَ الْبَيْتِ إِلَيْهِ مِنْ إِضَافَةِ الْعَامِّ إِلَى الْخَاصِّ مِثْلُ شَجَرِ أَرَاكٍ.

     وَقَالَ  فِي النِّهَايَةِ مِفْعَالٌ غَرِيبٌ فِي الْمَكَانِ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ لِلرَّجُلِ.

قُلْتُ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَلَى حَذْفِ الْمَوْصُوفِ وَالْمُرَادُ الرَّجُلُ وَقَدْ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ فِي الْجِزْيَةِ حَتَّى جِئْنَا بَيْتَ الْمُدَارِسِ بِتَأْخِيرِ الرَّاءِ عَنِ الْأَلِفِ بِصِيغَةِ الْمُفَاعِلِ وَهُوَ مَنْ يَدْرُسُ الْكِتَابَ وَيُعَلِّمُهُ غَيْرَهُ وَفِي حَدِيثِ الرَّجْمِ فَوَضَعَ مُدَارِسُهَا الَّذِي يَدْرُسُهَا يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ وَفسّر هُنَاكَ بِأَنَّهُ بن صُورِيَّا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُرَادَ هُنَا .

     قَوْلُهُ  فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَادَاهُمْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَنَادَى .

     قَوْلُهُ  ذَلِكَ أُرِيدَ أَيْ بِقَوْلِي أَسْلِمُوا أَيْ إِنِ اعْتَرَفْتُمْ أَنَّنِي بَلَّغْتُكُمْ سَقَطَ عَنِّيَ الْحَرَجُ .

     قَوْلُهُ  اعْلَمُوا أَنَّ الْأَرْضَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ إِنَّمَا الْأَرْضُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَقَولُهُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ لِلَّهِ افْتِتَاحُ كَلَامٍ وَلِرَسُولِهِ حَقِيقَةٌ لِأَنَّهَا مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ كَذَا قَالَ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَ غَيْرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْحُكْمَ لِلَّهِ فِي ذَلِكَ وَلِرَسُولِهِ لِكَوْنِهِ الْمُبَلِّغَ عَنْهُ الْقَائِمَ بِتَنْفِيذِ أَوَامِرِهِ .

     قَوْلُهُ  أُجْلِيكُمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ أُخْرِجُكُمْ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ .

     قَوْلُهُ  فَمَنْ وَجَدَ كَذَا هُنَا بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي بِمَالِهِ شَيْئًا الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِشَيْءٍ مَحْذُوفٍ أَوْ ضَمَّنَ وَجَدَ مَعْنَى نَحَلَ فَعَدَّاهُ بِالْبَاءِ أَوْ وَجَدَ مِنَ الْوِجْدَانِ وَالْبَاءُ سَبَبِيَّة أَي فَمن وجد بِمَالِه شَيْئًا مِنَ الْمَحَبَّةِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ الْبَاءُ هُنَا للمقابلة فَجعل وجد من الوجدان