فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من كره أن يقال للمغرب: العشاء

(قَوْله بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ)
قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ عَدَلَ الْمُصَنِّفُ عَنِ الْجَزْمِ كَأَنْ يَقُولَ بَابُ كَرَاهِيَةِ كَذَا لِأَنَّ لَفْظَ الْخَبَرِ لَا يَقْتَضِي نَهْيًا مُطْلَقًا لَكِنْ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ غَلَبَةِ الْأَعْرَابِ عَلَى ذَلِكَ فَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ رَأَى أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ إِطْلَاقِ الْعِشَاءِ عَلَيْهِ أَحْيَانًا بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى وَجْهٍ لَا يُتْرَكُ لَهُ التَّسْمِيَةُ الْأُخْرَى كَمَا تَرَكَ ذَلِكَ الْأَعْرَابُ وُقُوفًا مَعَ عَادَتِهِمْ قَالَ وَإِنَّمَا شُرِعَ لَهَا التَّسْمِيَةُ بِالْمَغْرِبِ لِأَنَّهُ اسْمٌ يُشْعِرُ بِمُسَمَّاهَا أَوْ بِابْتِدَاءِ وَقْتِهَا وَكُرِهَ إِطْلَاقُ اسْمِ الْعِشَاءِ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَقَعَ الِالْتِبَاسُ بِالصَّلَاةِ الْأُخْرَى وَعَلَى هَذَا لَا يُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ تُسَمَّى الْعِشَاءَ بِقَيْدٍ كَأَنْ يَقُولَ الْعِشَاءُ الْأُولَى وَيُؤَيِّدُهُ .

     قَوْلُهُ مُ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَسَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَنقل بن بَطَّالٍ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يُقَالُ لِلْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ الْأُولَى وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ أَمَّا مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ فَلَا حُجَّةَ لَهُ



[ قــ :548 ... غــ :563] قَوْله عبد الْوَارِث هُوَ بن سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ وَقَوْله عَنِ الْحُسَيْنِ هُوَ الْمُعَلِّمُ قَوْله حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ كَذَا لِلْأَكْثَرِ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ أَبِيهِ زَادَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَة هُوَ بن مُغَفَّلٍ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ مَنْسُوبًا بِذِكْرِ أَبِيهِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيره والإسناد كُله بصريون قَوْله لَا تغلبكم قَالَ الطِّيبِيُّ يُقَالُ غَلَبَهُ عَلَى كَذَا غَصَبَهُ مِنْهُ أَوْ أَخَذَهُ مِنْهُ قَهْرًا وَالْمَعْنَى لَا تَتَعَرَّضُوا لِمَا هُوَ مِنْ عَادَتِهِمْ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَغْرِبِ بِالْعِشَاءِ وَالْعِشَاءِ بِالْعَتَمَةِ فَيَغْصِبُ مِنْكُمُ الْأَعْرَابُ اسْمَ الْعِشَاءِ الَّتِي سَمَّاهَا اللَّهُ بِهَا قَالَ فالنهى علىالظاهر للأعراب وعلىالحقيقة لَهُمْ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ مَعْنَى الْغَلَبَةِ أَنَّكُمْ تُسَمُّونَهَا اسْما وَهُمْ يُسَمُّونَهَا اسْمًا فَإِنْ سَمَّيْتُمُوهَا بِالِاسْمِ الَّذِي يُسَمُّونَهَا بِهِ وَافَقْتُمُوهُمْ وَإِذَا وَافَقَ الْخَصْمُ خَصْمَهُ صَارَ كَأَنَّهُ انْقَطَعَ لَهُ حَتَّى غَلَبَهُ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ غَصَبَ وَلَا أَخَذَ.

     وَقَالَ  التُّورِبِشْتِيُّ الْمَعْنَى لَا تُطْلِقُوا هَذَا الِاسْمَ عَلَى مَا هُوَ مُتَدَاوَلٌ بَيْنَهُمْ فَيَغْلِبُ مُصْطَلَحُهُمْ عَلَى الِاسْمِ الَّذِي شَرَعْتُهُ لَكُمْ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ الْأَعْرَابُ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَرَبِيًّا وَالْعَرَبِيُّ مَنْ يَنْتَسِبُ إِلَى الْعَرَبِ وَلَوْ لَمْ يَسْكُنِ الْبَادِيَةَ قَوْله عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ التَّعْبِيرُ بِالِاسْمِ يُبْعِدُ قَوْلَ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَنْ لَا تُؤَخَّرَ صلَاتهَا عَن وَقت الْغُرُوب وَكَذَا قَول بن الْمُنِيرِ السِّرُّ فِي النَّهْيِ سَدُّ الذَّرِيعَةِ لِئَلَّا تُسَمَّى عِشَاءً فَيُظَنَّ امْتِدَادُ وَقْتِهَا عَنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَخْذًا مِنْ لَفْظِ الْعِشَاءِ اه وَكَأَنَّهُ أَرَادَ تَقْوِيَةَ مَذْهَبِهِ فِي أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مُضَيَّقٌ وَفِيهِ نَظَرٌ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَتِهَا الْمَغْرِبَ أَنْ يَكُونَ وَقْتُهَا مُضَيَّقًا فَإِنَّ الظُّهْرَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِهَا عِنْدَ الظَّهِيرَةِ وَلَيْسَ وَقْتُهَا مُضَيَّقًا بِلَا خِلَافٍ قَوْله قَالَ وَتَقُولُ الْأَعْرَابُ هِيَ الْعِشَاءُ سِرُّ النَّهْي عَنْ مُوَافَقَتِهِمْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الْعِشَاءِ لُغَةً هُوَ أَوَّلُ ظَلَامِ اللَّيْلِ وَذَلِكَ مِنْ غَيْبُوبَةِ الشَّفَقِ فَلَوْ قِيلَ لِلْمَغْرِبِ عِشَاءٌ لَأَدَّى إِلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا غَيْبُوبَةُ الشَّفَقِ وَقَدْ جَزَمَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ فَاعِلَ قَالَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ رَاوِي الْحَدِيثِ وَيَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ خَاصٍّ لِذَلِكَ وَإِلَّا فَظَاهِرُ إِيرَادِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ أَوْرَدَهُ بِلَفْظِ فَإِنَّ الْأَعْرَابَ تُسَمِّيهَا وَالْأَصْلُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَكُونَ كَلَامًا وَاحِدًا حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى إِدْرَاجِهِ فَائِدَةٌ لَا يَتَنَاوَلُ النَّهْيُ تَسْمِيَةَ الْمَغْرِبِ عِشَاءً عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ كَمَنْ قَالَ مَثَلًا صَلَّيْتُ الْعِشَاءَيْنِ إِذَا قُلْنَا إِنَّ حِكْمَةَ النَّهْي عَنْ تَسْمِيَتِهَا عِشَاءً خَوْفُ اللَّبْسِ لِزَوَالِ اللَّبْسِ فِي الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ أَوْرَدَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ أَبِيهِ وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي لفظ المنن فَقَالَ هَارُونُ الْحَمَّالُ عَنْهُ كَرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ.

قُلْتُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ الصَّمد وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ أَبِيهِ اه.

     وَقَالَ  أَبُو مَسْعُودٍ الرَّازِيُّ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ لَا تَغْلِبَنَّكُمُ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ فَإِنَّ الْأَعْرَابَ تُسَمِّيهَا عَتَمَةً.

قُلْتُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِهِ عَنِ الطَّبَرَانِيِّ كَذَلِكَ وَجَنَحَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ إِلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ أَبِي مَسْعُودٍ لِمُوَافَقَتِهِ حَدِيثَ بن عُمَرَ يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي صَدْرِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَالَّذِي يَتَبَيَّنُ لِي أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا فِي الْمَغْرِبِ وَالْآخَرُ فِي الْعِشَاءِ كَانَا جَمِيعًا عِنْدَ عَبْدِ الْوَارِثِ بِسَنَد وَاحِد وَالله تَعَالَى أعلم (