فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب في ترك الحيل، وأن لكل امرئ ما نوى في الأيمان وغيرها

قَوْله بَاب ترك الْحِيَل)
قَالَ بن الْمُنِيرِ أَدْخَلَ الْبُخَارِيُّ التَّرْكَ فِي التَّرْجَمَةِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَيْ مِنَ التَّرْجَمَةِ الْأُولَى إِجَازَةُ الْحِيَلِ قَالَ وَهُوَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ بَيْعَةِ الصَّغِيرِ فَإِنَّهُ أَوْرَدَ فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُبَايِعْهُ بَلْ دَعَا لَهُ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ فَلَمْ يَقُلْ بَابُ تَرْكِ بَيْعَةِ الصَّغِيرِ وَذَلِكَ أَنَّ بَيْعَتَهُ لَوْ وَقَعَتْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِنْكَارٌ بِخِلَافِ الْحِيَلِ فَإِنَّ فِي الْقَوْلِ بِجَوَازِهَا عُمُومًا إِبْطَالَ حُقُوقٍ وَجَبَتْ وَإِثْبَاتَ حُقُوقٍ لَا تَجِبُ فَتَحَرَّى فِيهَا لِذَلِكَ.

قُلْتُ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ أَوَّلًا لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ مِنَ الْحِيَلِ مَا يُشْرَعُ فَلَا يُتْرَكُ مُطْلَقًا .

     قَوْلُهُ  وَأَنَّ لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَغَيْرِهِ وَجَعَلَ الضَّمِيرَ مُذَكَّرًا عَلَى إِرَادَةِ الْيَمِينِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ صِيغَةِ الْجَمْعِ وَقَولُهُ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ تَفَقُّهِ الْمُصَنِّفِ لَا مِنَ الحَدِيث قَالَ بن الْمُنِيرِ اتَّسَعَ الْبُخَارِيُّ فِي الِاسْتِنْبَاطِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ النُّظَّارِ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْعِبَادَاتِ فَحَمَلَهُ الْبُخَارِيُّ عَلَيْهَا وَعَلَى الْمُعَامَلَاتِ وَتَبِعَ مَالِكًا فِي الْقَوْلِ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ وَاعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ فَلَوْ فَسَدَ اللَّفْظُ وَصَحَّ الْقَصْدُ أُلْغِيَ اللَّفْظُ وَأُعْمِلَ الْقَصْدُ تَصْحِيحًا وَإِبْطَالًا قَالَ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ وَإِبْطَالِ التَّحَيُّلِ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّةِ وَوَجْهُ التَّعْمِيمِ أَنَّ الْمَحْذُوفَ الْمُقَدَّرَ الِاعْتِبَارُ فَمَعْنَى الِاعْتِبَارِ فِي الْعِبَادَاتِ إِجْزَاؤُهَا وَبَيَانُ مَرَاتِبِهَا وَفِي الْمُعَامَلَاتِ وَكَذَلِكَ الْأَيْمَانُ الرَّدُّ إِلَى الْقَصْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَا جَاءَ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي أَوَائِلِ الْكِتَابِ تَصْرِيحُ الْبُخَارِيِّ بِدُخُولِ الْأَحْكَامِ كُلِّهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ ونقلت هُنَاكَ كَلَام بن الْمُنِيرِ فِي ضَابِطِ ذَلِكَ



[ قــ :6587 ... غــ :6953] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هُوَ التَّيْمِيُّ وَقَدْ صَرَّحَ بِتَحْدِيثِ عَلْقَمَةَ شَيْخُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَهُ فِي أَوَّلِ بَدْءِ الْوَحْيِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ خَطَبَ بِهِ وَقَولُهُ يَخْطُبُ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ أَنَّ عُمَرَ قَالَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ بِالنِّيَّاتِ وَفِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بِلَفْظِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ كَمَا هُنَا مَعَ حَذْفِ إِنَّمَا مِنْ أَوَّلِهِ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى تَقَدَّمَ فِي بَدْءِ الْوَحْيِ بِلَفْظِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى وَهُوَ الَّذِي عَلَّقَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي أَنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَقَدْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ مَنْ نَوَى الْحَجَّ عَنْ غَيْرِهِ وَكَانَ لَمْ يَحُجَّ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْفَرْضُ بِذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَإِسْحَاقَ.

     وَقَالَ  الْبَاقُونَ يَصِحُّ عَنْ غَيْرِهِ وَلَا يَنْقَلِبُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لم يُنَوّه وَاحْتج للْأولِ بِحَدِيث بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ شُبْرُمَةَ فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ وَعند بن مَاجَهْ فَاجْعَلْ هَذِهِ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَأَجَابُوا أَنَّ الْحَجَّ خَرَجَ عَنْ بَقِيَّةِ الْعِبَادَاتِ وَلِذَلِكَ يَمْضِي فَاسِدُهُ دُونَ غَيْرِهِ وَقَدْ وَافَقَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيَّ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ حَمَلَهُ عَلَى الْجَاهِلِ بِالْحُكْمِ وَأَنَّهُ إِذَا عَلِمَ بِأَثْنَاءِ الْحَالِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ يَنْقَلِبُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ عَنْهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ الْخَبَرِ مَا يَحْصُلُ مِنْ جِهَةِ الْفَضْلِ الْإِلَهِيِّ بِالْقَصْدِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ كَالْأَجْرِ الْحَاصِلِ لِلْمَرِيضِ بِسَبَبِ مَرَضِهِ عَلَى الصَّبْرِ لِثُبُوتِ الْإِخْبَارِ بِذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إِنَّمَا يَقَعُ الْأَجْرُ عَلَى الصَّبْرِ وَحُصُولِ الْأَجْرِ بِالْوَعْدِ الصَّادِقِ لِمَنْ قَصَدَ الْعِبَادَةَ فَعَاقَهُ عَنْهَا عَائِقٌ بِغَيْرِ إِرَادَته وَكَمن لَهُ أوراد فعجز عَنْ فِعْلِهَا لِمَرَضٍ مَثَلًا فَإِنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ أَجْرُهَا كَمَنْ عَمِلَهَا وَمِمَّا يُسْتَثْنَى عَلَى خُلْفٍ مَا إِذَا نَوَى صَلَاةَ فَرْضٍ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَا يَقْتَضِي بُطْلَانَهَا فَرْضًا هَلْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا وَهَذَا عِنْدَ الْعُذْرِ فَأَمَّا لَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ مَثَلًا قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَا يَصِحُّ فَرْضًا وَلَا يَنْقَلِبُ نَفْلًا إِذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَمِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يُثَابُ الْمَسْبُوقُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ عَلَى مَا إِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً أَوْ يَعُمُّ وَهَلْ يُثَابُ مَنْ نَوَى صِيَامَ نَفْلٍ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ عَلَى جَمِيعِهِ أَوْ مِنْ حِينَ نَوَى وَهَلْ تُكْمَلُ الْجُمُعَةُ إِذَا خَرَجَ وَقْتُهَا فِي أَوَّلِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا جُمُعَةً أَوْ ظُهْرًا وَهَلْ تَنْقَلِبُ بِنَفْسِهَا أَوْ تَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ نِيَّةٍ وَالْمَسْبُوقُ إِذَا أَدْرَكَ الِاعْتِدَالَ الثَّانِيَ مَثَلًا هَلْ يَنْوِي الْجُمُعَةَ أَوِ الظُّهْرَ وَمَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ هَلْ يَنْقَلِبُ عُمْرَةً أَوْ لَا وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِإِبْطَالِ الْحِيَلِ وَمَنْ قَالَ بِإِعْمَالِهَا لِأَنَّ مَرْجِعَ كُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ إِلَى نِيَّةِ الْعَامِلِ وَسَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ الْأَبْوَابِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إِشَارَةٌ إِلَى بَيَانِ ذَلِكَ وَالضَّابِطُ مَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ فِيهِ خَلَاصُ مَظْلُومٍ مَثَلًا فَهُوَ مَطْلُوبٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ فَوَاتُ حَقٍّ فَهُوَ مَذْمُومٌ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ تَعَاطِي الْحِيَلِ فِي تَفْوِيتِ الْحُقُوقِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ هِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ.

     وَقَالَ  كَثِيرٌ مِنْ مُحَقِّقِيهِمْ كَالْغَزَالِيِّ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَيَأْثَمُ بِقَصْدِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ نَوَى بِعَقْدِ الْبَيْعِ الرِّبَا وَقَعَ فِي الرِّبَا وَلَا يُخَلِّصُهُ مِنَ الْإِثْمِ صُورَةُ الْبَيْعِ وَمَنْ نَوَى بِعَقْدِ النِّكَاحِ التَّحْلِيلَ كَانَ مُحَلِّلًا وَدَخَلَ فِي الْوَعِيدِ عَلَى ذَلِكَ بِاللَّعْنِ وَلَا يُخَلِّصُهُ مِنْ ذَلِكَ صُورَةُ النِّكَاحِ وَكُلُّ شَيْءٍ قَصَدَ بِهِ تَحْرِيمَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ أَوْ تَحْلِيلَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ كَانَ إِثْمًا وَلَا فَرْقَ فِي حُصُولِ الْإِثْمِ فِي التَّحَيُّلِ عَلَى الْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ بَيْنَ الْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَالْفِعْلِ الْمَوْضُوعِ لِغَيْرِهِ إِذَا جُعِلَ ذَرِيعَةً لَهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ مِنَ الْكَافِرِ وَلَا الْمَجْنُونِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَعَلَى سُقُوطِ الْقَوَدِ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدِ الْقَتْلَ وَعَلَى عَدَمِ مُؤَاخَذَةِ الْمُخْطِئِ وَالنَّاسِي وَالْمُكْرَهِ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَنَحْوِهِمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَبْوَابِهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِمَنْ قَالَ كَالْمَالِكِيَّةِ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ وَلَا تَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ وَعَكَسَهُ غَيْرُهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْأَيْمَانِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ وَفِي لَفْظٍ لَهُ يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ وَحَمَلَهُ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمُسْتَحْلِفُ الْحَاكِمَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِمَالِكٍ عَلَى الْقَوْلِ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ وَاعْتِبَارِ الْمَقَاصِدِ بِالْقَرَائِنِ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ وَضَبَطَ بَعْضُهُمْ ذَلِك بِأَن الْأَلْفَاظَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَقَاصِدِ الْمُتَكَلِّمِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا أَنْ تَظْهَرَ الْمُطَابَقَةُ إِمَّا يَقِينًا وَإِمَّا ظَنًّا غَالِبًا وَالثَّانِي أَنْ يَظْهَرَ أَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَمْ يُرِدْ مَعْنَاهُ إِمَّا يَقِينًا وَإِمَّا ظَنًّا وَالثَّالِثُ أَنْ يَظْهَرَ فِي مَعْنَاهُ وَيَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي إِرَادَةِ غَيْرِهِ وَعَدَمِهَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَإِذَا ظَهَرَ قَصْدُ الْمُتَكَلِّمِ لِمَعْنَى مَا تَكَلَّمَ بِهِ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ قَصْدٌ يُخَالِفُ كَلَامَهُ وَجَبَ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِذَا ظَهَرَتْ إِرَادَتُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَهَلْ يَسْتَمِرُّ الْحُكْمُ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِ ذَلِكَ أَوْ يُعْمَلُ بِمَا ظَهَرَ مِنْ إِرَادَتِهِ فَاسْتُدِلَّ لِلْأَوَّلِ بِأَنَّ الْبَيْعَ لَوْ كَانَ يَفْسُدُ بِأَنْ يُقَالَ هَذِهِ الصِّيغَةُ فِيهَا ذَرِيعَةٌ إِلَى الرِّبَا وَنِيَّةُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِيهَا فَاسِدَةٌ لَكَانَ إِفْسَادُ الْبَيْعِ بِمَا يَتَحَقَّقُ تَحْرِيمُهُ أَوْلَى أَنْ يَفْسُدَ بِهِ الْبَيْعُ مِنْ هَذَا الظَّنِّ كَمَا لَوْ نَوَى رَجُلٌ بِشِرَاءِ سَيْفٍ أَنْ يَقْتُلَ بِهِ رَجُلًا مُسْلِمًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ وَإِنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ فَاسِدَةً جَزْمًا فَلَمْ يَسْتَلْزِمْ تَحْرِيمُ الْقَتْلِ بُطْلَانَ الْبَيْعِ وَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ لَا يَفْسُدُ بِمِثْلِ هَذَا فَلَا يَفْسُدُ بِالظَّنِّ وَالتَّوَهُّمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَاسْتُدِلَّ لِلثَّانِي بِأَنَّ النِّيَّةَ تُؤَثِّرُ فِي الْفِعْلِ فَيَصِيرُ بِهَا تَارَةً حَرَامًا وَتَارَةً حَلَالًا كَمَا يَصِيرُ الْعَقْدُ بِهَا تَارَةً صَحِيحًا وَتَارَةً فَاسِدًا كَالذَّبْحِ مَثَلًا فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يَحِلُّ إِذَا ذُبِحَ لِأَجْلِ الْأَكْلِ وَيَحْرُمُ إِذَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَالصُّورَة وَاحِدَةٌ وَالرَّجُلُ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ لِوَكِيلِهِ فَتَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلِنَفْسِهِ فَتَحِلُّ لَهُ وَصُورَةُ الْعَقْدِ وَاحِدَةٌ وَكَذَلِكَ صُورَةُ الْقَرْضِ فِي الذِّمَّةِ وَبَيْعِ النَّقْدِ بِمِثْلِهِ إِلَى أَجَلٍ صُورَتُهُمَا وَاحِدَةٌ الْأَوَّلُ قُرْبَةٌ صَحِيحَةٌ وَالثَّانِي مَعْصِيَةٌ بَاطِلَةٌ وَفِي الْجُمْلَةِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الظَّاهِرِ رَفْعُ الْحَرَجِ عَمَّنْ يَتَعَاطَى الْحِيلَةَ الْبَاطِلَةَ فِي الْبَاطِنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ نَقَلَ النَّسَفِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي الْكَافِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ الْفِرَارُ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ بِالْحِيَلِ الموصلة إِلَى إبِْطَال الْحق