فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب ظهور الفتن

( قَولُهُ بَابُ ظُهُورِ الفِتَنِ)
ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ



[ قــ :6688 ... غــ :7061] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ بِتَحْتَانِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ وَمُعْجَمَةٍ وَشَيْخُهُ عَبْدُ الْأَعْلَى هُوَ بن عَبْدِ الْأَعْلَى السَّامِيُّ بِالْمُهْمَلَةِ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدٌ هُوَ بن الْمُسَيَّبِ وَنَسَبَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى الْمَذْكُورِ أخرجه بن مَاجَهْ وَكَذَا عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْأَعْلَى وَعَبْدِ الْوَاحِدِ وَعَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ كُلُّهُمْ عَنْ مَعْمَرٍ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرٍ لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ .

     قَوْلُهُ  يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ السَّرَخْسِيِّ الزَّمَنُ وَهِيَ لُغَةٌ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  وَيَنْقُصُ الْعِلْمُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ الْعَمَلُ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعِنْدَهُ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ وَوَقَعَ مِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا سَيَأْتِي فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفِتَنِ وَهِيَ تُؤَيِّدُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَاهُ بِلَفْظِ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا الْحَدِيثُ الَّذِي بَعْدَهُ بِلَفْظِ يَنْزِلُ الْجَهْلُ وَيُرْفَعُ الْعِلْمُ .

     قَوْلُهُ  وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَا هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْأَخِيرَةِ بَعْدَهَا مِيمٌ خَفِيفَةٌ وَأَصْلُهُ أَيُّ شَيْءٍ هُوَ وَوَقَعَتْ لِلْأَكْثَرِ بِغَيْرِ أَلِفٍ بَعْدَ الْمِيمِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ كَمَا قَالُوا إِيشٍ فِي مَوْضِعِ أَيِّ شَيْءٍ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَمَا هُوَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرْجُ وَهَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ وَفِي رِوَايَةِ عَنْبَسَةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ يُونُسَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِيشْ هُوَ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ وَفِي رِوَايَةٍ للطبراني عَن بن مَسْعُودٍ الْقَتْلُ وَالْكَذِبُ .

     قَوْلُهُ  قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَفْسِيرَ الْهَرْجِ مَرْفُوعٌ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ مَجِيئُهُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَوْقُوفًا وَلَا كَوْنُهُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ دُونَ قَوْلِهِ يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَدُونَ قَوْلِهِ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَزَادَ فِيهِ وَيَظْهَرُ الْجَهْلُ.

     وَقَالَ  فِي آخِرِهِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْهَرْجُ فَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَحَرَّفَهَا كَأَنَّهُ يُرِيدُ الْقَتْلَ فَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْإِشَارَةِ وَالنُّطْقِ فَحَفِظَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مَا لَمْ يَحْفَظْ بَعْضٌ كَمَا وَقَعَ لَهُمْ فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَجَاءَ تَفْسِيرُ أَيَّامِ الْهَرْجِ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ الْفِتَنَ ظَهرت فَقَالَ اما وبن الْخَطَّابِ حَيٌّ فَلَا إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَهُ فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ فَيُفَكِّرُ هَلْ يَجِدُ مَكَانًا لَمْ يَنْزِلْ بِهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِمَكَانِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ فَلَا يَجِدُ فَتِلْكَ الْأَيَّامُ الَّتِي ذِكْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامُ الْهَرْجِ قَوْله.

     وَقَالَ  يُونُس يَعْنِي بن يزِيد وَشُعَيْب يَعْنِي بن أبي حَمْزَة وَاللَّيْث وبن أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ يَعْنِي بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةَ خَالَفُوا مَعْمَرًا فِي قَوْلِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ فَجَعَلُوا شَيْخَ الزُّهْرِيِّ حُمَيْدًا لَا سَعِيدًا وَصَنِيعُ الْبُخَارِيِّ يَقْتَضِي أَنَّ الطَّرِيقَيْنِ صَحِيحَانِ فَإِنَّهُ وَصَلَ طَرِيقَ مَعْمَرٍ هُنَا وَوَصَلَ طَرِيقَ شُعَيْبٍ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ صَاحِبُ حَدِيثٍ فَيَكُونُ الْحَدِيثُ عِنْدَهُ عَنْ شَيْخَيْنِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اطِّرَادُهُ فِي كُلِّ مَنِ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِي شَيْخِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِثْلَ الزُّهْرِيِّ فِي كَثْرَةِ الْحَدِيثِ وَالشُّيُوخِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَتْ رِوَايَةُ يُونُسَ وَمَنْ تَابَعَهُ أَرْجَحَ وَلَيْسَتْ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ مَدْفُوعَةً عَنِ الصِّحَّةِ لِمَا ذَكَرْتُهُ فَأَمَّا رِوَايَةُ يُونُسَ فوصلها مُسلم كَمَا ذكرت من طَرِيق بن وَهْبٍ عَنْهُ وَلَفْظُهُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ وَقَدَّمَ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ عَلَى وَيُلْقَى الشُّحُّ.

     وَقَالَ  قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ قَالَ الْقَتْلُ وَلَمْ يُكَرِّرْ لَفْظَ الْقَتْلِ وَمِثْلُهُ لَهُ مِنْ رِوَايَةِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَكْثُرَ الْهَرْجُ فَذَكَرَهُ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ عَنْبَسَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ بِلَفْظِ وَيَنْقُصُ الْعِلْمُ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ شُعَيْبٍ فَوَصَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْهُ.

     وَقَالَ  فِي رِوَايَتِهِ يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَل وَفِي رِوَايَة الكشميهمني الْعِلْمُ وَالْبَاقِي مِثْلُ لَفْظِ مَعْمَرٍ.

     وَقَالَ  فِي رِوَايَتَيْ يُونُسَ وَشُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ اللَّيْثِ فَوَصَلَهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن صَالح عَنهُ بِهِ مثل رِوَايَة بن وهب واما رِوَايَة بن أَخِي الزُّهْرِيِّ فَوَصَلَهَا الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ صَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ بن أَخِي الزُّهْرِيِّ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ.

     وَقَالَ  فِي رِوَايَتِهِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَة وَلَفظه مثل لفظ بن وَهْبٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ قُلْنَا وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَأَبِي يُونُسَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بِمِثْلِ حَدِيثِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا وَيُلْقَى الشُّحُّ.

قُلْتُ وَسَاقَ أَحْمَدُ لَفْظَ هَمَّامٍ وَأَوَّلُهُ يُقْبَضُ الْعِلْمُ وَيَقْتَرِبُ الزَّمَنُ وَقَدْ جَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى زِيَادَةٌ فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْهُ رَفَعَهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الْفُحْشُ وَالْبُخْلُ وَيُخَوَّنَ الْأَمِينُ وَيُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ وَتَهْلِكَ الْوُعُولُ وَتَظْهَرَ التُّحُوتُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا التُّحُوتُ وَالْوُعُولُ قَالَ الْوُعُولُ وُجُوهُ النَّاسِ وَأَشْرَافُهُمْ وَالتُّحُوتُ الَّذِينَ كَانُوا تَحْتَ أَقْدَامِ النَّاسِ لَيْسَ يُعْلَمُ بِهِمْ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَلْقَمَةَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَحْوَهُ وَزَادَ كَذَلِكَ أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ سَمِعْتُهُ مِنْ حِبِّي قَالَ نَعَمْ قُلْنَا وَمَا التُّحُوتُ قَالَ فُسُولُ الرِّجَالِ وَأَهْلُ الْبُيُوتِ الْغَامِضَةِ قُلْنَا وَمَا الْوُعُولُ قَالَ أَهْلُ الْبُيُوتِ الصَّالِحَةِ قَالَ بن بَطَّالٍ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ غَيْرَ قَوْلِهِ يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَمَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ تَقَارُبُ أَحْوَالِ أَهْلِهِ فِي قِلَّةِ الدِّينِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَأْمُرُ بِمَعْرُوفٍ وَلَا يَنْهَى عَنْ مُنْكَرٍ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ وَظُهُورِ أَهْلِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا تَفَاضَلُوا فَإِذَا تَسَاوَوْا هَلَكُوا يَعْنِي لَا يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا كَانَ فِيهِمْ أَهْلُ فَضْلٍ وَصَلَاحٍ وَخَوْفٍ مِنَ اللَّهِ يُلْجَأُ إِلَيْهِمْ عِنْدَ الشَّدَائِدِ وَيُسْتَشْفَى بِآرَائِهِمْ وَيُتَبَرَّكُ بِدُعَائِهِمْ وَيُؤْخَذُ بِتَقْوِيمِهِمْ وَآثَارِهِمْ.

     وَقَالَ  الطَّحَاوِيُّ قَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ فِي تَرْكِ طَلَبِ الْعِلْمِ خَاصَّةً وَالرِّضَا بِالْجَهْلِ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَسَاوَوْنَ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّ دَرَجَ الْعِلْمِ تَتَفَاوَتُ قَالَ تَعَالَى وَفَوْقَ كُلِّ ذِي علم عليم وَإِنَّمَا يَتَسَاوَوْنَ إِذَا كَانُوا جُهَّالًا وَكَأَنَّهُ يُرِيدُ غَلَبَةَ الْجَهْلِ وَكَثْرَتَهُ بِحَيْثُ يُفْقَدُ الْعِلْمُ بِفَقْدِ الْعلمَاء قَالَ بن بَطَّالٍ وَجَمِيعُ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْأَشْرَاطِ قَدْ رَأَيْنَاهَا عِيَانًا فَقَدْ نَقَصَ الْعِلْمُ وَظَهَرَ الْجَهْلُ وَأُلْقِيَ الشُّحُّ فِي الْقُلُوبِ وَعَمَّتِ الْفِتَنُ وَكَثُرَ الْقَتْلُ.

قُلْتُ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الَّذِي شَاهَدَهُ كَانَ مِنْهُ الْكَثِيرُ مَعَ وُجُودِ مُقَابِلِهِ وَالْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ اسْتِحْكَامُ ذَلِكَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِمَّا يُقَابِلُهُ إِلَّا النَّادِرُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِالتَّعْبِيرِ بِقَبْضِ الْعِلْمِ فَلَا يَبْقَى إِلَّا الْجَهْلُ الصِّرْفُ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وُجُودُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ حِينَئِذٍ مَغْمُورِينَ فِي أُولَئِكَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَيُسْرَى عَلَى الْكِتَابِ فِي لَيْلَةٍ فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ الْحَدِيثَ وَسَأَذْكُرُ مَزِيدًا لِذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْفِتَنِ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ وَلَيُنْزَعَنَّ الْقُرْآنُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ يُسْرَى عَلَيْهِ لَيْلًا فَيَذْهَبُ مِنْ أَجْوَافِ الرِّجَالِ فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ شَيْءٌ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مُعَارِضِهِ ظَاهِرًا فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَكَذَا الْقَوْلُ فِي بَاقِي الصِّفَاتِ وَالْوَاقِعُ أَنَّ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةَ وُجِدَتْ مَبَادِيهَا مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ صَارَتْ تَكْثُرُ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ دُونَ بَعْضٍ وَالَّذِي يَعْقُبُهُ قِيَامُ السَّاعَةِ اسْتِحْكَامُ ذَلِكَ كَمَا قَرَّرْتُهُ وَقَدْ مضى من الْوَقْت الَّذِي قَالَ فِيهِ بن بطال مَا قَالَ نَحْو ثَلَاثمِائَة وَخَمْسِينَ سَنَةً وَالصِّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ فِي ازْدِيَادٍ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ لَكِنْ يَقِلُّ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَيَكْثُرُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ وَكُلَّمَا مَضَتْ طَبَقَةٌ ظَهَرَ النَّقْصُ الْكَثِيرُ فِي الَّتِي تَلِيهَا وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ لَا يَأْتِي زَمَانٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرّ مِنْهُ ثمَّ نقل بن بَطَّالٍ عَنِ الْخَطَّابِيِّ فِي مَعْنَى تَقَارُبِ الزَّمَانِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمْعَةِ وَالْجُمْعَةُ كَالْيَوْمِ وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعَفَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ مِنِ اسْتِلْذَاذِ الْعَيْشِ يُرِيدُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَ خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ وَوُقُوعِ الْأَمَنَةِ فِي الْأَرْضِ وَغَلَبَةِ الْعَدْلِ فِيهَا فَيُسْتَلَذُّ الْعَيْشُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتُسْتَقْصَرُ مُدَّتُهُ وَمَا زَالَ النَّاسُ يَسْتَقْصِرُونَ مُدَّةَ أَيَّامِ الرَّخَاءِ وَإِنْ طَالَتْ وَيَسْتَطِيلُونَ مُدَّةَ الْمَكْرُوهِ وَإِنْ قَصُرَتْ.
وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهُ لَا يُنَاسِبُ أَخَوَاتِهِ مِنْ ظُهُورِ الْفِتَنِ وَكَثْرَةِ الْهَرْجِ وَغَيْرِهِمَا وَأَقُولُ إِنَّمَا احْتَاجَ الْخَطَّابِيُّ إِلَى تَأْوِيلِهِ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعِ النَّقْصُ فِي زَمَانِهِ وَإِلَّا فَالَّذِي تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ قَدْ وُجِدَ فِي زَمَانِنَا هَذَا فَإِنَّا نَجِدُ مِنْ سُرْعَةِ مَرِّ الْأَيَّامِ مَا لَمْ نَكُنْ نَجِدُهُ فِي الْعَصْرِ الَّذِي قَبْلَ عَصْرِنَا هَذَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَيْشٌ مُسْتَلَذٌّ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ نَزْعُ الْبَرَكَةِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى مِنَ الزَّمَانِ وَذَلِكَ مِنْ عَلَامَاتِ قُرْبِ السَّاعَةِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ مَعْنَى تَقَارُبِ الزَّمَانِ اسْتِوَاءُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ.

قُلْتُ وَهَذَا مِمَّا قَالُوهُ فِي قَوْلِهِ إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانه فِيمَا مضى وَنقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ مَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ سَاعَاتِ النَّهَارِ تَقْصُرُ قُرْبَ قِيَامِ السَّاعَةِ وَيَقْرُبُ النَّهَارُ مِنَ اللَّيْلِ انْتَهَى وَتَخْصِيصُهُ ذَلِكَ بِالنَّهَارِ لَا مَعْنَى لَهُ بَلِ الْمُرَادُ نَزْعُ الْبَرَكَةِ مِنَ الزَّمَانِ لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ وَغَيْرِهِ الْمُرَادُ بِقِصَرِهِ عَدَمُ الْبَرَكَةِ فِيهِ وَأَنَّ الْيَوْمَ مَثَلًا يَصِيرُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِقَدْرِ الِانْتِفَاعِ بِالسَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ قَالُوا وَهَذَا أَظْهَرُ وَأَكْثَرُ فَائِدَةً وَأَوْفَقُ لِبَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ قِيلَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ قِصَرُ الْأَعْمَارِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ طَبَقَةٍ فَالطَّبَقَةُ الْأَخِيرَةُ أَقْصَرُ أَعْمَارًا مِنَ الطَّبَقَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَقِيلَ تَقَارُبُ أَحْوَالِهِمْ فِي الشَّرِّ وَالْفَسَادِ وَالْجَهْلِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّاسَ لَا يَتَسَاوَوْنَ فِي الْعِلْمِ وَالْفَهْمِ فَالَّذِي جَنَحَ إِلَيْهِ لَا يُنَاسِبُ مَا ذُكِرَ مَعَهُ إِلَّا أَنْ نَقُولَ إِنَّ الْوَاوَ لَا تُرَتِّبُ فَيَكُونُ ظُهُورُ الْفِتَنِ أَوَّلًا يَنْشَأُ عَنْهَا الْهَرْجُ ثُمَّ يَخْرُجُ الْمَهْدِيُّ فَيَحْصُلُ الْأَمْنُ قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتَقَارُبِ الزَّمَانِ قِصَرَهُ عَلَى مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَعَلَى هَذَا فَالْقِصَرُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حِسِّيًّا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَوِيًّا أَمَّا الْحِسِّيُّ فَلَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ وَلَعَلَّهُ مِنَ الْأُمُورِ الَّتِي تَكُونُ قُرْبَ قِيَامِ السَّاعَةِ.
وَأَمَّا الْمَعْنَوِيُّ فَلَهُ مُدَّةٌ مُنْذُ ظَهَرَ يَعْرِفُ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ الدِّينِيِّ وَمَنْ لَهُ فِطْنَةٌ مِنْ أَهْلِ السَّبَبِ الدُّنْيَوِيِّ فَإِنَّهُمْ يَجِدُونَ أَنْفُسَهُمْ لَا يَقْدِرُ أَحَدُهُمْ أَنْ يَبْلُغَ مِنَ الْعَمَلِ قَدْرَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَيَشْكُونَ ذَلِكَ وَلَا يَدْرُونَ الْعِلَّةَ فِيهِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنْ ضَعْفِ الْإِيمَانِ لِظُهُورِ الْأُمُورِ الْمُخَالِفَةِ لِلشَّرْعِ مِنْ عِدَّةِ أَوْجُهٍ وَأَشَدُّ ذَلِكَ الْأَقْوَاتُ فَفِيهَا مِنَ الْحَرَامِ الْمَحْضِ وَمِنَ الشُّبَهِ مَا لَا يَخْفَى حَتَّى إِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يَتَوَقَّفُ فِي شَيْءٍ وَمَهْمَا قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ شَيْءٍ هَجَمَ عَلَيْهِ وَلَا يُبَالِي وَالْوَاقِعُ أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي الزَّمَانِ وَفِي الرِّزْقِ وَفِي النَّبْتِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ طَرِيقِ قُوَّةِ الْإِيمَانِ وَاتِّبَاعِ الْأَمْرِ وَاجْتِنَابِ النَّهْيِ وَالشَّاهِدُ لِذَلِكَ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَات من السَّمَاء وَالْأَرْض انْتَهَى مُلَخَّصًا.

     وَقَالَ  الْبَيْضَاوِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِتَقَارُبِ الزَّمَانِ تَسَارُعَ الدُّوَلِ إِلَى الِانْقِضَاءِ وَالْقُرُونِ إِلَى الِانْقِرَاضِ فَيَتَقَارَبُ زَمَانُهُمْ وَتَتَدَانَى أَيَّامُهُمْ واما قَول بن بَطَّالٍ إِنَّ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ لَا تَحْتَاجُ إِلَى تَفْسِيرٍ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَقَدِ اخْتُلِفَ أَيْضًا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ يَنْقُصُ الْعِلْمُ فَقِيلَ الْمُرَادُ نَقْصُ عِلْمِ كُلِّ عَالِمٍ بِأَنْ يَطْرَأَ عَلَيْهِ النِّسْيَانُ مَثَلًا وَقِيلَ نَقْصُ الْعِلْمِ بِمَوْتِ أَهْلِهِ فَكُلَّمَا مَاتَ عَالِمٌ فِي بَلَدٍ وَلَمْ يَخْلُفْهُ غَيْرُهُ نَقَصَ الْعِلْمُ مِنْ تِلْكَ الْبَلَدِ.
وَأَمَّا نَقْصُ الْعَمَلِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ لِكُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ فَإِنَّ الْعَامِلَ إِذَا دَهَمَتْهُ الْخُطُوبُ أَلْهَتْهُ عَنْ أَوْرَادِهِ وَعِبَادَتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ ظُهُورُ الْخِيَانَةِ فِي الْأَمَانَاتِ وَالصِّنَاعَاتِ قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ نَقْصُ الْعَمَلِ الْحِسِّيِّ يَنْشَأُ عَنْ نَقْصِ الدِّينِ ضَرُورَةً.
وَأَمَّا الْمَعْنَوِيُّ فَبِحَسَبِ مَا يَدْخُلُ مِنَ الْخَلَلِ بِسَبَبِ سُوءِ الْمَطْعَمِ وَقِلَّةِ الْمُسَاعِدِ عَلَى الْعَمَلِ وَالنَّفْسُ مَيَّالَةٌ إِلَى الرَّاحَةِ وَتَحِنُّ إِلَى جِنْسِهَا وَلِكَثْرَةِ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ الَّذِينَ هُمْ أَضَرُّ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ.
وَأَمَّا قَبْضُ الْعِلْمِ فَسَيَأْتِي بَسْطُ الْقَوْلِ فِيهِ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَيُلْقَى الشُّحُّ فَالْمُرَادُ إِلْقَاؤُهُ فِي قُلُوبِ النَّاسِ عَلَى اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ حَتَّى يَبْخَلَ الْعَالِمُ بِعِلْمِهِ فَيَتْرُكَ التَّعْلِيمَ وَالْفَتْوَى وَيَبْخَلَ الصَّانِعُ بِصِنَاعَتِهِ حَتَّى يَتْرُكَ تَعْلِيمَ غَيْرِهِ وَيَبْخَلَ الْغَنِيُّ بِمَالِهِ حَتَّى يَهْلِكَ الْفَقِيرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ وُجُودَ أَصْلِ الشُّحِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا وَالْمَحْفُوظُ فِي الرِّوَايَاتِ يُلْقَى بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ.

     وَقَالَ  الْحُمَيْدِيُّ لَمْ تَضْبِطِ الرُّوَاةُ هَذَا الْحَرْفَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ أَيْ يُتَلَقَّى وَيُتَعَلَّمُ وَيُتَوَاصَى بِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ وَلَا يلقاها الا الصَّابِرُونَ قَالَ وَالرِّوَايَةُ بِسُكُونِ اللَّامِ مُخَفَّفًا تُفْسِدُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْإِلْقَاءَ بِمَعْنَى التَّرْكِ وَلَوْ تُرِكَ لَمْ يكن مَوْجُودا وَكَانَ مدحا والْحَدِيث ينبىء بِالذَّمِّ.

قُلْتُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِلْقَاءِ هُنَا أَنَّ النَّاسَ يُلْقُونَهُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ يُلْقَى إِلَيْهِمْ أَيْ يُوقَعُ فِي قُلُوبِهِمْ وَمِنْهُ إِنِّي أُلْقِيَ الي كتاب كريم قَالَ الْحميدِي وَلَوْ قِيلَ بِالْفَاءِ مَعَ التَّخْفِيفِ لَمْ يَسْتَقِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا.

قُلْتُ لَوْ ثَبَتَتِ الرِّوَايَةُ بِالْفَاءِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُوجَدُ كَثِيرًا مُسْتَفِيضًا عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يُلْقَى بِتَخْفِيفِ اللَّامِ وَالْفَاءِ أَيْ يُتْرَكُ لِأَجْلِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَإِفَاضَتِهِ حَتَّى يُهِمَّ ذَا الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ فَلَا يَجِدُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى يُوجَدُ لِأَنَّهُ مَا زَالَ مَوْجُودًا كَذَا جَزَمَ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ فَالْمُرَادُ كَثْرَتُهَا وَاشْتِهَارُهَا وَعَدَمُ التَّكَاتُمِ بِهَا وَالله الْمُسْتَعَان قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِلْقَاءُ الشُّحِّ عَامًّا فِي الْأَشْخَاصِ وَالْمَحْذُورُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ وَالشَّحِيحُ شَرْعًا هُوَ مَنْ يَمْنَعُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَإِمْسَاكُ ذَلِكَ مُمْحِقٌ لِلْمَالِ مُذْهِبٌ لِبَرَكَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ فَإِنَّ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ فَهِمُوا مِنْهُ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي يُخْرَجُ مِنْهُ الْحَقُّ الشَّرْعِيُّ لَا يَلْحَقُهُ آفَةٌ وَلَا عَاهَةٌ بَلْ يَحْصُلُ لَهُ النَّمَاءُ وَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَتِ الزَّكَاةُ لِأَنَّ الْمَالَ يَنْمُو بِهَا وَيَحْصُلُ فِيهِ الْبَرَكَةُ انْتَهَى مُلَخَّصًا قَالَ.
وَأَمَّا ظُهُورُ الْفِتَنِ فَالْمُرَادُ بِهَا مَا يُؤَثِّرُ فِي أَمْرِ الدِّينِ.
وَأَمَّا كَثْرَةُ الْقَتْلِ فَالْمُرَادُ بِهَا مَا لَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْحَقِّ كَإِقَامَةِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ





[ قــ :6689 ... غــ :706] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى كَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ عَنْ شُيُوخِهِ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ وَسَقَطَ فِي غَيْرِهَا.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ ثَبَتَ لِلْقَابِسِيِّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَسَقَطَ مُسَدَّدٌ لِلْبَاقِينَ وَهُوَ الصَّوَابُ قلت وَعَلِيهِ اقْتصر أَصْحَاب الْأَطْرَاف قَوْله شَقِيق هُوَ أَبُو وَائِل قَوْله كنت مَعَ عبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى هُوَ الْأَشْعَرِيُّ .

     قَوْلُهُ  فَقَالَا يَظْهَرُ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا أَنَّ الَّذِي تَلَفَّظَ بِذَلِكَ هُوَ أَبُو مُوسَى لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَذَكَرَهُ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ الرِّوَايَةَ الثَّالِثَةَ مِنْ طَرِيقِ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَأَحْسَبُهُ رَفَعَهُ قَالَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فَذَكَرَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَبُو وَائِلٍ سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أَيْضًا لِدُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ قَالَا وَقَدِ اتَّفَقَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَلَى أَنَّهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى مَعًا وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ اللَّهِ أخرجه مُسلم وَأَشَارَ بن أَبِي خَيْثَمَةَ إِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ.
وَأَمَّا رِوَايَةُ عَاصِمٍ الْمُعَلَّقَةُ الَّتِي خُتِمَ بِهَا الْبَابُ فَلَوْلَا أَنَّهُ دُونَ الْأَعْمَشِ وَوَاصِلٍ فِي الْحِفْظِ لَكَانَتْ رِوَايَتُهُ هِيَ الْمُعْتَمَدَةُ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِكُلٍّ مِنْ أَبِي مُوسَى وَعَبْدِ اللَّهِ لَفْظَ مَتْنٍ غَيْرَ الْآخَرِ لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَتْنُ الْآخَرُ كَانَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَعَ الْمَتْنِ الْأَوَّلِ .

     قَوْلُهُ  يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعِلْمَ يَرْتَفِعُ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ فَكُلَّمَا مَاتَ عَالِمٌ يَنْقُصُ الْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَقْدِ حَامِلِهِ وَيَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ الْجَهْلُ بِمَا كَانَ ذَلِكَ الْعَالِمُ يَنْفَرِدُ بِهِ عَنْ بَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِحَذْفِ اللَّامِ .

     قَوْلُهُ  وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ كَذَا فِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ وَزَادَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْأَعْمَشِ وَالْهَرْجُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْقَتْلُ وَنُسِبَ التَّفْسِيرُ فِي رِوَايَةِ وَاصِلٍ لِأَبِي مُوسَى وَأَصْلُ الْهَرْجِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الِاخْتِلَاطُ يُقَالُ هَرَجَ النَّاسُ اخْتَلَطُوا وَاخْتَلَفُوا وَهَرَجَ الْقَوْمُ فِي الْحَدِيثِ إِذَا كَثُرُوا وَخَلَطُوا وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ نِسْبَةُ تَفْسِيرِ الْهَرْجِ بِالْقَتْلِ لِلِسَانِ الْحَبَشَةِ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَإِلَّا فَهِيَ عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ وَوَجْهُ الْخَطَأِ أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِمَعْنَى الْقَتْلِ إِلَّا عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ لِكَوْنِ الِاخْتِلَاطِ مَعَ الِاخْتِلَافِ يُفْضِي كَثِيرًا إِلَى الْقَتْلِ وَكَثِيرًا مَا يُسمى الشَّيْء باسم مَا يؤول إِلَيْهِ وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْقَتْلِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ هُوَ بِلِسَانِ الْحَبَشِ وَكَيْفَ يُدَّعَى عَلَى مِثْلِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ الْوَهْمُ فِي تَفْسِيرِ لَفْظَةٍ لُغَوِيَّةٍ بَلِ الصَّوَابُ مَعَهُ وَاسْتِعْمَالُ الْعَرَبِ الْهَرْجَ بِمَعْنَى الْقَتْلِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا لُغَةَ الْحَبَشَةِ وَإِنْ وَرَدَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الِاخْتِلَاطِ وَالِاخْتِلَافِ كَحَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَفَعَهُ الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ لِلْهَرْجِ مَعَانِيَ أُخْرَى وَمَجْمُوعُهَا تِسْعَةٌ شِدَّةُ الْقَتْلِ وَكَثْرَةُ الْقَتْلِ وَالِاخْتِلَاطُ وَالْفِتْنَةُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ وَكَثْرَةُ النِّكَاحِ وَكَثْرَةُ الْكَذِبِ وَكَثْرَةُ النَّوْمِ وَمَا يُرَى فِي النَّوْمِ غَيْرُ مُنْضَبِطٍ وَعَدَمُ الْإِتْقَانِ لِلشَّيْءِ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِيُّ أَصْلُ الْهَرْجِ الْكَثْرَةُ فِي الشَّيْءِ يَعْنِي حَتَّى لَا يَتَمَيَّزَ .

     قَوْلُهُ  فِي رِوَايَةِ وَاصِلٍ وَأَحْسَبُهُ رَفَعَهُ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْقَوَارِيرِيِّ عَنْ غُنْدَرٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ غُنْدَرٍ وَمُحَمَّدٌ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِيهِ لَمْ يُنْسَبْ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَنَسَبَهُ أَبُو ذَرٍّ فِي رِوَايَتِهِ مُحَمَّدَ بْنَ بَشَّارٍ .

     قَوْلُهُ  وقَال أَبُو عوَانَة عَن عَاصِم هُوَ بن أَبِي النُّجُودِ الْقَارِئُ الْمَشْهُورُ وَوَجَدْتُ لِأَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ فِي الْمَعْنَى سَنَدًا آخَرَ أَخْرَجَهُ بن أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ عَفَّانَ وَأَبِي الْوَلِيدِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَذَكَرَ قِصَّةً فِيهَا فَأُولَئِكَ الْأَيَّامُ الَّتِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامُ الْهَرْجِ وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الْفِتْنَةَ تُدْهِشُ حَتَّى يَنْظُرَ الشَّخْصُ هَلْ يَجِدُ مَكَانًا لَمْ يَنْزِلْ بِهِ فَلَا يَجِدُ وَقَدْ وَافقه على حَدِيث بن مَسْعُودٍ الْأَخِيرِ زَائِدَةٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ الْحَدِيثَ .

     قَوْلُهُ  أَنَّهُ قَالَ لعبد الله يَعْنِي بن مَسْعُودٍ تَعْلَمُ الْأَيَّامَ الَّتِي ذَكَرَ إِلَى قَوْلِهِ نَحْوَهُ يُرِيدُ نَحْوَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامُ الْهَرْجِ وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَائِدَةٍ عَنْ عَاصِمٍ مُقْتَصَرًا عَلَى حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ الْمَرْفُوعِ دُونَ الْقِصَّةِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ وبن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ الْمُتَشَمِّسِ عَنْ أَبِي مُوسَى فِي الْمَرْفُوعِ زِيَادَةً قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَقْتُلُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَيْسَ بِقَتْلِكُمُ الْمُشْرِكِينَ وَلَكِنْ بِقَتْلِ بَعْضكُم بَعْضًا الحَدِيث قَوْله.

     وَقَالَ  بن مَسْعُودٍ هُوَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْعُمُومِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ فِي الْأَكْثَرِ وَالْأَغْلَبِ عَلَى شِرَارِ النَّاسِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَدَلَّ هَذَا الْخَبَرُ أَنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ أَيْضًا عَلَى قَوْمٍ فُضَلَاءَ.

قُلْتُ وَلَا يَتَعَيَّنُ مَا قَالَ فَقَدْ جَاءَ مَا يُؤَيِّدُ الْعُمُومَ الْمَذْكُورَ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ أَيْضًا رَفَعَهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ رِيحًا مِنَ الْيَمَنِ أَلْيَنَ مِنَ الْحَرِيرِ فَلَا تَدَعُ أَحَدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ وَلَهُ فِي آخِرِ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ الدَّجَّالِ وَعِيسَى وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُسْلِمٍ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ تَهَارُجَ الْحُمُرِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ يَتَهَارَجُونَ فَقِيلَ يَتَسَافَدُونَ وَقِيلَ يَتَثَاوَرُونَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ هُنَا بِمَعْنَى يَتَقَاتَلُونَ أَوْ لِأَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُ حَمْلَهُ عَلَى التَّقَاتُلِ حَدِيثُ الْبَابِ وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ اللَّهُ اللَّهُ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِلَفْظِ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ حَمْلُ الْغَايَةِ فِي حَدِيثِ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ عَلَى وَقْتِ هُبُوبِ الرِّيحِ الطَّيِّبَةِ الَّتِي تَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُسْلِمٍ فَلَا يَبْقَى إِلَّا الشِّرَارُ فَتَهْجُمُ السَّاعَةُ عَلَيْهِمْ بَغْتَةً كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه بعد قَلِيل