فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض»

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا إِلَخْ)
تَرْجَمَ بِلَفْظِ ثَالِثِ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَفِيهِ خَمْسَةُ أَحَادِيثَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ



[ قــ :6700 ... غــ :7076] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ هُوَ بن غِيَاثٍ وَشَقِيقٌ هُوَ أَبُو وَائِلٍ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ .

     قَوْلُهُ  سِبَابُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ وَتَخْفِيفٍ مَصْدَرٌ يُقَالُ سَبَّهُ يَسُبُّهُ سَبًّا وَسِبَابًا وَهَذَا الْمَتْنُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَوَّلَ الْكِتَابِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَفِيهِ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَتَقَدَّمَ تَوْجِيهُ إِطْلَاقِ الْكُفْرِ عَلَى قِتَالِ الْمُؤْمِنِ وَأَنَّ أَقْوَى مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَيْهِ مُبَالَغَةً فِي التَّحْذِيرِ مِنْ ذَلِكَ لِيَنْزَجِرَ السَّامِعُ عَنِ الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِعْلُ الْكَافِرِ كَمَا ذَكَرُوا نَظِيرَهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَوَرَدَ لِهَذَا الْحَدِيثِ سَبَبٌ أَخْرَجَهُ الْبَغَوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقْرِنٍ الْمُزَنِيِّ قَالَ انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَ عُرِفَ بِالْبَذَاءِ وَمُشَاتَمَةِ النَّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ زَادَ الْبَغَوِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَاللَّهِ لَا أُسَابُّ رَجُلًا الْحَدِيثُ الثَّانِي





[ قــ :6701 ... غــ :7077] قَوْله وَاقد بن مُحَمَّد أَي بْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ .

     قَوْلُهُ  لَا تَرْجِعُونَ بَعْدِي كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَلِلْبَاقِينَ لَا تَرْجِعُوا بِصِيغَةِ النَّهْيِ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ .

     قَوْلُهُ  كُفَّارًا تَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُرَادِ بِهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الدِّيَاتِ وَجُمْلَةُ الْأَقْوَالِ فِيهِ ثَمَانِيَةٌ ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى تَاسِعٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ سَتْرُ الْحَقِّ وَالْكُفْرُ لُغَةً السَّتْرُ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَنْصُرَهُ وَيُعِينَهُ فَلَمَّا قَاتَلَهُ كَأَنَّهُ غَطَّى عَلَى حَقِّهِ الثَّابِتِ لَهُ عَلَيْهِ وَعَاشِرٌ وَهُوَ أَنَّ الْفِعْلَ الْمَذْكُورُ يُفْضِي إِلَى الْكُفْرِ لِأَنَّ مَنِ اعْتَادَ الْهُجُومَ عَلَى كِبَارِ الْمَعَاصِي جَرَّهُ شُؤْمُ ذَلِكَ إِلَى أَشَدِّ مِنْهَا فَيُخْشَى أَنْ لَا يُخْتَمَ لَهُ بِخَاتِمَةِ الْإِسْلَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ مِنْ لُبْسِ السِّلَاحِ يَقُولُ كَفَرَ فَوْقَ دِرْعِهِ إِذَا لَبِسَ فَوْقَهَا ثَوْبًا.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ لَا تَفْعَلُوا بِالْمُؤْمِنِينَ مَا تَفْعَلُونَ بِالْكُفَّارِ وَلَا تَفْعَلُوا بِهِمْ مَا لَا يَحِلُّ وَأَنْتُمْ تَرَوْنَهُ حَرَامًا.

قُلْتُ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي الْمَعَانِي الْمُتَقَدِّمَةِ وَاسْتَشْكَلَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ غَالِبَ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ بِأَنَّ رَاوِيَ الْخَبَرِ وَهُوَ أَبُو بَكْرَةَ فَهِمَ خِلَافَ ذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّ فَهْمَهُ ذَلِكَ إِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ تَوَقُّفِهِ عَنِ الْقِتَالِ وَاحْتِجَاجِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَوَقُّفُهُ بِطَرِيقِ الِاحْتِيَاطِ لِمَا يَحْتَمِلُهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ يَعْتَقِدَ حَقِيقَةَ كُفْرِ مَنْ بَاشَرَ ذَلِكَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنَ الصَّلَاةِ خَلْفَهُمْ وَلَا امْتِثَالِ أَوَامِرِهِمْ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَقِدُ فِيهِمْ حَقِيقَتَهُ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ .

     قَوْلُهُ  يَضْرِبْ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ بِجَزْمِ يَضْرِبُ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ النَّهْيِ وَبِرَفْعِهِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ أَوْ يُجْعَلُ حَالًا فَعَلَى الْأَوَّلِ يَقْوَى الْحَمْلُ عَلَى الْكُفْرِ الْحَقِيقِيِّ وَيَحْتَاجُ إِلَى التَّأْوِيلِ بِالْمُسْتَحِلِّ مَثَلًا وَعَلَى الثَّانِي لَا يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِمَا قَبْلَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُتَعَلِّقًا وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ الحَدِيث الثَّالِث





[ قــ :670 ... غــ :7078] قَوْله يحيى هُوَ بن سعيد الفطان والسند كُله بصريون قَوْله بن سِيرِينَ هُوَ مُحَمَّدٌ .

     قَوْلُهُ  وَعَنْ رَجُلٍ آخَرَ هُوَ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ كَمَا وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي بَابِ الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ الْخُطْبَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَقَولُهُ أَبْشَارُكُمْ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَةٍ جَمْعُ بَشَرَةٍ وَهُوَ ظَاهِرُ جِلْدِ الْإِنْسَانِ.
وَأَمَّا الْبَشَرُ الَّذِي هُوَ الْإِنْسَانُ فَلَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَقَالُوا أنؤمن لبشرين مثلنَا وَقَولُهُ فَإِنَّهُ الْهَاءُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَقَولُهُ رُبَّ مبلغ بِفَتْح اللَّام الثَّقِيلَة ويبلغه بِكَسْرِهَا وَقَولُهُ مَنْ هُوَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لِمَنْ هُوَ .

     قَوْلُهُ  أَوْعَى لَهُ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْحَجِّ مِنْهُ .

     قَوْلُهُ  فَكَانَ كَذَلِكَ هَذِهِ جُمْلَةٌ مَوْقُوفَةٌ مِنْ كَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ تَخَلَّلَتْ بَيْنَ الْجُمَلِ الْمَرْفُوعَةِ كَمَا وَقَعَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَاضِحًا فِي بَابِ لِيُبَلِّغِ الْعِلْمَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ مِنْ كِتَابِ الْعِلْمِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ لَا تَرْجِعُوا هُوَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَقَدْ قَالَ الْبَزَّارُ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ بِطُولِهِ لَا نَعْلَمُ مَنْ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا قُرَّةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ .

     قَوْلُهُ  فَلَمَّا كَانَ يَوْم حرق بن الْحَضْرَمِيِّ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيِّ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ قَالَ فَلَمَّا كَانَ وَفَاعِلُ قَالَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ وَحُرِّقَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَوَقَعَ فِي خَطِّ الدِّمْيَاطِيِّ الصَّوَابُ أُحْرِقَ وَتَبِعَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَلَيْسَ الْآخَرُ بِخَطَأٍ بَلْ جَزَمَ أَهْلُ اللُّغَةِ بِاللُّغَتَيْنِ أَحْرَقَهُ وَحَرَّقَهُ وَالتَّشْدِيد للتكثير وَالتَّقْدِير هُنَا يَوْم حرق بن الْحَضْرَمِيّ وَمن مَعَه وبن الْحَضْرَمِيِّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْعَسْكَرِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ وَأَبُوهُ عَمْرٌو هُوَ أَوَّلُ مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ وَعَلَى هَذَا فَلِعَبْدِ اللَّهِ رُؤْيَةٌ وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الصَّحَابَةِ فَفِي الِاسْتِيعَابِ قَالَ الْوَاقِدِيُّ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعِنْدَ الْمَدَائِنِيِّ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيُّ وَهُوَ بن عَمْرٍو الْمَذْكُورُ وَالْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ عَمه وَاسم الْحَضْرَمِيّ عبد الله بن عماد وَكَانَ حَالَفَ بَنِي أُمَيَّةَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأُمُّ بن الْحَضْرَمِيِّ الْمَذْكُورِ أَرْنَبُ بِنْتُ كَرِيزِ بْنِ رَبِيعَةَ وَهِيَ عَمَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَرِيزٍ الَّذِي كَانَ أَمِيرَ الْبَصْرَةِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ .

     قَوْلُهُ  حِينَ حَرَّقَهُ جَارِيَةُ بِجِيمٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ بن قدامَة أَي بن مَالِكِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحُصَيْنِ التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ وَكَانَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الْعَسْكَرِيُّ فِي الصَّحَابَةِ كَانَ جَارِيَةُ يُلَقَّبُ مُحَرِّقًا لِأَنَّهُ أحرق بن الْحَضْرَمِيّ بِالْبَصْرَةِ وَكَانَ مُعَاوِيَة وَجه بن الْحَضْرَمِيِّ إِلَى الْبَصْرَةِ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ عَلَى قِتَالِ عَلِيٍّ فَوَجَّهَ عَلَى جَارِيَةَ بْنِ قُدَامَةَ فَحَصَرَهُ فَتَحَصَّنَ مِنْهُ بن الْحَضْرَمِيِّ فِي دَارٍ فَأَحْرَقَهَا جَارِيَةُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ فِي حَوَادِثِ سَنَةِ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيِّ وَكَذَا أَخْرَجَهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ الْبَصْرَةِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ خَرَجَ مِنَ الْبَصْرَةِ وَكَانَ عَامِلَهَا لِعَلِيٍّ وَاسْتَخْلَفَ زِيَادَ بْنَ سُمَيَّةَ عَلَى الْبَصْرَةِ فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيِّ لِيَأْخُذَ لَهُ الْبَصْرَةَ فَنَزَلَ فِي بَنِي تَمِيمٍ وَانْضَمَّتْ إِلَيْهِ الْعُثْمَانِيَّةُ فَكَتَبَ زِيَادٌ إِلَى عَلِيٍّ يَسْتَنْجِدُهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَعْيَنَ بْنَ ضُبَيْعَةَ الْمُجَاشِعِيَّ فَقُتِلَ غِيلَةً فَبَعَثَ عَلِيٌّ بَعْدَهُ جَارِيَة بن قدامَة فحصر بن الْحَضْرَمِيِّ فِي الدَّارِ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا ثُمَّ أَحْرَقَ الدَّارَ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا أَوْ أَرْبَعِينَ وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ أَشْعَارًا فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ.
وَأَمَّا مَا حَكَاهُ بن بطال عَن الْمُهلب ان بن الْحَضْرَمِيِّ رَجُلٌ امْتَنَعَ مِنَ الطَّاعَةِ فَأَخْرَجَ إِلَيْهِ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ فَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَلْقَى النَّارَ فِي الْجِذْعِ الَّذِي صُلِبَ عَلَيْهِ فَمَا أَدْرِي مَا مُسْتَنَدُهُ فِيهِ وَكَأَنَّهُ قَالَهُ بِالظَّنِّ وَالَّذِي ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ وَكَانَ الْأَحْنَفُ يَدْعُو جَارِيَةَ عَمًّا إِعْظَامًا لَهُ قَالَهُ الطَّبَرِيُّ وَمَاتَ جَارِيَةُ فِي خلَافَة يزِيد بن مُعَاوِيَة قَالَه بن حِبَّانَ وَيُقَالُ إِنَّهُ جُوَيْرِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ الَّذِي رَوَى قِصَّةَ قَتْلِ عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ أَشْرِفُوا عَلَى أَبِي بَكْرَةَ أَيِ اطَّلِعُوا مِنْ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ فَرَأَوْهُ زَادَ الْبَزَّارُ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَكِيمٍ عَنِ الْقَطَّانِ وَهُوَ فِي حَائِطٍ لَهُ .

     قَوْلُهُ  فَقَالُوا هَذَا أَبُو بَكْرَةَ يَرَاكَ قَالَ الْمُهَلَّبُ لَمَّا فَعَلَ جَارِيَةُ بِابْنِ الْحَضْرَمِيِّ مَا فَعَلَ أَمَرَ جَارِيَةُ بَعْضَهُمْ أَنْ يُشْرِفُوا عَلَى أَبِي بَكْرَةَ لِيَخْتَبِرَ إِنْ كَانَ مُحَارِبًا أَوْ فِي الطَّاعَةِ وَكَانَ قَدْ قَالَ لَهُ خَيْثَمَةُ هَذَا أَبُو بَكْرَةَ يَرَاكَ وَمَا صَنَعْتَ بِابْنِ الْحَضْرَمِيِّ فَرُبَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْكَ بِسِلَاحٍ أَوْ بِكَلَامٍ فَلَمَّا سَمِعَ أَبُو بَكْرَةَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي عُلِّيَّةٍ لَهُ قَالَ لَوْ دَخَلُوا عَلَيَّ دَارِي مَا رَفَعْتُ عَلَيْهِمْ قَصَبَةً لِأَنِّي لَا أَرَى قِتَالَ الْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ أَنْ أُقَاتِلَهُمْ بِسِلَاحٍ.

قُلْتُ وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بالأخبار كالمدائني ان بن عَبَّاسٍ كَانَ اسْتَنْفَرَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ بِأَمْرِ عَلِيٍّ لِيُعَاوِدُوا مُحَارَبَةَ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَمْرِ التَّحْكِيم ثمَّ وَقع أَمر الْخَوَارِج فَسَار بن عَبَّاسٍ إِلَى عَلِيٍّ فَشَهِدَ مَعَهُ النَّهْرَوَانَ فَأَرْسَلَ بَعْضٌ عَبْدَ الْقَيْسِ فِي غَيْبَتِهِ إِلَى مُعَاوِيَةَ يُخْبِرُهُ أَنَّ بِالْبَصْرَةِ جَمَاعَةً مِنَ الْعُثْمَانِيَّةِ وَيَسْأَلُهُ تَوْجِيهَ رَجُلٍ يَطْلُبُ بِدَمِ عُثْمَانَ فَوجه بن الْحَضْرَمِيِّ فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ جَارِيَةَ بْنَ قُدَامَةَ بَعْدَ أَنْ غلب وَحرق بن الْحَضْرَمِيِّ وَمَنْ مَعَهُ اسْتَنْفَرَ النَّاسَ بِأَمْرِ عَلِيٍّ فَكَانَ مِنْ رَأْيِ أَبِي بَكْرَةَ تَرْكُ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ كَرَأْيِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَدَلَّ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى أَبِي بَكْرَةَ لِيُلْزِمُوهُ الْخُرُوجَ إِلَى الْقِتَالِ فَأَجَابَهُمْ بِمَا قَالَ .

     قَوْلُهُ  قَالَ عبد الرَّحْمَن هُوَ بن أَبِي بَكْرَةَ الرَّاوِيُّ وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  فَحَدَّثَتْنِي أُمِّي هِيَ هَالَةُ بِنْتُ غُلَيْظٍ الْعِجْلِيَّةُ ذَكَرَ ذَلِكَ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ فِي تَارِيخِهِ وَتَبِعَهُ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ وَجَمَاعَةٌ وَسَمَّى بن سَعْدٍ أُمَّهُ هَوْلَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمَ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخه وبن سَعْدٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ كَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ ولد بِالْبَصْرَةِ بعد أَن بنيت وأرخها بن زَيْدٍ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَذَلِكَ فِي أَوَائِلِ خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .

     قَوْلُهُ  لَوْ دَخَلُوا عَلَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ .

     قَوْلُهُ  مَا بَهِشْتُ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَلِلكُشْمِيهَنِيِّ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَهُمَا لُغَتَانِ وَالْمَعْنَى مَا دَافَعْتُهُمْ يُقَالُ بَهَشَ بَعْضُ الْقَوْمِ إِلَى بَعْضٍ إِذَا تَرَامَوْا لِلْقِتَالِ فَكَأَنَّهُ قَالَ مَا مَدَدْتُ يَدِيَ إِلَى قَصَبَةٍ وَلَا تناولتها لأدافع بهَا عني.

     وَقَالَ  بن التِّينِ مَا قُمْتُ إِلَيْهِمْ بِقَصَبَةٍ يُقَالُ بَهَشَ لَهُ إِذَا ارْتَاحَ لَهُ وَخَفَّ إِلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَا رَمَيْتُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَا تَحَرَّكْتُ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ النِّهَايَةِ الْمُرَادُ مَا أَقْبَلْتُ إِلَيْهِمْ مُسْرِعًا أَدْفَعُهُمْ عَنِّي وَلَا بِقَصَبَةٍ وَيُقَالُ لِمَنْ نَظَرَ إِلَى شَيْءٍ فَأَعْجَبَهُ وَاشْتَهَاهُ أَوْ أَسْرَعَ إِلَى تَنَاوُلِهِ بَهَشَ إِلَى كَذَا وَيُسْتَعْمَلُ أَيْضًا فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ يُقَالُ بَهَشَ إِلَى مَعْرُوفِ فُلَانٍ فِي الْخَيْرِ وَبَهَشَ إِلَى فُلَانٍ تَعَرَّضَ لَهُ بِالشَّرِّ وَيُقَالُ بَهَشَ الْقَوْمُ بَعْضَهُمْ إِلَى بَعْضٍ إِذَا ابْتَدَرُوا فِي الْقِتَالِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو بَكْرَةَ يُوَافِقُ مَا وَقَعَ عِنْدَ احْمَد من حَدِيث بن مَسْعُودٍ فِي ذِكْرِ الْفِتْنَةِ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ كُفَّ يَدَكَ وَلِسَانَكَ وَادْخُلْ دَارَكَ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَيَّ دَارِي قَالَ فَادْخُلْ بَيْتَكَ قَالَ.

قُلْتُ أَفَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي قَالَ فَادْخُلْ مَسْجِدَكَ وَقَبَضَ بِيَمِينِهِ عَلَى الْكُوعِ وَقُلْ رَبِّيَ اللَّهُ حَتَّى تَمُوتَ عَلَى ذَلِكَ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ جُنْدُبٍ ادْخُلُوا بُيُوتَكُمْ وَأَخْمِلُوا ذِكْرَكُمْ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ دَخَلَ عَلَى أَحَدِنَا بَيْتَهُ قَالَ لِيُمْسِكْ بِيَدِهِ وَلْيَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ لَا الْقَاتِلَ وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ خَرْشَةَ بْنِ الْحُرِّ فَمَنْ أَتَتْ عَلَيْهِ فَلْيَمْشِ بِسَيْفِهِ إِلَى صَفَاةٍ فَلْيَضْرِبْهُ بِهَا حَتَّى يَنْكَسِرَ ثُمَّ لِيَضْطَجِعَ لَهَا حَتَّى تَنْجَلِيَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ فَجَاءَ سَهْمٌ أَوْ ضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفٍ قَالَ يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ الْحَدِيثَ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ الْحَدِيثُ الرَّابِعُ





[ قــ :6703 ... غــ :7079] .

     قَوْلُهُ  مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ هُوَ بن غَزْوَانَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ .

     قَوْلُهُ  لَا تَرْتَدُّوا تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ فُضَيْلٍ بِلَفْظِ لَا تَرْجِعُوا وَسَاقَهُ هُنَاكَ أتم الحَدِيث الْخَامِس حَدِيث جرير وَهُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ .

     قَوْلُهُ  لَا تَرْجِعُوا كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَا تَرْجِعُنَّ بَعْدَ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْمَضْمُومَةِ نُونٌ ثَقِيلَةٌ وَأَصْلُهُ لَا تَرْجِعُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ وَفِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي وَفِي الدِّيَاتِ بِلَفْظِ لَا تَرْجِعُوا وَلَيْسَ لِأَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ جَدِّهِ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَعَلِيُّ بْنُ مُدْرِكٍ الرَّاوِي عَنْهُ نَخَعِيٌّ كُوفِيٌّ مُتَّفَقٌ عَلَى تَوْثِيقِهِ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ