فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم

(.

     قَوْلُهُ  بَابٌ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ)
كَذَا تَرْجَمَ بِبَعْضِ الْحَدِيثِ وَأَوْرَدَهُ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ عَمه وَمن رِوَايَة بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ كِلَاهُمَا عَنْ أبي هُرَيْرَة وَمن رِوَايَة شُعَيْب عَن بن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَأَنَّهُ صَحَّحَ أَنَّ لِابْنِ شِهَابٍ فِيهِ شَيْخَيْنِ وَلَفْظُ الْحَدِيثَيْنِ سَوَاءٌ إِلَّا مَا سَأُبَيِّنُهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ عَنْ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْأُوَيْسِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَن بن شِهَابٍ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَسُقِ الْبُخَارِيُّ لَفْظَ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَسَاقَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَفِي أَوَّلِهِ تَكُونُ فِتْنَةٌ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْيَقْظَانِ وَالْيَقْظَانُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ



[ قــ :6705 ... غــ :7081] .

     قَوْلُهُ  سَتَكُونُ فِتَنٌ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي فِتْنَةٌ بِالْإِفْرَادِ .

     قَوْلُهُ  الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْكَلْبِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ بِسَنَدِهِ فِيهِ فِي أَوَّلِهِ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْيَقْظَانِ وَالْيَقْظَانُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ وَالْحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَذْكُورُ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِهِ ثُمَّ وَجَدْتُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَكَانَ أَخْرَجَهُ أَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ كَرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَكَأَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ يَذْكُرُهُ تَامًّا وَنَاقِصًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ خَرْشَةَ بْنِ الْحُرِّ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى مِثْلُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَقَدْ وَجَدْتُ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ شَاهِدًا من حَدِيث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمُضْطَجِعِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْيَقْظَانِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِالْقَاعِدِ .

     قَوْلُهُ  وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي فِي حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الرَّاكِبِ وَالرَّاكِبُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمُجْرِي قَتْلَاهَا كُلُّهَا فِي النَّارِ .

     قَوْلُهُ  خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا وَزَادَ أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ فَمَنْ كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ الْحَدِيثَ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ فِي قَوْلِهِ وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ أَيِ الْقَاعِدُ فِي زَمَانِهَا عَنْهَا قَالَ وَالْمُرَادُ بِالْقَائِمِ الَّذِي لَا يَسْتَشْرِفُهَا وَبِالْمَاشِي مَنْ يَمْشِي فِي أَسْبَابِهِ لِأَمْرٍ سِوَاهَا فَرُبَّمَا يَقَعُ بِسَبَبِ مَشْيه فِي أَمر يكرههُ وَحكى بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَكُونُ مُبَاشِرًا لَهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا يَعْنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ فِي ذَلِكَ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ فَأَعْلَاهُمْ فِي ذَلِكَ السَّاعِي فِيهَا بِحَيْثُ يَكُونُ سَبَبًا لِإِثَارَتِهَا ثُمَّ مَنْ يَكُونُ قَائِمًا بِأَسْبَابِهَا وَهُوَ الْمَاشِي ثُمَّ مَنْ يَكُونُ مُبَاشِرًا لَهَا وَهُوَ الْقَائِمُ ثُمَّ مَنْ يَكُونُ مَعَ النَّظَّارَةِ وَلَا يُقَاتِلُ وَهُوَ الْقَاعِدُ ثُمَّ مَنْ يَكُونُ مُجْتَنِبًا لَهَا وَلَا يُبَاشِرُ وَلَا يَنْظُرُ وَهُوَ الْمُضْطَجِعُ الْيَقْظَانُ ثُمَّ مَنْ لَا يَقَعُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ رَاضٍ وَهُوَ النَّائِم وَالْمرَاد بِالْأَفْضَلِيَّةِ فِي هَذِهِ الْخَيْرِيَّةِ مَنْ يَكُونُ أَقَلَّ شَرًّا مِمَّنْ فَوْقَهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ تَطَلَّعَ لَهَا بِأَنْ يَتَصَدَّى وَيَتَعَرَّضَ لَهَا وَلَا يُعْرِضُ عَنْهَا وَضُبِطَ أَيْضًا مِنَ الشَّرَفِ وَمِنَ الْإِشْرَافِ .

     قَوْلُهُ  تَسْتَشْرِفُهُ أَيْ تُهْلِكُهُ بِأَنْ يُشْرِفَ مِنْهَا عَلَى الْهَلَاكِ يُقَالُ اسْتَشْرَفْتُ الشَّيْءَ عَلَوْتُهُ وَأَشْرَفْتُ عَلَيْهِ يُرِيدُ مَنِ انْتَصَبَ لَهَا انْتَصَبَتْ لَهُ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهَا أَعْرَضَتْ عَنْهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ طَلَعَ فِيهَا بِشَخْصِهِ قَابَلَتْهُ بِشَرِّهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ خَاطَرَ فِيهَا بِنَفْسِهِ أَهْلَكَتْهُ وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْقَائِلِ مَنْ غَالَبَهَا غَلَبَتْهُ .

     قَوْلُهُ  فَمَنْ وَجَدَ فِيهَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْهَا .

     قَوْلُهُ  مَلْجَأً أَيْ يَلْتَجِئُ إِلَيْهِ مِنْ شَرِّهَا .

     قَوْلُهُ  أَوْ مَعَاذًا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ بِمَعْنى الملجأ قَالَ بن التِّينِ وَرُوِّينَاهُ بِالضَّمِّ يَعْنِي مُعَاذًا .

     قَوْلُهُ  فَلْيَعُذْ بِهِ أَيْ لِيَعْتَزِلْ فِيهِ لِيَسْلَمَ مِنْ شَرِّ الْفِتْنَةِ وَفِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ فَلْيَسْتَعِذْ وَوَقَعَ تَفْسِيرُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَلَفْظُهُ فَإِذَا نَزَلَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ وَذَكَرَ الْغَنَمَ وَالْأَرْضَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَالَ يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقَّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ ثُمَّ لِيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ وَفِيهِ التَّحْذِيرُ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالْحَثُّ عَلَى اجْتِنَابِ الدُّخُولِ فِيهَا وَأَنَّ شَرَّهَا يَكُونُ بِحَسَبِ التَّعَلُّقِ بِهَا وَالْمُرَادُ بِالْفِتْنَةِ مَا يَنْشَأُ عَنِ الِاخْتِلَافِ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ حَيْثُ لَا يُعْلَمُ الْمُحِقُّ مِنَ الْمُبْطِلِ قَالَ الطَّبَرِيُّ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فَحَمَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْعُمُومِ وَهُمْ مَنْ قَعَدَ عَنِ الدُّخُولِ فِي الْقِتَالِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مُطْلَقًا كسعد وبن عُمَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَأَبِي بَكْرَةَ فِي آخَرِينَ وَتَمَسَّكُوا بِالظَّوَاهِرِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِلُزُومِ الْبُيُوتِ .

     وَقَالَتْ  طَائِفَةٌ بَلْ بِالتَّحَوُّلِ عَنْ بَلَدِ الْفِتَنِ أَصْلًا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِذَا هَجَمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَكُفُّ يَدَهُ وَلَوْ قُتِلَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بَلْ يُدَافِعُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ مَالِهِ وَعَنْ أَهْلِهِ وَهُوَ مَعْذُورٌ إِنْ قَتَلَ أَوْ قُتِلَ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ إِذَا بَغَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْإِمَامِ فَامْتَنَعَتْ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهَا وَنَصَبَتِ الْحَرْبَ وَجَبَ قِتَالُهَا وَكَذَلِكَ لَوْ تَحَارَبَتْ طَائِفَتَانِ وَجَبَ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ الْأَخْذُ عَلَى يَدِ الْمُخْطِئِ وَنَصْرُ الْمُصِيبَ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَفَصَّلَ آخَرُونَ فَقَالُوا كُلُّ قِتَالٍ وَقَعَ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ لَا إِمَامَ لِلْجَمَاعَةِ فَالْقِتَالُ حِينَئِذٍ مَمْنُوعٌ وَتَنْزِلُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْفِتْنَةَ أَصْلُهَا الِابْتِلَاءُ وَإِنْكَارُ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَمَنْ أَعَانَ الْمُحِقَّ أَصَابَ وَمَنْ أَعَانَ الْمُخْطِئَ أَخْطَأَ وَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ فَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْقِتَالِ فِيهَا وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِي حَقِّ نَاسٍ مَخْصُوصِينَ وَأَنَّ النَّهْيَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ خُوطِبَ بِذَلِكَ وَقِيلَ إِنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ مَخْصُوصَةٌ بِآخِرِ الزَّمَانِ حَيْثُ يَحْصُلُ التَّحَقُّقُ أَنَّ الْمُقَاتَلَةَ إِنَّمَا هِيَ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ وَقد وَقع فِي حَدِيث بن مَسْعُودٍ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ.

قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَتَى ذَلِكَ قَالَ أَيَّامَ الْهَرْجِ.

قُلْتُ وَمَتَى قَالَ حِينَ لَا يَأْمَنُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ (