فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب: كيف الأمر إذا لم تكن جماعة

( قَولُهُ بَابُ كَيْفَ الْأَمْرُ إِذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةٌ كَانَ تَامَّةٌ)
وَالْمَعْنَى مَا الَّذِي يَفْعَلُ الْمُسلم فِي حَال الِاخْتِلَاف من قبل ان يَقع الْإِجْمَاع على خَليفَة



[ قــ :6708 ... غــ :7084] قَوْله حَدثنَا بن جَابِرٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنِي بُسْرٌ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بن عُبَيْدِ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ تَابِعِيٌّ صَغِيرٌ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ شَامِيُّونَ إِلَّا شَيْخَ الْبُخَارِيِّ وَالصَّحَابِيَّ .

     قَوْلُهُ  مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي فِي رِوَايَةِ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ عَن حُذَيْفَة عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ وَعَرَفْتُ أَنَّ الْخَيْرَ لَنْ يَسْبِقَنِي .

     قَوْلُهُ  فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ يُشِيرُ إِلَى مَا كَانَ قَبْلِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْكُفْرِ وَقَتْلِ بَعْضِهُمْ بَعْضًا وَنَهْبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَإِتْيَانِ الْفَوَاحِشَ .

     قَوْلُهُ  فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ يَعْنِي الْإِيمَانَ وَالْأَمْنَ وَصَلَاحَ الْحَالِ وَاجْتِنَابَ الْفَوَاحِشِ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ حُذَيْفَةَ فَنَحْنُ فِيهِ .

     قَوْلُهُ  فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ نَعَمْ فِي رِوَايَةِ نَصْرِ بْنِ عَاصِمٍ فِتْنَةٌ وَفِي رِوَايَةِ سُبَيْعِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حُذَيْفَةَ عِنْد بن أَبِي شَيْبَةَ فَمَا الْعِصْمَةُ مِنْهُ قَالَ السَّيْفُ قَالَ فَهَلْ بَعْدَ السَّيْفِ مِنْ تَقِيَّةٍ قَالَ نَعَمْ هُدْنَةٌ وَالْمُرَادُ بِالشَّرِّ مَا يَقَعُ مِنَ الْفِتَنِ مِنْ بَعْدِ قَتْلِ عُثْمَانَ وَهَلُمَّ جَرًّا أَوْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ عُقُوبَاتِ الْآخِرَةِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ بِالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ بَعْدَهَا نُونٌ وَهُوَ الْحِقْدُ وَقِيلَ الدَّغَلُ وَقِيلَ فَسَادٌ فِي الْقَلْبِ وَمَعْنَى الثَّلَاثَةِ مُتَقَارِبٌ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْخَيْرَ الَّذِي يَجِيءُ بَعْدَ الشَّرِّ لَا يَكُونُ خَيْرًا خَالِصًا بَلْ فِيهِ كَدَرٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالدَّخَنِ الدُّخَانُ وَيُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى كَدَرِ الْحَالِ وَقِيلَ الدَّخَنُ كُلُّ أَمْرٍ مَكْرُوهٍ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدٍ يُفَسِّرُ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ لَا تَرْجِعُ قُلُوبُ قَوْمٍ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَأَصْلُهُ أَنْ يَكُونَ فِي لَوْنِ الدَّابَّةِ كُدُورَةٌ فَكَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ قُلُوبَهُمْ لَا يَصْفُو بَعْضُهَا لِبَعْضٍ .

     قَوْلُهُ  قَوْمٌ يَهْدُونَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ بِغَيْرِ هَدْيِي بباء الْإِضَافَةِ بَعْدَ الْيَاءِ لِلْأَكْثَرِ وَبِيَاءٍ وَاحِدَةٍ مَعَ التَّنْوِينِ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي .

     قَوْلُهُ  تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ يَعْنِي مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَمَنْ أنكر بَرِيء وَمَنْ كَرِهَ سَلِمَ .

     قَوْلُهُ  دُعَاةٌ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ دَاعٍ أَيْ إِلَى غَيْرِ الْحَقِّ .

     قَوْلُهُ  عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ أَطْلَقَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ بِاعْتِبَار مَا يؤول إِلَيْهِ حَالُهُمْ كَمَا يُقَالُ لِمَنْ أَمَرَ بِفِعْلٍ مُحَرَّمٍ وَقَفَ عَلَى شَفِيرِ جَهَنَّمَ .

     قَوْلُهُ  هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا أَيْ مِنْ قَوْمِنَا وَمِنْ أَهْلِ لِسَانِنَا وَمِلَّتِنَا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ مِنَ الْعَرَبِ.

     وَقَالَ  الدَّاوُدِيُّ أَيْ مِنْ بَنِي آدَمَ.

     وَقَالَ  الْقَابِسِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ فِي الظَّاهِرِ عَلَى ملتنا وَفِي الْبَاطِن محالفون وَجِلْدَةُ الشَّيْءِ ظَاهِرُهُ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ غِشَاءُ الْبَدَنِ قِيلَ وَيُؤَيِّدُ إِرَادَةَ الْعَرَبِ أَنَّ السُّمْرَةَ غَالِبَةٌ عَلَيْهِمْ وَاللَّوْنُ إِنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْجِلْدِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ وَقَولُهُ جُثْمَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ هُوَ الْجَسَدُ وَيُطْلَقُ عَلَى الشَّخْصِ قَالَ عِيَاضٌ الْمُرَادُ بِالشَّرِّ الْأَوَّلُ الْفِتَنُ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ عُثْمَانَ وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ الَّذِي بَعْدَهُ مَا وَقَعَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْمُرَادُ بِالَّذِينَ تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ الْأُمَرَاءُ بَعْدَهُ فَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالسُّنَّةِ وَالْعَدْلِ وَفِيهِمْ مَنْ يَدْعُو إِلَى الْبِدْعَةِ وَيَعْمَلُ بِالْجَوْرِ.

قُلْتُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّرِّ الْأَوَّلِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ مِنَ الْفِتَنِ الْأُولَى وَبِالْخَيْرِ مَا وَقَعَ مِنَ الِاجْتِمَاعِ مَعَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَبِالدَّخَنِ مَا كَانَ فِي زَمَنِهِمَا مِنْ بَعْضِ الْأُمَرَاءِ كَزِيَادٍ بِالْعِرَاقِ وَخِلَافِ مَنْ خَالَفَ عَلَيْهِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَبِالدُّعَاةِ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ قَامَ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ الْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ يَعْنِي وَلَوْ جَارَ وَيُوَضِّحُ ذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي الْأَسْوَدِ وَلَوْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ وَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرًا فِي إِمَارَةِ الْحَجَّاجِ وَنَحْوِهِ .

     قَوْلُهُ  تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ أَمِيرَهُمْ زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ سُبَيْعٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَإِنْ رَأَيْتَ خَلِيفَةً فَالْزَمْهُ وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً فَالْهَرَبَ .

     قَوْلُهُ  وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ وَلَوْ كَانَ الِاعْتِزَالُ بِالْعَضِّ فَلَا تَعْدِلُ عَنْهُ وَتَعَضُّ بِالنَّصْبِ لِلْجَمِيعِ وَضَبَطَهُ الْأَشِيرِيُّ بِالرَّفْعِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ جَوَازَهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَنْ الَّتِي تَقَدَّمَتْهُ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَهُنَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَلِيَ لَوْ نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن قرط عَن حُذَيْفَة عِنْد بن مَاجَهْ فَلَأَنْ تَمُوتَ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلِ خير لَك من أَن تتبع أحدا مِنْهُم وَالْجِذْلُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا لَامٌ عُودٌ يُنْصَبُ لِتَحْتَكَّ بِهِ الْإِبِلُ وَقَولُهُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ أَيِ الْعَضُّ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ لُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَطَاعَةِ سَلَاطِينِهِمْ وَلَوْ عَصَوْا قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الْمَعْنَى إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةٌ فَعَلَيْكَ بِالْعُزْلَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى تَحَمُّلِ شِدَّةِ الزَّمَانِ وَعَضُّ أَصْلِ الشَّجَرَةِ كِنَايَةٌ عَنْ مُكَابَدَةِ الْمَشَقَّةِ كَقَوْلِهِمْ فُلَانٌ يَعَضُّ الْحِجَارَةَ مِنْ شِدَّةِ الْأَلَمِ أَوِ الْمُرَادُ اللُّزُومُ كَقَوْلِهِ فِي الحَدِيث الآخر عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَإِنْ مِتَّ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جذل خير لَك من أَن تتبع أحدا مِنْهُم.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ فِيهِ حُجَّةٌ لِجَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ لُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَى أَئِمَّةِ الْجَوْرِ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّائِفَةَ الْأَخِيرَةَ بِأَنَّهُمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِمْ تَعْرِفُ وَتُنْكِرُ كَمَا قَالَ فِي الْأَوَّلِينَ وَهُمْ لَا يَكُونُونَ كَذَلِكَ إِلَّا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ حَقٍّ وَأَمَرَ مَعَ ذَلِكَ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ قَالَ الطَّبَرِيُّ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَفِي الْجَمَاعَةِ فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ لِلْوُجُوبِ وَالْجَمَاعَةُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ ثُمَّ سَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَصَّى مَنْ سَأَلَهُ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ عَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ.

     وَقَالَ  قَوْمٌ الْمُرَادُ بِالْجَمَاعَةِ الصَّحَابَةُ دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ.

     وَقَالَ  قَوْمٌ الْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ الْعِلْمِ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُمْ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ وَالنَّاسُ تَبَعٌ لَهُمْ فِي أَمْرِ الدِّينِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخَبَرِ لُزُومُ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ فِي طَاعَةِ مَنِ اجْتَمَعُوا عَلَى تَأْمِيرِهِ فَمَنْ نَكَثَ بَيْعَتَهُ خَرَجَ عَنِ الْجَمَاعَةِ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ إِمَامٌ فَافْتَرَقَ النَّاس احزابا فَلَا يتبع أحدا فِي لفرقة وَيَعْتَزِلُ الْجَمِيعَ إِنِ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ خَشْيَةً مِنَ الْوُقُوعِ فِي الشَّرِّ وَعَلَى ذَلِكَ يَتَنَزَّلُ مَا جَاءَ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ مَا ظَاهِرُهُ الِاخْتِلَافُ مِنْهَا وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَن بن قرط الْمُتَقَدّم ذكرهَا قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ فِي الْحَدِيثِ حِكْمَةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ كَيْفَ أَقَامَ كُلًّا مِنْهُمْ فِيمَا شَاءَ فَحُبِّبَ إِلَى أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ السُّؤَالُ عَنْ وُجُوهِ الْخَيْر ليعملوا بِهَا وَيُبَلِّغُوهَا غَيْرَهُمْ وَحُبِّبَ لِحُذَيْفَةَ السُّؤَالُ عَنِ الشَّرِّ لِيَجْتَنِبَهُ وَيَكُونَ سَبَبًا فِي دَفْعِهِ عَمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ لَهُ النَّجَاةَ وَفِيهِ سِعَةُ صَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْرِفَتُهُ بِوُجُوهِ الْحِكَمِ كُلِّهَا حَتَّى كَانَ يُجِيبُ كُلَّ مَنْ سَأَلَهُ بِمَا يُنَاسِبُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ حُبِّبَ إِلَيْهِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَفُوقُ فِيهِ غَيْرَهُ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ حُذَيْفَةُ صَاحِبَ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ حَتَّى خُصَّ بِمَعْرِفَةِ أَسْمَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَبِكَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْآتِيَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مِنْ أَدَبِ التَّعْلِيمِ أَنْ يَعْلَمَ التِّلْمِيذُ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ مَا يَرَاهُ مَائِلًا إِلَيْهِ مِنَ الْعُلُومِ الْمُبَاحَةِ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُسْرِعَ إِلَى تَفَهُّمِهِ وَالْقِيَامِ بِهِ وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَهْدِي إِلَى طَرِيقِ الْخَيْرِ يُسَمَّى خَيْرًا وَكَذَا بِالْعَكْسِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ ذَمُّ مَنْ جَعَلَ لِلدِّينِ أَصْلًا خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجَعَلَهُمَا فَرْعًا لِذَلِكَ الْأَصْلِ الَّذِي ابْتَدَعُوهُ وَفِيهِ وُجُوبُ رَدِّ الْبَاطِلِ وَكُلِّ مَا خَالَفَ الْهَدْيَ النَّبَوِيَّ وَلَوْ قَالَهُ مَنْ قَالَهُ مِنْ رَفِيعٍ أَوْ وَضِيعٍ