فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب التعرب في الفتنة

( قَولُهُ بَابُ التَّعَرُّبِ فِي الْفِتْنَةِ)
بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الثَّقِيلَةِ أَيِ السُّكْنَى مَعَ الْأَعْرَابِ بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَهُوَ أَنْ يَنْتَقِلَ الْمُهَاجِرُ مِنَ الْبَلَدِ الَّتِي هَاجَرَ مِنْهَا فَيَسْكُنَ الْبَدْوَ فَيَرْجِعَ بَعْدَ هِجْرَتِهِ أَعْرَابِيًّا وَكَانَ إِذْ ذَاكَ مُحَرَّمًا إِلَّا إِنْ أَذِنَ لَهُ الشَّارِعُ فِي ذَلِكَ وَقَيَّدَهُ بِالْفِتْنَةِ إِشَارَةً إِلَى مَا وَرَدَ مِنَ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ حُلُولِ الْفِتَنِ كَمَا فِي ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ وَقِيلَ بِمَنْعِهِ فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ خِذْلَانِ أَهْلِ الْحَقِّ وَلَكِنَّ نَظَرَ السَّلَفِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ آثَرَ السَّلَامَةَ وَاعْتَزَلَ الْفِتَنَ كَسَعْدٍ وَمُحَمّد بن مسلمة وبن عُمَرَ فِي طَائِفَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ بَاشَرَ الْقِتَالَ وَهُمُ الْجُمْهُورُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ التَّعَزُّبُ بِالزَّايِ وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ.

     وَقَالَ  صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَجَدْتُهُ بِخَطِّي فِي الْبُخَارِيِّ بِالزَّايِ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ وَهْمًا فَإِنْ صَحَّ فَمَعْنَاهُ الْبُعْدُ وَالِاعْتِزَالُ



[ قــ :6711 ... غــ :7087] .

     قَوْلُهُ  حَدَّثَنَا حَاتِمٌ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ هُوَ بن إِسْمَاعِيلَ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ الْمَدِينَةِ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ فِي رِوَايَةِ الْقَعْنَبِيِّ عَنْ حَاتِمٍ أَنْبَأَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ أَخْرَجَهَا أَبُو نُعَيْمٍ .

     قَوْلُهُ  عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّهُ دَخَلَ على الْحجَّاج هُوَ بن يُوسُفَ الثَّقَفِيُّ الْأَمِيرُ الْمَشْهُورُ وَكَانَ ذَلِكَ لَمَّا ولي الْحجَّاج امرة الْحجاز بعد قتل بن الزُّبَيْرِ فَسَارَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَذَلِكَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ .

     قَوْلُهُ  ارْتَدَدْتَ عَلَى عَقِبَيْكَ كَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا جَاءَ مِنَ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ عَدِّ الْكَبَائِرِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا ذُكِرَ فِي ذَلِكَ مَنْ رَجَعَ بَعْدَ هجرته أَعْرَابِيًا وَأخرج النَّسَائِيّ من حَدِيث بن مَسْعُودٍ رَفَعَهُ لَعَنَ اللَّهُ آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَالْمُرْتَدُّ بَعْدَ هِجْرَتِهِ أَعْرَابِيًّا قَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ كَانَ مَنْ رَجَعَ بَعْدَ هِجْرَتِهِ إِلَى مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَعُدُّونَهُ كَالْمُرْتَدِّ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْ جَفَاءِ الْحَجَّاجِ حَيْثُ خَاطَبَ هَذَا الصَّحَابِيَّ الْجَلِيلَ بِهَذَا الْخِطَابِ الْقَبِيحِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَكْشِفَ عَنْ عُذْرِهِ وَيُقَالُ إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَهُ فَبَيَّنَ الْجِهَةَ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَهُ مُسْتَحِقًّا لِلْقَتْلِ بِهَا وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَفَعَهُ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ بَدَا بَعْدَ هِجْرَتِهِ إِلَّا فِي الْفِتْنَةِ فَإِنَّ الْبَدْوَ خَيْرٌ مِنَ الْمُقَامِ فِي الْفِتْنَةِ .

     قَوْلُهُ  قَالَ لَا أَيْ لَمْ أَسْكُنِ الْبَادِيَةَ رُجُوعًا عَنْ هِجْرَتِي وَلَكِنَّ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ .

     قَوْلُهُ  أَذِنَ لِي فِي الْبَدْو وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ مَسْعَدَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْبَدَاوَةِ فَأَذِنَ لَهُ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَفِي لَفْظٍ لَهُ اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَقَعَ لِسَلَمَةَ فِي ذَلِكَ قِصَّةٌ أُخْرَى مَعَ غَيْرِ الْحَجَّاجِ فَأَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ قَالَ قَدِمَ سَلَمَةُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَهُ بُرَيْدَةُ بْنُ الْخَصِيبِ فَقَالَ ارْتَدَدْتَ عَنْ هِجْرَتِكَ فَقَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنِّي فِي إِذْنٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ ابْدُوَا يَا أَسْلَمَ أَيِ الْقَبِيلَةُ الْمَشْهُورَةُ الَّتِي مِنْهَا سَلَمَةُ وَأَبُو بَرْزَةَ وَبُرَيْدَةُ الْمَذْكُورُ قَالُوا إِنَّا نَخَافُ أَنْ يَقْدَحَ ذَلِكَ فِي هِجْرَتِنَا قَالَ أَنْتُمْ مُهَاجِرُونَ حَيْثُ كُنْتُمْ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا يَقُولُ لِجَابِرٍ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَسَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ فَقَالَ رَجُلٌ أَمَّا سَلَمَةُ فَقَدِ ارْتَدَّ عَنْ هِجْرَتِهِ فَقَالَ لَا تَقُلْ ذَلِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَسْلَمَ ابْدُوَا قَالُوا إِنَّا نَخَافُ أَنْ نَرْتَدَّ بَعْدَ هِجْرَتِنَا قَالَ أَنْتُمْ مُهَاجِرُونَ حَيْثُ كُنْتُمْ وَسَنَدُ كُلٍّ مِنْهُمَا حَسَنٌ .

     قَوْلُهُ  وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ خَرَجَ سَلَمَةُ إِلَى الرَّبَذَةِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُدَّةُ سُكْنَى سَلَمَةَ الْبَادِيَةَ وَهِيَ نَحْوُ الْأَرْبَعِينَ سَنَةً لِأَنَّ قَتْلَ عُثْمَانَ كَانَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمَوْتَ سَلَمَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ عَلَى الصَّحِيحِ .

     قَوْلُهُ  فَلَمْ يَزَلْ بِهَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَاكَ حَتَّى قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِلَيَالٍ كَذَا فِيهِ بِحَذْفِ كَانَ بَعْدَ قَوْله حَتَّى وَقَبْلَ قَوْلِهِ قَبْلَ وَهِيَ مُقَدَّرَةٌ وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ صَحِيحٌ .

     قَوْلُهُ  نَزَلَ الْمَدِينَةَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَالسَّرَخْسِيِّ فَنَزَلَ بِزِيَادَةِ فَاءٍ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ سَلَمَةَ لَمْ يَمُتْ بِالْبَادِيَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ مَنْدَهْ فِي الْجُزْءِ الَّذِي جَمَعَهُ فِي آخِرِ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ بَلْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا تَقْتَضِيهِ رِوَايَةُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ هَذِهِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا رَدٌّ عَلَى مَنْ أَرَّخَ وَفَاةَ سَلَمَةَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَلَمْ يَكُنِ الْحَجَّاجُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرًا وَلَا ذَا أَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ وَكَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّهُ مَاتَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ أَشَدُّ غَلَطًا مِنَ الْأَوَّلِ إِنْ أَرَادَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَإِنْ أَرَادَ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَهُوَ عَيْنُ الْقَوْلِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ مَشَى الْكِرْمَانِيُّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ وَهِيَ السَّنَةُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ كَذَا جَزَمَ بِهِ وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ وَقَدِ اعْتَرَضَ الذَّهَبِيُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَاشَ ثَمَانِينَ سَنَةً وَمَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الْحُدَيْبِيَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ قَاتَلَ يَوْمَئِذٍ وَبَايَعَ.

قُلْتُ وَهُوَ اعْتِرَاضٌ مُتَّجِهٌ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفَ إِلَى سَنَةِ وَفَاتِهِ لَا إِلَى مَبْلَغِ عُمْرِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ رُجْحَانُ قَوْلِ مَنْ قَالَ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ فَإِنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَأَخَّرَ عَنْهَا لِقَوْلِهِ لَمْ يَبْقَ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا أَنَسٌ وَسَلَمَةُ وَذَلِكَ لَائِقٌ بِسَنَةِ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ فَقَدْ عَاشَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى سَنَةِ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ مَاتَ فِي الَّتِي بَعْدَهَا وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ شَرْحِهِ فِي بَابِ الْعُزْلَةِ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ وَأَشَارَ إِلَى حَمْلِ صَنِيعِ سَلَمَةَ عَلَى ذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَوَقَعَتِ الْفِتَنُ اعْتَزَلَ عَنْهَا وَسَكَنَ الرَّبَذَةَ وَتَأَهَّلَ بِهَا وَلَمْ يُلَابِسْ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْحُرُوبِ وَالْحَقُّ حَمْلُ عَمَلِ كُلِّ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ عَلَى السَّدَادِ فَمَنْ لَابَسَ الْقِتَالَ اتَّضَحَ لَهُ الدَّلِيلُ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِقِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ وَكَانَتْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَمَنْ قَعَدَ لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ أَيُّ الْفِئَتَيْنِ هِيَ الْبَاغِيَةُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْقِتَالِ وَقَدْ وَقَعَ لِخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا يُقَاتِلُ فَلَمَّا قُتِلَ عَمَّارٌ قَاتَلَ حِينَئِذٍ وَحَدَّثَ بِحَدِيثِ يَقْتُلُ عَمَّارًا الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَقَولُهُ





[ قــ :671 ... غــ :7088] يُوشِكُ هُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يُسْرِعُ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ وَيَجُوزُ يُوشَكُ بِفَتْحِ الشِّينِ.

     وَقَالَ  الْجَوْهَرِيُّ هِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ وَقَولُهُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ يَجُوزُ فِي خَيْرَ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ فَإِنْ كَانَ غَنَمٌ بِالرَّفْعِ فَالنَّصْبُ وَإِلَّا فَالرَّفْعُ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَوَّلَ الْكِتَابِ وَالْأَشْهَرُ فِي الرِّوَايَةِ غَنَمٌ بِالرَّفْعِ وَقَدْ جَوَّزَ بَعْضُهُمْ رَفْعَ خَيْرَ مَعَ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يُقَدَّرَ فِي يَكُونَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَغَنَمٌ وَخَيْرٌ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ وَقَولُهُ شَعَفُ الْجِبَالِ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بعْدهَا فَاء جمع شعفة كأكم وأكمه رُؤُوس الْجبَال والمرعى فِيهَا وَالْمَاء وَلَا سِيمَا فِي بِلَادِ الْحِجَازِ أَيْسَرُ مِنْ غَيْرِهَا وَوَقَعَ عِنْدَ بَعْضِ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ بَدَلَ الْفَاءِ جَمْعُ شُعْبَةٍ وَهِيَ مَا انْفَرَجَ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ الشِّينَ مُعْجَمَةٌ وَوَقَعَ لِغَيْرِ مَالِكٍ كَالْأَوَّلِ لَكِنَّ السِّينَ مُهْمَلَةٌ وَسَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ وَرَجُلٌ فِي رَأْسِ شُعْبَةٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَابِ .

     قَوْلُهُ  يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ هَذِهِ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَذُو الْحَالِ الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي يَتْبِعُ أَوِ الْمُسْلِمُ إِذَا جَوَّزْنَا الْحَالَ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ فَقَدْ وُجِدَ شَرْطُهُ وَهُوَ شِدَّةُ الْمُلَابَسَةِ وَكَأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ وَاتِّحَادُ الْخَيْرِ بِالْمَالِ وَاضِحٌ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ اسْتِئْنَافِيَّةً وَهُوَ وَاضِحٌ انْتَهَى وَالْخَبَرُ دَالٌّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعُزْلَةِ لِمَنْ خَافَ عَلَى دِينِهِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَصْلِ الْعُزْلَةِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ الِاخْتِلَاطُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنَ اكْتِسَابِ الْفَوَائِدِ الدِّينِيَّةِ لِلْقِيَامِ بِشَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَتَكْثِيرِ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ وَإِيصَالِ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ إِلَيْهِمْ مِنْ إِعَانَةٍ وَإِغَاثَةٍ وَعِيَادَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

     وَقَالَ  قَوْمٌ الْعُزْلَةُ أَوْلَى لِتَحَقُّقِ السَّلَامَةِ بِشَرْطِ مَعْرِفَةِ مَا يَتَعَيَّنُ وَقَدْ مَضَى طَرَفٌ مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ الْعُزْلَةِ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ تَفْضِيلُ الْمُخَالَطَةِ لِمَنْ لَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَقَعُ فِي مَعْصِيَةٍ فَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ فَالْعُزْلَةُ أَوْلَى.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَرَجَّحُ ولَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ بَلْ إِذَا تَسَاوَيَا فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَإِنْ تَعَارَضَا اخْتَلَفَ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ فَمَنْ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ الْمُخَالَطَةُ مَنْ كَانَتْ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إِمَّا عَيْنًا وَإِمَّا كِفَايَةً بِحَسَبِ الْحَالِ وَالْإِمْكَانِ وَمِمَّنْ يَتَرَجَّحُ مَنْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَسْلَمُ فِي نَفْسِهِ إِذَا قَامَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَمِمَّنْ يَسْتَوِي مَنْ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَلَكِنَّهُ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ لَا يُطَاعُ وَهَذَا حَيْثُ لَا يَكُونُ هُنَاكَ فِتْنَةٌ عَامَّةٌ فَإِنْ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ تَرَجَّحَتِ الْعُزْلَةُ لِمَا يَنْشَأُ فِيهَا غَالِبًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْذُورِ وَقَدْ تَقَعُ الْعُقُوبَةُ بِأَصْحَابِ الْفِتْنَةِ فَتَعُمُّ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهلهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُم خَاصَّة وَيُؤَيِّدُ التَّفْصِيلَ الْمَذْكُورَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا خَيْرُ النَّاسِ رَجُلٌ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَرَجُلٌ فِي شِعْبِ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعُزْلَةِ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَشَرْتُ إِلَيْهِ آنِفًا فَإِنَّ أَوَّلَهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ خَيْرُ مُعَاشِرِ النَّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَرَجُلٌ فِي غَنِيمَةٍ الْحَدِيثَ وَكَأَنَّهُ وَرَدَ فِي أَيِّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ فَإِنْ أُخِذَ عَلَى عُمُومِهِ دَلَّ عَلَى فَضِيلَةِ الْعُزْلَةِ لِمَنْ لَا يَتَأَتَّى لَهُ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قيد بِزَمَان وُقُوع الْفِتَن وَالله أعلم (