فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب من قضى ولاعن في المسجد

( قَولُهُ بَابُ مَنْ قَضَى وَلَاعَنَ فِي الْمَسْجِدِ)
الظَّرْفُ يَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرَيْنِ فَهُوَ مِنْ تَنَازُعِ الْفِعْلَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَضَى لِدُخُولِ لَاعَنَ فِيهِ فَإِنَّهُ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَلَاعَنَ حَكَمَ بِإِيقَاعِ التَّلَاعُنِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ فَهُوَ مَجَازٌ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُبَاشِرَ تَلْقِينَهُمَا ذَلِكَ بِنَفْسِهِ .

     قَوْلُهُ  وَلَاعَنَ عُمَرُ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا أَبْلَغُ فِي التَّمَسُّكِ بِهِ عَلَى جَوَازِ اللِّعَانِ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا خَصَّ عُمَرُ الْمِنْبَرَ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى التَّحْلِيفَ عِنْدَ الْمِنْبَرِ أَبْلَغَ فِي التَّغْلِيظِ وَوَرَدَ فِي التَّحْلِيفِ عِنْدَهُ حَدِيثُ جَابِرٍ لَا يُحْلَفُ عِنْدَ مِنْبَرِي الْحَدِيثَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ التَّغْلِيظُ فِي الْأَيْمَانِ بِالْمَكَانِ وَقَاسُوا عَلَيْهِ الزَّمَانَ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّ الْمَحْلُوفَ بِهِ عَظِيمٌ لِأَنَّ لِلْمُعَظَّمِ الَّذِي يُشَاهِدُهُ الْحَالِفُ تَأْثِيرًا فِي التَّوَقِّي عَنِ الْكَذِبِ .

     قَوْلُهُ  وَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ بِالْيَمِينِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهَذَا طَرَفٌ مِنْ أَثَرٍ مَضَى فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَذَكَرْتُ هُنَاكَ مَنْ وَصَلَهُ وَهُوَ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَفْظُهُ عَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ .

     قَوْلُهُ  وَقَضَى شُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ فِي الْمَسْجِدِ أما أثر شُرَيْح فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ رَأَيْتُ شُرَيْحًا يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ وَعَلَيْهِ بُرْنُسُ خَزٍّ.

     وَقَالَ  عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّهُ رَأَى شُرَيْحًا يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ.
وَأَمَّا أَثَرُ الشَّعْبِيِّ فَوَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ فِي جَامِعِ سُفْيَانَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ رَأَيْتُ الشَّعْبِيَّ جَلَدَ يَهُودِيًّا فِي قَرْيَةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ.
وَأَمَّا أَثَرُ يَحْيَى بن يعمر فوصله بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ رَأَيْتُ يَحْيَى بْنَ يَعْمُرَ يَقْضِي فِي الْمَسْجِدِ وَأَخْرَجَ الْكَرَابِيسِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ كَانَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَابْنُهُ وَمُحَمَّدُ بْنُ صَفْوَانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ شُرَحْبِيلَ يَقْضُونَ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ آخَرُونَ .

     قَوْلُهُ  وَكَانَ الْحَسَنُ وَزُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى يَقْضِيَانِ فِي الرَّحَبَةِ خَارِجًا مِنَ الْمَسْجِدِ الرَّحَبَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ هِيَ بِنَاءٌ يَكُونُ أَمَامَ بَابِ الْمَسْجِدِ غَيْرُ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ هَذِهِ رَحَبَةُ الْمَسْجِدِ وَوَقَعَ فِيهَا الِاخْتِلَافُ وَالرَّاجِحُ أَنَّ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَيَصِحُّ فِيهَا الِاعْتِكَافُ وَكُلُّ مَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْمَسْجِدُ فَإِنْ كَانَتِ الرَّحَبَةُ مُنْفَصِلَةٌ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ.
وَأَمَّا الرَّحْبَةُ بِسُكُونِ الْحَاءِ فَهِيَ مَدِينَةٌ مَشْهُورَةٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الْآثَارِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّحَبَةِ هُنَا الرَّحَبَةُ المنسوبة لِلْمَسْجِدِ فقد أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ رَأَيْتُ الْحَسَنَ وَزُرَارَةَ بْنَ أَوْفَى يَقْضِيَانِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَخْرَجَ الْكَرَابِيسِيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الْحَسَنَ وَزُرَارَةَ وَإِيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ كَانُوا إِذَا دَخَلُوا الْمَسْجِدَ لِلْقَضَاءِ صَلَّوْا رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسُوا ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فِي قِصَّةِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيقَيْنِ إِحْدَاهُمَا مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَهُوَ بن عُيَيْنَةَ قَالَ قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُ



[ قــ :6783 ... غــ :7165] شَهِدْتُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَأَنَا بن خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ مُطَوَّلًا وَتَقَدَّمَتْ فَوَائِدُهُ هُنَاكَ ثَانِيهمَا من رِوَايَة بن جريج أَخْبرنِي بن شِهَابٍ وَهُوَ الزُّهْرِيُّ فَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا أَيْضًا وَلَفْظُهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ جَاءَ فَذَكَرَهُ إِلَى





[ قــ :6784 ... غــ :7166] قَوْلِهِ أَيَقْتُلُهُ فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مطولا وَشَرحه هُنَاكَ أَيْضا قَالَ بن بَطَّالٍ اسْتَحَبَّ الْقَضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ طَائِفَةٌ.

     وَقَالَ  مَالك هُوَ الْأَمْرُ الْقَدِيمُ لِأَنَّهُ يَصِلُ إِلَى الْقَاضِي فِيهِ الْمَرْأَةُ وَالضَّعِيفُ وَإِذَا كَانَ فِي مَنْزِلِهِ لَمْ يصل إِلَيْهِ النَّاس لَا مَكَان الِاحْتِجَابِ قَالَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَكَرِهَتْ ذَلِكَ طَائِفَةٌ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْ لَا تَقْضِيَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَأْتِيكَ الْحَائِضُ وَالْمُشْرِكُ.

     وَقَالَ  الشَّافِعِيُّ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُقْضَى فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لِذَلِكَ.

     وَقَالَ  الْكَرَابِيسِيُّ كَرِهَ بَعْضُهُمُ الْحُكْمَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَمُشْرِكٍ فَيَدْخُلُ الْمُشْرِكُ الْمَسْجِدَ قَالَ وَدُخُولُ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ مَكْرُوهٌ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ لَمْ يَزَلْ مِنْ صَنِيعِ السَّلَفِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِ ثُمَّ سَاقَ فِي ذَلِكَ آثَارًا كَثِيرَة قَالَ بن بَطَّالٍ وَحَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ حُجَّةٌ لِلْجَوَازِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى صِيَانَةَ الْمَسْجِدِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ كَانَ مَنْ مَضَى يَجْلِسُونَ فِي رِحَابِ الْمَسْجِدِ إِمَّا فِي مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ وَإِمَّا فِي رَحَبَةِ دَارِ مَرْوَانَ قَالَ وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّ ذَلِكَ فِي الْأَمْصَارِ لِيَصِلَ إِلَيْهِ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْحَائِضُ والضعيف وَهُوَ أقرب إِلَى التَّوَاضُع.

     وَقَالَ  بن الْمُنِيرِ لِرَحَبَةِ الْمَسْجِدِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ إِلَّا إِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُ الْقَاضِي فِي الرَّحَبَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَقِيَامُ الْخُصُومِ خَارِجًا عَنْهَا أَوْ فِي الرَّحَبَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَكَأَنَّ التَّابِعِيَّ الْمَذْكُورَ يَرَى أَنَّ الرَّحَبَةَ لَا تُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَلَوِ اتَّصَلَتْ بِالْمَسْجِدِ وَهُوَ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فَقَدْ وَقَعَ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي حُكْمِ رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ اخْتِلَافٌ فِي التَّعْرِيفِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ فِي الرَّحَبَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَرِيمِ وَالرَّحَبَةِ أَنَّ لِكُلِّ مَسْجِدٍ حَرِيمًا وَلَيْسَ لِكُلِّ مَسْجِدٍ رَحَبَةٌ فَالْمَسْجِدُ الَّذِي يَكُونُ أَمَامَهُ قِطْعَةٌ مِنَ الْبُقْعَةِ هِيَ الرَّحَبَةُ وَهِيَ الَّتِي لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَالْحَرِيمُ هُوَ الَّذِي يُحِيطُ بِهَذِهِ الرَّحَبَةِ وَبِالْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ سُورُ الْمَسْجِدِ مُحِيطًا بِجَمِيعِ الْبُقْعَةِ فَهُوَ مَسْجِدٌ بِلَا رَحَبَةٍ وَلَكِنْ لَهُ حَرِيمٌ كَالدُّورِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَسَكَتَ عَمَّا إِذَا بَنَى صَاحِبُ الْمَسْجِدِ قِطْعَةً مُنْفَصِلَةً عَنِ الْمَسْجِدِ هَلْ هِيَ رَحَبَةٌ تُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَعَمَّا إِذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ الْقِبْلِيِّ مِنَ الْمَسْجِدِ رِحَابٌ بِحَيْثُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى فِيهَا خَلْفَ إِمَامِ الْمَسْجِدِ هَلْ تُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْأُولَى وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي الثَّانِيَةِ وَقَدْ يُفَرَّقُ حُكْمُ الرَّحَبَةِ مِنَ الْمَسْجِدِ فِي جَوَازِ اللَّغَطِ وَنَحْوِهِ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ مَعَ إِعْطَائِهَا حُكْمَ الْمَسْجِدِ فِي الصَّلَاةِ فِيهَا فَقَدْ أَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ بَنَى عُمَرُ إِلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ رَحَبَةً فَسَمَّاهَا الْبَطْحَاءَ فَكَانَ يَقُولُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْغَطَ أَوْ يُنْشِدَ شِعْرًا أَوْ يَرْفَعَ صَوتا فَليخْرجْ إِلَى هَذِه الرحبة