فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} [القيامة: 23]

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة)
كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيق ثُوَيْر بن أبي فَاخِتَة عَن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ أَلْفَ سَنَةٍ وَإِنَّ أَفْضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَمَنْ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ قَالَ ثُمَّ تَلا وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة قَالَ بالبياض والصفاء إِلَى رَبهَا ناظرة قَالَ تَنْظُرُ كُلَّ يَوْمٍ فِي وَجْهِ اللَّهِ لَفظه الطَّبَرِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُصْعَبِ بْنِ الْمِقْدَامِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ ثُوَيْرٍ وَأَخْرَجَهُ عَبْدٌ عَنْ شَبَابَةَ عَنْ إِسْرَائِيلَ وَلَفْظُهُ لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَخَدَمِهِ وَنَعِيمِهِ وَسُرُرِهِ مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ وَأَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَنْ يَنْظُرُ إِلَى وَجْهِهِ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ.

     وَقَالَ  غَرِيبٌ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ مَرْفُوعًا وَرَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبْجَرَ عَن ثُوَيْر عَن بن عُمَرَ مَوْقُوفًا وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنْ ثُوَيْرٍ عَنْ مُجَاهِد عَن بن عُمَرَ مَوْقُوفًا أَيْضًا قَالَ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا ذَكَرَ فِيهِ مُجَاهِدًا غَيْرَ الثَّوْرِيِّ بِالْعَنْعَنَةِ.

قُلْتُ أخرجه بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ أَرْبَعَةِ طُرُقٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ ثُوَيْر قَالَ سَمِعت بن عُمَرَ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنْ ثُوَيْرٍ مَرْفُوعًا.

     وَقَالَ  الْحَاكِمُ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ ثُوَيْرٌ لَمْ يُنْقَمْ عَلَيْهِ إِلَّا التَّشَيُّعُ.

قُلْتُ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا صَرَّحَ بِتَوْثِيقِهِ بَلْ أَطْبَقُوا على تَضْعِيفه.

     وَقَالَ  بن عَدِيٍّ الضَّعْفُ عَلَى أَحَادِيثِهِ بَيِّنٌ وَأَقْوَى مَا رَأَيْتُ فِيهِ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِيهِ وَفِي لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَيَزِيدَ بْنِ أبي زِيَاد مَا أَقْرَبَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الصَّهْبَاءِ مَوْقُوفًا نَحْوَ حَدِيثِ بن عُمَرَ وَأَخْرَجَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ تَنْظُرُ إِلَى رَبِّهَا نَظَرًا وَأَخْرَجَ عَنِ الْبُخَارِيِّ عَنْ آدَمَ عَنْ مُبَارَكٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ تَنْظُرُ إِلَى الْخَالِقِ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ انْظُرُوا مَاذَا أَعْطَى اللَّهُ عَبْدَهُ مِنَ النُّورِ فِي عَيْنِهِ مِنَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِ رَبِّهِ الْكَرِيمِ عِيَانًا يَعْنِي فِي الْجَنَّةِ ثُمَّ قَالَ لَوْ جُعِلَ نُورُ جَمِيعِ الْخَلْقِ فِي عَيْنَيْ عَبْدٍ ثُمَّ كُشِفَ عَنِ الشَّمْسِ سِتْرٌ وَاحِدٌ وَدُونُهَا سَبْعُونَ سِتْرًا مَا قَدَرَ عَلَى أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا وَنُورُ الشَّمْسِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جزأ مِنْ نُورِ الْكُرْسِيِّ وَنُورُ الْكُرْسِيِّ جُزْءٌ مِنْ سبعين جزأ مِنْ نُورِ الْعَرْشِ وَنُورُ الْعَرْشِ جُزْءٌ مِنْ سبعين جزأ مِنْ نُورِ السِّتْرِ وَإِبْرَاهِيمُ فِيهِ ضَعْفٌ وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ إِنْكَارَ الرُّؤْيَةِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِالْحَمْلِ عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَخْرَجَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَاظِرَةٌ تَنْظُرُ الثَّوَابَ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ نَحْوَهُ وَأَوْرَدَ الطَّبَرِيُّ الِاخْتِلَافَ فَقَالَ الْأَوْلَى عِنْدِي بِالصَّوَابِ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَهُوَ ثُبُوتُ الرُّؤْيَةِ لِمُوَافَقَتِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ وَبَالغ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي رَدِّ الَّذِي نُقِلَ عَنْ مُجَاهِدٍ.

     وَقَالَ  هُوَ شُذُوذٌ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَتَمَسَّكُوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ وَفِيهِ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ قَالَ بَعْضُهُمْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى انْتِفَاءِ الرُّؤْيَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ فِيهِ رُؤْيَتُهُ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ الْعِبَادَةَ خَاصَّةٌ بِهَا فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى جَوَازِ الرُّؤْيَةِ فِي الْآخِرَةِ لَمَا أَبْعَدَ وَزَعَمَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ كَالسَّالِمِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَنَّ فِي الْخَبَرِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ يَرَوْنَ اللَّهَ فِي الْقِيَامَةِ مِنْ عُمُومِ اللِّقَاءِ وَالْخِطَابِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ يَرَاهُ بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ حَيْثُ جَاءَ فِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ إِذَا قِيلَ لَهُمْ أَلَا تَرُدُّونَ وَيَبْقَى الْمُؤْمِنُونَ وَفِيهِمُ الْمُنَافِقُونَ فَيَرَوْنَهُ لَمَّا يَنْصِبُ الْجِسْرَ وَيَتْبَعُونَهُ وَيُعْطِي كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ نُورَهُ ثُمَّ يُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ وَأَجَابُوا عَنْ قَوْله انهم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون أَنَّهُ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَهُوَ احْتِجَاجٌ مَرْدُودٌ فَإِنَّ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيم فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْحَجْبِ وَقَعَ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْحَجْبَ يَقَعُ عِنْدَ إِطْفَاءِ النُّورِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ يَتَجَلَّى لِلْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ مَعَهُمْ مِمَّنْ أَدْخَلَ نَفْسَهُ فِيهِمْ أَنْ تَعُمَّهُمُ الرُّؤْيَةُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِهِمْ فَيُنْعِمُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِرُؤْيَتِهِ دُونَ الْمُنَافِقِينَ كَمَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ السُّجُودِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَجْهُ الدَّلِيلِ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ لَفْظَ نَاضِرَةٌ الْأَوَّلُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ السَّاقِطَةِ مِنَ النَّضْرَةِ بِمَعْنَى السُّرُورِ وَلَفْظُ نَاظِرَةٌ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ يَحْتَمِلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ نَظَرُ التَّفَكُّرِ وَالِاعْتِبَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَنَظَرُ الِانْتِظَارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَة وَاحِدَة وَنظر التعطف وَالرَّحْمَة كَقَوْلِه تَعَالَى لَا ينظر الله إِلَيْهِم وَنَظَرُ الرُّؤْيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ من الْمَوْت وَالثَّلَاثَة الأول غير مُرَادة اما الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْآخِرَةَ لَيْسَتْ بِدَارِ اسْتِدْلَالٍ.
وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ فِي الِانْتِظَارِ تَنْغِيصًا وَتَكْدِيرًا وَالْآيَةُ خَرَجَتْ مَخْرَجَ الِامْتِنَانِ وَالْبِشَارَةِ وَأَهْلُ الْجَنَّةِ لَا ينتظرون شَيْئا لِأَنَّهُ مهما خطر لَهُم أتوابه.
وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَتَعَطَّفُ عَلَى خَالِقِهِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا نَظَرُ الرُّؤْيَةِ وَانْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّظَرَ إِذَا ذكر مَعَ الْوَجْه انْصَرف الْعَينَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي الْوَجْهِ وَلِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَعَدَّى بِإِلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ نَاظِرَةٌ هُنَا بِمَعْنَى رَائِيَةٌ انْدَفَعَ قَوْلُ من زعم أَن الْمَعْنى ناظرة إل ثَوَابِ رَبِّهَا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّقْدِيرِ وَأَيَّدَ مَنْطُوق الْآيَة حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ بِمَفْهُومِ الْآيَةِ الْأُخْرَى فِي حَقِّ الْكَافِرِينَ أَنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ وَقَيَّدَهَا بِالْقِيَامَةِ فِي الْآيَتَيْنِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الرُّؤْيَةَ تحصل للْمُؤْمِنين فِي الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا انْتَهَى مُلَخَّصًا مُوَضَّحًا وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ فِي تَارِيخِهِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَرَوِيِّ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَقِيلَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى رَبهَا ناظرة يَقُولُ قَوْمٌ إِلَى ثَوَابِهِ فَقَالَ كَذَبُوا فَأَيْنَ هُمْ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لمحجوبون وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرُ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ يَصِحُّ أَنْ يُرَى وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ التَّنَزُّلِ وَإِلَّا فَصِفَاتُ الْخَالِقِ لَا تُقَاسُ عَلَى صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَأَدِلَّةُ السَّمْعِ طَافِحَةٌ بِوُقُوعِ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَمُنِعَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَنَّ أَبْصَارَ أَهْلِ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ وَأَبْصَارَهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَاقِيَةٌ جَيِّدٌ وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِمَنْ ثَبَتَ وُقُوعُهُ لَهُ وَمَنَعَ جُمْهُورُ الْمُعْتَزِلَةِ مِنَ الرُّؤْيَةِ مُتَمَسِّكِينَ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْمَرْئِيِّ أَنْ يَكُونَ فِي جِهَةٍ وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِهَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَرَى عِبَادَهُ فَهُوَ رَاءٍ لَا مِنْ جِهَةٍ وَاخْتَلَفَ مَنْ أَثْبَتَ الرُّؤْيَةَ فِي مَعْنَاهَا فَقَالَ قَوْمٌ يَحْصُلُ لِلرَّائِي الْعِلْمُ بِاللَّهِ تَعَالَى بِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَرْئِيَّاتِ وَهُوَ عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ إِلَّا أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْجِهَةِ وَالْكَيْفِيَّةِ وَذَلِكَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْعِلْمِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ إِنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ وَعَبَّرَ عَنْهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا حُصُولُ حَالَةٍ فِي الْإِنْسَانِ نِسْبَتُهَا إِلَى ذَاتِهِ الْمَخْصُوصَةِ نِسْبَةَ الْإِبْصَارِ إِلَى الْمَرْئِيَّاتِ.

     وَقَالَ  بَعْضُهُمْ رُؤْيَةُ الْمُؤْمِنِ لِلَّهِ نَوْعُ كَشْفٍ وَعِلْمٍ إِلَّا أَنَّهُ أَتَمُّ وَأَوْضَحُ مِنَ الْعِلْمِ وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ مِنَ الْأَوَّلِ وَتُعُقِّبَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا اخْتِصَاصَ لِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ لِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَتَفَاوَتُ.
وَتَعَقَّبَهُ بن التِّينِ بِأَنَّ الرُّؤْيَةَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ تَتَعَدَّى لِمَفْعُولَيْنِ تَقُولُ رَأَيْتُ زَيْدًا فَقِيهًا أَيْ عَلِمْتُهُ فَإِنْ قُلْتَ رَأَيْتُ زَيْدًا مُنْطَلِقًا لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ إِلَّا رُؤْيَةُ الْبَصَرِ وَيَزِيدُهُ تَحْقِيقًا .

     قَوْلُهُ  فِي الْخَبَرِ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا لِأَنَّ اقْتِرَانَ الرُّؤْيَةِ بِالْعِيَانِ لَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْعلم.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ ذَهَبَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَجُمْهُورُ الْأُمَّةِ إِلَى جَوَازِ رُؤْيَةِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ وَمَنَعَ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ وَتَمَسَّكُوا بِأَنَّ الرُّؤْيَةَ تُوجِبُ كَوْنَ الْمَرْئِيِّ مُحْدَثًا وَحَالًّا فِي مَكَانٍ وَأَوَّلُوا قَوْله ناظرة بِمُنْتَظِرَةٍ وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى بِإِلَى ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ وَمَا تَمَسَّكُوا بِهِ فَاسِدٌ لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَوْجُودٌ وَالرُّؤْيَةُ فِي تَعَلُّقِهَا بِالْمَرْئِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْعِلْمِ فِي تَعَلُّقِهِ بِالْمَعْلُومِ فَإِذَا كَانَ تَعَلُّقُ الْعِلْمِ بِالْمَعْلُومِ لَا يُوجِبُ حُدُوثَهُ فَكَذَلِكَ الْمَرْئِيُّ قَالَ وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى لمُوسَى لن تراني وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فِي الدُّنْيَا جَمْعًا بَيْنَ دَلِيلَيِ الْآيَتَيْنِ وَبِأَنَّ نَفْيَ الْإِدْرَاكِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الرُّؤْيَةِ لِإِمْكَانِ رُؤْيَةِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ إِحَاطَةٍ بِحَقِيقَتِهِ وَعَنِ الثَّانِي الْمُرَادُ لَنْ تَرَانِي فِي الدُّنْيَا جَمْعًا أَيْضًا وَلِأَنَّ نَفْيَ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي إِحَالَتَهُ مَعَ مَا جَاءَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَلَى وَفْقِ الْآيَةِ وَقَدْ تَلَقَّاهَا الْمُسْلِمُونَ بِالْقَبُولِ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ حَتَّى حَدَثَ مَنْ أَنْكَرَ الرُّؤْيَةَ وَخَالَفَ السَّلَفَ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ اشْتَرَطَ النُّفَاةُ فِي الرُّؤْيَةِ شُرُوطًا عَقْلِيَّةً كَالْبِنْيَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَالْمُقَابَلَةِ وَاتِّصَالِ الْأَشِعَّةِ وَزَوَالِ الْمَوَانِعِ كَالْبُعْدِ وَالْحَجْبِ فِي خَبْطٍ لَهُمْ وَتَحَكُّمٍ وَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يَشْتَرِطُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ سِوَى وُجُودِ الْمَرْئِيِّ وَأَنَّ الرُّؤْيَةَ إِدْرَاكٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلرَّائِي فَيَرَى الْمَرْئِيَّ وَتَقْتَرِنُ بِهَا أَحْوَالٌ يَجُوزُ تَبَدُّلُهَا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي الْبَابِ أَحَدَ عَشَرَ حَدِيثًا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ جَرِيرٍ ذَكَرَهُ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ



[ قــ :7037 ... غــ :7434] .

     قَوْلُهُ  خَالِدٌ أَوْ هُشَيْمٌ كَذَا فِي نُسْخَةٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْمُسْتَمْلِي بِالشَّكِّ وَفِي أُخْرَى بِالْوَاوِ وَكَذَا لِلْبَاقِينَ .

     قَوْلُهُ  عَنْ إِسْمَاعِيل هُوَ بن أبي خَالِد قَوْله عَن قيس هُوَ بن أَبِي حَازِمٍ وَنُسِبَ فِي رِوَايَةِ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْمُشَارِ إِلَيْهَا .

     قَوْلُهُ  عَنْ جرير فِي رِوَايَة مَرْوَان الْمَذْكُورَة سَمِعت جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ بَيَانٍ فِي الْبَابِ عَنْ قَيْسٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ .

     قَوْلُهُ  كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ ق كُنَّا جُلُوسًا لَيْلَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

     قَوْلُهُ  لَيْلَةَ الْبَدْرِ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بَيَانٍ الْمَذْكُورَةِ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً الْبَدْرِ فَقَالَ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْقَوْلَ لَهُمْ صَدَرَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ جَلَسُوا عِنْدَهُ .

     قَوْلُهُ  إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبِي أُسَامَةَ وَوَكِيعٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِنَّكُمْ سَتُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّكُمْ فَتَرَوْنَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي شِهَابٍ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ عِيَانًا هَكَذَا اقْتَصَرَ أَبُو شِهَابٍ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ مِنَ الْحَدِيثِ لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي فِي أَوَّلِهِ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً الْبَدْرِ فَقَالَ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ خَلَفِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي شِهَابٍ كَالْأَكْثَرِ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْبَلَدِيِّ عَنْ أَبِي شِهَابٍ مُطَوَّلًا وَاسْمُ أَبِي شِهَابٍ هَذَا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ نَافِعٍ الْحَنَّاطُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَاسْمُ الرَّاوِي عَنْهُ عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ كَانَ خَيَّاطًا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ قَالَ الطَّبَرِيُّ تَفَرَّدَ أَبُو شِهَابٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ بِقَوْلِهِ عِيَانًا وَهُوَ حَافِظٌ مُتْقِنٌ مِنْ ثِقَاتِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْهَرَوِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفَارُوقِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَبِي أُنَيْسَةَ رَوَاهُ أَيْضًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَسَاقَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ نَفْسًا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ كَالْأَوَّلِ .

     قَوْلُهُ  لَا تُضَامُونَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ لِلْأَكْثَرِ وَفِيهِ رِوَايَاتٌ أُخْرَى تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي بَابِ الصِّرَاطِ جِسْرُ جَهَنَّمَ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ.

     وَقَالَ  الْبَيْهَقِيُّ سَمِعْتُ الشَّيْخَ الْإِمَامَ أَبَا الطَّيِّبِ سَهْلَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصُّعْلُوكِيَّ يَقُولُ فِي إِمْلَائِهِ فِي قَوْلِهِ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ مَعْنَاهُ لَا تَجْتَمِعُونَ لِرُؤْيَتِهِ فِي جِهَةٍ وَلَا يُضَمُّ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَمَعْنَاهُ بِفَتْحِ التَّاءِ كَذَلِكَ وَالْأَصْلُ لَا تَتَضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ بِاجْتِمَاعٍ فِي جِهَةٍ وَبِالتَّخْفِيفِ مِنَ الضَّيْمِ وَمَعْنَاهُ لَا تُظْلَمُونَ فِيهِ بِرُؤْيَةِ بَعْضِكُمْ دُونَ بَعْضٍ فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ فِي جِهَاتِكُمْ كُلِّهَا وَهُوَ مُتَعَالٍ عَنِ الْجِهَةِ وَالتَّشْبِيهِ بِرُؤْيَةِ الْقَمَرِ لِلرُّؤْيَةِ دُونَ تَشْبِيهِ الْمَرْئِيِّ تَعَالَى اللَّهُ عَن ذَلِك الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ النَّاسَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَقَدْ مَضَى شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَوَقَعَ هُنَا فِي





[ قــ :7040 ... غــ :7437] قَوْلِهِ فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَإِذَا جَاءَنَا وَيَحْتَاجُ إِلَى تَأَمُّلٍ وَفِي قَوْلِهِ أَوَّلُ مَنْ يُجِيزُ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي يَجِيءُ مِنَ الْمَجِيءِ وَفِي قَوْلِهِ وَيُعْطِي رَبَّهُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَيُعْطِي اللَّهَ وَفِي قَوْلِهِ أَيْ رَبِّ لَا أَكُونُ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي لَا أَكُونَنَّ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ لِذَلِكَ وَغَيْرِهِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِطُولِهِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ أَيْضًا هُنَاكَ وَقَولُهُ





[ قــ :7041 ... غــ :7439] فِي سَنَدِهِ عَنْ زَيْدٍ هُوَ بن أسلم وَعَطَاء هُوَ بن يسَار وَقَوله فِيهِ وَأَصْحَاب كل آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ إِلَهِهِمْ بِالْإِفْرَادِ وَقَولُهُ مَا يُجْلِسُكُمْ بِالْجِيمِ وَاللَّامِ مِنَ الْجُلُوسِ أَيْ يُقْعِدُكُمْ عَنِ الذَّهَابِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَا يَحْبِسُكُمْ بِالْحَاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ مِنَ الْحَبْسِ أَيْ يَمْنَعُكُمْ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَقَولُهُ فِيهِ فَيَأْتِيهِمُ الله فِي صُورَة اسْتدلَّ بن قُتَيْبَةَ بِذِكْرِ الصُّورَةِ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ صُورَةً لَا كَالصُّوَرِ كَمَا ثَبَتَ أَنَّهُ شَيْءٌ لَا كالأشياء وتعقبوه.

     وَقَالَ  بن بَطَّالٍ تَمَسَّكَ بِهِ الْمُجَسِّمَةُ فَأَثْبَتُوا لِلَّهِ صُورَةً وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ وَضَعَهَا اللَّهُ لَهُمْ دَلِيلًا عَلَى مَعْرِفَتِهِ كَمَا يُسَمَّى الدَّلِيلُ وَالْعَلَامَةُ صُورَةً وَكَمَا تَقُولُ صُورَةُ حَدِيثِكَ كَذَا وَصُورَةُ الْأَمْرِ كَذَا وَالْحَدِيثُ وَالْأَمْرُ لَا صُورَةَ لَهُمَا حَقِيقَةً وَأَجَازَ غَيْرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصُّورَةِ الصِّفَةُ وَإِلَيْهِ مَيْلُ الْبَيْهَقِيّ وَنقل بن التِّينِ أَنَّ مَعْنَاهُ صُورَةُ الِاعْتِقَادِ وَأَجَازَ الْخَطَّابِيُّ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْمُشَاكَلَةِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالطَّوَاغِيتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَسْطُ هَذَا هُنَاكَ وَكَذَا .

     قَوْلُهُ  نَعُوذُ بِكَ.

     وَقَالَ  غَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ فِي الصُّورَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يُشِيرَ بِذَلِكَ إِلَى مَا عَرَفُوهُ حِينَ أَخْرَجَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ مِنْ صُلْبِهِ ثُمَّ أَنْسَاهُمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ يُذَكِّرُهُمْ بِهَا فِي الْآخِرَةِ وَقَولُهُ فَإِذَا رَأَيْنَا رَبَّنَا عَرَفْنَاهُ قَالَ بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لَهُمْ مَلَكًا لِيَخْتَبِرَهُمْ فِي اعْتِقَادِ صِفَاتِ رَبِّهِمُ الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَإِذَا قَالَ لَهُمْ أَنَا رَبُّكُمْ رَدُّوا عَلَيْهِ لِمَا رَأَوْا عَلَيْهِ مِنْ صِفَةِ الْمَخْلُوقِ فَ.

     قَوْلُهُ  فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ أَيْ إِذَا ظَهَرَ لَنَا فِي مُلْكٍ لَا يَنْبَغِي لِغَيْرِهِ وَعَظَمَةٍ لَا تُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ فَحِينَئِذٍ يَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا قَالَ.
وَأَمَّا .

     قَوْلُهُ  هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ عَلَامَةٌ تَعْرِفُونَهَا فَيَقُولُونَ السَّاقُ فَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّ اللَّهَ عَرَّفَهُمْ عَلَى أَلْسِنَةِ الرُّسُلِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَوِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَهُمْ عَلَامَةً تَجَلِّيهِ السَّاقُ وَذَلِكَ أَنَّهُ يَمْتَحِنُهُمْ بِإِرْسَالِ مَنْ يَقُولُ لَهُمْ أَنَا رَبُّكُمْ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ وَهِيَ وَإِنْ وَرَدَ أَنَّهَا فِي عَذَابِ الْقَبْرِ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَتَنَاوَلَ يَوْمَ الْمَوْقِفِ أَيْضًا قَالَ واما السَّاق فجَاء عَن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ قَالَ عَنْ شِدَّةٍ مِنَ الْأَمْرِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ قَامَتِ الْحَرْبُ عَلَى سَاقٍ إِذَا اشْتَدَّتْ وَمِنْهُ قَدْ سَنَّ أَصْحَابُكَ ضَرْبَ الْأَعْنَاقِ وَقَامَتِ الْحَرْبُ بِنَا عَلَى سَاقِ وَجَاءَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي تَفْسِيرِهَا عَنْ نُورٍ عَظِيمٍ قَالَ بن فَوْرَكٍ مَعْنَاهُ مَا يَتَجَدَّدُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْأَلْطَافِ.

     وَقَالَ  الْمُهَلَّبُ كَشْفُ السَّاقِ لِلْمُؤْمِنِينَ رَحْمَةٌ وَلِغَيْرِهِمْ نِقْمَةٌ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ تَهَيَّبَ كَثِيرٌ مِنَ الشُّيُوخِ الْخَوْضَ فِي مَعْنَى السَّاقِ وَمَعْنَى قَوْلِ بن عَبَّاسٍ إِنَّ اللَّهَ يَكْشِفُ عَنْ قُدْرَتِهِ الَّتِي تَظْهَرُ بِهَا الشِّدَّةُ وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ الْأَثَرَ الْمَذْكُورَ عَن بن عَبَّاسٍ بِسَنَدَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا حَسَنٌ وَزَادَ إِذَا خَفِيَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَتْبِعُوهُ مِنَ الشِّعْرِ وَذَكَرَ الرَّجَزَ الْمُشَارَ إِلَيْهِ وَأَنْشَدَ الْخَطَّابِيُّ فِي إِطْلَاقِ السَّاقِ عَلَى الْأَمْرِ الشَّدِيدِ فِي سَنَةٍ قَدْ كَشَفَتْ عَنْ سَاقِهَا وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ من وَجه آخر صَحِيح عَن بن عَبَّاسٍ قَالَ يُرِيدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ النَّفْسُ وَقَولُهُ فِيهِ وَيَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ كَيْمَا يَسْجُدُ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ جَمَالُ الدِّينِ بْنُ هِشَامٍ فِي الْمُغْنِي أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَيْمَا مُجَرَّدَةً وَلَيْسَ بَعْدَهَا لَفْظُ يَسْجُدُ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ حَكَى عَنِ الْكُوفِيِّينَ إِنَّ كَيْ نَاصِبَةٌ دَائِمًا قَالَ وَيَرُدُّهُ .

     قَوْلُهُ مْ كَيْمَهْ كَمَا يَقُولُونَ لِمَهْ وَأَجَابُوا بِأَنَّ التَّقْدِيرَ كَيْ تَفْعَلَ مَاذَا وَيَلْزَمُهُمْ كَثْرَةُ الْحَذْفِ وَإِخْرَاجُ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ عَنِ الصَّدْرِ وَحَذْفُ أَلِفِهَا فِي غَيْرِ الْجَرِّ وَحَذْفُ الْفِعْلِ الْمَنْصُوبِ مَعَ بَقَاءِ عَامِلِ النَّصْبِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ نَعَمْ وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ فَيَذْهَبُ كَيْمَا فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا أَيْ كَيْمَا يَسْجُدُ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا لَا يَحْتَمِلُ الْقِيَاسُ عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَكَأَنَّهُ وَقَعَتْ لَهُ نُسْخَةٌ سَقَطَتْ مِنْهَا هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَكِنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الَّتِي وَقَفْتُ عَلَيْهَا حَتَّى ان بن بَطَّالٍ ذَكَرَهَا بِلَفْظِ كَيْ يَسْجُدَ بِحَذْفِ مَا وَكَلَام بن هِشَامٍ يُوهِمُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَوْرَدَهُ فِي التَّفْسِيرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ذَكَرَهَا هُنَا فَقَطْ وَقَولُهُ فِيهِ فَيَعُود ظَهره طبقًا وَاحِدًا قَالَ بن بَطَّالٍ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ أَجَازَ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ مِنَ الْأَشَاعِرَةِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقِصَّةِ أَبِي لَهَبٍ وَأَنَّ اللَّهَ كَلَّفَهُ الْإِيمَانَ بِهِ مَعَ إِعْلَامِهِ بِأَنَّهُ يَمُوتُ عَلَى الْكُفْرِ وَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ قَالَ وَمَنَعَ الْفُقَهَاءُ مِنْ ذَلِكَ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وسعهَا وَأَجَابُوا عَنِ السُّجُودِ بِأَنَّهُمْ يُدْعَوْنَ إِلَيْهِ تَبْكِيتًا إِذْ أَدْخَلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الْمُؤْمِنِينَ السَّاجِدِينَ فِي الدُّنْيَا فَدُعُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى السُّجُودِ فَتَعَذَّرَ عَلَيْهِمْ فَأَظْهَرَ اللَّهُ بِذَلِكَ نِفَاقَهُمْ وَأَخْزَاهُمْ قَالَ وَمِثْلُهُ مِنَ التَّبْكِيتِ مَا يُقَالُ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِك ارْجعُوا وراءكم فالتمسوا نورا وَلَيْسَ فِي هَذَا تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ بل إِظْهَار خزيهم وَمثله كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ شَعِيرَةً فَإِنَّهَا لِلزِّيَادَةِ فِي التَّوْبِيخِ وَالْعُقُوبَةِ انْتَهَى وَلَمْ يَجِبْ عَنْ قِصَّةِ أَبِي لَهَبٍ وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ مَسْأَلَةَ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ لَمْ تَقَعْ إِلَّا بِالْإِيمَانِ فَقَطْ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ ذِكْرِهَا وَقَولُهُ قَالَ مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَتَشْدِيدُ اللَّامِ قَالَ أَيْ مَوْضِعُ الزَّلَلِ وَيُقَالُ بِالْكَسْرِ فِي الْمَكَانِ وَبِالْفَتْحِ فِي الْمَقَالِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ الْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَا الدَّحْضُ الزَّلَقُ لِيَدْحَضُوا لِيَزْلَقُوا زَلَقًا لَا يَثْبُتُ فِيهِ قَدَمٌ وَهَذَا قَدْ تَقَدَّمَ لَهُمْ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْكَهْفِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَقَولُهُ عَلَيْهِ خطا طيف وَكَلَالِيبٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَقَولُهُ وَحَسَكَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ الْحَسَكُ نَبَاتٌ لَهُ ثَمَرٌ خَشِنٌ يَتَعَلَّقُ بِأَصْوَافِ الْغَنَمِ وَرُبَّمَا اتُّخِذَ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيدٍ وَهُوَ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَقَولُهُ مُفَلْطَحَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا طَاءٌ ثُمَّ حَاءٌ مُهْمَلَتَانِ كَذَا وَقَعَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مُطَلْفَحَةٌ بِتَقْدِيمِ الطَّاءِ وَتَأْخِيرِ الْفَاءِ وَاللَّامُ قَبْلَهَا وَلِبَعْضِهِمْ كَالْأَوَّلِ لَكِنْ بِتَقْدِيمِ الْحَاءِ عَلَى الطَّاءِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ وَهُوَ الَّذِي فِيهِ اتِّسَاعٌ وَهُوَ عَرِيضٌ يُقَالُ فَلْطَحَ الْقُرْصَ بَسَطَهُ وَعَرَّضَهُ وَقَولُهُ شَوْكَةٌ عَقِيفَةٌ بِالْقَافِ ثُمَّ الْفَاءِ وَزْنُ عَظِيمَةٌ وَلِبَعْضِهِمْ عُقَيْفَاءُ بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ مَمْدُودٌ تَنْبِيهٌ قَرَأْتُ فِي تَنْقِيحِ الزَّرْكَشِيِّ وَقَعَ هُنَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بَعْدَ شَفَاعَةِ الْأَنْبِيَاءِ فَيَقُولُ اللَّهُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي فَيُخْرِجُ مِنَ النَّارِ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا وَتَمَسَّكَ بِهِ بَعْضُهُمْ فِي تَجْوِيزِ إِخْرَاجِ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ النَّارِ وَرُدَّ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ كَمَا قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْرِ الْمَنْفِيِّ مَا زَادَ عَلَى أَصْلِ الْإِقْرَارِ بِالشَّهَادَتَيْنِ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ بَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ هَكَذَا قَالَ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ غَلَطٌ مِنْهُ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ مُتَّصِلَةٌ هُنَا.
وَأَمَّا نِسْبَةُ ذَلِكَ لِعَبْدِ الْحَقِّ فَغَلَطٌ عَلَى غَلَطٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ إِلَّا فِي طَرِيقٍ أُخْرَى وَقَعَ فِيهَا أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ قَالَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ وَلَمَّا سَاقَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي فِي هَذَا الْبَابِ سَاقَهُ بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ لَتَعَقَّبْنَاهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا انْقِطَاعَ فِي السَّنَدِ أَصْلًا ثُمَّ إِنَّ لَفْظَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هُنَا لَيْسَ كَمَا سَاقَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَإِنَّمَا فِيهِ فَيَقُولُ الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدِ امْتُحِشُوا ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الزَّرْكَشِيُّ ذَكَرَهُ بِالْمَعْنَى الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الشَّفَاعَةِ وَقَدْ مَضَى شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ وَقَولُهُ





[ قــ :704 ... غــ :7440] هُنَا.

     وَقَالَ  حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ كَذَا عِنْدَ الْجَمِيعِ إِلَّا فِي رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنِ الْفَرَبْرِيِّ فَقَالَ فِيهَا حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ وَقَدْ وَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ الطُّوسِيِّ قَالَا حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ وَسَاقُوا الْحَدِيثَ كُلَّهُ إِلَّا النَّسَفِيَّ فَسَاقَ مِنْهُ إِلَى قَوْلِهِ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَوَقَعَ لِأَبِي ذَرٍّ عَنِ الْحَمَوِيِّ نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ حَتَّى يُهِمُّوا بِذَلِكَ وَنَحْوُهُ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَقَولُهُ فِيهِ ثَلَاثُ كَذِبَاتٍ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ وَقَولُهُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فِي دَارِهِ فَيُؤْذَنُ لِي عَلَيْهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا يُوهِمُ الْمَكَانَ وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ فِي دَارِهِ الَّذِي اتَّخَذَهَا لِأَوْلِيَائِهِ وَهِيَ الْجَنَّةُ وَهِيَ دَارُ السَّلَامِ وَأُضِيفَتْ إِلَيْهِ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ مِثْلَ بَيْتِ اللَّهِ وَحَرَمِ اللَّهِ وَقَولُهُ فِيهِ قَالَ قَتَادَةُ سَمِعْتُهُ يَقُولُ فَأُخْرِجُهُمْ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَسَمِعْتُهُ أَيْضًا يَقُولُ وَلِلْمُسْتَمْلِي وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فَأَخْرُجُ فَأُخْرِجُهُمْ الْأَوَّلُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَالثَّانِي بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ أَنَسٍ اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ





[ قــ :7043 ... غــ :7441] .

     قَوْلُهُ  فِي السَّنَدِ حَدَّثَنِي عَمِّي هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَأَبُوهُ هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَلِيَعْقُوبَ فِيهِ شَيْخٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ أَيْضا عَن بن أخي بن شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ وَهِيَ أَعْلَى مِنْ رِوَايَتِهِ إِيَّاه عَن أَبِيه عَن صَالح وَهُوَ بن كيسَان عَن بن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ .

     قَوْلُهُ  أَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنَ هَذَا الْوَجْهِ.

     وَقَالَ  فِي أَوَّلِهِ لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ ثُمَّ أَحَالَ بِبَقِيَّتِهِ عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي قَبْلَهَا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي مُعَاتَبَتِهِمْ وَفِي آخِرِهِ فَقَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ رَضِينَا قَالَ فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ بَعْدِي أَثَرَةً شَدِيدَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ وَسَاقَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ أَتَمَّ مِنْهُ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْغَرَضُ مِنْهُ هُنَا .

     قَوْلُهُ  حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّهَا زِيَادَةٌ لَمْ تَقَعْ فِي بَقِيَّةِ الطُّرُقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْفِتَنِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ فِي قِصَّةٍ فِيهَا فَسَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي وَتَرْجَمَ لَهُ فِي مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ بَاب قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي لِلْأَنْصَارِ اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ قَالَ الرَّاغِبُ اللِّقَاءُ مُقَابَلَةُ الشَّيْءِ وَمُصَادَفَتُهُ لَقِيَهُ يَلْقَاهُ وَيُقَالُ أَيْضًا فِي الْإِدْرَاكِ بِالْحِسِّ وَبِالْبَصِيرَةِ وَمِنْهُ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَن تلقوهُ وَمُلَاقَاةُ اللَّهِ يُعَبَّرُ بِهَا عَنِ الْمَوْتِ وَعَنْ يَوْم الْقِيَامَة وَقيل ليَوْم الْقِيَامَة يَوْم التلاق لِالْتِقَاءِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِيهِ الْحَدِيثُ السَّادِسُ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ قِيَامِ اللَّيْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ التَّهَجُّدِ مُسْتَوْفًى وَالْغَرَض مِنْهُ





[ قــ :7044 ... غــ :744] قَوْله ولقاؤك حَقٌّ وَقَدْ ذَكَرْتُ مَا يَتَعَلَّقُ بِاللِّقَاءِ فِي الَّذِي قَبْلَهُ وَسُفْيَانُ فِي سَنَدِهِ هُوَ الثَّوْرِيُّ وَسليمَان هُوَ بن أَبِي مُسْلِمٍ وَقَولُهُ فِيهِ.

     وَقَالَ  قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوُسٍ قِيَّامُ يُرِيدُ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَن طَاوس عَن بن عَبَّاسٍ فَوَقَعَ عِنْدَهُ بَدَلَ قَوْلِهِ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ قَيَّامُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَذَلِكَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ طَاوُسٍ وَطَرِيقُ قَيْسٍ وَصَلَهَا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ قَيْسٍ وَلَمْ يَسُوقَا لَفْظَهُ وَسَاقَهَا النَّسَائِيُّ كَذَلِكَ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَرِوَايَةُ أَبِي الزُّبَيْرِ وَصَلَهَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ وَأَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِهِ وَلَفْظِهِ قَيَّامُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .

     قَوْلُهُ  وقَال مُجَاهِدٌ الْقَيُّومُ الْقَائِمُ عَلَى كل شَيْءٍ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بِهَذَا قَالَ الْحَلِيمِيُّ الْقَيُّومُ الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ يُدَبِّرُهُ بِمَا يُرِيدُ.

     وَقَالَ  أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْمُثَنَّى الْقَيُّومُ فَيْعُولُ وَهُوَ الْقَائِمُ الَّذِي لَا يَزُولُ.

     وَقَالَ  الْخَطَّابِيُّ الْقَيُّومُ نَعْتٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْقِيَامِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ الْقَيِّمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بِالرِّعَايَةِ لَهُ .

     قَوْلُهُ  وَقَرَأَ عُمَرُ الْقَيَّامُ.

قُلْتُ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَنْ وَصَلَهُ عَنْ عُمَرَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ نُوحٍ .

     قَوْلُهُ  وَكِلَاهُمَا مَدْحٌ أَيِ الْقَيُّومُ وَالْقَيَّامُ لِأَنَّهُمَا مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ الْحَدِيثُ السَّابِعُ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ وَقَولُهُ





[ قــ :7045 ... غــ :7443] فِي سَنَدِهِ عَنْ خَيْثَمَةَ فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ حَدَّثَنِي خَيْثَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَسِيَاقُهُ هُنَاكَ أَتَمُّ وَسَيَأْتِي أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَقَولُهُ وَلَا حِجَابٌ يَحْجُبُهُ فِي رِوَايَةِ الْكشميهني وَلَا حَاجِب قَالَ بن بَطَّالٍ مَعْنَى رَفْعُ الْحِجَابِ إِزَالَةُ الْآفَةِ مِنْ أَبْصَارِ الْمُؤْمِنِينَ الْمَانِعَةِ لَهُمْ مِنَ الرُّؤْيَةِ فَيَرَوْنَهُ لِارْتِفَاعِهَا عَنْهُمْ بِخَلْقِ ضِدِّهَا فِيهِمْ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى فِي حَقِّ الْكُفَّارِ كَلَّا انهم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون.

     وَقَالَ  الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ الْمُرَادُ بِالْحَاجِبِ وَالْحِجَابِ نَفْيُ الْمَانِعِ مِنَ الرُّؤْيَةِ كَمَا نَفَى عَدَمَ إِجَابَةِ دُعَاءِ الْمَظْلُومِ ثُمَّ اسْتَعَارَ الْحِجَابَ لِلرَّدِّ فَكَانَ نَفْيُهُ دَلِيلًا عَلَى ثُبُوتِ الْإِجَابَةِ وَالتَّعْبِيرِ بِنَفْيِ الْحِجَابِ أَبْلَغُ مِنَ التَّعْبِيرِ بِالْقَبُولِ لِأَنَّ الْحِجَابَ مِنْ شَأْنِهِ الْمَنْعُ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَقْصُودِ فَاسْتُعِيرَ نَفْيُهُ لِعَدَمِ الْمَنْعِ وَيَتَخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ التَّخْيِيلِيَّةِ وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ شَيْئَانِ فِي وَصْفٍ ثُمَّ يُعْتَمَدَ لَوَازِمَ أَحَدِهِمَا حَيْثُ تَكُونُ جِهَةُ الِاشْتِرَاكِ وَصْفًا فَيَثْبُتُ كَمَالُهُ فِي الْمُسْتَعَارِ بِوَاسِطَةِ شَيْءٍ آخَرَ فَيَثْبُتُ ذَلِكَ لِلْمُسْتَعَارِ مُبَالَغَةً فِي إِثْبَاتِ الْمُشْتَرَكِ قَالَ وَبِالْحَمْلِ عَلَى هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ التَّخْيِيلِيَّةِ يَحْصُلُ التَّخَلُّصُ مِنْ مَهَاوِي التَّجَسُّمِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالْحِجَابِ اسْتِعَارَةُ مَحْسُوسٍ لِمَعْقُولٍ لِأَنَّ الْحِجَابَ حِسِّيٌّ وَالْمَنْعُ عَقْلِيٌّ قَالَ وَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُ الْحِجَابِ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُنَزَّهٌ عَمَّا يَحْجُبُهُ إِذِ الْحِجَابُ إِنَّمَا يُحِيطُ بِمُقَدَّرٍ مَحْسُوسٍ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ بِحِجَابِهِ مَنْعُهُ أَبْصَارَ خَلْقِهِ وَبَصَائِرَهُمْ بِمَا شَاءَ مَتَى شَاءَ كَيْفَ شَاءَ وَإِذَا شَاءَ كَشَفَ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ





[ قــ :7046 ... غــ :7444] .

     قَوْلُهُ  فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ لَيْسَ مُرَادًا قَطْعًا فَهِيَ اسْتِعَارَةٌ جَزْمًا وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْحِجَابِ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الْحِجَابُ الْحِسِّيُّ لَكِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَخْلُوقِينَ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَنَقَلَ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا أَدْرَكَهُ بَصَرُهُ أَنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ حِجَابَهُ خِلَافَ الْحُجُبِ الْمَعْهُودَةِ فَهُوَ مُحْتَجِبٌ عَنِ الْخَلْقِ بِأَنْوَارِ عِزِّهِ وَجَلَالِهِ وَأَشِعَّةِ عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْحِجَابُ الَّذِي تُدْهَشُ دُونَهُ الْعُقُولُ وَتُبْهَتُ الْأَبْصَارُ وَتَتَحَيَّرُ الْبَصَائِرُ فَلَوْ كَشَفَهُ فَتَجَلَّى لِمَا وَرَاءه بحقائق الصِّفَات وَعَظَمَةِ الذَّاتِ لَمْ يَبْقَ مَخْلُوقٌ إِلَّا احْتَرَقَ وَلَا مَنْظُورٌ إِلَّا اضْمَحَلَّ وَأَصْلُ الْحِجَابِ السَّتْرُ الْحَائِلُ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْعُ الْأَبْصَارِ مِنَ الرُّؤْيَةِ لَهُ بِمَا ذُكِرَ فَقَامَ ذَلِكَ الْمَنْعُ مَقَامَ السِّتْرِ الْحَائِلِ فَعَبَّرَ بِهِ عَنْهُ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ الْحَالَةَ الْمُشَارَ إِلَيْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ فِي دَارِ الدُّنْيَا الْمُعَدَّةِ لِلْفَنَاءِ دُونَ دَارِ الْآخِرَةِ الْمُعَدَّةِ لِلْبَقَاءِ وَالْحِجَابُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ يَرْجِعُ إِلَى الْخَلْقِ لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمَحْجُوبُونَ عَنْهُ.

     وَقَالَ  النَّوَوِيُّ أَصْلُ الْحِجَابِ الْمَنْعُ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَالْحِجَابُ فِي حَقِيقَةِ اللُّغَةِ السِّتْرُ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَجْسَامِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَعُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْعُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَذَكَرَ النُّورَ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنَ الْإِدْرَاكِ فِي الْعَادَةِ لِشُعَاعِهِ وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ وَبِمَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ جَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ الْحَدِيثُ الثَّامِنُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ هُوَ بن عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيِّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَأَبُو عِمْرَانَ هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الْجَوْنِيُّ وَأَبُو بكر هُوَ بن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الرَّحْمَنِ .

     قَوْلُهُ  جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَمَّادٌ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَدْ رَفَعَهُ قَالَ جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ لِلْمُقَرَّبِينَ وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ مِنْ وَرِقٍ لأَصْحَاب الْيَمين أخرجه الطَّبَرِيّ وبن أَبِي حَاتِمٍ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا حَكَيْتُهُ عَلَى التِّرْمِذِيِّ الْحَكِيمِ أَنَّ الْمُرَادَ بقوله تَعَالَى وَمن دونهمَا جنتان الدُّنُوُّ بِمَعْنَى الْقُرْبِ لَا أَنَّهُمَا دُونَ الْجَنَّتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ قَبْلَهُمَا وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ الْأُولَيَيْنِ أَفْضَلُ مِنَ الْأُخْرَيَيْنِ وَعَكَسَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلْأَوَّلِينَ قَالَ الطَّبَرِيُّ اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ وَمِنْ دونهمَا جنتان فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ فِي الدَّرَجَةِ.

     وَقَالَ  آخَرُونَ مَعْنَاهُ فِي الْفَضْلِ وَقَولُهُ جَنَّتَانِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْله تَعَالَى وَمن دونهمَا جنتان وَتَفْسِيرٌ لَهُ وَهُوَ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُمَا جَنَّتَانِ وَآنِيَتُهُمَا مُبْتَدَأٌ وَمِنْ فِضَّةٍ خَبَرُهُ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُ فضَّة كَمَا قَالَ بن مَالِكٍ مَرَرْتُ بِوَادِ إِبِلٍ كُلُّهُ أَنَّ كُلُّهُ فَاعِلٌ أَيْ جَنَّتَانِ مُفَضَّضٌ آنِيَتُهُمَا انْتَهَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ وَظَاهِرُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْجَنَّتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ لَا فِضَّةٍ فِيهِمَا وَبِالْعَكْسِ وَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا عَنِ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا قَالَ لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة الحَدِيث أخرجه احْمَد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ بن حبَان وَله شَاهد عَن بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَآخَرُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَلَفْظُهُ خَلَقَ اللَّهُ الْجنَّة لبنة من ذهب ولبنة من فضَّة الْحَدِيثَ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ صِفَةُ مَا فِي كُلِّ جَنَّةٍ مِنْ آنِيَةٍ وَغَيْرِهَا وَالثَّانِي صِفَةُ حَوَائِطِ الْجِنَانِ كُلِّهَا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْثِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ اللَّهَ أَحَاطَ حَائِطَ الْجَنَّةِ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ وَعَلَى هَذَا فَ.

     قَوْلُهُ  آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مِنْ ذَهَبٍ وَيَتَرَجَّحُ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي .

     قَوْلُهُ  وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَاطِبُ الْعَرَبَ بِمَا تَفْهَمُ وَيُخْرِجُ لَهُمُ الْأَشْيَاءَ الْمَعْنَوِيَّةَ إِلَى الْحِسِّ لِيُقَرِّبَ تَنَاوُلَهُمْ لَهَا فَعَبَّرَ عَنْ زَوَالِ الْمَوَانِعِ وَرَفْعِهِ عَنِ الْأَبْصَارِ بِذَلِكَ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ الِاسْتِعَارَةَ كَثِيرًا وَهُوَ أَرْفَعُ أَدَوَاتِ بَدِيعِ فَصَاحَتِهَا وَإِيجَازِهَا وَمِنْهُ .

     قَوْلُهُ  تَعَالَى جنَاح الذل فَمُخَاطَبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ بِرِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ تَاهَ فَمَنْ أَجْرَى الْكَلَامَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَفْضَى بِهِ الْأَمْرُ إِلَى التَّجْسِيمِ وَمَنْ لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهَا إِمَّا أَنْ يُكَذِّبَ نَقَلَتَهَا وَإِمَّا أَنْ يُؤَوِّلَهَا كَأَنْ يَقُولَ اسْتَعَارَ لِعَظِيمِ سُلْطَانِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ وَهَيْبَتِهِ وَجَلَالِهِ الْمَانِعِ إِدْرَاكَ أَبْصَارِ الْبَشَرِ مَعَ ضَعْفِهَا لِذَلِكَ رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ فَإِذَا شَاءَ تَقْوِيَةَ أَبْصَارِهُمْ وَقُلُوبِهِمْ كَشَفَ عَنْهُمْ حِجَابَ هَيْبَتِهِ وَمَوَانِعَ عَظَمَتِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ .

     قَوْلُهُ  عَلَى وَجْهِهِ حَالٌ مِنْ رِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ فَإِمَّا مُفَوَّضٌ وَإِمَّا مُتَأَوَّلٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَجْهِ الذَّاتُ وَالرِّدَاءُ صِفَةٌ مِنْ صِفَةِ الذَّاتِ اللَّازِمَةِ الْمُنَزَّهَةِ عَمَّا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقَاتِ ثُمَّ اسْتَشْكَلَ ظَاهِرَهُ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ غَيْرُ وَاقِعَةٍ وَأَجَابَ بِأَنَّ مَفْهُومَهُ بَيَانُ قُرْبِ النَّظَرِ إِذْ رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ لَا يَكُونُ مَانِعًا مِنَ الرُّؤْيَةِ فَعَبَّرَ عَنْ زَوَالِ الْمَانِعِ عَنِ الْإِبْصَارِ بِإِزَالَةِ الْمُرَادِ انْتَهَى وَحَاصِلُهُ أَنَّ رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ مَانِعٌ عَنِ الرُّؤْيَةِ فَكَأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ فَإِنَّهُ يَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِرَفْعِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمُ الْفَوْزُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ فَكَأَنَّ المُرَاد ان الْمُؤمنِينَ إِذا تبوؤا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ لَوْلَا مَا عِنْدَهُمْ مِنْ هَيْبَةِ ذِي الْجَلَالِ لَمَا حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّؤْيَةِ حَائِلٌ فَإِذَا أَرَادَ إِكْرَامَهُمْ حَفَّهُمْ بِرَأْفَتِهِ وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِتَقْوِيَتِهِمْ عَلَى النَّظَرِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِرِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْحِجَابُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَكْشِفُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ إِكْرَامًا لَهُمْ وَالْحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وبن خُزَيْمَة وبن حِبَّانَ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَتُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ قَالَ فَيَكْشِفُ لَهُمُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْهُ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ للَّذين أَحْسنُوا الْحسنى وَزِيَادَة أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى تَأْوِيلِهِ بِهِ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الرِّدَاءُ اسْتِعَارَةٌ كَنَّى بِهَا عَنِ الْعَظَمَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي وَلَيْسَ الْمُرَادُ الثِّيَابَ الْمَحْسُوسَةَ لَكِنَّ الْمُنَاسَبَةَ ان الرِّدَاء وَالْإِزَارَ لَمَّا كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ لِلْمُخَاطَبِ مِنَ الْعَرَبِ عَبَّرَ عَنِ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ بِهِمَا وَمَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ مُقْتَضَى عِزَّةِ اللَّهِ وَاسْتِغْنَائِهِ أَنْ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ لَكِنَّ رَحْمَتَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ اقْتَضَتْ أَنْ يُرِيَهُمْ وَجْهَهُ كَمَالًا لِلنِّعْمَةِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ فَعَلَ مَعَهُمْ خِلَافَ مُقْتَضَى الْكِبْرِيَاءِ فَكَأَنَّهُ رَفَعَ عَنْهُمْ حِجَابًا كَانَ يَمْنَعُهُمْ وَنَقَلَ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَدَيْنَا مزِيد قَالَ هُوَ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ .

     قَوْلُهُ  فِي جنَّة عدن قَالَ بن بَطَّالٍ لَا تَعَلُّقَ لِلْمُجَسِّمَةِ فِي إِثْبَاتِ الْمَكَانِ لِمَا ثَبَتَ مِنَ اسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ سُبْحَانَهُ جِسْمًا أَوْ حَالًا فِي مَكَانٍ فَيَكُونُ تَأْوِيلُ الرِّدَاءِ الْآفَةُ الْمَوْجُودَةُ لِأَبْصَارِهِمُ الْمَانِعَةُ لَهُمْ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَإِزَالَتُهَا فِعْلٌ مِنْ أَفْعَالِهِ يَفْعَلُهُ فِي مَحَلِّ رُؤْيَتِهِمْ فَلَا يَرَوْنَهُ مَا دَامَ ذَلِكَ الْمَانِعُ مَوْجُودًا فَإِذَا فَعَلَ الرُّؤْيَةَ زَالَ ذَلِكَ الْمَانِعُ وَسَمَّاهُ رِدَاءً لِتَنَزُّلِهِ فِي الْمَنْعِ مَنْزِلَةَ الرِّدَاءِ الَّذِي يَحْجُبُ الْوَجْهَ عَنْ رُؤْيَتِهِ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الرِّدَاءَ مَجَازًا وَقَولُهُ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ رَاجِعٌ إِلَى الْقَوْمِ.

     وَقَالَ  عِيَاضٌ مَعْنَاهُ رَاجِعٌ إِلَى النظرين أَيْ وَهُمْ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لَا إِلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا تَحْوِيهِ الْأَمْكِنَةُ سُبْحَانَهُ.

     وَقَالَ  الْقُرْطُبِيُّ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْقَوْمِ مِثْلَ كَائِنِينَ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ.

     وَقَالَ  الطِّيبِيُّ .

     قَوْلُهُ  فِي جَنَّةِ عَدْنٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَعْنَى الِاسْتِقْرَارِ فِي الظَّرْفِ فَيُقَيَّدُ بِالْمَفْهُومِ انْتِفَاءُ هَذَا الْحَصْرِ فِي غَيْرِ الْجَنَّةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ التُّورْبَشْتِيُّ بِقَوْلِهِ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ وَالْحُجُبُ مُرْتَفِعَةٌ وَالْمَوَانِعُ الَّتِي تَحْجُبُ عَنِ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِ مُضْمَحِلَّةٌ إِلَّا مَا يَصُدُّهُمْ مِنَ الْهَيْبَةِ كَمَا قِيلَ أَشْتَاقُهُ فَإِذَا بَدَا أَطْرَقْتُ مِنْ إِجْلَالِهِ فَإِذَا حَفَّهُمْ بِرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ رَفَعَ ذَلِكَ عَنْهُمْ تَفَضُّلًا مِنْهُ عَلَيْهِمْ الْحَدِيثُ التَّاسِع عَن عبد الله وَهُوَ بن مَسْعُود





[ قــ :7047 ... غــ :7445] قَوْله قَالَ عبد الله وَهُوَ بن مَسْعُودٍ رَاوِيهِ وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ .

     قَوْلُهُ  مِصْدَاقَهُ أَيِ الْحَدِيثُ وَمِصْدَاقٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ مِفْعَالٌ مِنَ الصِّدْقِ بِمَعْنَى الْمُوَافَقَةِ .

     قَوْلُهُ  إِنَّ الَّذِينَ يشْتَرونَ إِلَى أَن قَالَ وَلَا يكلمهم الله الْآيَةَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ .

     قَوْلُهُ  بَعْدَهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِم وَيُؤْخَذُ مِنْهُ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ الْغَضَبَ سَبَبٌ لِمَنْعِ الْكَلَامِ وَالرُّؤْيَةُ وَالرِّضَا سَبَبٌ لِوُجُودِهِمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ الْحَدِيثُ الْعَاشِرُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ





[ قــ :7048 ... غــ :7446] .

     قَوْلُهُ  عَنْ عَمْرٍو هُوَ بن دِينَارٍ الْمَكِّيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ سَنَدًا وَمَتْنًا فِي كِتَابِ الشُّرْبِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي أَوَاخِرِ الْأَحْكَامِ الْحَدِيثُ الْحَادِي عَشَرَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ فِي سَنَدِهِ هُوَ بن عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ وَأَيُّوبُ هُوَ السَّخْتِيَانِيُّ وَمُحَمَّدٌ هُوَ بن سِيرِين وبن أَبِي بَكْرَةَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بِعَيْنِهِ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَفِي الْمَغَازِي وَأَغْفَلَ الْمِزِّيُّ ذِكْرَ هَذَا السَّنَدِ فِي التَّوْحِيدِ وَفِي الْمَغَازِي وَهُوَ ثَابِتٌ فِيهِمَا وَزَعَمَ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي التَّفْسِيرِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَلَمْ أَرَهُ فِي التَّفْسِيرِ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ مِنْهُ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ إِلَّا قِطْعَةً يَسِيرَةً إِلَى