فهرس الكتاب

فتح الباري لابن حجر - باب قول الله تعالى: {لا تحرك به لسانك} [القيامة: 16]،

( قَولُهُ بَابُ قَوْلِهِ تَعَالَى لَا تُحَرِّكْ بِهِ لسَانك)
يَعْنِي إِلَى آخِرِ الْآيَةِ .

     قَوْلُهُ  وَفِعْلُ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين ينزل عَلَيْهِ الْوَحْيُ قَدْ بَيَّنَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ كَانَ يُعَالِجُ شِدَّةً مِنْ أَجْلِ تَحَفُّظِهِ فَلَمَّا نَزَلَتْ صَارَ يَسْتَمِعُ فَإِذَا ذَهَبَ الْمَلَكُ قَرَأَهُ كَمَا سَمِعَهُ .

     قَوْلُهُ  وقَال أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا ذَكَرَنِي فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مَا ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ عَنْ كَرِيمَةَ بِنْتِ الْحَسْحَاسِ بِمُهْمَلَاتٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ إِذَا ذَكَرَنِي وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَنَحْنُ فِي بَيْتِ هَذِهِ يَعْنِي أُمَّ الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ طَرِيقِ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ فَلَمَّا سَلَّمْتُ جَلَسْتُ فَسَمِعْتُ كَرِيمَةَ بِنْتَ الْحَسْحَاسِ وَكَانَتْ مِنْ صَوَاحِبِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَتْ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ فِي بَيْتِ هَذِهِ تُشِيرُ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ مَا ذَكرنِي وَأخرجه احْمَد أَيْضا وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أبي هُرَيْرَة وَرَوَاهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ كَرِيمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَجَّحَ الْحُفَّاظُ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ كَرِيمَةَ وَعَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ مَعًا وَهَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَّقَهَا الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَصِلْهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق قَالَ بن بَطَّالٍ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَا مَعَ عَبْدِي زَمَانَ ذِكْرِهِ لِي أَيْ أَنَا مَعَهُ بِالْحِفْظِ وَالْكِلَاءَةِ لَا أَنَّهُ مَعَهُ بِذَاتِهِ حَيْثُ حَلَّ الْعَبْدُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ أَيْ تَحَرَّكَتْ بِاسْمِي لَا أَنَّ شَفَتَيْهِ وَلِسَانَهُ تَتَحَرَّكُ بِذَاتِهِ تَعَالَى لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ انْتَهَى مُلَخَّصًا.

     وَقَالَ  الْكِرْمَانِيُّ الْمَعِيَّةُ هُنَا مَعِيَّةُ الرَّحْمَةِ.
وَأَمَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم فَهِيَ مَعِيَّةُ الْعِلْمِ يَعْنِي فَهَذِهِ أَخَصُّ مِنَ الْمَعِيَّةِ الَّتِي فِي الْآيَةِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى



[ قــ :7126 ... غــ :7524] لَا تُحَرِّكْ بِهِ لسَانك قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً الْحَدِيثَ وَهُوَ مِنْ أَوْضَحِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْقِرَاءَةُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ قُرْآنًا فِي الْآيَتَيْنِ الْقِرَاءَةُ لَا نَفْسَ الْقُرْآنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرحه فِي بَدْء الْوَحْي قَالَ بن بَطَّالٍ غَرَضُهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ تَحْرِيكَ اللِّسَانِ وَالشَّفَتَيْنِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَمَلٌ لَهُ يُؤْجَرُ عَلَيْهِ وَقَوله فَإِذا قرأناه فَاتبع قرآنه فِيهِ إِضَافَةُ الْفِعْلِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْفَاعِلِ لَهُ مَنْ يَأْمُرُهُ بِفِعْلِهِ فَإِنَّ الْقَارِئَ لِكَلَامِهِ تَعَالَى عَلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ جِبْرِيلُ فَفِيهِ بَيَانٌ لِكُلِّ مَا أَشْكَلَ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ يُنْسَبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ فِعْلُهُ مِنَ الْمَجِيءِ وَالنُّزُولِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْمَوْصُولِ وَالْمُعَلَّقِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقَارِئِ قَدِيمَةٌ فَأَبَانَ أَنَّ حَرَكَةَ لِسَانِ الْقَارِئِ بِالْقُرْآنِ مِنْ فِعْلِ الْقَارِئِ بِخِلَافِ الْمَقْرُوءِ فَإِنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ الْقَدِيمُ كَمَا أَنَّ حَرَكَةَ لِسَانِ ذَاكِرِ اللَّهِ حَادِثَةٌ مِنْ فِعْلِهِ وَالْمَذْكُورُ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدِيمٌ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالتَّرَاجِمِ الَّتِي تَأتي بعد هَذَا