فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ فَوْقَ الْإِزَارِ


[ سـ :475 ... بـ :294]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الْإِزَارِ وَهُنَّ حُيَّضٌ

( بَابُ الِاضْطِجَاعِ مَعَ الْحَائِضِ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ ) وَفِيهِ حَدِيثُ مَيْمُونَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْطَجِعُ مَعِي وَأَنَا حَائِضٌ ، وَبَيْنِي وَبَيْنَهُ ثَوْبٌ ) وَفِيهِ أُمُّ سَلَمَةَ قَالَتْ : ( بَيْنَا أَنَا مُضْطَجِعَةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْخَمِيلَةِ ، إِذْ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ ، فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَنَفِسْتِ ، قُلْتُ : نَعَمْ ، فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ ) الْخَمِيلَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ ، قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ : الْخَمِيلَةُ ، وَالْخَمِيلُ بِحَذْفِ الْهَاءِ : هِيَ الْقَطِيفَةُ ، وَكُلُّ ثَوْبٍ لَهُ خَمْلٌ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ ، وَقِيلَ : هِيَ الْأَسْوَدُ مِنَ الثِّيَابِ . وَقَوْلُهَا : ( انْسَلَلْتُ ) أَيْ ذَهَبْتُ فِي خُفْيَةٍ ، وَيَحْتَمِلُ ذَهَابُهَا أَنَّهَا خَافَتْ وُصُولَ شَيْءٍ مِنَ الدَّمِ إِلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، أَوْ تَقَذَّرَتْ نَفْسُهَا ، وَلَمْ تَرَ تَرَبُّصَهَا لِمُضَاجَعَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، أَوْ خَافَتْ أَنْ يَطْلُبَ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا ، وَهِيَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ ، الَّتِي لَا يُمْكِنُ فِيهَا الِاسْتِمْتَاعُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَوْلُهَا : ( فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي ) هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ ، وَهِيَ حَالَةُ الْحَيْضِ ، أَيْ أَخَذْتُ الثِّيَابَ الْمُعَدَّةَ لِزَمَنِ الْحَيْضِ ، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي ضَبْطِ ( حِيضَتِي ) فِي هَذَا الْمَوْضِعِ . قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : وَيُحْتَمَلُ فَتْحُ الْحَاءِ هُنَا أَيْضًا ، أَيِ الثِّيَابُ الَّتِي أَلْبَسُهَا فِي حَالِ حِيضَتِي فَإِنَّ الْحَيْضَةَ - بِالْفَتْحِ - هِيَ الْحَيْضُ . قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَنَفِسْتِ ؟ " هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ نَفِسْتِ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ - مَعْنَاهُ : حَاضَتْ ، وَأَمَّا فِي الْوِلَادَةِ فَيُقَالُ : ( نَفُسَتْ ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْضًا ، وَقَالَ الْهَرَوِيُّ : فِي الْوِلَادَةِ نَفُسَتْ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا ، وَفِي الْحَيْضِ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ ، وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : رِوَايَتُنَا فِيهِ فِي مُسْلِمٍ بِضَمِّ النُّونِ هُنَا . قَالَ : وَهِيَ رِوَايَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ ، وَقَدْ نَقَلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَيْضِ وَالْوِلَادَةِ ، وَذَكَرَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ ، وَأَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ خُرُوجُ الدَّمِ ، وَالدَّمُ يُسَمَّى نَفَسًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَأَمَّا أَحْكَامُ الْبَابِ : فَفِيهِ جَوَازُ النَّوْمِ مَعَ الْحَائِضِ وَالِاضْطِجَاعِ مَعَهَا فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ ، إِذَا كَانَ هُنَاكَ 539 حَائِلٌ يَمْنَعُ مِنْ مُلَاقَاةِ الْبَشَرَةِ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ، أَوْ يَمْنَعُ الْفَرْجَ وَحْدَهُ ، عِنْدَ مَنْ لَا يُحَرِّمُ إِلَّا الْفَرْجَ . قَالَ الْعُلَمَاءُ : لَا تُكْرَهُ مُضَاجَعَةُ الْحَائِضِ وَلَا قُبْلَتُهَا ، وَلَا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ ، وَلَا يُكْرَهُ وَضْعُ يَدِهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْمَائِعَاتِ ، وَلَا يُكْرَهُ غَسْلُهَا رَأْسَ زَوْجِهَا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ مَحَارِمِهَا وَتَرْجِيلُهُ ، وَلَا يُكْرَهُ طَبْخُهَا وَعَجْنُهَا ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الصَّنَائِعِ ، وَسُؤْرُهَا وَعَرَقُهَا طَاهِرَانِ ، وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَقَدْ نَقَلَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ فِي كِتَابِهِ فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا كُلِّهِ . وَدَلَائِلُهُ مِنَ السُّنَّةِ ظَاهِرَةٌ مَشْهُورَةٌ . وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَالْمُرَادُ اعْتَزِلُوا وَطْأَهُنَّ ، وَلَا تَقْرَبُوا وَطْأَهُنَّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .