فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ

باب الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ
[ سـ :563 ... بـ :351]
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي حَدَّثَنِي عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ خَارِجَةَ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ

بَابُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ ذَكَرَ مُسْلِمٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي هَذَا الْبَابِ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ ، ثُمَّ عَقَّبَهَا بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِتَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ ، فَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مَنْسُوخٌ ، وَهَذِهِ عَادَةُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ يَذْكُرُونَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي يَرَوْنَهَا مَنْسُوخَةً ، ثُمَّ يُعَقِّبُونَهَا بِالنَّاسِخِ .

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ . فَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِأَكْلِ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ . مِمَّنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَأَبُو مُوسَى ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ ، وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو طَلْحَةَ ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو أُمَامَةَ ، وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَجْمَعِينَ . وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ صَحَابَةٌ وَذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاهِيرُ التَّابِعِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَالشَّافِعِيِّ ، وَأَحْمَدَ ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ ، وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى ، وَأَبِي ثَوْرٍ ، وَأَبِي خَيْثَمَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ .

وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ وُضُوءِ الصَّلَاةِ بِأَكْلِ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، وَالزُّهْرِيِّ ، وَأَبِي قِلَابَةَ ، وَأَبِي مِجْلَزٍ ، وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِتَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ ، وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هُنَا مِنْهَا جُمْلَةً ، وَبَاقِيهَا فِي كُتُبِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ بِجَوَابَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ : كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ السُّنَنِ بِأَسَانِيدِهِمُ الصَّحِيحَةِ ، وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْفَمِ وَالْكَفَّيْنِ ، ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ الَّذِي حَكَيْنَاهُ كَانَ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِأَكْلِ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ : ( قَالَ : قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ) كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَكَذَا نَقَلَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ رُوَاةِ الْكِتَابِ . قَالَ أَبُو عَلِيٍّ : وَفِي نُسْخَةِ ابْنِ الْحَذَّاءِ مِمَّا أَصْلَحَ بِيَدِهِ فَأَفْسَدَهُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، جَعَلَ عَبْدَ اللَّهِ مَوْضِعَ عَبْدِ الْمَلِكِ . قَالَ أَبُو عَلِيٍّ : وَالصَّوَابُ عَبْدُ الْمَلِكِ . وَكَذَا رَوَاهُ الْجَلُودِيُّ ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي نُسْخَةِ أَبِي زَكَرِيَّا عَنِ ابْنِ مَاهَانَ ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الزُّبَيْدِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :564 ... بـ :352]
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَجَدَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ عَلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ إِنَّمَا أَتَوَضَّأُ مِنْ أَثْوَارِ أَقِطٍ أَكَلْتُهَا لِأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ

قَوْلُهُ : ( إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ ) هَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ هُنَا وَفِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَالْبُيُوعِ وَوَقَعَ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ مِنْ كِتَابِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ جُرَيْجٍ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ . كِلَاهُمَا قَدْ قِيلَ ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْحُفَّاظُ فِيهِ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ ، فَصَارَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ . وَقَارِظٌ بِالْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ .

قَوْلُهُ : ( إِنَّهُ وَجَدَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ عَلَى الْمَسْجِدِ فَقَالَ : إِنَّمَا أَتَوَضَّأُ مِنَ أَثْوَارِ أَقِطٍ أَكَلْتُهَا ) قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ : الْأَثْوَارُ جَمْعُ ثَوْرٍ وَهُوَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْأَقِطِ ، وَهُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْأَقِطُ مَعْرُوفٌ ، وَهُوَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ .

قَوْلُهُ : ( يَتَوَضَّأُ عَلَى الْمَسْجِدِ ) دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ فِي الْمَسْجِدِ ، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِهِ مَا لَمْ يُؤْذِ بِهِ أَحَدًا .