فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ اسْتحْبَابِ اتِّخاذِ مُؤذِّنَيْنِ لِلْمَسْجدِ الْوَاحِدِ

باب اسْتِحْبَابِ اتِّخَاذِ مُؤَذِّنَيْنِ لِلْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ
[ سـ :608 ... بـ :380]
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَذِّنَانِ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَهُ

فِيهِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤَذِّنَانِ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا جَوَازُ وَصْفِ الْإِنْسَانِ بِعَيْبٍ فِيهِ لِلتَّعْرِيفِ أَوْ مَصْلَحَةٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ، لَا عَلَى قَصْدِ التَّنْقِيصِ ، وَهَذَا أَحَدُ وُجُوهِ الْغِيبَةِ الْمُبَاحَةِ وَهِيَ سِتَّةُ مَوَاضِعَ يُبَاحُ فِيهَا ذِكْرُ الْإِنْسَانِ بِعَيْبِهِ وَنَقْصِهِ وَمَا يَكْرَهُهُ ، وَقَدْ بَيَّنْتُهَا بِدَلَائِلِهَا وَاضِحَةً فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي مُتَدَيِّنٌ عَنْ مِثْلِهِ وَسَأَذْكُرُهَا - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ النِّكَاحِ عِنْدَ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ وَفِي حَدِيثِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَفِي حَدِيثِ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ وَأُنَبِّهُ عَلَى نَظَائِرِهَا فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

وَاسْمُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ( عَمْرُو بْنُ قَيْسِ بْنِ زَائِدَةَ بْنِ الْأَصَمِّ بْنِ هَرَمِ بْنِ رَوَاحَةَ ) هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ ، وَقِيلَ : اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَائِدَةَ . وَاسْمُ أُمُّ مَكْتُومٍ ( عَاتِكَةُ ) ، تُوُفِّيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ شَهِيدًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَوْلُهُ : ( كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُؤَذِّنَانِ ) يَعْنِي بِالْمَدِينَةِ وَفِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ، وَقَدْ كَانَ أَبُو مَحْذُورَةَ مُؤَذِّنًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ ، وَسَعْدُ الْقَرَظُ أَذَّنَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقُبَاءَ مَرَّاتٍ .

وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ اتِّخَاذِ مُؤَذِّنِينَ لِلْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ يُؤَذِّنُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، وَالْآخَرُ عِنْدَ طُلُوعِهِ ، كَمَا كَانَ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يَفْعَلَانِ . قَالَ أَصْحَابُنَا : فَإِذَا احْتَاجَ إِلَى أَكْثَرِ مِنْ مُؤَذِّنَيْنِ اتَّخَذَ ثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةً فَأَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ ، وَقَدِ اتَّخَذَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَرْبَعَةً لِلْحَاجَةِ عِنْدَ كَثْرَةِ النَّاسِ .

قَالَ أَصْحَابُنَا : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةٍ إِلَّا لِحَاجَةٍ ظَاهِرَةٍ . قَالَ أَصْحَابُنَا : وَإِذَا تَرَتَّبَ لِلْأَذَانِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فَالْمُسْتَحَبُّ أَلَّا يُؤَذِّنُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً ، بَلْ إِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ تَرَتَّبُوا فِيهِ فَإِنْ تَنَازَعُوا فِي الِابْتِدَاءِ بِهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ ، وَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا أَذَّنُوا مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَارِهِ ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا وَقَفُوا مَعًا وَأَذَّنُوا ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يُؤَدِّ اخْتِلَافُ الْأَصْوَاتِ إِلَى تَهْوِيشٍ ، فَإِنْ أَدَّى إِلَى ذَلِكَ لَمْ يُؤَذِّنْ إِلَّا وَاحِدٌ ، فَإِنْ تَنَازَعُوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ . وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَإِنْ أَذَّنُوا عَلَى التَّرْتِيبِ فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهَا إِنْ كَانَ هُوَ الْمُؤَذِّنُ الرَّاتِبُ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُؤَذِّنٌ رَاتِبٌ . فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ غَيْرَ الْمُؤَذِّنِ الرَّاتِبِ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِالْإِقَامَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا أَنَّ الرَّاتِبَ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَنْصِبُهُ ، وَلَوْ أَقَامَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ غَيْرُ مَنْ لَهُ وِلَايَةِ الْإِقَامَةِ اعْتَدَّ بِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا ، وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : لَا يُعْتَدُّ بِهِ كَمَا لَوْ خَطَبَ بِهِمْ وَاحِدٌ ، وَأَمَّ بِهِمْ غَيْرُهُ ، فَلَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلٍ ، وَأَمَّا إِذَا أَذَّنُوا مَعًا فَإِنْ اتَّفَقُوا عَلَى إِقَامَةِ وَاحِدٍ ، وَإِلَّا فَيَقْرَعُ .

قَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - : وَلَا يُقِيمُ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ إِلَّا وَاحِدٌ إِلَّا إِذَا لَمْ تَحْصُلِ الْكِفَايَةُ بِوَاحِدٍ . وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا : لَا بَأْسَ أَنْ يُقِيمُوا مَعًا إِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى التَّهْوِيشِ .