فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ سُجُودٍ التِّلَاوَةِ

باب سُجُودِ التِّلَاوَةِ
[ سـ :943 ... بـ :575]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى كُلُّهُمْ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَقْرَأُ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُنَا مَوْضِعًا لِمَكَانِ جَبْهَتِهِ

قَوْلُهُ : ( إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَقْرَأُ سُورَةً فِيهَا سَجْدَةٌ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ بَعْضُنَا مَوْضِعًا لِمَكَانِ جَبْهَتِهِ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( فَيَمُرُّ بِالسَّجْدَةِ فَيَسْجُدُ بِنَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ ) فِيهِ إِثْبَاتُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَاجِبٌ لَيْسَ بِفَرْضٍ ، عَلَى اصْطِلَاحِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ ، وَهُوَ سُنَّةٌ لِلْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ لَهُ ، وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِلسَّامِعِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ ، لَكِنْ لَا يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِ تَأَكُّدَهُ فِي حَقِّ الْمُسْتَمِعِ الْمُصْغِي .

وَقَوْلُهُ : ( فَيَسْجُدُ بِنَا ) مَعْنَاهُ يَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ ، كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى . قَالَ الْعُلَمَاءُ : إِذَا سَجَدَ الْمُسْتَمِعُ لِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ وَهُمَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ لَمْ تَرْتَبِطْ بِهِ ، بَلْ لَهُ أَنْ يَرْفَعَ قَبْلَهُ ، وَلَهُ أَنْ يُطَوِّلَ السُّجُودَ بَعْدَهُ ، وَلَهُ أَنْ يَسْجُدَ إِنْ لَمْ يَسْجُدِ الْقَارِئُ ، سَوَاءٌ كَانَ الْقَارِئُ مُتَطَهِّرًا أَوْ مُحْدِثًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا أَوْ غَيْرَهُمْ . وَلِأَصْحَابِنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ : أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِقِرَاءَةِ الصَّبِيِّ وَالْمُحْدِثِ وَالْكَافِرِ ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ .




[ سـ :945 ... بـ :576]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ قَالَ سَمِعْتُ الْأَسْوَدَ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ وَالنَّجْمِ فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرَ أَنَّ شَيْخًا أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ يَكْفِينِي هَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا

قَوْلُهُ : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَرَأَ ( وَالنَّجْمِ ) فَسَجَدَ فِيهَا وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ غَيْرَ أَنَّ شَيْخًا أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ ، وَقَالَ : يَكْفِينِي هَذَا . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا ) هَذَا الشَّيْخُ هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَقَدْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا وَلَمْ يَكُنْ أسْلَمَ قَطُّ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ ) فَمَعْنَاهُ : مَنْ كَانَ حَاضِرًا قِرَاءَتَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ . قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَغَيْرُهُ حَتَّى شَاعَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ أَسْلَمُوا .

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - : وَكَانَ سَبَبُ سُجُودِهِمْ فِيمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهَا أَوَّلُ سَجْدَةٍ نَزَلَتْ . قَالَ الْقَاضِي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : وَأَمَّا مَا يَرْوِيهِ الْإِخْبَارِيُّونَ وَالْمُفَسِّرُونَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ مَا جَرَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ فَبَاطِلٌ لَا يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ لَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ ، وَلَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ ؛ لِأَنَّ مَدْحَ إِلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ ، وَلَا يَصِحُّ نِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَا أَنْ يَقُولَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ ، وَلَا يَصِحُّ تَسْلِيطُ الشَّيْطَانِ عَلَى ذَلِكَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :946 ... بـ :577]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ حُجْرٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا وَقَالَ الْآخَرُونَ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ وَهُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ عَنْ ابْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَالَ لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ وَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى فَلَمْ يَسْجُدْ

قَوْلُهُ : ( عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ ) هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ .

قَوْلُهُ : ( سَأَلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنِ الْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَقَالَ : لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ ، وَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى فَلَمْ يَسْجُدْ ) أَمَّا قَوْلُهُ : لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ ، فَيَسْتَدِلُّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يَقُولُ : لَا قِرَاءَةَ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي الصَّلَاةِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ سِرِّيَّةً أَوْ جَهْرِيَّةً ، وَمَذْهَبُنَا أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ وَكَذَا فِي الْجَهْرِيَّةِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ . وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ زَيْدٍ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِذَا كُنْتُمْ خَلْفِي فَلَا تَقْرَءُوا إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ ، وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى قَوْلِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ . وَالثَّانِي : أَنَّ قَوْلَ زَيْدٍ مَحْمُولٌ عَلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ ، فَإِنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُشْرَعُ لَهُ قِرَاءَتُهَا . وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ لِيُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ - عِنْدَنَا وَعِنْدَ جَمَاعَةٍ - لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ فِي الْجَهْرِيَّةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ ، وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ فِي تِلْكَ السَّكْتَةِ ، يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ ، فَلَا يَحْصُلُ قِرَاءَتُهُ مَعَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ ، بَلْ فِي سَكْتَتِهِ .

وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( وَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ ) فَالْمُرَادُ بِالزَّعْمِ هُنَا الْقَوْلُ الْمُحَقَّقُ ، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَائِلِ هَذَا الشَّرْحِ ، وَأَنَّ الزَّعْمَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُحَقَّقِ ، وَالْكَذِبِ ، عَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ ، وَيَنْزِلُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ ، وَذَكَرْنَا هُنَاكَ دَلَائِلَهُ . وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( وَزَعَمَ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ ) فَاحْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَمَنْ وَافَقَهُ فِي أَنَّهُ لَا سُجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ ، وَأَنَّ سَجْدَةَ النَّجْمِ وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ مَنْسُوخَاتٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، أَوْ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْجُدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَهَذَا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ ، فَقَدْ ثَبَتَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ فِي مُسْلِمٍ قَالَ : سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ ؛ فَدَلَّ عَلَى السُّجُودِ فِي الْمُفَصَّلِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ . وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَضَعِيفُ الْإِسْنَادِ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ .

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي زَيْدٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ جَوَازِ تَرْكِ السُّجُودِ ، وَأَنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ ، وَيَحْتَاجُ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي عَدَدِ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَطَائِفَةٍ أَنَّهُنَّ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً : مِنْهَا سَجْدَتَانِ فِي الْحَجِّ ، وَثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ ، وَلَيْسَتْ سَجْدَةُ ( صَادْ ) مِنْهُنَّ ، وَإِنَّمَا هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ .

وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَطَائِفَةٌ هِيَ إِحْدَى عَشْرَةَ أَسْقَطَ سَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ .

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : هُنَّ أَرْبَعَ عَشْرَةَ ، أَثْبَتَ سَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ وَسَجْدَةَ ( صَادْ ) ، وَأَسْقَطَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مِنَ الْحَجِّ .

وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ سُرَيْجٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَطَائِفَةٌ : هُنَّ خَمْسَةَ عَشْرَةَ أَثْبَتُوا الْجَمِيعَ . وَمَوَاضِعُ السَّجَدَاتِ مَعْرُوفَةٌ ، وَاخْتَلَفُوا فِي سَجْدَةِ ( حم ) فَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا : هِيَ عَقِبَ قَوْلِهِ تَعَالَى : إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَالْجُمْهُورُ : عَقِبَ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :948 ... بـ :578]
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَجَدْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ

قَوْلُهُ : ( عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَيُمَدُّ وَيُقْصَرُ ، وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ .




[ سـ :949 ... بـ :578]
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَحَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ

قَوْلُهُ : ( عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِثْلُهُ . قَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ : الْأَعْرَجُ الْأَوَّلُ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ اسْمُهُ : عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ الْمُقْعَدُ ، كُنْيَتُهُ : أَبُو أَحْمَدَ ، وَهُوَ قَلِيلُ الْحَدِيثِ .

وَأَمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ الْآخَرُ فَهُوَ : ابْنُ هُرْمُزَ ، كُنْيَتُهُ أَبُو دَاوُدَ ، مَوْلَى رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ . وَهُوَ كَثِيرُ الْحَدِيثِ ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَاتٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ قَالَ : وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْهُمَا جَمِيعًا فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ قَالَ : فَرُبَّمَا أَشْكَلَ ذَلِكَ قَالَ : فَمَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْهُ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ . وَأَمَّا ابْنُ هُرْمُزَ فَيَرْوِي ذَلِكَ عَنْهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، هَذَا كَلَامُ الْحُمَيْدِيِّ ، وَهُوَ مَلِيحٌ نَفِيسٌ . وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ : أَنَّ الْأَعْرَجَ اثْنَانِ يَرْوِيَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَحَدُهُمَا : وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ ، وَالثَّانِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ . وَقَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ : هُمَا وَاحِدٌ . قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الْجَيَّانِيُّ : الصَّوَابُ قَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَصِحَّتِهِ شُرُوطَ صَلَاةِ النَّفْلِ مِنَ الطَّهَارَةِ عَنِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ ، وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ ، وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ ، وَلَا يَجُوزُ السُّجُودُ حَتَّى يَتِمَّ قِرَاءَةُ السَّجْدَةِ ، وَيَجُوزُ عِنْدَنَا سُجُودُ التِّلَاوَةِ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا ؛ لِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ ، وَلَا يُكْرَهُ عِنْدَنَا ذَوَاتُ الْأَسْبَابِ ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ، وَفِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ مَسَائِلُ وَتَفْرِيعَاتٌ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ . وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .