فهرس الكتاب

شرح النووى على مسلم - بَابُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ

باب أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ
[ سـ :1002 ... بـ :610]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ قَالَ ح وَحَدَّثَنَا ابْنُ رُمْحٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الْعَصْرَ شَيْئًا فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ أَمَا إِنَّ جِبْرِيلَ قَدْ نَزَلَ فَصَلَّى إِمَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اعْلَمْ مَا تَقُولُ يَا عُرْوَةُ فَقَالَ سَمِعْتُ بَشِيرَ بْنَ أَبِي مَسْعُودٍ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَمَّنِي فَصَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ

قَوْلُهُ : ( إِنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى إِمَامَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قَوْلُهُ : ( إِمَامَ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ ، وَيُوَضِّحهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ : ( نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَمَّنِي فَصَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ) ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يُقَالُ : لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ ، وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُخَاطَبِ ، فَأَبْهَمَهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَبَيَّنَهُ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - ، وَقَدْ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ .

قَوْلُهُ : ( إِنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَرَّرَهُ هَكَذَا خَمْسَ مَرَّاتٍ مَعْنَاهُ : أَنَّهُ كُلَّمَا فَعَلَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ حَتَّى تَكَامَلَتْ صَلَاتُهُ .



باب أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ
[ سـ :1003 ... بـ :610]
أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا وَهُوَ بِالْكُوفَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ بِهَذَا أُمِرْتُ فَقَالَ عُمَرُ لِعُرْوَةَ انْظُرْ مَا تُحَدِّثُ يَا عُرْوَةُ أَوَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام هُوَ أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْتَ الصَّلَاةِ فَقَالَ عُرْوَةُ كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ قَالَ عُرْوَةُ وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ.

قَوْلُهُ : ( بِهَذَا أُمِرْتُ ) رُوِيَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَهُمَا ظَاهِرَانِ . قَوْلُهُ : ( أَوَإِنَّ جِبْرِيلَ ) هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ . قَوْلُهُ : ( أَخَّرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعَصْرَ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ ، وَأَخَّرَهَا الْمُغِيرَةُ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ ، وَاحْتَجَّا بِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ ) أَمَّا تَأْخِيرُهُمَا فَلِكَوْنِهِمَا لَمْ يَبْلُغْهُمَا الْحَدِيثُ ، أَوْ أنَّهُمَا كَانَا يَرَيَانِ جَوَازَ التَّأْخِيرِ مَا لَمْ يَخْرُجِ الْوَقْتُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ . وَأَمَّا احْتِجَاجُ أَبِي مَسْعُودٍ وَعُرْوَةَ بِالْحَدِيثِ فَقَدْ يُقَالُ : قَدْ ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ [ ص: 254 ] عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي إِمَامَةِ جِبْرِيلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ فِي يَوْمَيْنِ ، فَصَلَّى الْخَمْسَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي آخِرِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَتَوَجَّهُ الِاسْتِدْلَالُ بِالْحَدِيثِ؟ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُمَا أَخَّرَا الْعَصْرَ عَنِ الْوَقْتِ الثَّانِي ، وَهُوَ مَصِيرُ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . قَوْلُهُ : ( كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ ) وَفِي رِوَايَةٍ : ( يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فِي حُجْرَتِي لَمْ يَفِئِ الْفَيْءُ بَعْدُ ) . وَفِي رِوَايَةٍ ( وَالشَّمْسُ وَاقِعَةٌ فِي حُجْرَتِي ) مَعْنَاهُ كُلُّهُ : التَّبْكِيرُ بِالْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهُوَ حِينَ يَصِيرُ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ ، وَكَانَتِ الْحُجْرَةُ ضَيِّقَةَ الْعَرْصَةِ ، قَصِيرَةَ الْجِدَارِ بِحَيْثُ يَكُونُ طُولُ جِدَارِهَا أَقَلَّ مِنْ مِسَاحَةِ الْعَرْصَةِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ ، فَإِذَا صَارَ ظِلُّ الْجِدَارِ مِثْلَهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ ، وَتَكُونُ الشَّمْسُ بَعْدُ فِي أَوَاخِرِ الْعَرْصَةِ لَمْ يَقَعِ الْفَيْءُ فِي الْجِدَارِ الشَّرْقِيِّ . وَكُلُّ الرِّوَايَاتِ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ . وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .


[ سـ :1008 ... بـ :612]
حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا مُعَاذٌ وَهُوَ ابْنُ هِشَامٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا صَلَّيْتُمْ الْفَجْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنُ الشَّمْسِ الْأَوَّلُ ثُمَّ إِذَا صَلَّيْتُمْ الظُّهْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَحْضُرَ الْعَصْرُ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ الْعَصْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَسْقُطَ الشَّفَقُ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ

قَوْلُهُ : ( - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِذَا صَلَّيْتُمُ الصُّبْحَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنُ الشَّمْسِ الْأَوَّلُ ) مَعْنَاهُ : وَقْتٌ لِأَدَاءِ الصُّبْحِ ، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَالَ : خَرَجَ وَقْتُ الْأَدَاءِ وَصَارَتْ قَضَاءً ، وَيَجُوزُ قَضَاؤُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ أَنَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ يَمْتَدُّ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ .

قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا : إِذَا أَسْفَرَ الْفَجْرُ صَارَتْ قَضَاءً بَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ أَسْفَرَ ، وَقَالَ : الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ . وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ قَالُوا : وَحَدِيثُ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِبَيَانِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ ، لَا لِاسْتِيعَابِ وَقْتَ الْجَوَازِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي امْتِدَادِ الْوَقْتِ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى إِلَّا الصُّبْحَ . وَهَذَا التَّأْوِيلُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ : إِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ نَاسِخَةٌ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا عَجَزْنَا عَنِ التَّأْوِيلِ ، وَلَمْ نَعْجِزْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( إِذَا صَلَّيْتُمُ الظُّهْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَحْضُرَ الْعَصْرُ ) مَعْنَاهُ : وَقْتٌ لِأَدَاءِ الظُّهْرِ . وَفِيهِ : دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَلِلْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ لَا اشْتِرَاكَ بَيْنَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَوَقْتِ الْعَصْرِ ، بَلْ مَتَى خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ بِمَصِيرِ ظِلِّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ غَيْرَ الظِّلِّ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ الزَّوَالِ ، دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ ، وَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ . وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ : إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَلَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الظُّهْرِ ، بَلْ يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ قَدْرَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ صَالِحٌ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَدَاءٌ ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : ( صَلَّى بِي الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ ، وَصَلَّى بِي الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ صَارَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَهُ ) . فَظَاهِرُهُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي قَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ . وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ ، وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّ مَعْنَاهُ : فَرَغَ مِنَ الظُّهْرِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ ، وَشَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ ، فَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا . فَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ ، وَأَنَّهُ إِذَا حُمِلَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ يَكُونُ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ مَجْهُولًا ؛ لِأَنَّهُ إِذَا ابْتَدَأَ بِهَا حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لَمْ يَعْلَمْ مَتَى فَرَغَ مِنْهَا ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ آخِرَ وَقْتِ الظُّهْرِ مَجْهُولًا ، وَلَا يَحْصُلُ بَيَانُ حُدُودِ الْأَوْقَاتِ . وَإِذَا حُمِلَ عَلَى مَا تَأَوَّلْنَاهُ حَصَلَ مَعْرِفَةُ آخِرِ الْوَقْتِ وَانْتَظَمَتِ الْأَحَادِيثُ عَلَى اتِّفَاقٍ . وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعَصْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ ) مَعْنَاهُ : فَإِنَّهُ وَقْتٌ لِأَدَائِهَا بِلَا كَرَاهَةٍ ، فَإِذَا اصْفَرَّتْ صَارَ وَقْتُ كَرَاهَةٍ ، وَتَكُونُ أَيْضًا أَدَاءً حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ : وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ . وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي قَوْلِهِ : . وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا الِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهِ .

قَالَ أَصْحَابُنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلُهُ تَعَالَى - : لِلْعَصْرِ خَمْسَةُ أَوْقَاتٍ : وَقْتُ فَضِيلَةٍ ، وَاخْتِيَارٍ ، وَجَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ ، وَجَوَازٍ مَعَ كَرَاهَةٍ وَوَقْتِ عُذْرٍ . فَأَمَّا وَقْتُ الْفَضِيلَةِ : فَأَوَّلُ وَقْتِهَا ، وَوَقْتُ الِاخْتِيَارِ يَمْتَدُّ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ ، وَوَقْتُ الْجَوَازِ إِلَى الِاصْفِرَارِ ، وَوَقْتُ الْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ حَالَةُ الِاصْفِرَارِ إِلَى الْغُرُوبِ ، وَوَقْتُ الْعُذْرِ وَهُوَ وَقْتُ الظُّهْرِ فِي حَقِّ مَنْ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِسَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ ، وَيَكُونُ الْعَصْرُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ أَدَاءً ، فَإِذَا فَاتَتْ كُلُّهَا بِغُرُوبِ الشَّمْسِ صَارَتْ قَضَاءً . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى أَنْ يَسْقُطَ الشَّفَقُ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ ) ، وَفِي رِوَايَةٍ : ( مَا لَمْ يَسْقُطِ الشَّفَقُ ) هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ صَرَائِحُ فِي أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ يَمْتَدُّ إِلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ ، وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِنَا ، وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ جُمْهُورِ نَقَلَةِ مَذْهَبِنَا ، وَقَالُوا : الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إِلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ ، وَهُوَ عَقِبُ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَدْرُ مَا يَتَطَهَّرُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَيُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ ، فَإِنْ أَخَّرَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ أَثِمَ وَصَارَتْ قَضَاءً . وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إِلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ بِجَوَازِ تَأْخِيرِهَا مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ ، وَأَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَوِ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ .

وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حِينَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى بَيَانِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ وَقْتَ الْجَوَازِ ، وَهَذَا جَارٍ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ سِوَى الظُّهْرِ ، وَالثَّانِي أَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِمَكَّةَ ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِامْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إِلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ مُتَأَخِّرَةٌ فِي أَوَاخِرِ الْأَمْرِ بِالْمَدِينَةِ فَوَجَبَ اعْتِمَادُهَا . وَالثَّالِثُ : أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَصَحُّ إِسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ بَيَانِ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا ، فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِوَقْتِ الْمَغْرِبِ ، وَقَدْ بَسَطْتُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ دَلَائِلَهُ ، وَالْجَوَابُ عَنْ مَا يُوهِمُ خِلَافَ الصَّحِيحِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ) مَعْنَاهُ : وَقْتٌ لِأَدَائِهَا اخْتِيَارًا وَأَمَّا وَقْتُ الْجَوَازِ فَيَمْتَدُّ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا ( أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ وَإِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى ) ، وَسَنُوَضِّحُ شَرْحَهُ فِي مَوْضِعهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى . وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ : إِذَا ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ صَارَتْ قَضَاءً . وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .




[ سـ :1009 ... بـ :612]
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ وَاسْمَهْ يَحْيَى بْنُ مَالِكٍ الْأَزْدِيُّ وَيُقَالُ الْمَرَاغِيُّ وَالْمَرَاغُ حَيٌّ مِنْ الْأَزْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَوَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَوَقْتُ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ قَالَ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَفِي حَدِيثِهِمَا قَالَ شُعْبَةُ رَفَعَهُ مَرَّةً وَلَمْ يَرْفَعْهُ مَرَّتَيْنِ

قَوْلُهُ : ( الْمَرَاغُ حَيٌّ مِنَ الْأَزْدِ ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ .

قَوْلُهُ : ( مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ ) هُوَ الثَّاءُ الْمُثَلَّثَةُ أَيْ ثَوَرَانُهُ وَانْتِشَارُهُ ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ : ( فَوْرُ الشَّفَقِ ) بِالْفَاءِ ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ ، وَالْمُرَادُ بِالشَّفَقِ : الْأَحْمَرِ ، هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَطَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ : الْمُرَادُ الْأَبْيَضُ ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ ، وَقَدْ بَسَطْتُ دَلَائِلَهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ .




[ سـ :1010 ... بـ :612]
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ ) قِيلَ : الْمُرَادُ بِقَرْنِهِ : أُمَّتُهُ وَشِيعَتُهُ ، وَقِيلَ : قَرْنُهُ : جَانِبُ رَأْسِهِ ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ فَهُوَ أَوْلَى ، وَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ يُدْنِي رَأْسَهُ إِلَى الشَّمْسِ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِيَكُونَ السَّاجِدُونَ لِلشَّمْسِ مِنَ الْكُفَّارِ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَالسَّاجِدِينَ لَهُ ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ وَلِشِيعَتِهِ تَسَلُّطٌ وَتَمَكُّنٌ مِنْ أَنْ يُلَبِّسُوا عَلَى الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ ؛ فَكُرِهَتِ الصَّلَاةُ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِهَذَا الْمَعْنَى كَمَا كُرِهَتْ فِي مَأْوَى الشَّيْطَانِ .




[ سـ :1011 ... بـ :612]
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَزِينٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ يَعْنِي ابْنَ طَهْمَانَ عَنْ الْحَجَّاجِ وَهُوَ ابْنُ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَقْتِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ مَا لَمْ يَطْلُعْ قَرْنُ الشَّمْسِ الْأَوَّلُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَيَسْقُطْ قَرْنُهَا الْأَوَّلُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ إِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مَا لَمْ يَسْقُطْ الشَّفَقُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَيَسْقُطُ قَرْنُهَا الْأَوَّلُ ) فِيهِ : دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ يَمْتَدُّ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ ، وَالْمُرَادُ بِقَرْنِهَا : جَانِبِهَا . فِيهِ : أَنَّ الْعَصْرَ يَكُونُ أَدَاءً مَا لَمْ تَغِبِ الشَّمْسُ ، وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا هَذَا كُلُّهُ .




[ سـ :1012 ... بـ :612]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ

قَوْلُهُ : ( عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ : لَا يُسْتَطَاعُ الْعِلْمُ بِرَاحَةِ الْجِسْمِ ) جَرَتْ عَادَةُ الْفُضَلَاءِ بِالسُّؤَالِ عَنْ إِدْخَالِ مُسْلِمٍ هَذِهِ الْحِكَايَةَ عَنْ يَحْيَى مَعَ أَنَّهُ لَا يَذْكُرُ فِي كِتَابِهِ إِلَّا أَحَادِيثَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَحْضَةً ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ لَا تَتَعَلَّقُ بِأَحَادِيثِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ ، فَكَيْفَ أَدْخَلَهَا بَيْنَهَا؟ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ قَالَ : سَبَبُهُ أَنَّ مُسْلِمًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَعْجَبَهُ حُسْنُ سِيَاقِ هَذِهِ الطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرَهَا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَكَثْرَةِ فَوَائِدِهَا ، وَتَلْخِيصُ مَقَاصِدِهَا ، وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْفَوَائِدِ فِي الْأَحْكَامِ وَغَيْرِهَا ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا شَارَكَهُ فِيهَا ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَرَادَ أَنْ يُنَبِّهَ مَنْ رَغِبَ فِي تَحْصِيلِ الرُّتْبَةِ الَّتِي يَنَالُ بِهَا مَعْرِفَةَ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ : طَرِيقهُ أَنْ يُكْثِرَ اشْتِغَالَهُ وَإِتْعَابَهُ جِسْمَهُ فِي الِاعْتِنَاءِ بِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ ، هَذَا شَرْحُ مَا حَكَاهُ الْقَاضِي .




[ سـ :1013 ... بـ :613]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَزْرَقِ قَالَ زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا إِسْحَقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ يَعْنِي الْيَوْمَيْنِ فَلَمَّا زَالَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَمَّا أَنْ كَانَ الْيَوْمُ الثَّانِي أَمَرَهُ فَأَبْرَدَ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ بِهَا فَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ بِهَا وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ أَخَّرَهَا فَوْقَ الَّذِي كَانَ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَصَلَّى الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ بِهَا ثُمَّ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَقْتُ صَلَاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ : ( عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ : صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ - يَعْنِي الْيَوْمَيْنِ - وَذَكَرَ الصَّلَوَاتِ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي الْوَقْتَيْنِ ) فِيهِ : بَيَانُ أَنَّ لِلصَّلَاةِ وَقْتَ فَضِيلَةٍ ، وَوَقْتَ اخْتِيَارٍ . وَفِيهِ أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ مُمْتَدٌّ وَفِيهِ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِيضَاحِ ، وَالْفِعْلُ تَعُمُّ فَائِدَتُهُ السَّائِلَ وَغَيْرَهُ . وَفِيهِ : تَأْخِيرُ الْبَيَانِ إِلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ . وَفِيهِ احْتِمَالُ تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا ، وَتَرْكِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ .

قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( وَقْتُ صَلَاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ ) هَذَا خِطَابٌ لِلسَّائِلِ وَغَيْرِهِ ، وَتَقْدِيرُهُ : وَقْتُ صَلَاتِكُمْ فِي الطَّرَفَيْنِ اللَّذَيْنِ صَلَّيْتُ فِيهِمَا وَفِيمَا بَيْنَهُمَا . وَتَرَكَ ذِكْرَ الطَّرَفَيْنِ بِحُصُولِ عِلْمِهِمَا بِالْفِعْلِ ، أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ مَا بَيْنَ الْإِحْرَامِ بِالْأُولَى وَالسَّلَامِ مِنَ الثَّانِيَةِ .




[ سـ :1014 ... بـ :613]
وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِيُّ حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ اشْهَدْ مَعَنَا الصَّلَاةَ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ بِغَلَسٍ فَصَلَّى الصُّبْحَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ حِينَ وَقَعَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَمَرَهُ الْغَدَ فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالظُّهْرِ فَأَبْرَدَ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ لَمْ تُخَالِطْهَا صُفْرَةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعِشَاءِ عِنْدَ ذَهَابِ ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ بَعْضِهِ شَكَّ حَرَمِيٌّ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ مَا بَيْنَ مَا رَأَيْتَ وَقْتٌ

قَوْلُهُ : ( وَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِيُّ ) ( عَرْعَرَةُ ) بِفَتْحِ الْعَيْنَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ بَيْنَهُمَا . وَ ( السَّامِيُّ ) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى سَامَةَ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ وَهُوَ مِنْ نَسْلِهِ قُرَشِيٌّ سَامِيٌّ .

قَوْلُهُ : ( حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ ) أَيْ غَابَتْ .

وَقَوْلُهُ : ( وَقَعَ الشَّفَقُ ) أَيْ غَابَ .

قَوْلُهُ : ( فَنَوَّرَ بِالصُّبْحِ ) أَيْ أَسْفَرَ مِنَ النُّورِ وَهُوَ الْإِضَاءَةُ .




[ سـ :1015 ... بـ :614]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا بَدْرُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا قَالَ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ وَالنَّاسُ لَا يَكَادُ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالظُّهْرِ حِينَ زَالَتْ الشَّمْسُ وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ انْتَصَفَ النَّهَارُ وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَقَعَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنْ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ احْمَرَّتْ الشَّمْسُ ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ فَقَالَ الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ بَدْرِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى سَمِعَهُ مِنْهُ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ سَائِلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ بِمِثْلِ حَدِيثِ ابْنِ نُمَيْرٍ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى : ( عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ ) مَعْنَى قَوْلِهِ : ( لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا ) أَيْ لَمْ يَرُدَّ جَوَابًا بِبَيَانِ الْأَوْقَاتِ بِاللَّفْظِ ، بَلْ قَالَ لَهُ : صَلِّ مَعَنَا لِتَعْرِفَ ذَلِكَ ، وَيَحْصُلَ لَكَ الْبَيَانُ بِالْفِعْلِ . وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَاهُ لِنَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ ، وَلِأَنَّ الْمَعْلُومَ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ يُجِيبُ إِذَا سُئِلَ عَمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .

قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَحَدِيثِ أَبِي مُوسَى : ( أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ ) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ( وَوَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ) . هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لِبَيَانِ آخِرِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الرَّاجِحِ مِنْهُمَا ، وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ يَمْتَدُّ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ ، وَالثَّانِي : إِلَى نِصْفِهِ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ شُرَيْحٍ : لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ ، وَلَا عَنِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - ، بَلِ الْمُرَادُ بِثُلُثِ اللَّيْلِ أَنَّهُ أَوَّلُ ابْتِدَائِهَا وَبِنِصْفِهِ آخِرُ انْتِهَائِهَا . وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِهَذَا ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ يُوَافِقُ ظَاهِرَ أَلْفَاظِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ( وَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ آخِرُ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ ، وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ وَأَبِي مُوسَى فَفِيهِمَا أَنَّهُ شَرَعَ بَعْدَ ثُلُثِ اللَّيْلِ ، وَحِينَئِذٍ يَمْتَدُّ إِلَى قَرِيبٍ مِنَ النِّصْفِ ، فَتَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ قَوْلًا وَفِعْلًا . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .